دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
لاتسألوا الجندي عن البندقية فلن يكون انحيازه لها الا انحياز العاشقين الصامتين .. ولاتسألوا البارود عن حجرة النار فهناك تولد لغة البنادق وأبجدية الرصاص .. ولاتسألوا الرصاصة عن البندقية .. لأنها بيتها ورحم أمها ولن تقول فيها الا الحب والاعجاب .. ولاتسألوا الجرح عن الرصاصة لأنه مدين لها بوجوده وولادته المؤلمة ..وشفاهه التي كانت مغلقة قبل وصول الرصاصة..
في أحاديثنا عن بلادنا لسنا محايدين ولارماديين ولامجاملين .. مشاعرنا بارود وقلوبنا حجرات النار .. وأفواهنا شفاه جراح شقّها الرصاص .. وليس هناك أحلى على قلوبنا من أن نقيم مهرجانات انفجار أشلاء القلوب .. بعضنا رصاص وبعضنا بنادق .. وما أخطر الحديث مع الرصاص والبنادق عندما تنفعل .. وماأخطر أن يكتب أحدنا بالبارود على صفحات قلبه عندما تأكله النار ..بعد أحاديث الرئيس الأسد لاتمتلئ الأقلام بالحبر بل بالبارود .. وتستحيل المقالات الى مخازن رصاص .. لذلك أحس انني أميل للتريث في الكتابة عن أحاديث الأسد مباشرة .. لأنني عندما أكتب عن زعيم كبير فانني أعلم أن الانحياز له قد يجعل كلامنا مشحونا بالعواطف وفقيرا بالموضوعية والتعقل .. وأحاديث الزعماء العالميين والوطنيين الكبار تحتاج الى أن ننتظر حتى تبرد عواطفنا .. كي نقرأ مافيها بتمعن .. والأسد شاء الثورجيون أم أبوا صار من زعماء العالم الكبار الذي تدور حوله نصف الأرض وتنظر اليه كل الأرض .. باعجاب أو قلق .. باستنكار أو استحسان .. بمودة أو كراهية .. وهي من صفات العالمية في الزعامة ..وصارت وسائل الاعلام التي أطّلع عليها في الغرب تتفق جميعا على أنه الزعيم الذي يتحدى العالم .. ولم تهزه كل حفلات اللعب بالمسدسات والمفرقعات الاعلامية التي لعبها رعاة البقر وكل أصوات مسدساتهم ..وحبالهم وانشوطاتهم وصراخ قطعانهم في حطائر الشرق .. نحن لانخشى العلوج ولاابناء العلوج .. فرعاة البقر يخيفون العجول وأبناء العجول .. وطبعا يخيفون النعاج .. وامراء النعاج ..انتظرت مابعد حديث الرئيس أيضا لأنني أرصد عادة بهدوء ردات الفعل على خطاباته وأحاديثه .. وعندما يطلق الأسد الرصاص لاتهمني من بين كل الأصوات التي تنطلق الا أصوات من يقع عليهم الرصاص ويخترق عيونهم .. وصراخهم وعويلهم ..وشتائمهم .. وكلما ازداد العويل والتهويل وزاد الثورجيون من مستوى حنقهم أعرف أن رصاصاته كانت قريبة من القلب في اصابتها ..وفي العين مباشرة .. في منتصف الحدقات..
في كلام الرئيس الأخبر للاخبارية السورية أطلق الأسد رصاصا بين رجلي الملك الانكليزي الصغير عبد الله الثاني .. الذي يتولى حراسة اسرائيل من الشرق .. كما لو كان حارس قصر الملك داود في الأساطير التوراتية ..كما أطلق الرصاص بجانب راس اردوغان .. وألبسه أقراطا كبيرة تتدلى من أذنيه ..كما ربات الحجال ..
والأسد المدجج بالسلاح والمزنر بالصواريخ والرجال والذي يمتلك كما تبين للجميع أحد أقوى جيوش الشرق الأوسط تماسك رغم كل ماأحيط به من تحالف القوى العالمية واستخباراتها .. وجيشه جعل الناتو نفسه يبلع ريقه قلقا من التورط في مواجهته بسبب مايمكن لمخالبه أن تفعل بجسد الناتو ورقبته وعينه وضوء عينه “اسرائيل” ..
اقترب الأسد في حديثه من أردوغان الذي ملأ الشرق الأوسط بأنفاسه العفنة وزفراته الحرّى .. وصفعه على وجهه بكل قسوة كما يصفع الأستاذ المشاغبين والطلبة الغوغائيين المجانين في الصف .. ثم حلق له شاربيه .. وحلق له شعره على الصفر كما جناة الجرائم الأخلاقية .. ثم شده من أذنيه حتى احمرّتا .. وقال له (لاتفعلها ثانية يا رجب .. وتعلم الأخلاق والسياسة والصدق)..
لمن لم يفهم كلام الأسد – لأنه لايريد أن يفهم – سنشده من أذنيه مثلما شد الأسد أذني رجب وأذني تركيا العثمانية الطويلتين كأذني مراهقة مثقوبتين بالأقراط .. ونقول له ان الأسد وجه اهانة لرجب طيب أردوغان لايقيسها أي مقياس ريختر في العالم .. واحتقره أيما احتقار .. وسخر منه أيما سخرية .. بأربع كلمات كانت فيها كل البلاغة (صفر في السياسة والأصدقاء والمصداقية والأخلاق).. يعني بعبارة الأخرى أردوغان مختل عقليا ونفسيا ومعطوب أخلاقيا ولاأمل منه وبشفائه وهو عاجز .. ولافرق بينه وبين ثورجييه .. ولافرق بين أردوغان وبين من يركب على سيارات الدوشكا ويصرخ بالتكبير .. صفر في العقل والدين والتعقل والايمان .. راكب الدوشكا يقف خلف مدفعه الأحمق ..ودوشكا أردوغان السياسية هو الميكروفون الذي يحشوه بقذائف الجنون ويكبّر .. ثم يطلق التصريحات الصوتية .. كل خطاباته على مدى سنتين وهي تساوي بالعشرات أمسكها الأسد ومزقها بهدوء أمام عينيه ثم جمعها في كرة ورقية واحدة كبيرة ودفعها وهو يبتسم في فم أردوغان المذهول .. وكان الأسد مهذبا جدا كعادته لأن رجب يتحلى بالوقاحة المفرطة التي تستحق أن تدفع كرة ورق خطاباته في مكان آخر .. منخفض قليلا ..أسفل ظهره ..
الأسد يستشعر كمّا مفرطا من الثقة بنفسه وجيشه وشعبه .. والمحلل السياسي الحاذق يجمع كلام اردوغان كله في السابق ويضعه في الميزان وهو يشبه كما من الورق يغمر كفة الميزان .. ثم يضع في الكفة الأخرى ثلاث قطع صغيرة من حديث الأسد عندما قال (أردوغان صفر في السياسة والأصدقاء والمصداقية والأخلاق).. ليجد أن القطع الصغيرة ثقيلة جدا وأن الأوراق خفيفة بوزن الريشة ..وهذه العبارات ستتحول الى حكمة ووصية تركية ..وهي من أجمل معاني السخرية السياسية اللاذعة ..
معنى كلام الأسد التحقيري المهذب والذي تلا تحقيره لأوغلو (قليل التربية) منذ ايام استخفاف منقطع النظير بالساسة الأتراك .. وهو استخفاف العارف بالمآزق السياسية التركية وعجزها .. استخفاف المدرك أن رجب الآن جلس على مشروع ليكون على عرش الشرق فاذا به يتحسس أنه يجلس على خازوق مدقوق بأسفله بقوة .. وكلما حاول النهوض عن الخازوق .. تألم ..وتلوى .. ونزف ..نزف وعودا طائلة للأكراد .. ونزف تنازلات لاسرائيل ..ونزف من رصيده السياسي ومن شعبيته .. ونزف مشروع اتاتورك الأوروبي الذي قتله نهائيا رجب طيب أردوغان .. وفوق كل هذا بلع لسانه الطويل .. لأنه كلما طال زاد تعرضه لخطر القص بمقصات السياسة الدولية..
السياسة التي اتبعها الأسد مع أردوغان مثيرة للاستغراب .. البعض لم يفهمها وربما اعتقد أنها سياسة النأي بالنفس عن المواجهة .. لكن الحقيقة هي غير ذلك .. وهي أن الأسد قرر مواجهة الأتراك داخل مدنهم وبين جمهورهم بنفس الطريقة التي تسللوا بها الينا .. فبدل المواجهة المباشرة التي سترفع من شعبية أردوغان وتشد النفس القومي كان لابد من الاطاحة الرمزية بأردوغان عبر تحطيمه أخلاقيا وسياسيا وتحطيم مصداقيته في الشرق أولا وفي تركيا ثانيا وتشويهه .. فكان كلما اشتد زعيق رجب تجاهله الأسد وتبين للأتراك أن أردوغان ظاهرة صوتية وبطل مسرحي بائس ولايعول عليه .. فالبعض من مريدي الأسد كان يريد من الأسد الخروج من مكمنه نحو الشمال لملاقاة أردوغان الذي كان يريد “مرج دابق” جديدة .. لكن حسابات الأسد اختلفت عن حسابات الغوغائيين .. فالحرب مع تركيا كانت من المفروض أن تكون فخا ليضع السوريون كل طاقتهم في معركة الشمال لكسبها وايلام الخصم .. لكن الأسد على غير انتظار تبين انه لايريد الحرب بل يريد شيئا آخر تماما .. فهو يريد التهام حزب العدالة والتنمية كله من دون حرب ..والتخلص من رأس الاسلاميين باضعاف هيبة حزب العدالة وهيبة اردوغان فقرر وقف الطموح التركي والحلم السلجوقي واحتواءه .. وحرم أردوغان من فرصة تسويق نفسه كبطل سلجوقي محارب في تركيا ..لأن أردوغان كان يريد أن يجلس في حذاء أتاتورك الأب المحارب .. وكان بحاجة الى بطولات عسكرية وأن يكون رجل حرب وفتوحات وانتصارات ليصبح حتى وان لم ينتصر بشكل ساحق رجل تركيا القوي والمحارب العنيد .. ليستولي على مكانة (أب الأتراك) .. وهي ميول اكتسبها من صديقه حمد (الاستيلاء على ميراث الأب وارتداء حذائه) ..والسياسي الذي يركب عربات الحرب ويترجل منها دون أن يحارب انما يترجل من موقع الزعامة ..الى مواقع القمامة ..تماما مثل مصير أردوغان ..
أظهرت الأزمة السورية وطريقة تعاطي أردوغان فيها أنه سياسي تركي فاشل مراوغ فارغ محتال وغريب الأطوار وانه لايعرف ماذا يقول بالضبط وماذا لديه ولايعرف ماهو مكتوب في أوراقه .. وتحطمت أسطورته المسرحية البطولية .. لأن الأسد كبله بشكل غير مباشر بسلاسل ايراينة وروسية منعته من تنفيذ اي تهديد ووعيد .. وبالطبع هذه السلاسل جعلت الناتو نفسه يضع الأصفاد في يدي أردوغان ويمارس الحجر الصحي عليه (سياسيا) كما كل المختلين عقليا ونفسيا .. ليمنعه من المغامرة وتوريطه في حرب فيها ايران وسورية مباشرة .. وروسيا بشكل غير مباشر.. وهذا ماجعل أسطورة أردوغان تتآكل في تركيا نفسها .. وبدأ تآكله منذ أن تبللت طائراته بمياه البحر المتوسط عندما أسقطها الجيش السوري دون رحمة .. وجعل أعداء حزب العدالة والتنمية يتسلحون بهزائم أردوغان وحزبه .. بل بدأت الآن بعض الفوضى تتسلل الى جنوب تركيا وبعض البضاعة الطائفية تتجول في طربوشه وسرواله الجنوبي ..وبدأت حالة من النفور والقلق على مصير تركيا بعد وعوده للأكراد ..وبدا رجب مثيرا للشفقة وهو يسترضي الجميع كمن يطلب أن يغفر له ويصفح عنه..
ولذلك بدا الأسد مغرقا في الثقة وهو يصفع كل يوم سياسيا تركيا شقيا .. ولو كان في موقع المتردد والضعيف لاعتمد سياسة النأي بالنفس عن الشر و”غنى له” .. لكنه اقترب من الشر وصفعه .. والأسد محق بهذه الثقة لأنه لاتوجد دولة في العالم محاطة بهذا الكم من الأعداء الأقوياء والتحالفات المميتة الا وتنهار ..لكنه حقق معجزة سياسية تحسب له .. حتى اسرائيل محاطة بأعداء أقل وأصدقاؤها العرب كثر جدا (أكثر من أصدقاء سورية من العرب الذين لم يفعلوا باسرائيل مافعلوه ضد سورية .. ولو فعلوا لوقع بيت العنكبوت) .. تصدى الأسد لكل زعماء العرب وكل زعماء الغرب وكل أجنحة الصهيونية وكل العثمانيين القادمين من التاريخ والاخوان والاسلاميين وتصدى لمال كالطوفان وتزوير فظيع لم يحدث منذ أن زور اليهود التوراة وصحف ابراهيم وموسى .. خليط لم يجتمع في التاريخ كله منذ كتب التوراة المزور في معابد الأحبار..
الأردن:
وهذه المرة يطل السوريون على ملك الأردن من خلال رصاصات الأسد التي أزّت بالقرب من أذنيه وبين ساقيه القصيرتين .. والعارفون في السياسة يعرفون معنى أن يصارح الأسد ملك الأردن (الصغير الكومبارس والذي يعتقد أنه حارس قصر الملك داود) بممارسة القمار السياسي .. الأسد قال ان الملك تلقى رسالتين صريحتين مباشرتين عبر مبعوثين سوريين .. لكن الملك وعرشه كانا ينكران ويكذبان ويعتقدان أن الكذب هو عبقرية سياسية وفهلوية .. والملك الأنكليزي المتأردن يعتقد أن العروش تحفظها القروش والعلاقات مع أصحاب الكروش .. لكن العروش التي تمارس الكذب والنفاق لايساوي ثمنها القروش في سياق السياسة عندما تثير غضب الأزمات .. الملك الانكليزي ولاعب القمار الخليع يحاول تبرير خيانته بتسريب أخبار عن الفاقة والعوز الذي هو فيه .. وكأنه لولا العوز والفاقة لكان من الأشراف الشرفاء .. ويتذاكى بشكل وضيع بتسريب ان دول الخليج تقوم بابتزازه والضغط عليه واستغلال ضائقته وكأنه لم يقم بالبيع والشراء قبل اليوم وقد ورث السمسرة وبيع العقارات الوطنية أبا عن جد ..واسألوا أهل فلسطين (وليس حماس التي صارت بلا ذمة وقد تقول لكم ان فلسطين باعها زكي الأرسوزي!!) ..
الفارق بين الأسد وملك الأردن هو كالفارق بين طوليهما وقامتيهما .. الاول فارع الطول منتصب ممشوق كالرمح تتألم الأعناق من النظر اليه والشخوص اليه في عليائه .. والثاني مضغوط مدمّج قصير الهمة والهامة بالكاد تراه فوق رصيف الشرق الأوسط وربما تحت حافة الرصيف تزوغ العيون في البحث عنه وتتعب الأعناق من الانحناء وهي تحاول الاقتراب منه والنظر الى قامته الهزيلة .. والأسد يزداد طولا كلما ازدادت الضغوط عليه .. والثاني (عبد الله الثاني) خادم آل ثاني .. يزداد تكورا وانضغاطا كلما زادت الضغوط عليه ..
ولكن العار الذي يلقيه الملك على نشامى الشعب الأردني ليس له مثيل لأنه يقول للعالم بهذا الادعاء ان الشعب الأردني ومواقفه للبيع .. وان للعبيد أثمانا .. وأن كل فرد أردني هو مشروع للبيع والتجارة وهو عمليا مملوك لنخاسي الخليج والامم المتحدة .. السعر الرسمي للشعب الأردني في المزاد الملكي هو مليار دولار فقط .. يعني أن طائرة بان أميريكان التي انفجرت فوق لوكربي (ولم يقبل الامريكيون تعويضا عنها من الراحل القذافي الا قرابة 3 مليارات دولار) أغلى من موقف شعب الأردن كله .. أي موقف الأردن الذي قد يقلب الشرق الأوسط من اسفله الى أعلاه باسقاط أكبر دولة وأهم دولة فيه لايساوي الا مليار دولار .. أي ثلث طائرة ركاب أمريكية .. وربما احدى عجلاتها .. ملك رخيص ومملكة رخيصة .. ملك يحول مملكته الى مملكة من ممالك النكاح .. ومجاهدة من مجاهدات النكاح .. ثمن نكاحها مليار دولار ..عدا ونقدا ..
ماهذه المملكة وماهذا الملك؟؟ ملك يقف كالبواب على باب مملكة ويقبض من المارين بسلاحهم عبر بوابته .. ملك متسول ومملكة على باب عنكبوت .. ملك يقبض بالبنكنوت ويسكر في بيروت .. ان لم يطعمه العنكبوت .. باع حدوده بالبنكنوت ..
لاعذر لملك الأردن في موقفه ولا في تخويفه بالاسلاميين لأنه في فتح الحدود الجنوبية لسورية انما يفتح شمال الأردن .. وهو يعرف أن انتصار الاسلاميين في سورية سيقتح شهيتهم لالتهام عرشه العزيز ودفع ثمنه للملك داود في تل أبيب ..ولاسبيل لحماية عرشه الا اسقاط الاسلاميين واستئصالهم في سورية قبل ان يهبطوا عليه مهزومين .. فهؤلاء معروفون أنهم عندما يهزمون في شمالا (أوروبة) يهبطون نحو الجنوب (شمال افريقيا) .. وان هزموا غربا اتجهوا شرقا (من غزو نيويورك الى غزو بلاد الشام !!) ..
الملوك لايحق لهم بيع الشعوب والأوطان كالعقارات .. ويعتقد الملك الصغير أن جنوب سورية مثل شمالها .. وأن العرش الهاشمي الحصين المحصن والذي حقن بكل أنواع اللقاحات الغربية والصداقات محمي بالتعويذات اليهودية .. وأنه اذا كان حارسا على باب بيت العنكبوت الشرقي فلن يمسسه سوء .. ولكنني ومن خلال معرفتي بالعلاقة السورية الأردنية أعتقد أن العرش الأردني سيعرج ان أغضب السوريين .. ولم أحس بذلك مثلما أحسسته هذه الأيام .. لن يهتز العرش الهاشمي لأن سورية قد تدفعه لأن يشتري بمليار دولار زجاجات الماء ليشرب وعبوات القمح وأرطال اللحم ليأكل .. لأن سورية تعتبر أن الأردن هو جنوبها السليب مثل لوائها السليب .. وأنها الأم الحنون والرؤوم .. ولن تتحمل أن يظمأ أبناؤها الجنوبيون وهم يشربون بول المستوطنات الاسرائيلية .. لكن اذا كان الملك يريد أن ينفق ثمن موقفه في كازينوهات لاس فيغاس وحفلات قماره .. وكانت الملكة رانيا تريد تسوق فساتينها من ثمن فتح الحدود الشمالية .. فالأحرى أن نرغم الملك والملكة على شراء الماء لشعبهما من ينابيع الآخرين والقمح من بيادر الآخرين واللحم من أكتاف لحم الآخرين .. بدل هدره وتبذيره..
الجنوب غير الشمال .. ولكل معادلته .. وكلام الأسد للساسة الأردنيين معناه عميق جدا .. وهو مايسبق توجيه صفعة وحملة تأديب وتهذيب بطريقة مختلفة .. لن يقول الاسد الكلام على عواهنه .. ولن يقوله الا في توقيت مهم جدا ..فقد تلا اظهار اعترافات قياديين من المسلحين بكل تفاصيل التورط الأردني .. وجاء كذلك في عيد الاستقلال السوري وذكرى الجلاء الفرنسي عن سورية .. ارفع الاعياد الوطنية السورية على الاطلاق .. ومعناه الحقيقي هو: ان الأسد سيمهلك حتى موعد الخطاب القادم .. وبعدها تذكر أن الشرق الأوسط يتغير كثيرا ..ويتغير سريعا .. وأن اللعبة تغيرت كثيرا .. وان التابوات السياسية تكسرت .. وحدود سايكس بيكو القديمة لن تكون محترمة بعد اليوم .. بعد تحطيم سايكس بيكو الثاني ..وبكلمة أخرى لايمكن أن يكون خطاب الأسد القادم للشكوى وتكرار العتب .. بل ربما لانزال العقاب بالكاذبين ..
شمال سورية ليس كجنوبها .. وهناك هاجس ملكي يعيشه أي ملك أردني منذ المؤسس عبد الله الأول الى عبد الله الثاني .. هذا الهاجس كان هو أن الملك على الأردن طارئ .. وقد يتحول في اية لحظة الى ملك منفي .. وسطوة الفكرة المخيفة جعلت الملك حسين يحاول المحافظة على عرشه باستماتة ويتبع كل حذلقات السياسة خوفا من اعادته الى جذره الشمالي السوري .. لكن لايبدو الملك الحالي بهذا الدهاء .. وربما يكون بحماقاته آخر الملوك الهاشميين بفتحه شهية الجميع لمشاكسته ..وعدم قدرته على التأقلم مع أزمات الشرق الأوسط ودواماته العنيفة ..
كلام الاسد كان اذا مذخرا بالرصاص .. والرصاص لايحب الحياد ولا الصمت ولا المجاملة .. وكلامه كان معطرا بالتحدي .. وكان مسحوق البارود على أصابعه وثيابه من معاركه التي خاضها ومن حشو بندقيته بالرصاص استعدادا لمعركة قادمة .. وجلس الينا في استراحة المحارب يحدثنا تحت ظلال عيد الاستقلال ليكون يوما له طعم لايشبهه يوم ومذاقه أشهى من مذاق أي جلاء .. ولم نحس يوما أن الاستقلال ثمين جدا كما اليوم لأننا حميناه بعد أن كدنا نفقده .. ولم ندرك كما اليوم أن القرار الوطني مثل الروح .. ومثل الولد .. سنحافظ عليه .. ولو ملأنا حلق العالم بالبارود ..وان لم نفعل فسيأتي جيل لن يغفر لنا تفريطنا بوطننا واستقلالنا .. سيحتقرنا ويلعننا ويطبق علينا جيل الانحطاط .. ولن يغفر لنا أننا ضيعنا أكبر كنز يمتلكه شعب .. الجلاء والاستقلال الوطني الذي حتى هذه اللحظة حميناه وسقيناه ورعيناه .. وفديناه .. وهذا الجيل جيل لن يكون الا هدية الاقدار العظيمة الى الشرق كله .. والى كل الاجيال القادمة ..
المصدر :
نارام سرجون
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة