تحت رعاية قطر والمملكة السعودية، وبعد أسبوع كامل من النقاشات والمبادرات المتناقضة في الشكل تحت عنوان إعادة هيكلة "المجلس الوطني السوري"،

وتوحيد ما يسمى قوى المعارضة الخارجية السورية، تمخض اجتماع الدوحة عن تشكيل "الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة" على أنقاض الهيكل السابق، من دون أي تبديل حقيقي لدور المعارضة المأجور وارتهانها لإرادة القوى الأجنبية المعادية.

وبدلاً من توحيد أجنحة المعارضة الخارجية والداخلية بكل تلويناتها السياسية والعقائدية والعسكرية، كرّس الائتلاف الجديد حدة التباعد والانفصال عن الجماعات المسلحة التي تعمل منذ بداية الأزمة باستقلالية عن ممثليها المفترضين في الخارج، وعن بعضها بعضاً في الداخل، إذ يتوالد أمراء الحرب المتنافسون على المكاسب الشخصية في كل بؤرة من بؤر النزاع العسكري المتناثرة على مساحة الوطن السوري.

قد يرى بعض المراقبين في هذا التطور للأحداث انتكاسة لسياسة الولايات المتحدة بتخليها عن "المجلس الوطني"، بحجة "عجزه عن ضبط الجماعات المسلحة المتطرفة، وعدم تمثيله للقوى الفاعلة على الأرض"، لكن يتناسى هؤلاء أن أجهزة المخابرات الغربية والإقليمية، وعلى رأسها الموساد "الإسرائيلي"، التي أنشأت المجلس هي التي خلقت نقيضه، وسهلت جلب المرتزقة و"الجهاديين" من البلدان المحيطة والبعيدة على السواء، من خلال التقديمات السخية بالمال والعتاد والدعم اللوجيستي.

في الواقع، إن القوى المعادية للنظام والرئيس بشار الأسد تستهدف فقط تدمير الكيان السوري وتقسيمه، ولا تكترث لوحدة المعارضات العديدة، ما دامت مسلوبة الإرادة، ومتناحرة فيما بينها، وملتزمة بتنفيذ أدوارها المأجورة ضمن الأجندة الأجنبية بكل دقة، وسواء كانت متحدة أو منفصلة، فإن المعارضات السورية لن تشكل مصدر خطر على داعميها ومموليها، حتى وإن تسنى لها استلام السلطة السياسية، بالشكل دون المضمون، كما حصل في ليبيا واليمن وغيرهما، حيث تتباهى القوى الصاعدة بأدوارها المشبوهة تحت مسميات "بناء دولة القانون والديمقراطية وحقوق الإنسان".

بعد لقاء الدوحة، بقيت المعارضات المختلفة كما كانت منذ البداية؛ منقسمة إلى ثلاث فئات متباعدة، بحيث لا مجال لتوحيدها أو تلاقيها على جميع الصعد العسكرية والسياسية والتنظيمية والدبلوماسية، وهي على الشكل التالي: أولاً المعارضة الخارجية، وثانياً الجماعات المسلحة، وثالثاً المعارضة الداخلية التي تؤمن بالتغيير والإصلاح من خلال الحوار وصناديق الاقتراع.

 

أما المعارضة الخارجية، أو ما باتت توصف من العدو والصديق بمعارضة الفنادق الفخمة، فينحصر دورها في ابتزاز النظام والتشويش عليه إعلامياً، وتشكيل واجهة سياسية للدعوة إلى نزع شرعيته في أوساط الهيئات والمنظمات الإقليمية والدولية، وفي هذا المجال استنفد مجلس اسطنبول دوره، وصار لزاماً رفع مستوى الضغط الدبلوماسي والسياسي على الحكومة السورية، فجاء تشكيل ائتلاف الدوحة.

ورغم بقاء التشكيل الجديد في إطار المعارضة الخارجية المنفصلة عن الميدان العسكري، فقد أضيف إلى الدور السابق مهمة السعي إلى كسب الاعتراف الدولي بشرعية "تمثيله للشعب السوري"، وهذا أمر مستحيل في الوقت الحالي، ما دام الموقف الروسي على حاله، لكن يمكن للائتلاف أن يحتل المقعد السوري في الجامعة العربية، ويتسلم بصورة غير قانونية إدارة السفارات السورية لدى بعض الدول.

سيسعى الائتلاف إلى تشكيل حكومة "منفى"، مع اعتراف ضمني باستحالة تشكيل حكومة "انتقالية" تكون ذات فعالية على الأرض السورية، وذلك نظراً إلى عدم اعتراف معظم الجماعات المسلحة بتمثيلها في الائتلاف، ولعدم استقرار ما تسمى "المناطق المحررة"، بسبب استمرار عمليات "الكرّ والفرّ" بين المسلحين والقوى الأمنية السورية.

وعلى صعيد المعارضة المسلحة، فمن المتوقع أن تتلقى دعماً عسكرياً نوعياً يؤهلها للدفاع عن المواقع الحالية ومحاولة توسيعها، تمهيداً لإعلانها مناطق محررة قابلة لاستيعاب سلطة محلية سياسية وعسكرية وقضائية، وما شاكل، رغم أن هذه الأهداف هي في صلب ما أعلنته قيادة "الائتلاف" الجديد في الدوحة، فإن أمراء الحرب في الداخل، والذين يسيطرون على المواقع ويستغلونها لمآربهم الشخصية، لن يسمحوا بإزاحتهم عن مواقع نفوذهم، حتى وإن تحقق هدف الائتلاف الافتراضي في تسلّم السلطة السياسية لإدارة المناطق المحررة.

وفي ضوء استنفاد الجزء الأكبر من العمليات العسكرية، وعدم استعداد القوى الأجنبية للتدخل العسكري المباشر، تقترب الأزمة السورية من نهاية مرحلتها الأولى، التي تتسم بتثبيت الأمر الواقع الراهن الذي يفرضه توازن القوى الفعلي على الأرض، وبتقسيم المناطق وتعدد السلطات العسكرية والسياسية فيها.

وضمن هذه الشروط المستجدة، تجد المعارضة الداخلية "السلمية" نفسها في موقع ملائم لتنال حصة كبيرة من المكاسب السياسية التي ستسفر عنها المزيد من التنازلات المتوقعة من جانب النظام الحالي، وقبوله بمشاركتها الكاملة في حكم المناطق التي ستبقى تحت سيطرة الدولة.

ولهذا السبب، لا تشكو المعارضة الداخلية من استبعادها عن لقاء الدوحة، كما لا يحس النظام الحالي بأية تهديدات إضافية لوجوده وبقائه، وسيكون له دور كبير، إلى جانب القوى الحليفة الأخرى، على صعيد معركة التمسك بشرعيته داخلياً ودولياً، وفي مهمات استعادة وحدة البلد وبسط سيادة الدولة على كامل ترابه، وهذا هو التحدي الفعلي الذي يواجه الشعب السوري وقواه الوطنية المخلصة.

  • فريق ماسة
  • 2012-11-14
  • 9255
  • من الأرشيف

ائتلاف الدوحة" لا يضيف تهديداً جديداً لسورية

تحت رعاية قطر والمملكة السعودية، وبعد أسبوع كامل من النقاشات والمبادرات المتناقضة في الشكل تحت عنوان إعادة هيكلة "المجلس الوطني السوري"، وتوحيد ما يسمى قوى المعارضة الخارجية السورية، تمخض اجتماع الدوحة عن تشكيل "الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة" على أنقاض الهيكل السابق، من دون أي تبديل حقيقي لدور المعارضة المأجور وارتهانها لإرادة القوى الأجنبية المعادية. وبدلاً من توحيد أجنحة المعارضة الخارجية والداخلية بكل تلويناتها السياسية والعقائدية والعسكرية، كرّس الائتلاف الجديد حدة التباعد والانفصال عن الجماعات المسلحة التي تعمل منذ بداية الأزمة باستقلالية عن ممثليها المفترضين في الخارج، وعن بعضها بعضاً في الداخل، إذ يتوالد أمراء الحرب المتنافسون على المكاسب الشخصية في كل بؤرة من بؤر النزاع العسكري المتناثرة على مساحة الوطن السوري. قد يرى بعض المراقبين في هذا التطور للأحداث انتكاسة لسياسة الولايات المتحدة بتخليها عن "المجلس الوطني"، بحجة "عجزه عن ضبط الجماعات المسلحة المتطرفة، وعدم تمثيله للقوى الفاعلة على الأرض"، لكن يتناسى هؤلاء أن أجهزة المخابرات الغربية والإقليمية، وعلى رأسها الموساد "الإسرائيلي"، التي أنشأت المجلس هي التي خلقت نقيضه، وسهلت جلب المرتزقة و"الجهاديين" من البلدان المحيطة والبعيدة على السواء، من خلال التقديمات السخية بالمال والعتاد والدعم اللوجيستي. في الواقع، إن القوى المعادية للنظام والرئيس بشار الأسد تستهدف فقط تدمير الكيان السوري وتقسيمه، ولا تكترث لوحدة المعارضات العديدة، ما دامت مسلوبة الإرادة، ومتناحرة فيما بينها، وملتزمة بتنفيذ أدوارها المأجورة ضمن الأجندة الأجنبية بكل دقة، وسواء كانت متحدة أو منفصلة، فإن المعارضات السورية لن تشكل مصدر خطر على داعميها ومموليها، حتى وإن تسنى لها استلام السلطة السياسية، بالشكل دون المضمون، كما حصل في ليبيا واليمن وغيرهما، حيث تتباهى القوى الصاعدة بأدوارها المشبوهة تحت مسميات "بناء دولة القانون والديمقراطية وحقوق الإنسان". بعد لقاء الدوحة، بقيت المعارضات المختلفة كما كانت منذ البداية؛ منقسمة إلى ثلاث فئات متباعدة، بحيث لا مجال لتوحيدها أو تلاقيها على جميع الصعد العسكرية والسياسية والتنظيمية والدبلوماسية، وهي على الشكل التالي: أولاً المعارضة الخارجية، وثانياً الجماعات المسلحة، وثالثاً المعارضة الداخلية التي تؤمن بالتغيير والإصلاح من خلال الحوار وصناديق الاقتراع.   أما المعارضة الخارجية، أو ما باتت توصف من العدو والصديق بمعارضة الفنادق الفخمة، فينحصر دورها في ابتزاز النظام والتشويش عليه إعلامياً، وتشكيل واجهة سياسية للدعوة إلى نزع شرعيته في أوساط الهيئات والمنظمات الإقليمية والدولية، وفي هذا المجال استنفد مجلس اسطنبول دوره، وصار لزاماً رفع مستوى الضغط الدبلوماسي والسياسي على الحكومة السورية، فجاء تشكيل ائتلاف الدوحة. ورغم بقاء التشكيل الجديد في إطار المعارضة الخارجية المنفصلة عن الميدان العسكري، فقد أضيف إلى الدور السابق مهمة السعي إلى كسب الاعتراف الدولي بشرعية "تمثيله للشعب السوري"، وهذا أمر مستحيل في الوقت الحالي، ما دام الموقف الروسي على حاله، لكن يمكن للائتلاف أن يحتل المقعد السوري في الجامعة العربية، ويتسلم بصورة غير قانونية إدارة السفارات السورية لدى بعض الدول. سيسعى الائتلاف إلى تشكيل حكومة "منفى"، مع اعتراف ضمني باستحالة تشكيل حكومة "انتقالية" تكون ذات فعالية على الأرض السورية، وذلك نظراً إلى عدم اعتراف معظم الجماعات المسلحة بتمثيلها في الائتلاف، ولعدم استقرار ما تسمى "المناطق المحررة"، بسبب استمرار عمليات "الكرّ والفرّ" بين المسلحين والقوى الأمنية السورية. وعلى صعيد المعارضة المسلحة، فمن المتوقع أن تتلقى دعماً عسكرياً نوعياً يؤهلها للدفاع عن المواقع الحالية ومحاولة توسيعها، تمهيداً لإعلانها مناطق محررة قابلة لاستيعاب سلطة محلية سياسية وعسكرية وقضائية، وما شاكل، رغم أن هذه الأهداف هي في صلب ما أعلنته قيادة "الائتلاف" الجديد في الدوحة، فإن أمراء الحرب في الداخل، والذين يسيطرون على المواقع ويستغلونها لمآربهم الشخصية، لن يسمحوا بإزاحتهم عن مواقع نفوذهم، حتى وإن تحقق هدف الائتلاف الافتراضي في تسلّم السلطة السياسية لإدارة المناطق المحررة. وفي ضوء استنفاد الجزء الأكبر من العمليات العسكرية، وعدم استعداد القوى الأجنبية للتدخل العسكري المباشر، تقترب الأزمة السورية من نهاية مرحلتها الأولى، التي تتسم بتثبيت الأمر الواقع الراهن الذي يفرضه توازن القوى الفعلي على الأرض، وبتقسيم المناطق وتعدد السلطات العسكرية والسياسية فيها. وضمن هذه الشروط المستجدة، تجد المعارضة الداخلية "السلمية" نفسها في موقع ملائم لتنال حصة كبيرة من المكاسب السياسية التي ستسفر عنها المزيد من التنازلات المتوقعة من جانب النظام الحالي، وقبوله بمشاركتها الكاملة في حكم المناطق التي ستبقى تحت سيطرة الدولة. ولهذا السبب، لا تشكو المعارضة الداخلية من استبعادها عن لقاء الدوحة، كما لا يحس النظام الحالي بأية تهديدات إضافية لوجوده وبقائه، وسيكون له دور كبير، إلى جانب القوى الحليفة الأخرى، على صعيد معركة التمسك بشرعيته داخلياً ودولياً، وفي مهمات استعادة وحدة البلد وبسط سيادة الدولة على كامل ترابه، وهذا هو التحدي الفعلي الذي يواجه الشعب السوري وقواه الوطنية المخلصة.

المصدر : عدنان محمد العربي


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة