دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
ليس هناك من خيار جيّد في سوريا. الدماء والانقسامات والأحقاد المذهبية والطائفية لم تترك مجالاً سوى للأسوأ... هذا ما تراه أميركا، وهذا ما يحاول الباحث في «معهد الدراسات الاستراتيجية والدولية» أنطوني كوردسمان شرحه، في تقرير مطوّل يحاول أن يبيّن فيه «أفضل الخيارات السيئة» التي يمكن لواشنطن انتهاجها.
مهما حصل، فإن الحرب الأهليّة قد عمّقت الانقسام بين السنة والعلويين والأكراد والأقليات السورية الأخرى، وهي تحتاج إلى عقود أو أكثر من مشاعر الغضب والحقد القائمة بين السنة والعلويين. مهما حصل أيضاً، فقد امتدت الحرب إلى لبنان والعراق ممهدة لصراعات طائفية في البلدين. والأسوأ، أن الحرب ارتبطت بحرب طائفية داخل الإسلام نفسه، بين السنّة والشيعة، وبين المتطرفين والمعتدلين، على امتداد العالم الإسلامي. وقد سمحت كذلك بالتدخل القطري والسعودي والتركي والأردني والإماراتي، على شكل أموال وأسلحة وتدريب، بغطاء أميركي وبريطاني وفرنسي. في وقت دعمت روسيا والصين وإيران النظام.
تكلفة النزاع الحالي
المحصّلة حرب بالوكالة من دون أي هدف إستراتيجي واضح بالنسبة إلى القوى الخارجية المتورطة، باستثناء إيران والعراق و«حزب الله» التي يمكنها تجنّب أن يكون للمدّ السني الواسع تأثيراته السلبيّة فيها. وعدا ذلك لا يمكن لأحد التنبؤ بما ستكون عليه التأثيرات المباشرة لسيناريوهَي سقوط الأسد أو صموده.
التأثيرات الإنسانية هي الأوضح، مشكلة نزوح مروّعة إلى الجوار، في ما عدا إسرائيل، من دون الأخذ في الاعتبار النزوح الداخلي أو «النزوح» داخل المنزل نفسه (منطقة غير آمنة).
أما لجهة الاقتصاد، فليس هناك من وسيلة عمليّة لاحتساب الكلفة الحقيقية للأزمة الاقتصادية أو تأثيرها المستقبلي على النمو في كافة محاور الاقتصاد، وتكلفة إعادة تأهيل البنية التربوية والمؤسساتية للأجيال المقبلة.
أضف إلى ما سبق تكلفة توحيد المعارضة والحرص على إيجاد قيادة معتدلة لها، ولكن لا أحد يجدر به أن يتوهم بخصوص النتائج المنتظرة. ولا أحد أيضاً يمكنه تكهن القيادي الذي سيصمد، ويكسب نفوذاً حقيقياً، أو من يمكنه أن يدفع باتجاه براغماتي وحدوي.
أقل الخيارات الحالية سوءاً
لا تكفي للنجاح
كل هذه الضغوط والانقسامات الحالية والمستقبلية داخل المعارضة السورية، تعني أنه ليس هناك من جانب جيّد للذهاب باتجاهه. صورة الوحدة ليست حقيقية، وهذا يعني عدم القدرة على تكهن حجم الانقسامات في سوريا عند سقوط الأسد، ومن سيصل إلى السلطة وكيف سيصل، ناهيك بقدرته على تحقيق الاستقرار.
ما سبق يجبر أميركا على الاختيار بين «الخيارات السيئة» في سبيل إيجاد بدائل أفضل. تستطيع أميركا أن تحلم بتشكيل أو التأثير في مرحلة ما بعد الأسد مع الوقت، لكن ليس هناك من «نهاية» متوقعة، وعليه فإن نفوذ أميركا سيبقى محدوداً بغض النظر عن حجم التدخل الذي تدعمه.
وهذا يبرّر جزئياً عمل أميركا مع دول الخليج والأردن وتركيا، ودعم إسرائيل في وجه «حزب الله» وإيران، ويفسّر ما نقلته كل من «نيويورك تايمز» و«واشنطن بوست» عن تدريب ودعم المعارضين المعتدلين في وجه الجهاديين، في المجال العسكري وفي التعرّف الى آليات الحكم وإدارة البلاد والإصلاحات الاقتصادية. وبرغم التقارير تحافظ أميركا على ما يشبه «الإنكار العقلاني» في هذه العملية.
لكن يبدو واضحاً أن الجهد الأميركي الحالي لا يمكنه ضمان أي نهاية سريعة للأسوأ في النزاع أو أن يضع حداً لنظام الأسد في وقت محدّد. ففي النهاية، ما حققته المعارضة من مكاسب لغاية الآن ما زال محدوداً للغاية، بطيئاً للغاية، ومشتتاً للغاية داخل سوريا وعلى صعيد المنطقة بأكملها. وفي هذه اللحظة، قد يأتي أي «انتصار» للمعارضة في خانة الهزيمة الاستراتيجية.
سلّة الخيارات
الطريقة الأسرع والأكثر فعالية قد تكون بالسماح للحلفاء الإقليميين بمدّ المعارضين، المعتدلين منهم، بالسلاح الجوي. وهذا قد يمنع النظام من استخدام جنود ومروحيات، كما يحدّ من قدرته على التحرك في المناطق المأهولة، حيث ستكون الآليات العسكرية مضطرة للوقوف على مدى قصير.
وإن ترافقت هذه الخطوة مع إرسال قوات دعم خاصة، ليس بالضرورة أن تكون أميركية، كي تحرص على تسليم السلاح إلى المعارضين «الأفضل»، كي تضمن عدم انقلاب أفعالها عليها أو على حلفائها.
الخيار الثاني هو العمل مع تركيا والأردن لتأمين نوع من الملاذات المحدودة لاستخدامها كمساحة لإطلاق الصواريخ مثل الباتريوت والطلب من إسرائيل تأمين مثل هذه التغطية لناحية الجولان. ولكن لا بدّ من توخي الحذر في مثل هذا الخيار، فهو لا يوحي بالقدرة على أكثر من خلق ملاذات غير آمنة او مراكز للنازحين بالقرب من الحدود التركية والأردنية والإسرائيلية. كما أنه قد يخلق مناطق مذهبية أو إثنية أو يعزّز الانقسامات داخل المعارضة. وفي المقابل، قد تدفع هذه الخطوة النظام باتجاه ردود فعل انتقاميّة ضدّ هذه «الملاذات». ومع ذلك، يمكن أن تأخذ أميركا هذه الخيارات بعين الاعتبار في المرحلة المقبلة مع تدهور الصراع وتوسع قبضة المعارضة.
أما خيار حظر الطيران فكان سيكون أسهل اقتراحه في قائمة «الخيارات السيئة» لو كان واضحاً ما إذا كان السلاح الجوي السوري قد خسر بما يكفي من القوة في مواجهة سلاح أميركا وحلفائها الجوي. ويبقى الأمر متروكاً لتقييم جهاز الاستخبارات.
وقد لا يكون كافياً القيام بتفريق سريع بين حظر طيران كامل، وبين النموذج المطبّق في ليبيا الذي يسمح فقط لأميركا وحلفائها باستهداف قواعد ومروحيات. ولكن ذلك قد يعود بتكلفة بالغة على القوة الجوية الأميركية في حال عمدت القوات السورية إلى المقاومة، في وقت هناك لدى أميركا اهتمامات أخرى تتعامل معها في الخليج وكوريا الشمالية، وسط قيود قاسية في الميزانية.
أما الخيار العسكري الأخير فهو لجوء أميركا إلى الضربات الجوية حالاً لتدمير المفاصل الحيوية للقوات السورية والنظام السوري، بذريعة الانتهاكات التي يمارسها الأخير بحق شعبه. هذا الخيار يقتضي مراجعة قواعد تركيا والأردن، ولا يمكن فيه الاعتماد على إسرائيل لأن ذلك سيثير رد الفعل العربي ويهدّد امن إسرائيل المستقبلي. ويبقى أن هذا الخيار قد يعتبر فعل حرب ما لم يحظ بموافقة مجلس الأمن والأمم المتحدة، وهي موافقة غير مرجحة في المرحلة الحالية، كما سيصعّد التوتر مع إيران وروسيا إلى مراحل متقدمة ويخلق مشاكل مع لبنان والعراق.
وفي النهاية، يجدر بالولايات المتحدة أن تنتبه إلى أنه في حال لم يكن العراق وأفغانستان كافيين، فسوريا هي دليل آخر على أنه سيكون ضرباً من الخيال الاعتقاد أن سقوط الاستبداد سيجرّ إلى نظام ديموقراطي وتطور اقتصادي. الفصائل التي تحارب في سوريا بعنف وخلفية مؤامراتية ومن دون أي خبرة عملية في السياسة أو الاقتصاد.. العديد منها سوف يحوّل السياسة إلى رياضة دم لسنوات عدة قادمة ما بعد الأسد. أما الولايات المتحدة فستظل بمواجهة لائحة «أفضل الخيارات السيئة» لفترة طويلة في مستقبل سوريا.
المصدر :
السفير
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة