لم يعد من الممكن، او حتى الجائز، السكوت على التحالف القائم مع إسرائيل من جانب عدد من الدول العربية التي ترتبط سياساتها بالولايات المتحدة من حيث المناهج والأهداف، وإن يكن بعض هذه الدول لم يقم حتى الآن علاقات دبلوماسية رسمية مع إسرائيل.

لم يعد هذا ممكناً وإن كان قد استمر لحقبة طويلة، على الأقل منذ تحالفت الولايات المتحدة وإسرائيل على الأسس «الصهيونية» وأهدافها، الامر الذي لا يزال مستمراً حتى الآن، وبصفة اوضح منذ ظهور إيران الثورة واتخاذها عقيدة وسياسة العداء تجاه إسرائيل، وبصفة خاصة بعد ان وجدت هذه الدول العربية في التناقض مع سياسات إيران تجاه إسرائيل ذريعة للانضواء تحت اعلام الصهيونية الاميركية والاسرائيلية.

ما الذي يثير هذه القضية الآن؟ يثيرها خروج هذا التحالف بين «الصهيونية» وهؤلاء العرب من نطاق الكتمان والسرية وبالتالي الإنكار الى نطاق يقترب من العلنية، حتى اصبح بالإمكان إطلاق صفة «الصهيونية» على هذا البعض من الدول العربية. يثيرها امتداد التحالف بين الصهاينة العرب من حدود التحالف مع اميركا استراتيجياً وسياسياً واقتصادياً وثقافياً الى حدود التحالف مع اسرائيل بصورة شبه علنية من الناحية الاستراتيجية ومن النواحي السياسية.

ذلك ان انضمام الدول العربية «الصهيونية» الى حلف الاطلسي، بصورة غير مباشرة، يتزامن مع انضمام اسرائيل غير المباشر الى هذا الحلف تحت إشراف عسكري من الولايات المتحدة ورضوخ اوروبي واضح. وقد كان من الممكن ان يكون هذا الانضمام وذاك مجرد مناورات عسكرية تجمع بين هؤلاء وإسرائيل، إلا أن الأمر يتجاوز هذا الحد من التنسيق الى آفاق اوسع استراتيجياً وسياسياً. وبالمناسبة فليس هناك أي إنكار من جانب اسرائيل او اميركا او اوروبا لهذا التطور الذي بدأ منذ نحو عشر سنوات، ولكن إنكار الصهاينة العرب لا يصل الا الى حدود الكتمان، اي عدم ذكر شيء عن هذا التنسيق والتحالف مع أميركا وأوروبا واسرائيل تحت مظلة حلف شمال الاطلسي.

المرحلة الجديدة من اعتناق دول عربية بعينها هذا النطاق من «الصهيونية» بدأت مع بداية ما أسمي بالربيع العربي. اي ان هذه المرحلة بدأت قبل اكثر قليلاً من سنتين. ولا يحتاج الامر الى أدلة ناصعة اكثر من نصوع أدلة المواقف التي تتخذها الولايات المتحدة وتتخـذها اوروبا، وكذلك دول عربـية ذات نفوذ وتأثير كبـيرين وذات مشاركة اكيدة في نشاطات ومناورات حلف الاطلسي ازاء احـداث الربيـع العربي في كل من تونس ومصر وليبيا وسورية واليمن وما قد يستـجد. وإذا كان بعض الغموض لا يزال يكتنف هذا التطور الخطير، الذي يأخذ دولا عربية بعينها باتجاه «الصهيونية»، فإن من الضروري الاعتراف بأن مقاومة هذا التيار الخطر قائمة في كل من البلدان التي داهمها الربيع العربي او اختلط فيها بالتيارات الثورية. ونذكر هنا بشكل خاص كلا من مصر وسورية. وهذا أمر طبيعي بحكم الدور التاريخي لكل من مصر وسورية في التطورات الحاسمة وأيضاً القاسمة في مصير الأمة العربية.

إن مصر تقاوم على طريقتها، وبصفات المقاومة التي عرفتها طوال تاريخها القديم والحديث، دخول نمط الربيع العربي الذي ايده ودعمه الغرب ومعه اسرائيل. فهذا ما اتضح من صعود دور «الإخوان المسلمين» منذ ان استولوا على الثورة ومنها على الدولة. لقد تواكب هذا الصعود المزدوج مع الانقلاب الكامل في نظرة «الإخوان المسلمين» وعقائدها تجاه اسرائيل. أما ما اتضح عن موقفهم من الولايات المتحدة ودورها في مصر وفي المنطقة فانه لم يأت بجديد، لأن علاقاتهم بالولايات المتحدة قديمة ترجع الى عقد الأربعينيات من القرن العشرين. وقد يثير الدهشة هذا التزامن بين بداية العلاقات الإخوانية الأميركية ونشأة دولة اسرائيل. ولكن هذه الدهشة تبدأ في الزوال مع ظهور المرحلة الجديدة الآنية من صهيونية «الإخوان المسلمين» التي جعلت من الوئام في العلاقات بين التنظيم ودولة اسرائيل سمة واضحة من سمات السياسة الخارجية للدولة الإخوانية. وهي سياسة تصرح علانية – وإن يكن ذلك من دون بيـانات رسمية – بأن دولة «الإخوان» تبقي على العلاقات مع اسرائيل في مسارها الذي امتد طوال عهدي السادات ومبارك. وبالتالي فإن المقاومة المتبادلة بين الإخوان المسلمين ومن تسميهم بالاحزاب الليبرالية واليسارية، وهي تعني احزاب الثورة المصرية التي تقاوم الصعود الإخواني بكل ما يعنيه داخلياً وخارجياً، تعكس بوجهيها حالة الحرب الثورية بين هذين الكيانين اللذين يشكلان في ظروف مصر، وعلى الرغم من طبيعة مصر السلمية، احتمالات الحرب الأهلية الحقيقية، بين الثورة كما تتمثل في الجماهير الشعبية، والثورة المضادة كما تتمثل في «الإخوان المسلمين» ومن يتحالفون معهم.

إن أقصى ما تريده الولايات المتحدة الآن بهذه الصفة هو ان تستسلم سورية لسلطة «الإخوان المسلمين» او ما يماثلها. وقد تصاعد دور «الإخوان» في سورية بدرجة واضحة في الشهور الأخيرة، وقد ينذر هذا الصعود بدورة جديدة من العنف الدموي بين تنظيمين تؤيدهما الولايات المتحدة في الصراع الراهن، وهما تنظيم «الإخوان المسلمين» السوري الذي يمارس العمل المسلح صراحة وعلناً، وتنظيم «القاعدة» الذي لا يعترف بانتماء، ويفضل ان يُرى كتنظيم اسلامي واسع الانتشار بأسلحته في العالم الاسلامي ككل.

قد تكون المرحلة التالية من الصراع الدامي في سورية مرحلة صدام مسلح بين تنظيم «الإخوان المسلمين» وتنظيم «القاعدة». وليس من المستبعد في اللحظة الراهنة ان تكون الولايات المتحدة بصدد محاولة جادة ودؤوبة لمنع مثل هذا الصدام من الوقوع، لأن هذا المنع هو الضامن الوحيد لربيع عربي اميركي النزعة في سورية. وقد تكون المرحلة التالية من الصراع غير الدموي في مصر بين تنظيم «الإخوان المسلمين» والتنظيم الثوري الجماهيري المقاوم لهيمنة «الإخوان» على الدولة. لا يزال احتمال انتصار الصراع السياسي في مصر بين الإخوان والتيار الشعبي الثوري المناهض لهم هو الاحتمال الممكن. ولا يبقى هذا الاحتمال ممكناً إلا إذا قرر الإخوان المسلمون (التنظيم المصري) أن يبقوا على إخفاء تسليحهم وميليشياتهم المدربة على القتال. وهو احتمال لا يمكن تقديره إلا في ضوء مدى تمسك «الإخوان» في مصر بالهيمنة على السلطة.

نحن إذن بصدد احتمالات تحول الوضع السوري إلى وضع اكثر شبهاً بالوضع المصري، واحتمالات تحول الوضع المصري الى وضع أكثر شبهاً بالوضع السوري، في ظل وضع عربي عام تؤدي فيه المملكة العربية السعودية وقطر ومملكة البحرين دوراً داعماً للوضع المصـري قـابلاً للاستمرار حتى وإن تحول هذا الوضع الى الصدام الدامي، ودوراً داعماً للوضع السوري الدامي، حتى وإن تحول الى وضع يلخصه صراع على السلطة بين طرفين هما تنظيما «الإخوان المسلمين» و«القاعدة». وفي الحالتين فإن الولايات المتحدة ستتطلع الى أداء دور الوسيط بين الطرفين في مصر وفي سورية.

ويصبح السؤال عندئذ كيف سيكون وضع الدول العربية «الصهيونية» اذا وقعت هذه التطورات. إن السعودية، التي تؤدي دور القائد لهذا التيار الصهيوني العربي، ستجد نفسها أمام مهمة بالغة الصعوبة، هي مهمة إقناع القادة في مصر وسورية بما اقتنعت به هي من قبل، وهو القبول بوجود إسرائيل ودورها في المنطقة العربية. وليس من المستبعد أبداً أن تكون السعودية في الوقت الحاضر هي التي تتزعم دور إقناع المنطقة العربية بـ«الصهيونية» وأهدافها، باعتبارها قوة قائمة لا يمكن تجاهلها كما لا يمكن إسقاطها. وهذا الدور أحدث انعكاساته على مواقف تنظيم «الإخوان المسلمين» في مصر بعد صعوده الى سلطة الدولة. أما لماذا لا نتساءل اذا كانت السعودية قد أدت هذا الدور مع تنظيم الإخوان المسلمين في سورية، فذلك لأن من طبيعة تنظيمات الإخوان المسلمين في العالم ككل أن تكون على اتصال واتفاق بشأن مواقفها الداخلية والخارجية. فلا بد أن يكون تنظيم الإخوان المسلمين السوري قد وصل الى القناعة نفسها بشأن إسرائيل و«الصهيونية» مثل القناعة التي توصل اليها تنظيم الإخوان المسلمين في مصر بهذا الشأن.

بعد هذا كله وليس قبله لا بد أن نكون واعين بحقيقة أن الوضع العربي في شموله لا يتألف فحسب من دول تملك السلطة وتديرها تنظيمات معينة. إنه يتألف أيضاً، وبالدرجة الاولى، من جماهير شعبية بينها تلاحم في الأهداف القومية السياسية والإستراتيجية على الأقل. وينبغي هنا، في هذا السياق على وجه التحديد، أن نذكر أن الربيع العربي الزائف الذي رعته الولايات المتحدة في الوطن العربي يسير نحو مصير الانهيار بثبات. ومع ذلك فإن ربيعاً عربياً حقيقياً يوشك أن يبدأ. وربما يبدأ من المناطق التي تسيطر عليها الدول «الصهيونية». وربما يبدأ من حيث يبذل «الإخوان المسلمون» كل جهودهم لتحقيق سيطرة كاملة على السلطة. وهو اذا بدأ ـ بهذه الصفة ـ من مصر يكون هذا بمثابة إشارة الى انتشاره في الوطن العربي ككل. ويكون علامة على عهد جديد من القومية العربية والثورية العربية.

أليس هذا تفاؤلاً مفرطاً يتجاوز الأوضاع الراهنة ويتجاوز الممكن في الظروف الحالية؟

 

انما يتطلب هذا كله أن نعي المعاني الحقيقية التي ينطوي عليها واقع الوطن العربي الذي وصل الى حد من الخطر أصبح عدد من حكامه يلجأون فيه الى التحالف مع «الصهيونية» خشية فقدان الحكم.

إن اقتراب هؤلاء من «الصهيونية» دور مؤقت يبعدهم اكثر عن الجماهير الشعبية ويقربهم اكثر الى فقدان الحكم بعد ان فقدوا العقل.

  • فريق ماسة
  • 2012-12-20
  • 12348
  • من الأرشيف

«الصهيونية» العربية خطر حقيقي

لم يعد من الممكن، او حتى الجائز، السكوت على التحالف القائم مع إسرائيل من جانب عدد من الدول العربية التي ترتبط سياساتها بالولايات المتحدة من حيث المناهج والأهداف، وإن يكن بعض هذه الدول لم يقم حتى الآن علاقات دبلوماسية رسمية مع إسرائيل. لم يعد هذا ممكناً وإن كان قد استمر لحقبة طويلة، على الأقل منذ تحالفت الولايات المتحدة وإسرائيل على الأسس «الصهيونية» وأهدافها، الامر الذي لا يزال مستمراً حتى الآن، وبصفة اوضح منذ ظهور إيران الثورة واتخاذها عقيدة وسياسة العداء تجاه إسرائيل، وبصفة خاصة بعد ان وجدت هذه الدول العربية في التناقض مع سياسات إيران تجاه إسرائيل ذريعة للانضواء تحت اعلام الصهيونية الاميركية والاسرائيلية. ما الذي يثير هذه القضية الآن؟ يثيرها خروج هذا التحالف بين «الصهيونية» وهؤلاء العرب من نطاق الكتمان والسرية وبالتالي الإنكار الى نطاق يقترب من العلنية، حتى اصبح بالإمكان إطلاق صفة «الصهيونية» على هذا البعض من الدول العربية. يثيرها امتداد التحالف بين الصهاينة العرب من حدود التحالف مع اميركا استراتيجياً وسياسياً واقتصادياً وثقافياً الى حدود التحالف مع اسرائيل بصورة شبه علنية من الناحية الاستراتيجية ومن النواحي السياسية. ذلك ان انضمام الدول العربية «الصهيونية» الى حلف الاطلسي، بصورة غير مباشرة، يتزامن مع انضمام اسرائيل غير المباشر الى هذا الحلف تحت إشراف عسكري من الولايات المتحدة ورضوخ اوروبي واضح. وقد كان من الممكن ان يكون هذا الانضمام وذاك مجرد مناورات عسكرية تجمع بين هؤلاء وإسرائيل، إلا أن الأمر يتجاوز هذا الحد من التنسيق الى آفاق اوسع استراتيجياً وسياسياً. وبالمناسبة فليس هناك أي إنكار من جانب اسرائيل او اميركا او اوروبا لهذا التطور الذي بدأ منذ نحو عشر سنوات، ولكن إنكار الصهاينة العرب لا يصل الا الى حدود الكتمان، اي عدم ذكر شيء عن هذا التنسيق والتحالف مع أميركا وأوروبا واسرائيل تحت مظلة حلف شمال الاطلسي. المرحلة الجديدة من اعتناق دول عربية بعينها هذا النطاق من «الصهيونية» بدأت مع بداية ما أسمي بالربيع العربي. اي ان هذه المرحلة بدأت قبل اكثر قليلاً من سنتين. ولا يحتاج الامر الى أدلة ناصعة اكثر من نصوع أدلة المواقف التي تتخذها الولايات المتحدة وتتخـذها اوروبا، وكذلك دول عربـية ذات نفوذ وتأثير كبـيرين وذات مشاركة اكيدة في نشاطات ومناورات حلف الاطلسي ازاء احـداث الربيـع العربي في كل من تونس ومصر وليبيا وسورية واليمن وما قد يستـجد. وإذا كان بعض الغموض لا يزال يكتنف هذا التطور الخطير، الذي يأخذ دولا عربية بعينها باتجاه «الصهيونية»، فإن من الضروري الاعتراف بأن مقاومة هذا التيار الخطر قائمة في كل من البلدان التي داهمها الربيع العربي او اختلط فيها بالتيارات الثورية. ونذكر هنا بشكل خاص كلا من مصر وسورية. وهذا أمر طبيعي بحكم الدور التاريخي لكل من مصر وسورية في التطورات الحاسمة وأيضاً القاسمة في مصير الأمة العربية. إن مصر تقاوم على طريقتها، وبصفات المقاومة التي عرفتها طوال تاريخها القديم والحديث، دخول نمط الربيع العربي الذي ايده ودعمه الغرب ومعه اسرائيل. فهذا ما اتضح من صعود دور «الإخوان المسلمين» منذ ان استولوا على الثورة ومنها على الدولة. لقد تواكب هذا الصعود المزدوج مع الانقلاب الكامل في نظرة «الإخوان المسلمين» وعقائدها تجاه اسرائيل. أما ما اتضح عن موقفهم من الولايات المتحدة ودورها في مصر وفي المنطقة فانه لم يأت بجديد، لأن علاقاتهم بالولايات المتحدة قديمة ترجع الى عقد الأربعينيات من القرن العشرين. وقد يثير الدهشة هذا التزامن بين بداية العلاقات الإخوانية الأميركية ونشأة دولة اسرائيل. ولكن هذه الدهشة تبدأ في الزوال مع ظهور المرحلة الجديدة الآنية من صهيونية «الإخوان المسلمين» التي جعلت من الوئام في العلاقات بين التنظيم ودولة اسرائيل سمة واضحة من سمات السياسة الخارجية للدولة الإخوانية. وهي سياسة تصرح علانية – وإن يكن ذلك من دون بيـانات رسمية – بأن دولة «الإخوان» تبقي على العلاقات مع اسرائيل في مسارها الذي امتد طوال عهدي السادات ومبارك. وبالتالي فإن المقاومة المتبادلة بين الإخوان المسلمين ومن تسميهم بالاحزاب الليبرالية واليسارية، وهي تعني احزاب الثورة المصرية التي تقاوم الصعود الإخواني بكل ما يعنيه داخلياً وخارجياً، تعكس بوجهيها حالة الحرب الثورية بين هذين الكيانين اللذين يشكلان في ظروف مصر، وعلى الرغم من طبيعة مصر السلمية، احتمالات الحرب الأهلية الحقيقية، بين الثورة كما تتمثل في الجماهير الشعبية، والثورة المضادة كما تتمثل في «الإخوان المسلمين» ومن يتحالفون معهم. إن أقصى ما تريده الولايات المتحدة الآن بهذه الصفة هو ان تستسلم سورية لسلطة «الإخوان المسلمين» او ما يماثلها. وقد تصاعد دور «الإخوان» في سورية بدرجة واضحة في الشهور الأخيرة، وقد ينذر هذا الصعود بدورة جديدة من العنف الدموي بين تنظيمين تؤيدهما الولايات المتحدة في الصراع الراهن، وهما تنظيم «الإخوان المسلمين» السوري الذي يمارس العمل المسلح صراحة وعلناً، وتنظيم «القاعدة» الذي لا يعترف بانتماء، ويفضل ان يُرى كتنظيم اسلامي واسع الانتشار بأسلحته في العالم الاسلامي ككل. قد تكون المرحلة التالية من الصراع الدامي في سورية مرحلة صدام مسلح بين تنظيم «الإخوان المسلمين» وتنظيم «القاعدة». وليس من المستبعد في اللحظة الراهنة ان تكون الولايات المتحدة بصدد محاولة جادة ودؤوبة لمنع مثل هذا الصدام من الوقوع، لأن هذا المنع هو الضامن الوحيد لربيع عربي اميركي النزعة في سورية. وقد تكون المرحلة التالية من الصراع غير الدموي في مصر بين تنظيم «الإخوان المسلمين» والتنظيم الثوري الجماهيري المقاوم لهيمنة «الإخوان» على الدولة. لا يزال احتمال انتصار الصراع السياسي في مصر بين الإخوان والتيار الشعبي الثوري المناهض لهم هو الاحتمال الممكن. ولا يبقى هذا الاحتمال ممكناً إلا إذا قرر الإخوان المسلمون (التنظيم المصري) أن يبقوا على إخفاء تسليحهم وميليشياتهم المدربة على القتال. وهو احتمال لا يمكن تقديره إلا في ضوء مدى تمسك «الإخوان» في مصر بالهيمنة على السلطة. نحن إذن بصدد احتمالات تحول الوضع السوري إلى وضع اكثر شبهاً بالوضع المصري، واحتمالات تحول الوضع المصري الى وضع أكثر شبهاً بالوضع السوري، في ظل وضع عربي عام تؤدي فيه المملكة العربية السعودية وقطر ومملكة البحرين دوراً داعماً للوضع المصـري قـابلاً للاستمرار حتى وإن تحول هذا الوضع الى الصدام الدامي، ودوراً داعماً للوضع السوري الدامي، حتى وإن تحول الى وضع يلخصه صراع على السلطة بين طرفين هما تنظيما «الإخوان المسلمين» و«القاعدة». وفي الحالتين فإن الولايات المتحدة ستتطلع الى أداء دور الوسيط بين الطرفين في مصر وفي سورية. ويصبح السؤال عندئذ كيف سيكون وضع الدول العربية «الصهيونية» اذا وقعت هذه التطورات. إن السعودية، التي تؤدي دور القائد لهذا التيار الصهيوني العربي، ستجد نفسها أمام مهمة بالغة الصعوبة، هي مهمة إقناع القادة في مصر وسورية بما اقتنعت به هي من قبل، وهو القبول بوجود إسرائيل ودورها في المنطقة العربية. وليس من المستبعد أبداً أن تكون السعودية في الوقت الحاضر هي التي تتزعم دور إقناع المنطقة العربية بـ«الصهيونية» وأهدافها، باعتبارها قوة قائمة لا يمكن تجاهلها كما لا يمكن إسقاطها. وهذا الدور أحدث انعكاساته على مواقف تنظيم «الإخوان المسلمين» في مصر بعد صعوده الى سلطة الدولة. أما لماذا لا نتساءل اذا كانت السعودية قد أدت هذا الدور مع تنظيم الإخوان المسلمين في سورية، فذلك لأن من طبيعة تنظيمات الإخوان المسلمين في العالم ككل أن تكون على اتصال واتفاق بشأن مواقفها الداخلية والخارجية. فلا بد أن يكون تنظيم الإخوان المسلمين السوري قد وصل الى القناعة نفسها بشأن إسرائيل و«الصهيونية» مثل القناعة التي توصل اليها تنظيم الإخوان المسلمين في مصر بهذا الشأن. بعد هذا كله وليس قبله لا بد أن نكون واعين بحقيقة أن الوضع العربي في شموله لا يتألف فحسب من دول تملك السلطة وتديرها تنظيمات معينة. إنه يتألف أيضاً، وبالدرجة الاولى، من جماهير شعبية بينها تلاحم في الأهداف القومية السياسية والإستراتيجية على الأقل. وينبغي هنا، في هذا السياق على وجه التحديد، أن نذكر أن الربيع العربي الزائف الذي رعته الولايات المتحدة في الوطن العربي يسير نحو مصير الانهيار بثبات. ومع ذلك فإن ربيعاً عربياً حقيقياً يوشك أن يبدأ. وربما يبدأ من المناطق التي تسيطر عليها الدول «الصهيونية». وربما يبدأ من حيث يبذل «الإخوان المسلمون» كل جهودهم لتحقيق سيطرة كاملة على السلطة. وهو اذا بدأ ـ بهذه الصفة ـ من مصر يكون هذا بمثابة إشارة الى انتشاره في الوطن العربي ككل. ويكون علامة على عهد جديد من القومية العربية والثورية العربية. أليس هذا تفاؤلاً مفرطاً يتجاوز الأوضاع الراهنة ويتجاوز الممكن في الظروف الحالية؟   انما يتطلب هذا كله أن نعي المعاني الحقيقية التي ينطوي عليها واقع الوطن العربي الذي وصل الى حد من الخطر أصبح عدد من حكامه يلجأون فيه الى التحالف مع «الصهيونية» خشية فقدان الحكم. إن اقتراب هؤلاء من «الصهيونية» دور مؤقت يبعدهم اكثر عن الجماهير الشعبية ويقربهم اكثر الى فقدان الحكم بعد ان فقدوا العقل.

المصدر : السفير /سمير كرم


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة