دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
حتى الساعة على الأقل، لا أحد في واشنطن يعرف مخرج الأزمة السورية. والاتجاه يبقى في احتواء التداعيات إلى درجة التأقلم معها بالتزامن مع تحسين شروط تفاوض المعارضة السورية بانتظار واحد من ثلاثة سيناريوهات: تسوية غير معروفة الأفق مع موسكو، أو اختراق ميداني يغير موازين القوى، أو سقوط مفاجئ لنظام الرئيس السوري بشار الأسد.
على مدى عامين تفاعلت واشنطن مع الحدث السوري أكثر مما أثرت فيه أو تأثرت به، ويبدو الآن أنها قررت السير على خطين موازيين: الأول بأخذ المبادرة في مسألة تسليح وتدريب المعارضة السورية، لكن من دون إيصال مساعدات عسكرية أميركية مباشرة، بهدف ضبط إيقاع التسليح وضمان عدم وصوله إلى المجموعات المتشددة، وبالتالي تعزيز نفوذ واشنطن داخل هذه المعارضة وإعطائها أدوات الدفاع عن النفس والقتال. والخط الثاني هو مواصلة الحوار مع موسكو وبلورة إجماع داخل المعارضة السورية للقبول بالتواصل مع النظام السوري.
هناك نوع من التهكم إلى حد ما في واشنطن حيال حجم الدعم الأميركي للمعارضة السورية. فقد كشف موقع «فورين بوليسي» أن الخارجية الأميركية أبلغت لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس أنها تحاول حالياً إيصال عبر الجو حوالي 200,000 «وجبة حلال جاهزة للأكل» قبل انتهاء مدة صلاحيتها في حزيران المقبل، لكنها قلقة ألا يكون «الجيش السوري الحر» قادر على توزيعها. لكن المعطيات تشير إلى دور أميركي متقدم على حدود دول الجوار مع سوريا. فالإعلام الأميركي يتحدث عن انتهاء البنتاغون مؤخراً من تدريب حوالي 300 عنصر من «الجيش السوري الحر» في الأردن على استخدام الأسلحة المضادة للدبابات والطائرات، وقد عادت هذه العناصر إلى جنوب سوريا الآن لاستكمال القتال. هذا تدريب بدأته واشنطن منذ أشهر بشكل سري، وطلبت من قيادة «الجيش الحر» ترشيح العناصر التي يمكن تدريبها. وهناك محاولات الآن لإقناع الحكومة التركية بإقامة مراكز تدريب مشابهة لعناصر المعارضة في شمال سوريا.
بالإضافة إلى ذلك، عناصر وكالة الاستخبارات المركزية منتشرة على حدود الدول المجاورة لسوريا. صحيفة «وول ستريت جورنال» كشفت هذا الأسبوع أن الوكالة توسع دورها في العراق منذ العام 2011 للتعامل مع تهديد المجموعات المتشددة التي تعبر إلى داخل سورية. ونقلت الصحيفة عن مسؤولين أن الوكالة تدعم في هذا السياق جهود مكافحة الإرهاب التي تتولاها وحدات عراقية خاصة مدربة أميركياً، وترفع تقاريرها مباشرة إلى رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي. وفي شهر حزيران الماضي، كشفت صحيفة «نيويورك تايمز» أن عناصر وكالة الاستخبارات المركزية منتشرين على الحدود جنوب تركيا لإيصال الأسلحة إلى المعارضة المسلحة المعتدلة. وهناك تقارير أيضاً أن عناصر الوكالة متواجدين على الحدود الأردنية منذ الصيف الماضي لتحديد موقع وحماية الأسلحة الكيمائية. هناك قلق في الاستخــبارات الأمــيركية من امتدادات «جبهة النــصرة» بين العراق وســوريا، وأنها بعد سقوط النظام في سوريا قد تصــوب تركيــزها على العراق.
لكن حتى مع هذه المعطيات يبدو كأن باريس ولندن أكثر تقدماً من واشنطن حيال قرار تسليح المعارضة المعتدلة لتعزيز قوتها ميدانياً بوجه المجموعات الأكثر تشدداً، أو هناك إدراك أميركي أن السلاح يصل بأي حال والأجدر إدارة هذا الموضوع والحرص ألا يصل إلى «جبهة النصرة» التي يزداد نفوذها في شمال سوريا. الخطوة الأولى بدأت هذا الأسبوع مع سعي لندن وباريس لرفع حظر الاتحاد الأوروبي على إيصال الأسلحة إلى المعارضة، في وقت أكدت فيه المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية فيكتوريا نولاند أن واشنطن لا تعترض على هذه الخطوة، لكن قرار اتخاذها يعود إلى الأوروبيين.
على الخط السياسي، تحدث وزير الخارجية جون كيري للمرة الأولى من أوسلو عن مبادرة واشنطن الخجولة حيال سوريا، وهي إدخال المعارضة والنظام في مفاوضات حول حكومة انتقالية ضمن الإطار المتفق عليه في جنيف. لكن حتى المساعدات الطبية والمواد الغذائية التي أعلن عنها كيري مؤخراً من روما بقيمة 60 مليون دولار لم تترجم بعد، والخارجية الأميركية لا تزال في محادثات مع «الجيش السوري الحر» لهذه الغاية، على أن يتم شحن هذه المساعدات من مخازن البنتاغون. لكن بعد جولة كيري في أوروبا والمنطقة حصل ما يشبه الانكفاء الأميركي أو ربما إدراك لضرورة العمل وراء الكواليس بعد الأضواء على اجتماع روما مع المعارضة السورية. المحاولة الأميركية لا تزال قائمة لبلورة إجماع حول التفاوض مع النظام وسط الجمود الميداني في المواجهات العسكرية خلال الفترة الأخيرة.
المقاربة الأميركية في سوريا تتفاعل في ظلال تجربتين أميركيتين في التاريخ الحديث، وهما أفغانستان في ثمانينيات القرن الماضي والعراق العام 2003. في أفغانستان، قامت واشنطن بتسليح «المجاهدين» الذين يقاتلون القوات السوفياتية، ما أدى في نهاية المطاف إلى صعود حركة «طالبان» وتنظيم «القاعدة». هذا السيناريو يقلق الأميركيين في سوريا الآن. والتجربة العراقية تجعل صناع القرار في واشنطن متمهلين حيال سوريا، وحتى يكتفي الصقور في العاصمة الأميركية بالحديث عن إمداد السلاح وفرض منطقة حظر جوي، وليس خيار التدخل العسكري بوجه نظام بعثي آخر في دمشق. مهندس حرب العراق، بول وولفويتز، كتب مقالاً في صحيفة «وول ستريت جورنال» في كانون الثاني الماضي، جاء فيه «من المفهوم تماماً لماذا لا تريد إدارة أوباما أي شيء من شأنه تكرار غزو العراق»، ويضيف «لكن لا احد يجادل بشيء من هذا القبيل».
في المحصلة، تبقى واشنطن أسيرة ضوابطها الاقتصادية الداخلية وقلقها من انتشار تنظيم «القاعدة» في المنطقة وهواجس إسرائيل على الحدود السورية، والأهم من ذلك أن خلاصة تجربتها في العراق تجعلها مترددة في التعامل مع التعقيدات السورية.
المصدر :
الماسة السورية
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة