دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
أثار الكاتب محمد بوري في صحيفة أيدينليك موضوع الطيارين الأتراك المعتقلين في سوريا وناقشه من وجهتي نظر واقترح حلاً للأزمة السورية. ويقول بوري في مقاله: انشغل الإعلام التركي فجأة بموضوع اعتقال أربعة طيارين أتراك في سوريا بعد الإدعاء الذي صاغه نائب حزب الشعب الجمهوري لطفي بيدار بشكل استجواب موجه لوزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو. ولذلك يجب علينا أن نناقش الخبر من وجهتي نظر لنعرف إن كان الخبر صحيحاً أو كان كاذباً.
إن كان الخبر صحيحاً:
في أيام السلم من الممكن أن ترسل إحدى الدول لدولة أخرى, تراها كخصم, عناصر عديدة. هذه العناصر بشكل عام تكون عناصر من القوات الخاصة. هذه العناصر تهتم بإثارة الصراع وعدم الاستقرار بأفعال مقصودة مثل الإغتيالات والأعمال التخريبية أكثر مما تهتم بجمع المعلومات. ولأن أعمالٍ كهذه مخالفة للقوانين الدولية وتؤدي إلى حرب في أيام السلم, لذلك العميل الذي سيقوم بهذه المهمة لا يحمل معه هويته الحقيقية بل يجب عليه أن يخفي هويته الرسمية, ومن الممكن أن يحمل هوية مزورة تحمل اسماً مستعاراً, وهؤولاء الأشخاص عندما يلقى القبض عليهم لا يتكلمون, والدولة أيضاً تنكر وجودهم. هذه هي القاعدة.
مثلما القوات الخاصة تهدف إلى إثارة الفتن دون أن تأبه إلى مشكلة أن تسبب حرباً, كذلك من الممكن أن تكون تحضر نفسها وجاهزيتها للحرب. ولكن وجود طيارين في هذه القصة لها دلالات مختلفة تماماً. الطيارين يقومون بمهمة ضبط الأجواء المتقدمة في البلد الخصم. وتشمل هذه المهمة تثبيت المواقع والنقاط التي ستقصف مسبقاً, ثم تقوم المساندة الجوية القريبة بتوجيه الطائرات المدمرة تجاه الهدف المحدد. يتم تحديد الأهداف وتأشيرها. أي بالمختصر المفيد؛ عندما ترسل دولة إلى الدولة الخصم طياراً, هذا يعني أنها اتخذت قرار الحرب. وضمن هذا السياق, إذا كان خبر إلقاء القبض على 4 طيارين أتراك في سوريا, فلن يكون من المفاجئ أن تقوم تركيا بهجوم جوي على الأراضي السورية في الليلة التي ستفعّل فيها بطاريات الباتريوت وستكون جاهزة.
إذا كانت سوريا بالفعل ألقت القبض على هؤولاء الطيارين فيجب عليها إظهارهم للرأي العام. ولكن من المحتمل أن المسؤولون السوريون يضعون في حسابهم المساومة على هؤولاء الطيارين في بعض الأمور ليكسبوا أوراقاً بشكل لن يخرب علاقة البلدين. ولكن ضمن التحليل الذي أجريناه هنا, وجود طيارين في سوريا له دلالات كبيرة على اتخاذ قرار الحرب. في الحروب لن يحسب حساب خمسة أو عشرة عناصر, عندما تتم التجهيزات سيدخل إلى مرحلة التنفيذ. لذلك أصح طريقة لإيقاف الحرب هو إظهار الطيارين إلى العلن, إن وجدوا بالفعل.
إن كان الخبر خاطئاً (مفتعلاً):
احتمال صحة هذا الخبر ضعيف جداً. ولكن يجب أن نعرف لماذا تصنع أخباراً كاذبةً كهذه.
جميعنا يعرف أن دول حلف الناتو وعلى رأسها أميركا تسعى بمشروع لإسقاط النظام في سوريا. الرئيس الأسد وجيشه مازال صامداً. وفي مثل هذه المشاريع يتم التخطيط لفعاليات عديدة لكسر صمود الجيش والشعب. أهم هذه الفعاليات تقوم بها تركيا. على سبيل المثال؛ قامت بحشد مجموعة عسكرية على الحدود السورية. وفي الساحة السياسية, مرة على الأقل في كل ثلالة أيام يخرج رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان ووزير خارجيته أحمد داوود أوغلو على الإعلام ليشتموا الرئيس الأسد ويقولون له "ارحل يا أسد" ويكونون بذلك قد تخطوا اللغة الدبلوماسية متجاهلين الأعراف الدولية في العلاقات الثنائية ما بين البلدين. وجمع داوود أوغلو جميع السفراء في أنقرة ليقول لهم: "السلم يحتاج إلى بدل أكبر من الحرب, لذلك الحرب أسهل خيار" ليعطيهم رسالة مفادها أن تركيا مستعدة للحرب مع سوريا.
لذلك على سوريا أن تقيس مدى جدية أنقرة في موضوع اختيار قرار الحرب. وهذا الخبر من الممكن أن يكون قد افتعل من أجل هذه النقطة. وعندما أثار حزب الشعب الجمهوري هذا الموضوع في البرلمان التركي بشكل استجواب, يكون الطرف الآخر قد وصل إلى مبتغاه 100% لأن الموضوع يكون قد حمل إلى الإعلام المحلي والساحة الدولية كافة. لو كان الشعبين التركي والسوري أعداءً بالفعل لما كان هذا الخبر المفتعل قد أثار كل هذه الضجة. بهذا الخبر اتضح للجميع مرةً أخرى أن الشعب التركي لا يريد الحرب ويعارضها بشدة.
سياسة العداء التي اتبعها حزب العدالة والتنمية ضد سوريا, وضع نظام الأسد في موقف حرج بالفعل, ولكن من جهة أخرى قرب الشعبين التركي والسوري من بعضهم أكثر فأكثر. وهذا الخبر المفتعل أكبر دليل على ذلك. ولا يوجد أي مانع بين الدولتين ليحضنوا بعضهم البعض سوى النزاع السياسي بين النظامين.
كيف هو الحل؟
بعد هذه اللحظة فقد حزب العدالة والتنمية مصداقيته في تهديدات الحرب. وبعد الآن تهديدات أردوغان وداوود أوغلو بالحرب لن يهز من سمعة ومبدأ الدولة التركية فحسب, بل سيؤذي شخصيتهم السياسية بشكل لن يتصوروه. والأهم من ذلك, استمرارهم في دعم المعارضة سيؤدي إلى مزيد من إراقة الدماء وسيفرض على سورية البقاء بدون حلول و في الوقت نفسه سيعني ذلك أنهم سيعترفون بشركاتهم براقة الدماء.
في سوريا, الأسد والجيش مع بيروقراطيته يمثلون الدولة السورية. وانهيار هذا النظام يدل على انهيار الدولة بأكملها. ولإعادة إعمار هذه الدولة بعد سقوطها يحتاج إلى إراقة دماء بعشرة أضعاف مما أريق إلى حد الآن, كما سيحتاج ذلك إلى عشرات السنين. أكثر الخيارات عقلانية وإنصافاً هو إيجاد حل لهذه الأزمة بطريقة تحمي فيها الدولة من الانهيار. ولأجل هذا يجب على الرئيس الأسد أن يبقى على رأس الحكم على الأقل حتى إيجاد حل لهذه الأزمة. ومن هنا أدعو أردوغان وداوود أوغلو أن يخاطبوا وجدانهم ويكون منصفين في ذلك.
المصدر :
الماسة السورية
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة