ما هي لعبة إسرائيل هذه المرّة؟ لماذا قررت ضرب هدف داخل الأراضي السورية في هذا الوقت البالغ الحساسية؟ هل دخلت مباشرة في المعركة السورية، أم أن ضربتها موجهة إلى حزب الله فقط؟ ماذا بعد؟ حرب إقليمية أم مشادات دبلوماسية بالحدّ الأقصى؟ ما الذي قد يعنيه الرد السوري هذه المرة؟

يكاد يجمع المحللون الأميركيون والبريطانيون على أن كل الظروف المحيطة بالغارة الإسرائيلية على الحدود السورية ــ اللبنانية "بالغة الخطورة": فالمعركة ما زالت دائرة على أشدها في سوريا، والمقاتلون المتطرفون إلى ازدياد، وصواريخ باتريوت نشرت في تركيا، وحزب الله يخزّن السلاح من سوريا، وإسرائيل تجهّز قبّتها الحديدية في الشمال، وروسيا وإيران تصعّدان...

 

فلماذا قررت إسرائيل تنفيذ ضربة جوية محدودة في الداخل السوري؟ الكل يوافق على "أحقية" إسرائيل بذلك، "وخصوصاً إذا كان حزب الله يتزوّد فعلاً بأسلحة خطيرة من الجانب السوري ويهدد بها أمن إسرائيل". وفي هذا الإطار يذكّر معظم الصحافيين "بالإنذارات الإسرائيلية الأخيرة لسوريا" إن وصلت أسلحتها الكيميائية إلى حزب الله.

لكن بغض النظر عن "أحقيتها" في تلك الخطوة، "سجّلت إسرائيل أول تدخّل عسكري مباشر لها في الحرب الأهلية السورية"، لا بل "الخطوة العسكرية العلنية الأولى تجاه الربيع العربي الذي نشر الفوضى في الدول المجاورة لها وأضعفها"، هذا ما يراه إدموند ساندرز وباتريك ج. ماكدونيل في صحيفة "لوس أنجلس تايمز" الأميركية. الكاتبان يرجحان أن الضربة الإسرائيلية كانت تهدف إلى "ردع وصول أسلحة متطورة من سوريا إلى حزب الله أكثر من كونها مشاركة في النزاع الداخلي السوري".

لكن المستشار الأمني الحكومي السابق موشي ماعوز يقول للصحيفة إنها "الإشارة الأولى إلى أن إسرائيل قررت أن تصعّد الأحداث لإسقاط بشار الأسد". ماعوز لا يستبعد احتمال أن تكون الغارة قد نفّذت بالتنسيق مع الولايات المتحدة ومع تركيا.

ماعوز وغيره من المتخصصين في الشؤون الأمنية الإسرائيلية قالوا للـ"تايمز" “إن الأسد هو أضعف من أن يردّ على الغارة الآن، إذ إن الجزء الأكبر من جيشه مشغول في المعارك على جبهاته الداخلية".

"إسرائيل تحاول أن ترسم خطوطاً حمراء، وعلينا أن ننتظر لنرى إن كان الطرف الآخر سيقبل بها أو لا"، يخلص أحد المحللين الاسرائيليين. ويضيف: "هو جزء من القصة المستمرة بين إسرائيل وحزب الله، ومن وجهة النظر الإسرائيلية هي خطوة محدودة، فإسرائيل لا تسعى إلى الحرب".

جوناثان ستيل في صحيفة "ذي غارديان" البريطانية رأى أيضاً أن "الضربة الإسرائيلية مرتبطة بصراع إسرائيل الطويل مع حزب الله أكثر من كونها رغبة في التدخل في النزاع السوري". ودعا من جهته إلى "إيجاد حلّ سياسي قابل للعيش في أسرع وقت؛ لأن الأمر بات طارئاً أكثر من أي وقت مضى".

لحظة خطر

ناقوس الخطر قرعته أيضاً الصحيفتان البريطانيتان "ذي اندبندنت" و"ذي دايلي تلغراف"؛ إذ حذرتا في افتتاحيتيهما من "توسع رقعة الصراع الداخلي السوري إلى حرب إقليمية شاملة". "ذي اندبندنت" لفتت إلى "خطورة الجوار السوري القابل للاشتعال في أي وقت"، ونبّهت من خطر "تزايد عدد المقاتلين المتطرفين في سوريا بصورة غير مسبوقة، ما يثير المخاوف حول مصير الأسلحة الكيمائية التي يملكها الأسد". لكن الصحيفة البريطانية أضافت أن "الهجمات الجوية الإسرائيلية وحدها لن ترجح كفة الميزان، فالنظام السوري يتعرض لضغوط كبيرة تحول دون قدرته على الرد، وحزب الله قد لا يرد على الفور، نظراً إلى أن الهجوم لم يقع على الأراضي اللبنانية. أما على الساحة الدولية، فإن روسيا حليفة سوريا حصرت تنديدها في القنوات الدبلوماسية". افتتاحية "ذي إندبندنت" تختتم بتشاؤم حول "توازن القوى الهش في المنطقة".

"ذي دايلي تلغراف" من جانبها سمّت الوضع الحالي "لحظة الخطر"، مبيّنة كيف جاءت الضربة الجوية الإسرائيلية في "أكثر الاوقات حساسية وخطورة" إقليمياً ودولياً في ما خص الأزمة السورية.

وفي هذا الإطار، يتحدّث مقال "ذي نيويورك تايمز" من بيروت والقدس المحتلة عن "التغيرات الكبرى الآتية إلى المنطقة": "فحزب الله يرى نفسه مستقبلاً من دون دعم نظام الأسد، ومضطراً إلى الدفاع عن نفسه في وجه السنّة الذين كرهوا الدور الذي أدّاه في الأزمة السورية. وإسرائيل قد تجد أن عدوّها الأخطر ليس حزب الله، بل المجموعات الجهادية السورية المتفرّقة وغير المنظمة". من جهة أخرى، توقف مقال الـ"تايمز" عند الرد السوري الصريح هذه المرة، شارحاً أنه "في العادة يعتمد الإسرائيليون استراتيجية الصمت بعد تنفيذهم عملية كي لا يضطروا الدولة المستهدفة إلى الانجرار إلى معركة أسوأ". لكن إعلان المسؤولين السوريين للعملية الإسرائيلية جاء ليكسر تلك القاعدة، يضيف المقال . "منذ اللحظة التي اختاروا فيها أن يقولوا إن اسرائيل فعلت شيئاً، فهذا يعني أن أحداً سيردّ عليها"، يعلّق أحد المستشارين الأمنيين الإسرائيليين للـ"تايمز".

لكن الصحيفة الأميركية تنقل عن محللين آخرين قولهم إنه ليس لسوريا القدرة الآن على تنفيذ أي ردّ على إسرائيل، وإن حزب الله لا يريد أن يبدأ أي معركة مع إسرائيل الآن؛ إذ هو يسعى إلى إبقاء حالة الهدوء في لبنان.

لكن لجوناثان توبن على موقع مجلة "ذي كومنتري" وجهة نظر أخرى، تقول إن "إسرائيل قامت، كالعادة، بالعمل القذر نيابة عن الغرب وعن الولايات المتحدة تحديداً في سوريا". توبين يقول إن "الولايات المتحدة اكتفت بتحذير سوريا من استخدام الأسلحة الكيميائية أو نقلها إلى حزب الله، لكن الجيش الإسرائيلي هو الذي يتدخل عند الضرورة بدلاً من الجيش الأميركي، لمواجهة التهديدات".

توبين يخلص بالقول إنه "رغم أن إسرائيل ستنتقد على انتهاك قواتها حدوداً دولية، إلا أن ما فعلته يحقق مصالح الولايات المتحدة بقدر مصالح إسرائيل". "وفي وقت توجه فيه الانتقادات الأميركية إلى إسرائيل على أنها عائق للسياسة الخارجية الأميركية، تظهر الغارة الأخيرة مدى أهمية التحالف الاستراتيجي الأميركي الإسرائيلي".

  • فريق ماسة
  • 2013-02-01
  • 10744
  • من الأرشيف

بداية حرب أم رسالة لحزب الله؟

ما هي لعبة إسرائيل هذه المرّة؟ لماذا قررت ضرب هدف داخل الأراضي السورية في هذا الوقت البالغ الحساسية؟ هل دخلت مباشرة في المعركة السورية، أم أن ضربتها موجهة إلى حزب الله فقط؟ ماذا بعد؟ حرب إقليمية أم مشادات دبلوماسية بالحدّ الأقصى؟ ما الذي قد يعنيه الرد السوري هذه المرة؟ يكاد يجمع المحللون الأميركيون والبريطانيون على أن كل الظروف المحيطة بالغارة الإسرائيلية على الحدود السورية ــ اللبنانية "بالغة الخطورة": فالمعركة ما زالت دائرة على أشدها في سوريا، والمقاتلون المتطرفون إلى ازدياد، وصواريخ باتريوت نشرت في تركيا، وحزب الله يخزّن السلاح من سوريا، وإسرائيل تجهّز قبّتها الحديدية في الشمال، وروسيا وإيران تصعّدان...   فلماذا قررت إسرائيل تنفيذ ضربة جوية محدودة في الداخل السوري؟ الكل يوافق على "أحقية" إسرائيل بذلك، "وخصوصاً إذا كان حزب الله يتزوّد فعلاً بأسلحة خطيرة من الجانب السوري ويهدد بها أمن إسرائيل". وفي هذا الإطار يذكّر معظم الصحافيين "بالإنذارات الإسرائيلية الأخيرة لسوريا" إن وصلت أسلحتها الكيميائية إلى حزب الله. لكن بغض النظر عن "أحقيتها" في تلك الخطوة، "سجّلت إسرائيل أول تدخّل عسكري مباشر لها في الحرب الأهلية السورية"، لا بل "الخطوة العسكرية العلنية الأولى تجاه الربيع العربي الذي نشر الفوضى في الدول المجاورة لها وأضعفها"، هذا ما يراه إدموند ساندرز وباتريك ج. ماكدونيل في صحيفة "لوس أنجلس تايمز" الأميركية. الكاتبان يرجحان أن الضربة الإسرائيلية كانت تهدف إلى "ردع وصول أسلحة متطورة من سوريا إلى حزب الله أكثر من كونها مشاركة في النزاع الداخلي السوري". لكن المستشار الأمني الحكومي السابق موشي ماعوز يقول للصحيفة إنها "الإشارة الأولى إلى أن إسرائيل قررت أن تصعّد الأحداث لإسقاط بشار الأسد". ماعوز لا يستبعد احتمال أن تكون الغارة قد نفّذت بالتنسيق مع الولايات المتحدة ومع تركيا. ماعوز وغيره من المتخصصين في الشؤون الأمنية الإسرائيلية قالوا للـ"تايمز" “إن الأسد هو أضعف من أن يردّ على الغارة الآن، إذ إن الجزء الأكبر من جيشه مشغول في المعارك على جبهاته الداخلية". "إسرائيل تحاول أن ترسم خطوطاً حمراء، وعلينا أن ننتظر لنرى إن كان الطرف الآخر سيقبل بها أو لا"، يخلص أحد المحللين الاسرائيليين. ويضيف: "هو جزء من القصة المستمرة بين إسرائيل وحزب الله، ومن وجهة النظر الإسرائيلية هي خطوة محدودة، فإسرائيل لا تسعى إلى الحرب". جوناثان ستيل في صحيفة "ذي غارديان" البريطانية رأى أيضاً أن "الضربة الإسرائيلية مرتبطة بصراع إسرائيل الطويل مع حزب الله أكثر من كونها رغبة في التدخل في النزاع السوري". ودعا من جهته إلى "إيجاد حلّ سياسي قابل للعيش في أسرع وقت؛ لأن الأمر بات طارئاً أكثر من أي وقت مضى". لحظة خطر ناقوس الخطر قرعته أيضاً الصحيفتان البريطانيتان "ذي اندبندنت" و"ذي دايلي تلغراف"؛ إذ حذرتا في افتتاحيتيهما من "توسع رقعة الصراع الداخلي السوري إلى حرب إقليمية شاملة". "ذي اندبندنت" لفتت إلى "خطورة الجوار السوري القابل للاشتعال في أي وقت"، ونبّهت من خطر "تزايد عدد المقاتلين المتطرفين في سوريا بصورة غير مسبوقة، ما يثير المخاوف حول مصير الأسلحة الكيمائية التي يملكها الأسد". لكن الصحيفة البريطانية أضافت أن "الهجمات الجوية الإسرائيلية وحدها لن ترجح كفة الميزان، فالنظام السوري يتعرض لضغوط كبيرة تحول دون قدرته على الرد، وحزب الله قد لا يرد على الفور، نظراً إلى أن الهجوم لم يقع على الأراضي اللبنانية. أما على الساحة الدولية، فإن روسيا حليفة سوريا حصرت تنديدها في القنوات الدبلوماسية". افتتاحية "ذي إندبندنت" تختتم بتشاؤم حول "توازن القوى الهش في المنطقة". "ذي دايلي تلغراف" من جانبها سمّت الوضع الحالي "لحظة الخطر"، مبيّنة كيف جاءت الضربة الجوية الإسرائيلية في "أكثر الاوقات حساسية وخطورة" إقليمياً ودولياً في ما خص الأزمة السورية. وفي هذا الإطار، يتحدّث مقال "ذي نيويورك تايمز" من بيروت والقدس المحتلة عن "التغيرات الكبرى الآتية إلى المنطقة": "فحزب الله يرى نفسه مستقبلاً من دون دعم نظام الأسد، ومضطراً إلى الدفاع عن نفسه في وجه السنّة الذين كرهوا الدور الذي أدّاه في الأزمة السورية. وإسرائيل قد تجد أن عدوّها الأخطر ليس حزب الله، بل المجموعات الجهادية السورية المتفرّقة وغير المنظمة". من جهة أخرى، توقف مقال الـ"تايمز" عند الرد السوري الصريح هذه المرة، شارحاً أنه "في العادة يعتمد الإسرائيليون استراتيجية الصمت بعد تنفيذهم عملية كي لا يضطروا الدولة المستهدفة إلى الانجرار إلى معركة أسوأ". لكن إعلان المسؤولين السوريين للعملية الإسرائيلية جاء ليكسر تلك القاعدة، يضيف المقال . "منذ اللحظة التي اختاروا فيها أن يقولوا إن اسرائيل فعلت شيئاً، فهذا يعني أن أحداً سيردّ عليها"، يعلّق أحد المستشارين الأمنيين الإسرائيليين للـ"تايمز". لكن الصحيفة الأميركية تنقل عن محللين آخرين قولهم إنه ليس لسوريا القدرة الآن على تنفيذ أي ردّ على إسرائيل، وإن حزب الله لا يريد أن يبدأ أي معركة مع إسرائيل الآن؛ إذ هو يسعى إلى إبقاء حالة الهدوء في لبنان. لكن لجوناثان توبن على موقع مجلة "ذي كومنتري" وجهة نظر أخرى، تقول إن "إسرائيل قامت، كالعادة، بالعمل القذر نيابة عن الغرب وعن الولايات المتحدة تحديداً في سوريا". توبين يقول إن "الولايات المتحدة اكتفت بتحذير سوريا من استخدام الأسلحة الكيميائية أو نقلها إلى حزب الله، لكن الجيش الإسرائيلي هو الذي يتدخل عند الضرورة بدلاً من الجيش الأميركي، لمواجهة التهديدات". توبين يخلص بالقول إنه "رغم أن إسرائيل ستنتقد على انتهاك قواتها حدوداً دولية، إلا أن ما فعلته يحقق مصالح الولايات المتحدة بقدر مصالح إسرائيل". "وفي وقت توجه فيه الانتقادات الأميركية إلى إسرائيل على أنها عائق للسياسة الخارجية الأميركية، تظهر الغارة الأخيرة مدى أهمية التحالف الاستراتيجي الأميركي الإسرائيلي".

المصدر : صباح أيوب\ الاخبار


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة