لم يكن «حزب الله» ينتظر ان يحصل من مساعد وزير الخارجية الأميركية جيفري فيلتمان على هدية ثمينة كتلك التي قدمها اليه في شهادته امام لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس الاميركي، خلال جلسة استماع بشأن الحزب

وبطبيعة الحال، فإن الحزب ما كان ليرفض مثل هذه الهدية القيّمة التي تضمنت إقراراً مباشراً من فيلتمان بأن الولايات المتحدة انفقت بعد حرب تموز 500 مليون دولار لتشويه صورته والحد من جاذبيته لدى الشباب اللبناني

هذه المرة، لا يتعلق الأمر بـ«اتهام سياسي» ولا بموقف عقائدي. كل ما فعله الحزب هو انه قرأ شهادة فيلتمان والتقط في إحدى فقراتها اعترافه الواضح الذي أدلى به عن سابق تصور وتصميم، ومن دون إكراه او ضغط

وكما هي عادة «حزب الله» في مثل هذه الحالات، أخذ وقته في دراسة الموقف، ثم حرّك كرة الثلج التي راحت تتدحرج وتكبر شيئاً فشيئاً. لا ينوي الحزب حرق المراحل واستهلاك الأوراق الكثيرة التي يحتفظ بها، بل هو يتصرف على أساس أن معركته ستكون طويلة لـ«استنزاف» واشنطن في هذا الملف أطول فترة ممكنة، لا سيما أن موقعها فيه ضعيف، بفعل اعترافات فيلتمان التي لا تحتمل أي تأويل

ويبدو أن مبلغ الـ500 مليون دولار الذي صرفته «الخارجية الأميركية» ليس إلا رأس جبل الجليد، في ظل معلومات تشير الى أن هناك مصادر أخرى للتمويل كانت وما تزال تعمل على ضخ السيولة «الموجهة عن بُعد» في الساحة الداخلية، منها أجهزة الاستخبارات الأميركية ومكتب مكافحة المخدرات الذي ينشط في لبنان ولكن تحت عنوان نشر المخدرات وليس مكافحتها، باعتبار أن هذه هي إحدى وسائل التلاعب بمزاج الشباب اللبناني وإبعاده عن ثقافة المقاومة

والى جانب «الروافد» الأميركية، تفيد المعلومات أن هناك جهات أوروبية وغير أوروبية شاركت أيضاً، وما تزال، في تمويل انشطة وأفراد، للحد من نفوذ «حزب الله»، وبالتالي فإن الرقم الإجمالي للمبالغ التي أُنفقت منذ ما بعد حرب تموز في هذا السياق قد تقارب الملياري دولار، كما يؤكد مصدر قيادي في الحزب، متوقعاً أن يتكشف المزيد من حلقات هذا المسلسل في المرحلة المقبلة

ومن الواضح ان الإنفاق على «الحرب المدنية» ضد «حزب الله» قد تضاعف في أعقاب الفشل العسكري خلال حرب تموز في القضاء على المقاومة، وهناك من يقول ـ على سبيل النكتة ـ إن بعض خصوم الحزب في الداخل يجب ان يكونوا مسرورين لوجوده، لأنه لولاه ما كانت دولة كبرى كالولايات المتحدة، إضافة الى جهات دولية أخرى، لتضطر ـ في سياق تحسين شروط مواجهته ـ الى ابتكار دورة اقتصادية متكاملة مرت في جيوب هؤلاء

والمفارقة أن ظاهرة الفساد لم توفر حتى الموازنات المخصصة لمواجهة «حزب الله»، إذ ان جزءاً من مبلغ الـ500 مليون دولار تقاسمته شخصيات لبنانية وأميركية في إطار المنفعة الشخصية وقبض العمولات، ويبدو حسب العارفين أن فيلتمان نفسه قد أثرى، وبالتأكيد فإن أي تحقيق تجريه الإدارة الأميركية سيُبين لها أن لعنة الهدر اللبنانية قد أصابت الصندوق الذي أسسته لإضعاف الحزب

ويروى أن جهة حكومية لبنانية طلبت ذات مرة من الوكالة الاميركية للتنمية كشفاً عن كيفية صرف خمسة ملايين دولار، أفادت الوكالة بأنها أنفقتها على تنفيذ مشروع معين في منطقة محددة، ولكن الكشف الميداني الذي أجرته الجهة الرسمية على الارض أظهر عدم التطابق بين ما هو منفذ وما هو وارد في التقرير المُعد. لم يأت الجواب، فكررت الجهة الحكومية الطلب ذاته مرات عدة، الى أن بعثت الوكالة بمراسلة تقر فيها بأنها غير قادرة على تقديم الشروحات التفصيلية

يعتبر «حزب الله» أن هذا الملف ـ الفضيحة شديد الخطورة ولا يقل حساسية عن شبكات التجسس الاسرائيلية التي ضبطت بالجملة في لبنان، بل إن المعطيات المتوافرة لديه تفيد بأن شبكات المجندين بأشكال مختلفة لصالح الاستخبارات الاميركية هي أضعاف تلك التي تعمل لصالح اسرائيل في العمق اللبناني

من هنا، يؤكد الحزب تصميمه على الذهاب بهذه القضية حتى النهاية، لكن وفق إيقاع متدرج ومن دون تسرع، مع ما يتطلبه ذلك من جهد منظم ومبرمج لإبقائها حية وتحريكها سياسياً وقضائياً

وتنكب حالياً لجنة قانونية في الحزب تضم مجموعة من الخبراء على دراسة إمكانية رفع دعوى قضائية ضد الإدارة الأميركية استناداً الى نصوص قانونية تتعلق بالأمن القومي اللبناني والى معاهدة جنيف التي ترسم حدوداً لصلاحيات السفارات داخل كل دولة، وهي حدود تجاوزتها السفارة الأميركية في لبنان بأشكال مختلفة، ليس الخرق المالي سوى أحدها

كما ان استراتيجية الهجوم القضائي التي يجري درسها تشمل احتمال الادّعاء على شخصيات وجهات لبنانية تقاضت اموالاً من الأميركيين، علماً أن الحزب يؤكد ان بحوزته لائحة تفصيلية بأسماء الشخصيات والجهات المستفيدة

اما على المستوى السياسي، فإن خيارات المتابعة متنوعة، مع الإشارة الى أن هذا الموضوع كان قد طُرح خلال الجلسة الأخيرة من هيئة الحوار الوطني، حيث أثار النائب أسعد حردان تساؤلات بشأنه، فرد الرئيس سعد الحريري قائلاً إن الأموال صرفت على الجيش والتنمية، إلا أن الرئيس نبيه بري سارع الى الرد مشدداً على أن المسألة واضحة وفيلتمان نفسه حدد وجهة إنفاق المبالغ، ثم دخل النائب سليمان فرنجية على الخط قائلاً: ربما علينا أن نسأل السيدة نائلة معوض
  • فريق ماسة
  • 2010-06-24
  • 8899
  • من الأرشيف

هدية فيلتمان: السحر ينقلب على الساحر!

لم يكن «حزب الله» ينتظر ان يحصل من مساعد وزير الخارجية الأميركية جيفري فيلتمان على هدية ثمينة كتلك التي قدمها اليه في شهادته امام لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس الاميركي، خلال جلسة استماع بشأن الحزب وبطبيعة الحال، فإن الحزب ما كان ليرفض مثل هذه الهدية القيّمة التي تضمنت إقراراً مباشراً من فيلتمان بأن الولايات المتحدة انفقت بعد حرب تموز 500 مليون دولار لتشويه صورته والحد من جاذبيته لدى الشباب اللبناني هذه المرة، لا يتعلق الأمر بـ«اتهام سياسي» ولا بموقف عقائدي. كل ما فعله الحزب هو انه قرأ شهادة فيلتمان والتقط في إحدى فقراتها اعترافه الواضح الذي أدلى به عن سابق تصور وتصميم، ومن دون إكراه او ضغط وكما هي عادة «حزب الله» في مثل هذه الحالات، أخذ وقته في دراسة الموقف، ثم حرّك كرة الثلج التي راحت تتدحرج وتكبر شيئاً فشيئاً. لا ينوي الحزب حرق المراحل واستهلاك الأوراق الكثيرة التي يحتفظ بها، بل هو يتصرف على أساس أن معركته ستكون طويلة لـ«استنزاف» واشنطن في هذا الملف أطول فترة ممكنة، لا سيما أن موقعها فيه ضعيف، بفعل اعترافات فيلتمان التي لا تحتمل أي تأويل ويبدو أن مبلغ الـ500 مليون دولار الذي صرفته «الخارجية الأميركية» ليس إلا رأس جبل الجليد، في ظل معلومات تشير الى أن هناك مصادر أخرى للتمويل كانت وما تزال تعمل على ضخ السيولة «الموجهة عن بُعد» في الساحة الداخلية، منها أجهزة الاستخبارات الأميركية ومكتب مكافحة المخدرات الذي ينشط في لبنان ولكن تحت عنوان نشر المخدرات وليس مكافحتها، باعتبار أن هذه هي إحدى وسائل التلاعب بمزاج الشباب اللبناني وإبعاده عن ثقافة المقاومة والى جانب «الروافد» الأميركية، تفيد المعلومات أن هناك جهات أوروبية وغير أوروبية شاركت أيضاً، وما تزال، في تمويل انشطة وأفراد، للحد من نفوذ «حزب الله»، وبالتالي فإن الرقم الإجمالي للمبالغ التي أُنفقت منذ ما بعد حرب تموز في هذا السياق قد تقارب الملياري دولار، كما يؤكد مصدر قيادي في الحزب، متوقعاً أن يتكشف المزيد من حلقات هذا المسلسل في المرحلة المقبلة ومن الواضح ان الإنفاق على «الحرب المدنية» ضد «حزب الله» قد تضاعف في أعقاب الفشل العسكري خلال حرب تموز في القضاء على المقاومة، وهناك من يقول ـ على سبيل النكتة ـ إن بعض خصوم الحزب في الداخل يجب ان يكونوا مسرورين لوجوده، لأنه لولاه ما كانت دولة كبرى كالولايات المتحدة، إضافة الى جهات دولية أخرى، لتضطر ـ في سياق تحسين شروط مواجهته ـ الى ابتكار دورة اقتصادية متكاملة مرت في جيوب هؤلاء والمفارقة أن ظاهرة الفساد لم توفر حتى الموازنات المخصصة لمواجهة «حزب الله»، إذ ان جزءاً من مبلغ الـ500 مليون دولار تقاسمته شخصيات لبنانية وأميركية في إطار المنفعة الشخصية وقبض العمولات، ويبدو حسب العارفين أن فيلتمان نفسه قد أثرى، وبالتأكيد فإن أي تحقيق تجريه الإدارة الأميركية سيُبين لها أن لعنة الهدر اللبنانية قد أصابت الصندوق الذي أسسته لإضعاف الحزب ويروى أن جهة حكومية لبنانية طلبت ذات مرة من الوكالة الاميركية للتنمية كشفاً عن كيفية صرف خمسة ملايين دولار، أفادت الوكالة بأنها أنفقتها على تنفيذ مشروع معين في منطقة محددة، ولكن الكشف الميداني الذي أجرته الجهة الرسمية على الارض أظهر عدم التطابق بين ما هو منفذ وما هو وارد في التقرير المُعد. لم يأت الجواب، فكررت الجهة الحكومية الطلب ذاته مرات عدة، الى أن بعثت الوكالة بمراسلة تقر فيها بأنها غير قادرة على تقديم الشروحات التفصيلية يعتبر «حزب الله» أن هذا الملف ـ الفضيحة شديد الخطورة ولا يقل حساسية عن شبكات التجسس الاسرائيلية التي ضبطت بالجملة في لبنان، بل إن المعطيات المتوافرة لديه تفيد بأن شبكات المجندين بأشكال مختلفة لصالح الاستخبارات الاميركية هي أضعاف تلك التي تعمل لصالح اسرائيل في العمق اللبناني من هنا، يؤكد الحزب تصميمه على الذهاب بهذه القضية حتى النهاية، لكن وفق إيقاع متدرج ومن دون تسرع، مع ما يتطلبه ذلك من جهد منظم ومبرمج لإبقائها حية وتحريكها سياسياً وقضائياً وتنكب حالياً لجنة قانونية في الحزب تضم مجموعة من الخبراء على دراسة إمكانية رفع دعوى قضائية ضد الإدارة الأميركية استناداً الى نصوص قانونية تتعلق بالأمن القومي اللبناني والى معاهدة جنيف التي ترسم حدوداً لصلاحيات السفارات داخل كل دولة، وهي حدود تجاوزتها السفارة الأميركية في لبنان بأشكال مختلفة، ليس الخرق المالي سوى أحدها كما ان استراتيجية الهجوم القضائي التي يجري درسها تشمل احتمال الادّعاء على شخصيات وجهات لبنانية تقاضت اموالاً من الأميركيين، علماً أن الحزب يؤكد ان بحوزته لائحة تفصيلية بأسماء الشخصيات والجهات المستفيدة اما على المستوى السياسي، فإن خيارات المتابعة متنوعة، مع الإشارة الى أن هذا الموضوع كان قد طُرح خلال الجلسة الأخيرة من هيئة الحوار الوطني، حيث أثار النائب أسعد حردان تساؤلات بشأنه، فرد الرئيس سعد الحريري قائلاً إن الأموال صرفت على الجيش والتنمية، إلا أن الرئيس نبيه بري سارع الى الرد مشدداً على أن المسألة واضحة وفيلتمان نفسه حدد وجهة إنفاق المبالغ، ثم دخل النائب سليمان فرنجية على الخط قائلاً: ربما علينا أن نسأل السيدة نائلة معوض


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة