دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
تشهد الأيام الجارية على تدرج سريع للجيش السوري في استعادة زمام المبادرة الميدانية. وتكونت جملة مؤشرات توحي بتراجع قدرة "الجيش الحر" خصوصاً في حمص وحلب وريف دمشق، علماً أن حسابات العواصم الغربية والعربية المناوئة للنظام السوري، بُنيت على أساس تراجع الجيش النظامي أمام ضربات المعارضين، فارتفع سقف الخطاب السياسي قبل مرحلة التفاوض الروسي-الأميركي. وأبلغت المعارضة السورية واشنطن أنها تحتاج لمهلة خمسة عشر يوماً تنتهي قبل رأس السنة بثلاثة أيام لتحقيق نصر عسكري تصل من خلاله إلى قصر الشعب في دمشق.
لم يصدّق الأميركيون رواية الائتلاف المعارض، لكنهم أبلغوا قيادييه: فلنر ماذا ستفعلون؟؟ حينها كانت واشنطن بدأت عملياً على خط المفاوضات الروسية-الأميركية وأبلغت المبعوث الدولي الأخضر الإبراهيمي بضرورة تفعيل وساطته لتقديم مشروع للحل.
على الأرض أصبحت المعارك تسير منذ أسبوعين لمصلحة الجيش السوري الذي استعاد السيطرة على نقاط إستراتيجية أبرزها في حمص-منطقة دير بعلبة-وإستفاد من اقتتال يدور بين "جبهة النصرة" وجماعة "لواء التوحيد" في حلب وريفها بعد الخلاف على توزيع المغانم والمسروقات والنزاع حول إدارة مناطق ريفية حلبية وإدبلية.
أما في ريف دمشق فكثف الجيش من ضرباته وجهّز أفضل وحداته لاستعادة السيطرة الكاملة على داريا التي تصل العاصمة بريفها، ما أفشل فرضية إقتحام دمشق حاضراً ومستقبلاً.
ويرى مطلعون أن الإنجازات التي حققها النظام السوري تعود إلى تكتيك ميداني قضى بتسليح لجان شعبية موزعة في مناطقها، بينما تفرّغ الجيش للمعارك الإستراتيجية. وبدا أن معادلة اللجان الشعبية مقابل المجموعات المسلحة أكثر فعالية، تشبه الوسيلة التي استعملها الرئيس الراحل حافظ الأسد في حربه ضد "الإخوان المسلمين" في الثمانينات.
أصداء الوقائع الميدانية وصلت الى واشنطن وموسكو والعواصم الأوروبية والإقليمية الحليفة والمناوئة للنظام السوري، حتى ذهب حلفاء دمشق للقول إما "نجاح التسوية أو توسيع النار". واستطاعت الوقائع الميدانية أن تمهد الأجواء للخيار الأول القائم على فرض التسوية. ولكن على أي أساس؟؟
يجزم مطلعون أن الرئيس السوري بشار الأسد باقٍ في منصبه، بينما يجري التفاوض حول توسيع صلاحيات الحكومة أولاً في ظل أسئلة عدة: من يرأسها؟ وما هي موازين القوى في تشكيلها؟ من يملك قرارات الدفاع والأمن والخارجية والإقتصاد؟
وثانياً: ماذا عن الإنتخابات البرلمانية؟ ما هي المعايير في المشاركة؟ وما هي الصلاحيات في الرقابة والتشريع؟؟.
توافرت في الظاهر نوايا الحل دولياً، بانتظار حركة يدشنها وزير الخارجية الأميركي الجديد جون كيري لتوسيع مروحة التفاوض، إنطلاقاً من معادلة: السلة الواحدة-من سوريا إلى إيران والخليج وإسرائيل وحل الدولتين...
لكن الإيرانيين مصرون على معادلة: خطوة تلو خطوة. وهنا يبدي الروس تفهماً للطرح الإيراني، ويفرضون الحسابات الروسية في طليعة الاعتبارات، وخصوصاً ملف الإسلاميين الناشطين شرقاً الى حدود روسيا.
وفي تفصيل المشهد السوري، يجري تسويق طرح يقوم على أساس أن يكون رئيس الحكومة المقبل معارضاً مقبولاً، وطُرح هنا اسم هيثم مناع وآخرين لا يستفزون النظام وتقبل بهم المعارضة، بينما تتوزع القوى في الحكومة على الطريقة اللبنانية القائمة على ثلاث عشرات بين عشرة المعارضة وعشرة للنظام وحلفائه وعشرة للمستقلين.
ويحتفظ النظام بالخارجية والدفاع والأمن، لكن الخلاف حول صلاحيات الوزارات المعينة بالاقتصاد: ماذا من الثروة النفطية وخصوصاً غاز الساحل المغمور حتى اللحظة؟؟ (وصلت وثائق وجداول للسوريين عن مخزون هائل يوازي نفط الكويت).
وماذا عن الإعلام وحدود مساحة الحرية؟ وماذا عن قضايا الصراع الاقليمي؟؟ ويستند العاملون الدوليون على خط التسوية إلى تجربة لبنان في كل تفصيل وتفصيل، إما تمثلاً أو انتقاداً.
مقابل هذا المشهد، لم يحسم سياسيون سوريون أمر التسوية ولا يرون حلاً مرتقباً دون الإتفاق الدولي-الإقليمي على تسوية شرق أوسطية شاملة.
ويسأل هؤلاء: لماذا تقبل واشنطن بحل سوري دون مكاسب إقليمية؟ وما هي التكلفة الأميركية للحرب الدائرة في سوريا؟.
ويجزم هؤلاء أنفسهم أن التسوية لن تحصل إلا في حال حصول أمر من اثنين: إما أن يشهر الروس والإيرانيون عن أسلحتهم لفرض القوة، وإما أن يحصل الأميركيون على مكاسب في ملفات إستراتيجية شرق أوسطية، ما يجعل الملف السوري مفتوحاً أبعد من حدود شهر آذار المقبل كموعدٍ يُسوّق لإتمام التسوية.
المصدر :
عباس ضاهر - النشرة
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة