دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
دعاني سفير دولة فلسطين في عمان، عطا الله خيري، إلى لقاء خاص مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، عشية زيارته موسكو. وفي اللقاء الذي امتدّ ثلاث ساعات، فتح أبو مازن أمامي، كريماً، جميع الملفات الإقليمية والفلسطينية وصولاً إلى الملف الأهم، ملف العلاقة الأردنية ـــ الفلسطينية.
الرسالة التي أراد أبو مازن إبلاغها إلى الأردنيين، هي التالية: «إن السلطة الفلسطينية التي تهدف إلى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، تعتبر الكونفدرالية المقترحة بين الأردن والكيان الفلسطيني كإطار للحل هي مؤامرة لإلغاء الدولة الفلسطينية وحل مشكلة اللاجئين والنازحين على حساب الأردن وكيانه. وهو ما نرفضه جملة وتفصيلاً».
ونفى الرئيس الفلسطيني ما أوردته تقارير صحيفة «القدس العربي» عن قيام السلطة وحركة فتح، بمناقشة ملف الكونفدرالية على أي مستوى أو إعداد وثائق بشأنها. وذكّر بأن الوثيقة الوحيدة بهذا الشأن هي تلك التي أقرها المجلس الوطني الفلسطيني عام 1988، والتي ركزت على إمكان قيام كونفدرالية بالإرادة الحرة للشعبين، لكن بعد قيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس وحل مشكلة اللاجئين والنازحين. ومذ ذاك، طوى الزمن تلك الوثيقة، بعدما انتقل ثقل الحركة الوطنية من خارج فلسطين إلى داخلها، وتبلورت عناصر الكيانية.
«السلطة وفتح لا تدعمان، ولا علاقة لهما بأي نائب أو سياسي أو تيار أردني ـ فلسطيني»، يقول أبو مازن، كاشفاً، بذلك، الغطاء عن الحملة التي يشهدها الأردن الآن، لإحداث تغيير في المعادلة الديموغرافية وإقامة (ديموقراطية المحاصصة). وهي الحملة التي تروّج لها، يومياً، صحيفة «القدس العربي» ومواقع إلكترونية تسلّط الضوء على نشاطات وتصريحات نواب المحاصصة؛ «فلحساب مَن؟».
لم يكن لقائي مع الرئيس الفلسطيني بصفتي صحافياً، لكنني كنت معنياً بنقل رسالته إلى الأردنيين، سواء رفضه الكونفدرالية أم رفضه التجنيس، ولا سيما أنه اعتبر جميع النازحين من الضفة المحتلة وغزة، منذ عام 1967، إلى الأردن هم «مواطنون فلسطينيون». تعرّض أبو مازن لهجمات ـــ غير مسبوقة ـــ من قبل أوساط تيار التجنيس والمحاصصة، الذي يبدو، اليوم، أقرب إلى «حماس» منه إلى «فتح». ولعلّنا، هنا، أمام مشهد جديد من مشاهد استبدال التموضع بعد ربيع الإسلام السياسي.
لسوء الحظ، فإن الرئيس لم يأذن بنشر ما أدلى به من معطيات من شأنها توضيح علاقات رام الله مع كل من دمشق وحماس، إلا أنني أستطيع القول إن الخطوط مفتوحة، بما فيها الاتصالات الهاتفية الشخصية مع الرئيس بشار الأسد، وربما تؤسس لتفاهمات وصلات متينة بين الطرفين. يقول أبو مازن إنه يكنّ، شخصياً، مشاعر المحبة لسوريا التي شهدت شبابه، وإنه يعزّ عليه خرابها. «قبل الأزمة السورية، كنّا نود التفاهم مع الأخوة السوريين، لكنهم كانوا يشترطون قيامنا بالتفاهم مع حماس أولاً، وكنّا نحذّرهم من تمكين الحمساويين من المخيمات، لكنهم لم يصغوا، وحدث ما حدث. والآن، نحن نريد تحييد فلسطينيي سوريا عن الصراع، وفي الوقت نفسه، نضع اتصالاتنا الدولية في خدمة الدولة السورية».
في المقابل، فإن مجريات المصالحة الفلسطينية ـــ الفلسطينية، تدعو إلى التشاؤم؛ ذلك أنها تتخطى التفاصيل إلى الجوهر: هل تريد حماس الشراكة فعلاً أم أن الصعود الإخواني في المنطقة، يدفعها نحو استراتيجية تتضمن الانقلاب والانفراد بالسلطة؟
«كما في غزة»؟ سألتُ الرئيس، الذي فاجأني بتحديده الجهة الاستخبارية العربية التي دعمت، وتسببت في نجاح الانقلاب الحمساوي في القطاع عام 2007. «والآن، ربما أصبح الوضع أصعب».
يقول أبو مازن إنه لم يسبق لي أن اضطررتُ إلى طلب شيء من الملك عبد الله الثاني؛ فالقرار الأردني واضح على كل المستويات السياسية والاقتصادية والإدارية الخ، وهو «تقديم كل ما تحتاج إليه السلطة الفلسطينية، بلا حاجة إلى مباحثات على مستوى القمة. العلاقات الثنائية لا تشوبها شائبة أبداً».
تدعم المملكة، كلياً، حركة السلطة الفلسطينية نحو قيام الدولة، لكن، بالطبع، من دون أن تكون هناك ترتيبات تتعلق بالمملكة على أي مستوى. وهو ما يريح رام الله، التي لم تعد تخشى أي تدخّل أردني من أي نوع. وكمثال، وافق الأردن على اقتراح السلطة بحلول قوات دولية محل جيش الاحتلال، لكن من دون أن يكون لهذه القوات وجود من أي نوع على الأراضي الأردنية. يدعم الأردنيون الدولة، ولا يريدون التدخل في شؤونها. «ونحن نرد بالمثل؛ نرفض التدخل في الشؤون الأردنية. ولذلك، فإنه لا أحد من الأردنيين ـــ الفلسطينيين، يمثلنا».
ما من خلاف رئيسي بين «فتح» و«حماس»، في ما يتصل بـ «الشروط الواقعية» للتسوية التي تحددت سياقاتها ضمن دولة الـ 67؛ فالصراع الآن داخلي حول التمثيل والتفاوض والسلطة. حماس «لا تريد انتخابات تعرف جيداً أنها ستخسرها»، بينما يتحمّس أبو مازن لعملية انتخابية يملك اليقين من أنها ستنهي الانشقاق الفلسطيني لمصلحة فتح وحلفائها. وفي التقديرات المبنية على دراسات ميدانية، سوف تنال حماس ما لا يزيد على 10 بالمئة من أصوات الفلسطينيين في غزة، بينما يمكنها نيل حوالي 15 بالمئة من أصواتهم في الضفة الغربية. «فهؤلاء لم يذوقوا أهوال الحكم الديني».
عتبتُ على الرئيس الفلسطيني لأنه لم يشارك في جنازة الرئيس الفنزويلي الشديد الولاء للقضية الفلسطينية، فاعتذر بسبب مرض طارئ، لكنه أسهب في الحديث عن علاقاته الشخصية المميزة بتشافيز، وقال «كنت الرئيس العربي الوحيد الذي عاده في مرضه».
أبدى أبو مازن، إدراكه للتحولات التي تجري على صعيد موازين القوى الدولية. وهو منفتح، بالفعل، على القوى الصاعدة في أميركا اللاتينية، ويود تطوير العلاقات مع سوريا، ومع العراق، وتطبيعها وتحسينها مع إيران، لكنه متحمس لصعود المكانة الدولية لروسيا الاتحادية التي « تقف معنا مئة بالمئة، وتريد ما نريد».
سألته عن أجندة لقائه مع الرئيس فلاديمير بوتين، الذي يكن له أبو مازن، شعوراً عميقاً بالمحبة والاحترام. «يعطينا بوتين، حق تحديد الأجندة؛ فالرجل يقف مع الشعب الفلسطيني وقضيته، بإخلاص كامل».
معطيات عديدة تدعو أبو مازن إلى الكف عن التشاؤم والتفاؤل، لكنها تدفعه إلى مواصلة العمل الدؤوب لتحقيق الهدف. «فكيف وبأي شروط»؟ ليس لدى أبو مازن أوهام، لكنه مصرّ على الاستمرار في السعي نحو قيام الدولة ـــ ولو كانت تحت حماية دولية مؤقتة ـــ إنما في إطار ثوابت لا تنازل عنها: أراضي الـ67 مع تعديلات لا تزيد على 2 بالمئة كما يريد الفلسطينيون ـــ أو 6 بالمئة كما يريد الإسرائيليون، على الحدود، بلا جندي إسرائيلي واحد، والقدس الشرقية، ولو مفتوحة للأطراف، وعودة جميع النازحين، والتوصل إلى حل واقعي لقضية اللاجئين، وخصوصاً في لبنان، «حيث يعانون».
المصدر :
الأخبار/ ناهض حتر
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة