دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
تقصّد النائب وليد جنبلاط إطلاق رسائل متعددة الاتجاهات عبر الفضائية المحسوبة على الدولة السعودية قبيل زيارته المملكة بيوم واحد، من خلال تأكيد تمسّكه بمواقفه السياسية المعلنة، ورفضه تلبية الشروط السعودية التي وقفت حائلاً وأخّرت طوال الفترة المنصرمة قيامه بزيارة المملكة.
هذا الموقف من جهة أولى أغضب "تيار المستقبل"، وجعل أحد نوابه يوجّه خطاباً لجنبلاط تضمّن ما هو أقرب للقدح والذم أكثر مما كان نقداً، خصوصاً أن جنبلاط دعا إلى وقف الحديث عن السلاح، وإلى اعتبار المحكمة الدولية "تفصيلاً صغيراً"، ومن جهة أخرى دلّ بوضوح على تراجع في الموقف السعودي من جنبلاط، كان أهم أسبابها خسارة الرهانات السعودية وغير السعودية على الأحداث في سورية، ما جعل المملكة تتجه إلى "إنقاذ ما يمكن إنقاذه"، والقبول "بالحلفاء" - مثل جنبلاط - بشروطهم وأولوياتهم، بعدما شكلت الأولويات السعودية خلال السنوات الماضية شرطاً للعلاقة مع أطراف جبهة 14 آذار، الباقين فيها والمنسحبين منها، الأمر الذي فاقم من المشكلات القائمة بين اللبنانيين.
هذا التداعي في العلاقات بين جنبلاط و"تيار المستقبل" ليس جديداً، لكنه لم يصل سابقاً إلى هذه الحدة في التعابير التي وُجّهت لزعيم المختارة من حلفائه المفضّلين، والتي ربما لعبت الصدفة دورها، بأن يكسر ابن النائب المستقبلي نفسه الذي تهجّم على جنبلاط، الجرة مع المسيحيين عموماً، من خلال تهجّمه على البطريرك الماروني بشارة الراعي، ووصفه للقداس الذي أقامه في العاصمة السورية دمشق بأنه "قداس شيطاني".
لذلك، فإن هذا "الاشتباك" لا يمكن فصله عن مختلف ضربات "الفاول" التي تبودلت خلال الأيام القليلة الماضية بين مختلف قوى الرابع عشر من آذار، ففي عرف "المستقبل" أن سمير جعجع بدوره "كسر مزراب العين" معه؛ فعلى الرغم من كثرة الجمل الإنشائية التي يحرص جعجع على تردادها في تصريحاته، فإن هذه الجمل لا تستطيع التغطية على "فعلته" بالموافقة، هو و"حزب الكتائب"، على مشروع قانون الانتخابات الذي قدمه "اللقاء الأرثوذكسي"، وإن كانا مرغمين، لأنهما لا يستطيعان معارضته أمام جمهورهما، كما لا يستطيعان كبح رغبة كل منهما إلى توسيع كتلته النيابية بعيداً عن وصاية سعد الحريري، الأمر الذي سيجعل الأخير يخسر كل النواب الذين سبق أن "كوّش" عليهم من جيوب الطوائف الأخرى، كما سينقل الصراع إلى داخل المذاهب ذاتها، بما يضع حداً للتحريض المذهبي القائم، وربما يدفع زعماء الطوائف إلى البحث عن صيغ وطنية غير طائفية لإدارة البلاد، بعد أن أوصل استغلالهم للطائفية نارها إلى أبواب بيوتهم.
لا يقتصر الغضب الـ14 آذاري على ما سبق فقط، إذ علينا تذكّر الخلاف القديم والمستمر بين "حزب الكتائب" وما تسمى "الأمانة العامة لـ14 آذار"، ومغازلة قيادته لقوى 8 آذار في أكثر من مناسبة.
لكن الأهم في هذا السياق، الرد الذي صدر عن رئيس "حزب المستقبل" سعد الحريري في خطابه الأخير، الذي لم يستطع أن يُخفي فيه ما يستعر به صدره تجاه حلفائه من إحساس بالغدر والخيانة، فظهر مثل شخصية "دون كيشوت" يحارب طواحين الهواء، من خلال إثارة كل القضايا التي تحرج حلفاءه المسيحيين دفعة واحدة، حيث أكد على مطلبين يرفضهما المسيحيون عموماً، وحلفاؤه في مقدمهم، لما لهما من تأثير بالغ على الأوضاع الديمغرافية في لبنان، لأن المسلمين هم المستفيدون منهما أولاً، وهما: خفض سن الاقتراع إلى سن الثامنة عشرة، وإعطاء المرأة الحق في أن تعطي جنسيتها اللبنانية لأولادها من زوجها غير اللبناني.
اعتبر كثيرون أن تركيز الحريري على هذين المطلبين بمنزلة رد مباشر على حلفائه في "القوات اللبنانية" و"حزب الكتائب"، اللذين طالما رفضا مع مرجعياتهما الدينية مثل هذه المطالب، لكن يبدو أن عاملين اثنين، خارجي وداخلي، بدءا يفعلان فعلهما في تفتيت منظومة الرابع عشر من آذار، فانكشاف السقوط المدوّي لكل الدعوات العاملة على إسقاط سورية دولة وشعباً وجيشاً ونظاماً، بهدف تفتيتها وإراحة المشروع الصهيوني القائم على أرض فلسطين، وتراجع خطابها نحو الاعتراف بالحل السلمي للأزمة السورية، في ظل وجود رئيسها خارجياً، وتقدّم حظوظ "مشروع اللقاء الأرثوذكسي" داخلياً، يحوّلان قوى 14 آذار من "جبهة" إلى فلول، كل منها يبحث عن مصيره.
المصدر :
عدنان الساحلي - الثبات
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة