دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
أصبح واضحاً، أن انعطافاً حادّاً طال الأزمة السوريّة باتجاه تقدّم فعليّ على مسار الحلّ في أكثر من اتجاه. وأن البوادر الأولى تحوّلت إلى واقع ملموس.
فبعد عجز الدول المنخرطة في عملية التغيير عن استخدام قوّاتها العسكرية وبالتحديد جيوشها ميدانياً على الأرض، لأسباب ذاتيّة وموضوعيّة كنّا لفتنا النظر إليها مرّات عدة. وصلت هذه الدول مع من يتبعها إلى حائط مسدود للتغيير في أساليب غير مباشرة، وبالقوى المحليّة المطعمة بجيوش من المرتزقة، المستقدمة لهذه الغاية من أنحاء المعمورة كافة، رغم التقديمات السخيّة على المستويات التمويليّة والتجهيزيّة، والخدمات اللوجستية المواكبة من اتصال وتنصّت ومراقبة عبر الأقمار الاصطناعية. وعبر الاشتراك بعمليات نوعيّة لهذه الدول في أكثر من منطقة، منها إدارة المعارك التي كان معوّلاً عليها عسكرياً لإحداث تبدّل دراماتيكيّ في الواقع العملياتي، أو في القيام بعمليات أمنية لتحقيق إنجازات تصبّ في خانة المعارضة. فإضافة إلى القوات التركية الخاصة، وعناصر الاستخبارات الفرنسية والإنكليزية، هناك بالتأكيد عناصر من القوات الأميركية نفّذت مهمات مرسومة بدقّة على طول الحدود اللبنانية – السورية، والحدود الأردنية – السورية، وانطلاقاً من أماكن داخل الأراضي اللبنانية، وتحديداً من منطقة عرسال، مستغلّة عدم وضع اليد على الأسلحة الاستراتيجية السورية، ومنها ما اسموه بالسلاح الكيميائي، وإحاطة منطقة التواجد ووضعها تحت المراقبة المباشرة.
ولا يمكن إهمال دور العدوّ «الاسرائيلي»، في عمليات اغتيال الطيارين السوريين والكوادر العلميّة، وفي تنفيذ مهام ميدانية أخرى في داريا وريف دمشق، وتفجير المقار الأمنية، وتسريب عناصر القاعدة المسماة بجبهة النصرة من خلال خط وقف إطلاق النار في الجولان إضافة طبعاً إلى الغارة أو الغارات الجويّة على مركز البحوث العلمية، التي ادّعت أنّها كانت «إسرائيل» تستهدف قافلة سلاح متوجهة إلى المقاومة في لبنان.
قد يكون التساؤل مشروعاً حول ماهية استهداف ما يسمّى بالمعارضة المسلّحة وجبهة النصرة مراكز الدفاع الجويّ؟ رغم أنّها ليست سلاحاً مستخدماً في القتال معها من قبل القوّات النظامية. وقد يكون التساؤل مباحاً عن الحكمة من مهاجمة المطارات والقواعد الجويّة، هل كانت المعارضة تأخذ في الحسبان ومن خلال هذا السلوك، قدرتها على وضع اليد على هذه المقدّرات في افتراض لعملية مواجهة مقبلة مع العدو الصهيوني؟ غير أن حساب المعارضة هو على دفتر الدين «الإسرائيلي»، الذي يشترط تدمير بنية سورية العسكرية وخصوصاً تجهيزاتها الحديثة كمقدمة لتقديم العون لهذه المعارضة في محاولتها الوصول إلى السلطة.
واقعياً، فشلت الدول الخارجية في الوصول إلى أهدافها، كما خسرت المعارضة معركة بقاءها واستمرارها، وهي الآن في مرحلة المنازعة، أو النزاع الأخير. فبعدما فقدت المبادرة الميدانية، تترنح الآن تحت وقع الضربات القاتلة للقوى النظاميّة في ريف دمشق، الذي يبدو أنه يأخذ الأوليّة في العمليات لتأمين العاصمة ومحيطها، كما أنها تراجعت بشكل ملموس في منطقة حلب وريفها وصولاً إلى فقدان شرايين الضخّ اللوجستيّ الحيويّ من الحدود التركيّة، وانحسارها إلى جيوب متفرّقة. بعدما فقدت سيطرتها الكلية على حماه وريفها وحمص، رغم بقاءها كمجموعات عصابية في منطقة جوسيه القصير وريف إدلب والرستن.
من الطبيعي، أن تقوم القيادة في سورية الآن بتهيئة قوى «طازجة» كبيرة ومدرّبة تدريباً تقنياً عالياً على مواجهة حرب العصابات لزجّها في معركة الحسم النهائي في مواجهة حشد المرتزقة، الغربي والعربي، الذي يتم تدريبه في القواعد الأميركية المنتشرة على الأرض التركية. طبعاً، تعرف أميركا أن هذا الحشد لن يوصلها إلى أهدافها التي كانت وضعتها في بداية الصراع، إلّا أنّها تتوقّع من خلاله تحقيق شروط أفضل في عملية البازار النهائي للمفاوضات المقبلة، التي أخذت الإدارة الأميركية قراراً نهائياً بالشروع بها.
إن المؤشرات الدولية تشير بوضوح إلى التسليم بالانتصار السوري. منها الانسحاب الفرنسي إلى أفريقيا، الصراع السعودي – القطري، الذي وصل في الأيام الأخيرة إلى أوجّه، التصريحات الأوروبية حول التجاوزات التركية إضافة إلى الإعلان صراحة من قبل الأوربيين والأميركيين عن أنّ القاعدة وفروعها، هي من يسيطر على العمليات العسكرية.
يبقى أن نقول، على ضوء النتائج الميدانية للمعركة الأخيرة قبل المفاوضات يتحدّد دور سورية المستقبلي، وإن بشائر النصر بدأت طلائعه.
المصدر :
البناء\وليد زيتوني
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة