ما بعد خطاب الرئيس السوري بشار الأسد لم يختلف عما كان قبله، على مستوى الساحة اللبنانية. فريق 14 آذار، بدا من خلال تعليقات بعض أوساطه كأنه امتداد للمعارضة السورية، من حيث رفض مضمون كلام الاسد واعتباره خارج التاريخ والجغرافيا، بينما وجد فيه فريق 8 آذار دليلا إضافيا على رغبة الأسد في حل سياسي، يضع حدا للمؤامرة التي تستهدف سوريا وموقعها.

وتعتبر إحدى الشخصيات المسيحية المصنّفة في خانة «صقور 14آذار» أن «المشهد المسرحي» الذي رافق خطاب الاسد في دار الأوبرا في دمشق «أوحى بان المناسبة تعود الى حقبة الخمسينيات والستينيات، أيام الاتحاد السوفياتي الذي كان يشتهر بتنظيم الاحتفالات المعلّبة»، مشيرة الى أن المظاهر والهتافات التي رافقت الخطاب «جعلت الرئيس السوري يبدو وكأنه يطل في بدايات الأزمة، وليس بعد سنتين على اندلاعها وسقوط 60 ألف قتيل».

وترى تلك الشخصية أن الأسد استخدم «نبرة شمعونية» تنطوي على قدر كبير من الكبرياء والقوة، لاستنهاض مناصريه وشد عصبهم ورفع معنوياتهم، بعدما بدأ يتردد في الآونة الأخيرة أن التسوية السياسية ستأتي على حساب رأس النظام، لافتة الانتباه الى ان المبادرة التي طرحها الأسد ليست قابلة للصرف في السياسة، وبالتالي غير قابلة للتنفيذ.

وتشير الشخصية نفسها الى ان خطاب الأسد شوّه حقيقة ما يجري في سوريا من خلال تجاهل الثورة الحاصلة والتلطي خلف ستارة المؤامرة والارهاب، لافتة الانتباه الى ان التشخيص الخاطئ للوضع قاد الى إطلاق مبادرة هزيلة أجهضت عمليا أي فرصة للحل السياسي، وقدمت صاحبها بصفته الوحيد على حق فيما العالم كله على باطل.

وتضع الشخصية المسيحية المحسوبة على «صقور المعارضة» خطاب الاسد في سياق رد فعل إيران على استبعادها عن أي بحث في التسوية المفترضة وعدم تجاوب الغرب مع عروض المقايضة التي قدمتها، معتبرة ان طهران قررت ان ترد على محاولة إقصائها وتهميشها بإعطاء الضوء الاخضر للاسد كي يندفع الى الامام، فكان «خطاب الأوبرا» الذي نعى مهمة الابراهيمي ومحاولات التسوية السياسية، وأطلق ضمنا العنان لخيار التصعيد العسكري.

وتتوقع الشخصية البارزة في 14 آذار معركة عسكرية كبرى خلال المرحلة المقبلة، ستكون في جانبها الداخلي بين النظام والثوار، وفي جانبها الخارجي بين إيران التي تريد الحفاظ على دور متقدم لها في المنطقة وبين تحالف دولي ـ اقليمي يريد لهذا الدور أن يعود الى حجمه الطبيعي.

وترى الشخصية المذكورة ان الهجوم المضاد لإيران سيعبر عن نفسه من خلال تمسكها بنوري المالكي في العراق وبشار الاسد في سوريا وسلاح «حزب الله» في لبنان.

وتعرب الشخصية المسيحية عن اعتقادها بأن رياح العاصفة الايرانية ستطال لبنان، مرجحة ان تلجأ طهران الى دفع «حزب الله» نحو المزيد من التشدد، بعدما كان الخطاب الاخير للسيد حسن نصر الله قد عكس بعض الواقعية عندما دعا الى حل سياسي في سوريا وطالب الحكومة بالتفاوض مع خاطفي اللبنانيين وشدد على ضرورة احتضان النازحين.

وتشير تلك الشخصية الى ان بعض أوساط 14آذار كانت تفترض انه ومع قرب انهيار النظام السوري، يمكن ان تتحسن شروط التفاوض الداخلي مع «حزب الله» الذي لن يكون مستعدا للانتحار في سبيل نظام يتهاوى، لكن الحسابات الإيرانية المستجدة ستجعل هامش تحرك الحزب ضيقا للغاية.

في المقابل، تعتبر أوساط لبنانية حليفة لدمشق ان الاسد كان يدرك في قرارة نفسه ان مبادرته سترفض، وبالتالي لم يساوره أي وهم بأن ردود الفعل عليها ستكون مغايرة لتلك التي صدرت عن المعارضة السورية ورعاتها الدوليين والاقليميين، ولكنه أراد ان يفضح بالجرم المشهود هوية من يصر على مواصلة سفك الدماء في سوريا ويرفض الحل السياسي.

وتشير الاوساط الى ان مبادرة الاسد، تقوم في جوهرها على الاحتكام الى صناديق الاقتراع، حيث يستطيع الشعب ان يحسم النقاش حول من يمثل أكثرية السوريين: النظام ام المعارضة.

وتلفت الاوساط الانتباه الى ان الأهم في خطاب الاسد هو ما لم يقله مباشرة، وإنما أوحى به، وفحواه انه لن يرحل بالقوة العسكرية او بالضغط السياسي، «وإذا اردتم اقتلاعي عليكم ان تأتوا الى دمشق». وتشير الى ان الخطاب يعبر عن موازين القوى العسكرية والسياسية في هذه اللحظة، معتبرة انه يعكس من جهة صلابة الجيش السوري على الارض وأهمية الانجازات الميدانية التي حققها، ويترجم من جهة أخرى صلابة التحالفات الدولية والاقليمية التي يستند اليها النظام.

وترى الاوساط أن خطاب الاسد هو عصارة الحقائق الآتية:

ـ لا حل عسكريا في سوريا.

ـ لاحل سياسيا من دون الاسد.

ـ ان نماذج «الربيع العربي» لا تنطبق عل سوريا، فهي ليست تونس التي نُفي رئيسها زين العابدين بن علي الى الخارج، وليست مصر التي سجن رئيسها حسني مبارك، وليست ليبيا التي قتل رئيسها معمر القذافي، وليست اليمن التي تنحى رئيسها علي عبد الله صالح.

ـ ان سوريا هي جزء من جبهة دولية ـ اقليمية تمتد من روسيا الى الصين مرورا بطهران، وأي رهان على تفكيك حلقات هذه السلسلة او الاستفراد بالحلقة السورية هو خاسر.

ـ ان سوريا تخوض حربا ضد الارهاب، وقد نجح الاسد في ان يفرض على عدوه ورأس الحربة في المواجهة ضده، أي أميركا، الاعتراف بهذه الحقيقة وصولا الى وضع «جبهة النصرة» على لائحة الارهاب.

وتعتقد الأوساط الحليفة لدمشق ان مبادرة الاسد هي بمثابة «تمريرة سياسية» متقنة للروس، معتبرة ان موقف الرئيس السوري يريح موسكو في مفاوضاتها مع الاميركيين ويعزز إستراتيجيتها في مقاربة الازمة السورية.

وترى هذه الاوساط ان تسرع المعارضة السورية في رفض مبادرة الاسد سيضاعف من مأزقها، لانها عاجزة من جهة عن إزاحة النظام بالقوة العسكرية وعاجزة من جهة أخرى عن التجاوب مع مبادرته السياسية، ويبدو انها ستستمر في ضرب رأسها بالحائط حتى تعترف باستحالة إسقاط الاسد، خصوصا ان الدول الغربية والاقليمية المعنية لا تنوي تسليح المعارضة او خوض حرب بالنيابة عنها ضد النظام السوري. وتدعو الاوساط الى البناء على المعادلة التي وضعها الاخضر الابراهيمي: الحل السياسي في سوريا او الجحيم، وتختم بدعوة «14 آذار» الى مغادرة وهم بناء عمارات لبنانية وسورية واقليمية على قاعدة السقوط الحتمي للأسد.

  • فريق ماسة
  • 2013-01-06
  • 11138
  • من الأرشيف

خصوم الأسد يتوقعون تصعيداً.. والحلفاء ينصحون بمغادرة الوهم

ما بعد خطاب الرئيس السوري بشار الأسد لم يختلف عما كان قبله، على مستوى الساحة اللبنانية. فريق 14 آذار، بدا من خلال تعليقات بعض أوساطه كأنه امتداد للمعارضة السورية، من حيث رفض مضمون كلام الاسد واعتباره خارج التاريخ والجغرافيا، بينما وجد فيه فريق 8 آذار دليلا إضافيا على رغبة الأسد في حل سياسي، يضع حدا للمؤامرة التي تستهدف سوريا وموقعها. وتعتبر إحدى الشخصيات المسيحية المصنّفة في خانة «صقور 14آذار» أن «المشهد المسرحي» الذي رافق خطاب الاسد في دار الأوبرا في دمشق «أوحى بان المناسبة تعود الى حقبة الخمسينيات والستينيات، أيام الاتحاد السوفياتي الذي كان يشتهر بتنظيم الاحتفالات المعلّبة»، مشيرة الى أن المظاهر والهتافات التي رافقت الخطاب «جعلت الرئيس السوري يبدو وكأنه يطل في بدايات الأزمة، وليس بعد سنتين على اندلاعها وسقوط 60 ألف قتيل». وترى تلك الشخصية أن الأسد استخدم «نبرة شمعونية» تنطوي على قدر كبير من الكبرياء والقوة، لاستنهاض مناصريه وشد عصبهم ورفع معنوياتهم، بعدما بدأ يتردد في الآونة الأخيرة أن التسوية السياسية ستأتي على حساب رأس النظام، لافتة الانتباه الى ان المبادرة التي طرحها الأسد ليست قابلة للصرف في السياسة، وبالتالي غير قابلة للتنفيذ. وتشير الشخصية نفسها الى ان خطاب الأسد شوّه حقيقة ما يجري في سوريا من خلال تجاهل الثورة الحاصلة والتلطي خلف ستارة المؤامرة والارهاب، لافتة الانتباه الى ان التشخيص الخاطئ للوضع قاد الى إطلاق مبادرة هزيلة أجهضت عمليا أي فرصة للحل السياسي، وقدمت صاحبها بصفته الوحيد على حق فيما العالم كله على باطل. وتضع الشخصية المسيحية المحسوبة على «صقور المعارضة» خطاب الاسد في سياق رد فعل إيران على استبعادها عن أي بحث في التسوية المفترضة وعدم تجاوب الغرب مع عروض المقايضة التي قدمتها، معتبرة ان طهران قررت ان ترد على محاولة إقصائها وتهميشها بإعطاء الضوء الاخضر للاسد كي يندفع الى الامام، فكان «خطاب الأوبرا» الذي نعى مهمة الابراهيمي ومحاولات التسوية السياسية، وأطلق ضمنا العنان لخيار التصعيد العسكري. وتتوقع الشخصية البارزة في 14 آذار معركة عسكرية كبرى خلال المرحلة المقبلة، ستكون في جانبها الداخلي بين النظام والثوار، وفي جانبها الخارجي بين إيران التي تريد الحفاظ على دور متقدم لها في المنطقة وبين تحالف دولي ـ اقليمي يريد لهذا الدور أن يعود الى حجمه الطبيعي. وترى الشخصية المذكورة ان الهجوم المضاد لإيران سيعبر عن نفسه من خلال تمسكها بنوري المالكي في العراق وبشار الاسد في سوريا وسلاح «حزب الله» في لبنان. وتعرب الشخصية المسيحية عن اعتقادها بأن رياح العاصفة الايرانية ستطال لبنان، مرجحة ان تلجأ طهران الى دفع «حزب الله» نحو المزيد من التشدد، بعدما كان الخطاب الاخير للسيد حسن نصر الله قد عكس بعض الواقعية عندما دعا الى حل سياسي في سوريا وطالب الحكومة بالتفاوض مع خاطفي اللبنانيين وشدد على ضرورة احتضان النازحين. وتشير تلك الشخصية الى ان بعض أوساط 14آذار كانت تفترض انه ومع قرب انهيار النظام السوري، يمكن ان تتحسن شروط التفاوض الداخلي مع «حزب الله» الذي لن يكون مستعدا للانتحار في سبيل نظام يتهاوى، لكن الحسابات الإيرانية المستجدة ستجعل هامش تحرك الحزب ضيقا للغاية. في المقابل، تعتبر أوساط لبنانية حليفة لدمشق ان الاسد كان يدرك في قرارة نفسه ان مبادرته سترفض، وبالتالي لم يساوره أي وهم بأن ردود الفعل عليها ستكون مغايرة لتلك التي صدرت عن المعارضة السورية ورعاتها الدوليين والاقليميين، ولكنه أراد ان يفضح بالجرم المشهود هوية من يصر على مواصلة سفك الدماء في سوريا ويرفض الحل السياسي. وتشير الاوساط الى ان مبادرة الاسد، تقوم في جوهرها على الاحتكام الى صناديق الاقتراع، حيث يستطيع الشعب ان يحسم النقاش حول من يمثل أكثرية السوريين: النظام ام المعارضة. وتلفت الاوساط الانتباه الى ان الأهم في خطاب الاسد هو ما لم يقله مباشرة، وإنما أوحى به، وفحواه انه لن يرحل بالقوة العسكرية او بالضغط السياسي، «وإذا اردتم اقتلاعي عليكم ان تأتوا الى دمشق». وتشير الى ان الخطاب يعبر عن موازين القوى العسكرية والسياسية في هذه اللحظة، معتبرة انه يعكس من جهة صلابة الجيش السوري على الارض وأهمية الانجازات الميدانية التي حققها، ويترجم من جهة أخرى صلابة التحالفات الدولية والاقليمية التي يستند اليها النظام. وترى الاوساط أن خطاب الاسد هو عصارة الحقائق الآتية: ـ لا حل عسكريا في سوريا. ـ لاحل سياسيا من دون الاسد. ـ ان نماذج «الربيع العربي» لا تنطبق عل سوريا، فهي ليست تونس التي نُفي رئيسها زين العابدين بن علي الى الخارج، وليست مصر التي سجن رئيسها حسني مبارك، وليست ليبيا التي قتل رئيسها معمر القذافي، وليست اليمن التي تنحى رئيسها علي عبد الله صالح. ـ ان سوريا هي جزء من جبهة دولية ـ اقليمية تمتد من روسيا الى الصين مرورا بطهران، وأي رهان على تفكيك حلقات هذه السلسلة او الاستفراد بالحلقة السورية هو خاسر. ـ ان سوريا تخوض حربا ضد الارهاب، وقد نجح الاسد في ان يفرض على عدوه ورأس الحربة في المواجهة ضده، أي أميركا، الاعتراف بهذه الحقيقة وصولا الى وضع «جبهة النصرة» على لائحة الارهاب. وتعتقد الأوساط الحليفة لدمشق ان مبادرة الاسد هي بمثابة «تمريرة سياسية» متقنة للروس، معتبرة ان موقف الرئيس السوري يريح موسكو في مفاوضاتها مع الاميركيين ويعزز إستراتيجيتها في مقاربة الازمة السورية. وترى هذه الاوساط ان تسرع المعارضة السورية في رفض مبادرة الاسد سيضاعف من مأزقها، لانها عاجزة من جهة عن إزاحة النظام بالقوة العسكرية وعاجزة من جهة أخرى عن التجاوب مع مبادرته السياسية، ويبدو انها ستستمر في ضرب رأسها بالحائط حتى تعترف باستحالة إسقاط الاسد، خصوصا ان الدول الغربية والاقليمية المعنية لا تنوي تسليح المعارضة او خوض حرب بالنيابة عنها ضد النظام السوري. وتدعو الاوساط الى البناء على المعادلة التي وضعها الاخضر الابراهيمي: الحل السياسي في سوريا او الجحيم، وتختم بدعوة «14 آذار» الى مغادرة وهم بناء عمارات لبنانية وسورية واقليمية على قاعدة السقوط الحتمي للأسد.

المصدر : عماد مرمل \ السفير


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة