الانطباع الأول السائد في طرابلس، أن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، استوعب تحرّك المعارضة الأخير ضده ومطالبتها له بالاستقالة، وأن التصرّفات «غير المدروسة» التي ارتكبتها المعارضة في محاولتها اقتحام السرايا الحكومية، وما أعقبها من توتر أمني، قدّمت خدمة لميقاتي على طبق من ذهب.

ففي الساعات الـ48 التي تلت اغتيال اللواء وسام الحسن، ساد وجوم وإرباك كبيران أوساط مناصري ميقاتي الذين تساءلوا عمّا إذا كان رئيس الحكومة سيحذو حذو الرئيس عمر كرامي في استقالته عام 2005 عقب اغتيال الرئيس رفيق الحريري تحت وطأة الضغوط، أو أنه سيختار المواجهة. وبعد مرور «قطوع» محاولة اقتحام السرايا على خير، تنفّس هؤلاء الصعداء. وينقل بعض من زاروه أو اتصلوا به معلنين تأييدهم ودعمهم له، أن رئيس الحكومة أكّد لهم أنه لن يستقيل من رئاسة الحكومة، «وسأبقى أتابع مسؤولياتي تجاه أهلي وبلدي».

المتصلون، وبعضهم ممن له ملاحظات على أداء رئيس الحكومة، أبلغه أن «بعض رموز الفريق الآخر تجار دم، وهم لا يريدون الحقيقة ولا العدالة ولا العبور إلى الدولة، بل العبور إلى السلطة، ولو على حساب الدولة ودماء المواطنين»، فكان رد ميقاتي عليهم أن «خطاب الرئيس فؤاد السنيورة هو الذي استفزني وجعلني ألغي فكرة الاستقالة من خاطري، ولو لم يفعل لكان في الموضوع كلام آخر. لكن إذا أرادوها معركة فلتكن».

مصادر ميقاتي لفتت إلى «أخطاء مميتة ارتكبها الفريق الآخر، وحماقات بحق أنفسهم والوطن، وسجلوا سوابق خطيرة لم تعرفها الحياة السياسية في لبنان من قبل».

وتحت شعار «ربّ ضارة نافعة»، تعدد هذه المصادر أخطاء الفريق الآخر الذي «تمادى في استغلال دم الشهداء لأهداف سياسية، إلى درجة أنهم لم ينتظروا قراءة الفاتحة على روح الشهيد قبل أن يهجموا على السرايا. ثم انفلت المسلحون في شوارع بيروت وطرابلس وصيدا وغيرها، ناشرين الفوضى بما لا يقبله عقل ولا منطق».

وفي موازاة ذلك، لا تبدي مصادر ميقاتي قلقاً من الاعتصام الذي ينفذه البعض قرب منزله في طرابلس. وتعزو عدم القلق هذا إلى أمرين: الأول أن «الإسلاميين بكل فئاتهم رفضوا المشاركة فيه، وخصوصاً الجماعة الإسلامية والسلفيين»، مشيرين إلى ردّ الشيخ سالم الرافعي على دعوته للمشاركة بالقول: «أنا لا أقبل أن أقف في وجه الرئيس ميقاتي».

أما الأمر الثاني، فهو بروز «عصبية طرابلسية» تمثلت في مقاطعة أهل المدينة للاعتصام. وكشفت المصادر أن «بعض قوى المجتمع المدني وهيئاته تستعد للتحرك في وجه الاعتصام»، علماً أن رئيس الحكومة «رفض التعرّض للمعتصمين، وقال: إذا أرادوا أن يقيموا في بيتي فأهلاً وسهلاً بهم».

ميقاتي الذي غادر إلى الديار المقدسة وهو يردد قول المتنبي: «أنام ملء جفوني عن شواردها»، على حد تعبير مقربين منه، يرى، بحسب المصادر نفسها، أنه «حقق في الآونة الآخيرة مكاسب سياسية صافية على الصعيد الخارجي، لم يحققها أي رئيس حكومة سواه منذ الرئيس رفيق الحريري». وتوضح أن هذا الدعم تجلى في تجديد سفراء الدول الكبرى الخمس في بيروت دعمهم لحكومته، وزيارة وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كاترين أشتون إلى بيروت، فضلاً عن إفادته من أخطاء خصومه وموقف النائب وليد جنبلاط الرافض للانسحاب من الحكومة، والغطاء السّني الذي تلقاه من مفتي الجمهورية محمد رشيد قبّاني ومن الفريق السياسي السني خارج تيار المستقبل.

وترى المصادر أن على ميقاتي «استغلال هذا الدعم وترجمته سياسياً وشعبياً في الداخل، والخروج من هاجس ربطه طائفته بتيار المستقبل، والعمل ليصبح الرقم واحد فيها».

في موازاة ذلك، أسهم هدوء الأجواء أمس نسبياً في طرابلس بعد تراجع حدة الاشتباكات والمظاهر المسلحة، في خروج حلفاء ميقاتي في المدينة وفريق 8 آذار إلى الإعلام، بعدما آثروا في الأيام الماضية ضبط جمهورهم وعدم الانزلاق إلى معارك كان آخرون يحاولون جرّهم إليها.

وزير الشباب والرياضة فيصل كرامي الذي هبّ مئات الشباب إلى محيط منزله فور انتشار شائعة تعرضه لاعتداء، أوضح أنه «في مقابل كل الفرقاء الحرصاء على مصلحة البلد، يبقى هناك فريق همه الأوحد الكرسي». ورأى أن «محاولة اقتحام السرايا الحكومية بالصليب المشطوب وأعلام القوات اللبنانية والمعارضة السورية، وصمة عار ستطبع تاريخ من دعا إلى ذلك».

أما مسؤول الحزب السوري القومي الاجتماعي، عبد الناصر رعد، فأكد لـ«الأخبار» أن «ما يهمنا هو استقرار البلد، ووضعُنا مكتبنا في طرابلس بعهدة الجيش يأتي انسجاماً مع قناعاتنا، لأنه إذا خسرنا الاستقرار خسرنا كل شيء». وحمّل رعد «الفريق الآخر» مسؤولية «الفوضى التي سادت أخيراً، من خلال نزول المسلحين إلى الشارع وترويع الناس».

أما الأمين العام لحركة التوحيد الإسلامي الشيخ بلال شعبان، فأوضح لـ«الأخبار» أن «قبولنا دخول الجيش إلى مبنى الأمانة العامة للحركة وإقامته معنا كان لقطع الطريق على فتنة في المدينة كان البعض يُعدّ لها».

  • فريق ماسة
  • 2012-10-23
  • 10784
  • من الأرشيف

ميقاتي: أرادوها معركة... فلتكن

الانطباع الأول السائد في طرابلس، أن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، استوعب تحرّك المعارضة الأخير ضده ومطالبتها له بالاستقالة، وأن التصرّفات «غير المدروسة» التي ارتكبتها المعارضة في محاولتها اقتحام السرايا الحكومية، وما أعقبها من توتر أمني، قدّمت خدمة لميقاتي على طبق من ذهب. ففي الساعات الـ48 التي تلت اغتيال اللواء وسام الحسن، ساد وجوم وإرباك كبيران أوساط مناصري ميقاتي الذين تساءلوا عمّا إذا كان رئيس الحكومة سيحذو حذو الرئيس عمر كرامي في استقالته عام 2005 عقب اغتيال الرئيس رفيق الحريري تحت وطأة الضغوط، أو أنه سيختار المواجهة. وبعد مرور «قطوع» محاولة اقتحام السرايا على خير، تنفّس هؤلاء الصعداء. وينقل بعض من زاروه أو اتصلوا به معلنين تأييدهم ودعمهم له، أن رئيس الحكومة أكّد لهم أنه لن يستقيل من رئاسة الحكومة، «وسأبقى أتابع مسؤولياتي تجاه أهلي وبلدي». المتصلون، وبعضهم ممن له ملاحظات على أداء رئيس الحكومة، أبلغه أن «بعض رموز الفريق الآخر تجار دم، وهم لا يريدون الحقيقة ولا العدالة ولا العبور إلى الدولة، بل العبور إلى السلطة، ولو على حساب الدولة ودماء المواطنين»، فكان رد ميقاتي عليهم أن «خطاب الرئيس فؤاد السنيورة هو الذي استفزني وجعلني ألغي فكرة الاستقالة من خاطري، ولو لم يفعل لكان في الموضوع كلام آخر. لكن إذا أرادوها معركة فلتكن». مصادر ميقاتي لفتت إلى «أخطاء مميتة ارتكبها الفريق الآخر، وحماقات بحق أنفسهم والوطن، وسجلوا سوابق خطيرة لم تعرفها الحياة السياسية في لبنان من قبل». وتحت شعار «ربّ ضارة نافعة»، تعدد هذه المصادر أخطاء الفريق الآخر الذي «تمادى في استغلال دم الشهداء لأهداف سياسية، إلى درجة أنهم لم ينتظروا قراءة الفاتحة على روح الشهيد قبل أن يهجموا على السرايا. ثم انفلت المسلحون في شوارع بيروت وطرابلس وصيدا وغيرها، ناشرين الفوضى بما لا يقبله عقل ولا منطق». وفي موازاة ذلك، لا تبدي مصادر ميقاتي قلقاً من الاعتصام الذي ينفذه البعض قرب منزله في طرابلس. وتعزو عدم القلق هذا إلى أمرين: الأول أن «الإسلاميين بكل فئاتهم رفضوا المشاركة فيه، وخصوصاً الجماعة الإسلامية والسلفيين»، مشيرين إلى ردّ الشيخ سالم الرافعي على دعوته للمشاركة بالقول: «أنا لا أقبل أن أقف في وجه الرئيس ميقاتي». أما الأمر الثاني، فهو بروز «عصبية طرابلسية» تمثلت في مقاطعة أهل المدينة للاعتصام. وكشفت المصادر أن «بعض قوى المجتمع المدني وهيئاته تستعد للتحرك في وجه الاعتصام»، علماً أن رئيس الحكومة «رفض التعرّض للمعتصمين، وقال: إذا أرادوا أن يقيموا في بيتي فأهلاً وسهلاً بهم». ميقاتي الذي غادر إلى الديار المقدسة وهو يردد قول المتنبي: «أنام ملء جفوني عن شواردها»، على حد تعبير مقربين منه، يرى، بحسب المصادر نفسها، أنه «حقق في الآونة الآخيرة مكاسب سياسية صافية على الصعيد الخارجي، لم يحققها أي رئيس حكومة سواه منذ الرئيس رفيق الحريري». وتوضح أن هذا الدعم تجلى في تجديد سفراء الدول الكبرى الخمس في بيروت دعمهم لحكومته، وزيارة وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كاترين أشتون إلى بيروت، فضلاً عن إفادته من أخطاء خصومه وموقف النائب وليد جنبلاط الرافض للانسحاب من الحكومة، والغطاء السّني الذي تلقاه من مفتي الجمهورية محمد رشيد قبّاني ومن الفريق السياسي السني خارج تيار المستقبل. وترى المصادر أن على ميقاتي «استغلال هذا الدعم وترجمته سياسياً وشعبياً في الداخل، والخروج من هاجس ربطه طائفته بتيار المستقبل، والعمل ليصبح الرقم واحد فيها». في موازاة ذلك، أسهم هدوء الأجواء أمس نسبياً في طرابلس بعد تراجع حدة الاشتباكات والمظاهر المسلحة، في خروج حلفاء ميقاتي في المدينة وفريق 8 آذار إلى الإعلام، بعدما آثروا في الأيام الماضية ضبط جمهورهم وعدم الانزلاق إلى معارك كان آخرون يحاولون جرّهم إليها. وزير الشباب والرياضة فيصل كرامي الذي هبّ مئات الشباب إلى محيط منزله فور انتشار شائعة تعرضه لاعتداء، أوضح أنه «في مقابل كل الفرقاء الحرصاء على مصلحة البلد، يبقى هناك فريق همه الأوحد الكرسي». ورأى أن «محاولة اقتحام السرايا الحكومية بالصليب المشطوب وأعلام القوات اللبنانية والمعارضة السورية، وصمة عار ستطبع تاريخ من دعا إلى ذلك». أما مسؤول الحزب السوري القومي الاجتماعي، عبد الناصر رعد، فأكد لـ«الأخبار» أن «ما يهمنا هو استقرار البلد، ووضعُنا مكتبنا في طرابلس بعهدة الجيش يأتي انسجاماً مع قناعاتنا، لأنه إذا خسرنا الاستقرار خسرنا كل شيء». وحمّل رعد «الفريق الآخر» مسؤولية «الفوضى التي سادت أخيراً، من خلال نزول المسلحين إلى الشارع وترويع الناس». أما الأمين العام لحركة التوحيد الإسلامي الشيخ بلال شعبان، فأوضح لـ«الأخبار» أن «قبولنا دخول الجيش إلى مبنى الأمانة العامة للحركة وإقامته معنا كان لقطع الطريق على فتنة في المدينة كان البعض يُعدّ لها».

المصدر : الاخبار/عبد الكافي الصمد


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة