منذ «ثورة الياسمين» التونسية وصولا الى الأزمة السورية المفتوحة على مصراعيها، يستمر الاهتمام الديبلوماسي الدولي بالتطورات المتسارعة في العالم العربي،مع إعطاء حيز كبير لأحداث الساحتين المصرية والسورية، كون البلدين يشكلان قطب الرحى على مستوى مسار الاوضاع في المنطقة. ولذلك ندر أن تتجاهل التقارير الديبلوماسية التي تصل الى العاصمة اللبنانية الاوضاع في هاتين الساحتين.

ويركز تقرير ديبلوماسي على نظرة الادارة الاميركية لمستقبل كل من مصر وسوريا من زاوية دور الجيشين المصري والسوري، مع الأخذ في الاعتبار العلاقة التاريخية بين الجيشين، وخصوصاً في مرحلة ما بعد «حرب تشرين» 1973، وما قدما خلالها من «تضحيات مشتركة».

 

يشير التقرير الى ان «الفيتوات» الروسية والصينية المتتالية لمصلحة النظام السوري في مجلس الامن الدولي، «لم تكن موجهة لحماية سوريا فقط، انما لإفهام واشنطن وحلفائها بأنهم ليسوا وحدهم من يتصرف بمقدرات العالم وأن زمن النظام العالمي الأحادي قد انتهى».

يتحدث التقرير نفسه عن التغييرات التي بدأت تشهدها الدول الاوروبية على مستوى مواقع القرار (سقوط سيلفيو برلسكوني في ايطاليا ونيكولا ساركوزي في فرنسا وفوز اليسار المتطرف في اليونان، بينما ألمانيا تتحضّر لتشهد عودة غيرهارد شرودر رئيس «الحزب الديموقراطي المسيحي» الى السلطة ليحل محل انجيلا ميركل الخ..)، وهؤلاء القادة الجدد يصنفون في خانة رافضي معاداة روسيا والصين على المسرح الدولي والالتحاق الكامل بالإدارة الأميركية من جهة ثانية.

 

ونتيجة التغييرات التي تحصل في اوروبا، بدأت ترتفع الاصوات المطالبة بتسريع وتيرة سحب الوحدات العسكرية الاوروبية من أفغانستان لأنها تثقل كاهل الخزينة الأوروبية بالأعباء المالية من دون تحقيق نتائج ملموسة حتى الآن، مع الأخذ في الاعتبار استمرار الأزمة المالية في أوروبا نتيجة الازمة المالية العالمية، وكل هذه المسارات، يضيف التقرير، ليست في مصلحة الولايات المتحدة الأميركية.

 

ويوضح التقرير أن ثمة قناعة أميركية متزايدة من الآتي:

1 – إن الولايات المتحدة أصبحت وحيدة على المسرح الدولي والإقليمي نتيجة سياساتها العرجاء، التي تقوم على الاستئثار بالقرار الأحادي دولياً وفرض هذا القرار على حلفائها وأخصامها معاً.

 

2 – إن هذه السياسة ستدخلها في نفق مسدود وتفقدها موقعها المتقدم على المسرح الدولي، نتيجة الاصطفاف الصيني ـ الروسي ومعهما منظومة «البريكس» ودول متعاطفة في المسرح الدولي.

3ـ عدم قدرة أوروبا على مساعدة الولايات المتحدة نتيجة انصراف قادة القارة الأوروبية إلى لملمة أزمات بلادهم المالية والاجتماعية والاقتصادية.

ويتابع التقرير «لذلك تنبهت القيادة العسكرية الأميركية إلى أن أخطر تهديد تتعرض له المصالح الأميركية في العالم مصدره حالياً منطقة الشرق الأوسط نظراً إلى الآتي:

أ – التواجد العسكري الأميركي الواسع عبر القواعد المنتشرة في عدد من الدول، لا سيما في الخليج العربي.

ب – الحاجة الأميركية الإستراتيجية إلى المخزون الكبير من النفط والغاز المكتشف أو الذي في طريقه إلى الاكتشاف، وخاصة المنطقة الاقتصادية المشتركة بين لبنان وسوريا وإسرائيل وقبرص.

ويكشف التقرير أن هيئة الأركان العامة للجيوش الأميركية رفعت مؤخراً تقريراً إلى الإدارة الأميركية بوجوب تركيز جهد الولايات المتحدة الإستراتيجي حالياً، وفي المدى المنظور، على دور الجيشين المصري والسوري في مواجهة تنامي الحركات الدينية المتطرفة «التي باتت تهدد ليس فقط الوجود العسكري الأميركي ومصالح الولايات المتحدة الاقتصادية في المنطقة، إنما بقاء الأنظمة الحليفة لواشنطن في الأردن والمغرب ودول الخليج العربي».

ويشير التقرير إلى أن «ثمة من يردد في واشنطن بوجوب إعادة النظر في بعض السياسات التي استفادت منها حركات متطرفة في مصر وسوريا وليبيا وتونس ، وهناك شعور متزايد بأن هذا الواقع سيؤدي إلى انفلات الأمور من العقال الأميركي، وتباشير ذلك بدأت في عدد من الدول التي شهدت سقوط الأنظمة فيها، فعمدت إلى الطلب من حلفائها في السعودية وقطر إعادة النظر في دعمهما لهذه الحركات، لا سيما في سوريا ومصر كي لا ينقلب السحر على الساحر».

ويلفت التقرير الانتباه إلى أن واشنطن قررت إجراء اتصالات مع موسكو في أعقاب تسلم فلاديمير بوتين مقاليد الرئاسة الروسية مجدداً، بموازاة اتصالات مماثلة مع بكين للتفاهم على ترتيبات معينة في العالم العربي تعيد الاستقرار والهدوء إلى المنطقة عبر ذراعين قويين هما الجيشين المصري والسوري (في مرحلة ما بعد الأسد وعلى قاعدة الاستفادة من تجربة حل الجيش العراقي ومحاذيرها السلبية). وذلك عبر دعم روسي – صيني للجيش السوري ودعم أميركي للجيش المصري، للانقضاض على الحركات المتطرفة في المنطقة وفق آلية حل تجعل من أميركا وروسيا والصين في موقع واحد وتعيد التوازن على المسرح الدولي والإقليمي بين القوى الثلاث، بعدما تيقنت أميركا من تراجعها عن موقع القطب الأوحد، بحيث تؤمن روسيا والصين، وفق الآلية الجديدة، دوراً فاعلاً لسوريا وإيران، في حين تؤمن واشنطن دوراً مماثلا لمصر.

ويؤكد التقرير أن «اجتماعات تعقد بعيداً من الأنظار في أروقة الأمم المتحدة وفي إطار حلف «الناتو» بين واشنطن وموسكو وبكين، لبلورة تصور مشترك لصيغة التسوية الإقليمية الشرق أوسطية نفوذاً وأدواراً ومصالح حيوية، مع الأخذ بعين الاعتبار مواقع القرار والتأثير الإقليمية».

  • فريق ماسة
  • 2012-09-03
  • 7663
  • من الأرشيف

هل توصلت واشنطن لتفاهم مع موسكو وبكين حول الشرق الأوسط؟

  منذ «ثورة الياسمين» التونسية وصولا الى الأزمة السورية المفتوحة على مصراعيها، يستمر الاهتمام الديبلوماسي الدولي بالتطورات المتسارعة في العالم العربي،مع إعطاء حيز كبير لأحداث الساحتين المصرية والسورية، كون البلدين يشكلان قطب الرحى على مستوى مسار الاوضاع في المنطقة. ولذلك ندر أن تتجاهل التقارير الديبلوماسية التي تصل الى العاصمة اللبنانية الاوضاع في هاتين الساحتين. ويركز تقرير ديبلوماسي على نظرة الادارة الاميركية لمستقبل كل من مصر وسوريا من زاوية دور الجيشين المصري والسوري، مع الأخذ في الاعتبار العلاقة التاريخية بين الجيشين، وخصوصاً في مرحلة ما بعد «حرب تشرين» 1973، وما قدما خلالها من «تضحيات مشتركة».   يشير التقرير الى ان «الفيتوات» الروسية والصينية المتتالية لمصلحة النظام السوري في مجلس الامن الدولي، «لم تكن موجهة لحماية سوريا فقط، انما لإفهام واشنطن وحلفائها بأنهم ليسوا وحدهم من يتصرف بمقدرات العالم وأن زمن النظام العالمي الأحادي قد انتهى». يتحدث التقرير نفسه عن التغييرات التي بدأت تشهدها الدول الاوروبية على مستوى مواقع القرار (سقوط سيلفيو برلسكوني في ايطاليا ونيكولا ساركوزي في فرنسا وفوز اليسار المتطرف في اليونان، بينما ألمانيا تتحضّر لتشهد عودة غيرهارد شرودر رئيس «الحزب الديموقراطي المسيحي» الى السلطة ليحل محل انجيلا ميركل الخ..)، وهؤلاء القادة الجدد يصنفون في خانة رافضي معاداة روسيا والصين على المسرح الدولي والالتحاق الكامل بالإدارة الأميركية من جهة ثانية.   ونتيجة التغييرات التي تحصل في اوروبا، بدأت ترتفع الاصوات المطالبة بتسريع وتيرة سحب الوحدات العسكرية الاوروبية من أفغانستان لأنها تثقل كاهل الخزينة الأوروبية بالأعباء المالية من دون تحقيق نتائج ملموسة حتى الآن، مع الأخذ في الاعتبار استمرار الأزمة المالية في أوروبا نتيجة الازمة المالية العالمية، وكل هذه المسارات، يضيف التقرير، ليست في مصلحة الولايات المتحدة الأميركية.   ويوضح التقرير أن ثمة قناعة أميركية متزايدة من الآتي: 1 – إن الولايات المتحدة أصبحت وحيدة على المسرح الدولي والإقليمي نتيجة سياساتها العرجاء، التي تقوم على الاستئثار بالقرار الأحادي دولياً وفرض هذا القرار على حلفائها وأخصامها معاً.   2 – إن هذه السياسة ستدخلها في نفق مسدود وتفقدها موقعها المتقدم على المسرح الدولي، نتيجة الاصطفاف الصيني ـ الروسي ومعهما منظومة «البريكس» ودول متعاطفة في المسرح الدولي. 3ـ عدم قدرة أوروبا على مساعدة الولايات المتحدة نتيجة انصراف قادة القارة الأوروبية إلى لملمة أزمات بلادهم المالية والاجتماعية والاقتصادية. ويتابع التقرير «لذلك تنبهت القيادة العسكرية الأميركية إلى أن أخطر تهديد تتعرض له المصالح الأميركية في العالم مصدره حالياً منطقة الشرق الأوسط نظراً إلى الآتي: أ – التواجد العسكري الأميركي الواسع عبر القواعد المنتشرة في عدد من الدول، لا سيما في الخليج العربي. ب – الحاجة الأميركية الإستراتيجية إلى المخزون الكبير من النفط والغاز المكتشف أو الذي في طريقه إلى الاكتشاف، وخاصة المنطقة الاقتصادية المشتركة بين لبنان وسوريا وإسرائيل وقبرص. ويكشف التقرير أن هيئة الأركان العامة للجيوش الأميركية رفعت مؤخراً تقريراً إلى الإدارة الأميركية بوجوب تركيز جهد الولايات المتحدة الإستراتيجي حالياً، وفي المدى المنظور، على دور الجيشين المصري والسوري في مواجهة تنامي الحركات الدينية المتطرفة «التي باتت تهدد ليس فقط الوجود العسكري الأميركي ومصالح الولايات المتحدة الاقتصادية في المنطقة، إنما بقاء الأنظمة الحليفة لواشنطن في الأردن والمغرب ودول الخليج العربي». ويشير التقرير إلى أن «ثمة من يردد في واشنطن بوجوب إعادة النظر في بعض السياسات التي استفادت منها حركات متطرفة في مصر وسوريا وليبيا وتونس ، وهناك شعور متزايد بأن هذا الواقع سيؤدي إلى انفلات الأمور من العقال الأميركي، وتباشير ذلك بدأت في عدد من الدول التي شهدت سقوط الأنظمة فيها، فعمدت إلى الطلب من حلفائها في السعودية وقطر إعادة النظر في دعمهما لهذه الحركات، لا سيما في سوريا ومصر كي لا ينقلب السحر على الساحر». ويلفت التقرير الانتباه إلى أن واشنطن قررت إجراء اتصالات مع موسكو في أعقاب تسلم فلاديمير بوتين مقاليد الرئاسة الروسية مجدداً، بموازاة اتصالات مماثلة مع بكين للتفاهم على ترتيبات معينة في العالم العربي تعيد الاستقرار والهدوء إلى المنطقة عبر ذراعين قويين هما الجيشين المصري والسوري (في مرحلة ما بعد الأسد وعلى قاعدة الاستفادة من تجربة حل الجيش العراقي ومحاذيرها السلبية). وذلك عبر دعم روسي – صيني للجيش السوري ودعم أميركي للجيش المصري، للانقضاض على الحركات المتطرفة في المنطقة وفق آلية حل تجعل من أميركا وروسيا والصين في موقع واحد وتعيد التوازن على المسرح الدولي والإقليمي بين القوى الثلاث، بعدما تيقنت أميركا من تراجعها عن موقع القطب الأوحد، بحيث تؤمن روسيا والصين، وفق الآلية الجديدة، دوراً فاعلاً لسوريا وإيران، في حين تؤمن واشنطن دوراً مماثلا لمصر. ويؤكد التقرير أن «اجتماعات تعقد بعيداً من الأنظار في أروقة الأمم المتحدة وفي إطار حلف «الناتو» بين واشنطن وموسكو وبكين، لبلورة تصور مشترك لصيغة التسوية الإقليمية الشرق أوسطية نفوذاً وأدواراً ومصالح حيوية، مع الأخذ بعين الاعتبار مواقع القرار والتأثير الإقليمية».

المصدر : داود رمال - السفير


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة