ولم نكن ننتظر مأساة غزة لندرك ان «الربيع العربي» مصطلح رث وخادع، وان الاسلام، بنسخته الحديثة، ليس اكثر من عباءة ولحية واسنان زجاجية صفراء، وحتى اولئك الذين طالما تمثلوا، بادبياتهم العقائدية والسياسية، صلاح الدين الايوبي، راحوا يطرقون باب اورشليم، لا باب القدس، خفية او علانية، بالقفازات الحريرية لا بالسيف…
كل الاقنعة سقطت، ودون استثناء، حتى السلطان العثماني الذي زرع فينا اوهاماً كثيرة، واوحى لنا بأنه هو من سيقود المسلمين الى المسجد الاقصى، بدا سلطاناً من القش، ومنذ حادثة الباخرة مرمرة، ومع ذلك صفقنا له بسبب تلك اللحظة الدرامية مع شمعون بيريس في دافوس، لنكتشف في نهاية المطاف ان الرجل الذي استدعى الدرع الصاروخية الى بلاده والذي يستجلب الآن الباتريوت، باهت وهش ويتقن الصراخ، الصراخ فقط، مثل اي زعيم عربي لا حول له ولا طول الا …طول اللسان.
نقول للسيد رجب طيب اردوغان توقف عن خداعنا، وعن اعطائنا الاوامر، والانذارات، باصبعك، كما حدث في سوريا وكما حدث في العراق، لاننا جميعاً امام بنيامين نتنياهو نمتهن التسول الديبلوماسي ونتقن القتال على الشاشات فيما الاختبار الحقيقي، الموقف الحقيقي، هو القتال على الارض…
كم بدا مشهد وزراء الخارجية العرب، وبينهم النجم الساطع في دنيا العرب نبيل العربي، مضحكاً ومهيناً في آن، وهم يتضامنون مع غزة في غزة. كما لو ان سكان القطاع الذين تعرضوا لكل اشكال البربرية بحاجة الى ربطات العنق تتضامن معها، والى تلك الوجوه الباهتة وهي تعبّر عن الاسى. غريب، ومفجع، عندما يموت فينا الخجل ونجثو، هكذا، في حضرة العار…
حتى ان احمد داود اوغلو، الفخور بلقب «كيسنجر التركي»، وهو اللقب الكوميدي والفضفاض على كل حال، فعل مثلما فعل نظراؤه العرب. ايها الحفاة، حفاة الروح وحفاة المروءة، هل الموتى في غزة، الاطفال الموتى، بحاجة الى من يربت على اكتافهم او الى من يربت على جثثهم؟
بدا المشهد هكذا، جثث حدباء تعلن تضامنها مع تلك الجثث التي بقيت واقفة، ومنتصبة، في وجه الهمجية التي لا احد في ذلك الغرب الديموقراطي، والحضاري، والانساني يتجرأ على ان يتصدى لها ولو بالكلام، هذا اذا لم يكن يتواطأ معها بطريقة او بأخرى…
همساً، قال لنا سفير عربي ساخراً: «كنا نظن اننا في الطريق الى تتريك العرب فإذا بنا ننجح في تعريب الاتراك»، ودون ان يبقى سراً حديث الفضائح التي رافقت الاتصالات الديبلوماسية وتحت شعار «من فضلكم انقذوا ماء وجوهنا». هل ثمة من وجوه لاولئك العرب، لاولئك الاتراك، حقاً؟
 من لم يعرف اية اغراءات عرضت على بنيامين نتنياهو لكي يتوقف عن القتل؟ تعهدات بتفكيك ما تبقى من الصواريخ، وحتى تشكيل بعثة تفتيش دائمة، ومقيمة في القطاع، للتأكد من عدم تشغيل مصانع الصواريخ التي ستقفل بطبيعة الحال، اضافة الى اغراءات اخرى يندى لها الجبين، وعلى اساس ان الاولوية الآن للمعركة ضد النظام السوري، واي نظام اذا كان الخراب يضرب سوريا حجراً حجراً، واذا كانت المعارضة التي تمت لملمتها بالمال او بالعصا، بدأت تتعثر وتتبعثر من الخطوة الاولى. تابعوا ما تقوله معارضة الداخل عن معارضة الخارج..
ليس صحيحاً ما يقال من ان العرب والاتراك يفاوضون من اجل غزة، بل من اجل سقوط غزة، غزة هاشم، بعدما تمكنت السلطة الفلسطينية الغراء، وبزعامة محمود عباس، من تحويل سكان الضفة الغربية الى «مستوطنين»، فيما المستوطنون اليهود يتصرفون، ويعملون، على انهم السكان الاصليون لهذه الارض…
وهل يبقى سراً ان وزير خارجية عربي خاطب نظيره المصري محمد كامل عمرو بالسؤال ما اذا كان الحل الافضل لغزة هو اعادة الحاقها بمصر، فهذا اذ يضع حداً للحصار، وللمأساة، انما يضع ايضاَ الامور في نصابها (الايديولوجي). الا يقول «الاخوان المسلمون» بتوحيد الامة الاسلامية وتحت قيادة واحدة تنافس اسطنبول القاهرة على مكانها؟
خلف هذا المشهد السوداوي تتلألأ حقيقة اخرى: لم تعد اسرائيل، بكل جبروتها وبكل ذلك التواطؤ الغربي، تخيف. هزمت في لبنان عام 2000، وهزمت عام 2006، وها ان اهل غزة يواجهونها، دون وجل، بصدورهم، وبعيون اطفالهم. رغم كل شيء، اسرائيل هي الخائفة، وهي التي فقدت اي خيار آخر باستثناء القتل الذي لم يكن يوما رهان الاقوياء بل رهان البرابرة عندما يسقطون، ويندثرون، في لعبة الدم…
بعد غزة، ثمة ربيع عربي سيبزغ، ولا علاقة له بذلك الربيع المبرمج على افكار حسن البنا وارقام وول ستريت وبينهما ثقافة تورابورا، لا اقنعة بعد الآن!
  • فريق ماسة
  • 2012-11-21
  • 12759
  • من الأرشيف

لا اقنعة بعد الآن .. قولاً كل شيء تغيّر، فعلاً لا شيء

ولم نكن ننتظر مأساة غزة لندرك ان «الربيع العربي» مصطلح رث وخادع، وان الاسلام، بنسخته الحديثة، ليس اكثر من عباءة ولحية واسنان زجاجية صفراء، وحتى اولئك الذين طالما تمثلوا، بادبياتهم العقائدية والسياسية، صلاح الدين الايوبي، راحوا يطرقون باب اورشليم، لا باب القدس، خفية او علانية، بالقفازات الحريرية لا بالسيف… كل الاقنعة سقطت، ودون استثناء، حتى السلطان العثماني الذي زرع فينا اوهاماً كثيرة، واوحى لنا بأنه هو من سيقود المسلمين الى المسجد الاقصى، بدا سلطاناً من القش، ومنذ حادثة الباخرة مرمرة، ومع ذلك صفقنا له بسبب تلك اللحظة الدرامية مع شمعون بيريس في دافوس، لنكتشف في نهاية المطاف ان الرجل الذي استدعى الدرع الصاروخية الى بلاده والذي يستجلب الآن الباتريوت، باهت وهش ويتقن الصراخ، الصراخ فقط، مثل اي زعيم عربي لا حول له ولا طول الا …طول اللسان. نقول للسيد رجب طيب اردوغان توقف عن خداعنا، وعن اعطائنا الاوامر، والانذارات، باصبعك، كما حدث في سوريا وكما حدث في العراق، لاننا جميعاً امام بنيامين نتنياهو نمتهن التسول الديبلوماسي ونتقن القتال على الشاشات فيما الاختبار الحقيقي، الموقف الحقيقي، هو القتال على الارض… كم بدا مشهد وزراء الخارجية العرب، وبينهم النجم الساطع في دنيا العرب نبيل العربي، مضحكاً ومهيناً في آن، وهم يتضامنون مع غزة في غزة. كما لو ان سكان القطاع الذين تعرضوا لكل اشكال البربرية بحاجة الى ربطات العنق تتضامن معها، والى تلك الوجوه الباهتة وهي تعبّر عن الاسى. غريب، ومفجع، عندما يموت فينا الخجل ونجثو، هكذا، في حضرة العار… حتى ان احمد داود اوغلو، الفخور بلقب «كيسنجر التركي»، وهو اللقب الكوميدي والفضفاض على كل حال، فعل مثلما فعل نظراؤه العرب. ايها الحفاة، حفاة الروح وحفاة المروءة، هل الموتى في غزة، الاطفال الموتى، بحاجة الى من يربت على اكتافهم او الى من يربت على جثثهم؟ بدا المشهد هكذا، جثث حدباء تعلن تضامنها مع تلك الجثث التي بقيت واقفة، ومنتصبة، في وجه الهمجية التي لا احد في ذلك الغرب الديموقراطي، والحضاري، والانساني يتجرأ على ان يتصدى لها ولو بالكلام، هذا اذا لم يكن يتواطأ معها بطريقة او بأخرى… همساً، قال لنا سفير عربي ساخراً: «كنا نظن اننا في الطريق الى تتريك العرب فإذا بنا ننجح في تعريب الاتراك»، ودون ان يبقى سراً حديث الفضائح التي رافقت الاتصالات الديبلوماسية وتحت شعار «من فضلكم انقذوا ماء وجوهنا». هل ثمة من وجوه لاولئك العرب، لاولئك الاتراك، حقاً؟  من لم يعرف اية اغراءات عرضت على بنيامين نتنياهو لكي يتوقف عن القتل؟ تعهدات بتفكيك ما تبقى من الصواريخ، وحتى تشكيل بعثة تفتيش دائمة، ومقيمة في القطاع، للتأكد من عدم تشغيل مصانع الصواريخ التي ستقفل بطبيعة الحال، اضافة الى اغراءات اخرى يندى لها الجبين، وعلى اساس ان الاولوية الآن للمعركة ضد النظام السوري، واي نظام اذا كان الخراب يضرب سوريا حجراً حجراً، واذا كانت المعارضة التي تمت لملمتها بالمال او بالعصا، بدأت تتعثر وتتبعثر من الخطوة الاولى. تابعوا ما تقوله معارضة الداخل عن معارضة الخارج.. ليس صحيحاً ما يقال من ان العرب والاتراك يفاوضون من اجل غزة، بل من اجل سقوط غزة، غزة هاشم، بعدما تمكنت السلطة الفلسطينية الغراء، وبزعامة محمود عباس، من تحويل سكان الضفة الغربية الى «مستوطنين»، فيما المستوطنون اليهود يتصرفون، ويعملون، على انهم السكان الاصليون لهذه الارض… وهل يبقى سراً ان وزير خارجية عربي خاطب نظيره المصري محمد كامل عمرو بالسؤال ما اذا كان الحل الافضل لغزة هو اعادة الحاقها بمصر، فهذا اذ يضع حداً للحصار، وللمأساة، انما يضع ايضاَ الامور في نصابها (الايديولوجي). الا يقول «الاخوان المسلمون» بتوحيد الامة الاسلامية وتحت قيادة واحدة تنافس اسطنبول القاهرة على مكانها؟ خلف هذا المشهد السوداوي تتلألأ حقيقة اخرى: لم تعد اسرائيل، بكل جبروتها وبكل ذلك التواطؤ الغربي، تخيف. هزمت في لبنان عام 2000، وهزمت عام 2006، وها ان اهل غزة يواجهونها، دون وجل، بصدورهم، وبعيون اطفالهم. رغم كل شيء، اسرائيل هي الخائفة، وهي التي فقدت اي خيار آخر باستثناء القتل الذي لم يكن يوما رهان الاقوياء بل رهان البرابرة عندما يسقطون، ويندثرون، في لعبة الدم… بعد غزة، ثمة ربيع عربي سيبزغ، ولا علاقة له بذلك الربيع المبرمج على افكار حسن البنا وارقام وول ستريت وبينهما ثقافة تورابورا، لا اقنعة بعد الآن!

المصدر : الديار / نبيه برجي


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة