أثارت مخيمات اللاجئين السوريين، التي أقامتها السلطات التركية على حدودها مع سورية، نقاشاً واسعاً وحامياً في الأوساط السياسية والإعلامية التركية، وذلك بعدما رفضت السلطات السماح لمجموعة من نواب حزب «الشعب الجمهوري» المعارض في البرلمان من دخول أحد هذه المخيمات لأسباب أمنية، بحسب ما أعلن وزير الخارجية أحمد داوود أوغلو، لأن الموجودين في هذا المخيم هم قادة وعناصر من الجيش السوري الحر، تدربهم الاستخبارات الأميركية وتسلحهم، بحسب ما ذكر الإعلام الأميركي والأوروبي والتركي أكثر من مرّة. وكان هذا النقاش كافياً لإجبار الحكومة على التراجع عن موقفها والسماح للبرلمانيين بدخول المخيم، لكن بعد ترتيب أموره الداخلية، بحيث يبدو طبيعياً أمام زواره، في الوقت الذي تحولت فيه مشكلة اللاجئين إلى قضية أساسية في الإعلام التركي، ولا سيما في ظل التوتر الذي يخيم على مدينة أنطاكيا.

أجواء اضطرت السلطات التركية إلى نقل عدد من المخيمات من منطقة أنطاكيا وأطرافها إلى مدن أخرى، مثل غازي عين تاب وكليس وأورفا ومالاطيا ومرعشلي، بحيث امتلأت جميع المخيمات والمدارس والمباني الحكومية الفارغة بهم، ما دفع الحكومة إلى إغلاق الحدود مع سورية لفترة مؤقتة من دون استقبال أي من اللاجئين الجدد.

وقد راهنت الحكومة التركية منذ البداية على موضوع اللاجئين، كي تجعل منهم ورقة هامة لمصلحتها في حساباتها مع سورية، وبشكل خاص استخدامها بهدف إقامة حزام أمني أو منطقة عازلة داخل الأراضي السورية، وهو المشروع الذي فشل بسبب التصدي الروسي له منذ البداية، كما فشل مشروع إعلان مناطق حظر جوي في الشمال السوري لضمان الحماية اللازمة والضرورية لمسلحي الجيش السوري الحر في حلب والمناطق المجاورة وإيصال المزيد من المساعدات العسكرية المهمة للمقاتلين، استعداداً للزحف نحو دمشق عبر حمص وحماه، وذلك بعد الانفجار الذي استهدف مبنى الأمن القومي في دمشق.

لذلك بالغ المسؤولون الأتراك، وفي مقدّمتهم وزير الخارجية أحمد داوود أوغلو، منذ البداية في تقدير أعداد النازحين. وتوقعوا وصول أكثر من 300 ألف لاجئ سوري، فيما لم يأت منهم سوى 80 ألفاً حتى الآن، رغم كل الإغراءات والحملات النفسية التي استهدفت سكان المناطق التي تشهد الاشتباكات، إن كان في حلب أو المناطق المجاورة منها، حيث استطاع مسلحو الجيش الحر السيطرة على البعض من هذه المناطق، ورغم الضمانات بحمايتهم بالمظلة العسكرية التركية، عبر الحديث عن حزام أمني أو حظر جوي أو تقديم المزيد من الدعم المالي والعسكري المباشر لـ"الجيش الحر". وفي النهاية، فإن الحظ لم يحالف أنقرة أو مليشيا "الجيش الحر" في استخدام ورقة اللاجئين وتحقيق أهدافهم. وبات واضحاً أنهم كانوا ولا يزالون ضحية الحسابات الخاطئة لحكومة رجب طيب أردوغان، التي يبدو أنها سقطت ضحية أكاذيب مليشيا "الجيش الحر" ومن ورائهم المختصين في الشأن السوري، إن كانوا في واشنطن أو الدوحة أو الرياض أو عمان، والذين راهنوا على سقوط النظام خلال 3 أشهر، قبل أن تُحال هذه الأشهر الثلاث الى المزاد العلني، فهرب المشترون وبقي اللاجئون..

  • فريق ماسة
  • 2012-08-31
  • 8320
  • من الأرشيف

مخيمات اللاجئين والحسابات التركية الخاطئة

 أثارت مخيمات اللاجئين السوريين، التي أقامتها السلطات التركية على حدودها مع سورية، نقاشاً واسعاً وحامياً في الأوساط السياسية والإعلامية التركية، وذلك بعدما رفضت السلطات السماح لمجموعة من نواب حزب «الشعب الجمهوري» المعارض في البرلمان من دخول أحد هذه المخيمات لأسباب أمنية، بحسب ما أعلن وزير الخارجية أحمد داوود أوغلو، لأن الموجودين في هذا المخيم هم قادة وعناصر من الجيش السوري الحر، تدربهم الاستخبارات الأميركية وتسلحهم، بحسب ما ذكر الإعلام الأميركي والأوروبي والتركي أكثر من مرّة. وكان هذا النقاش كافياً لإجبار الحكومة على التراجع عن موقفها والسماح للبرلمانيين بدخول المخيم، لكن بعد ترتيب أموره الداخلية، بحيث يبدو طبيعياً أمام زواره، في الوقت الذي تحولت فيه مشكلة اللاجئين إلى قضية أساسية في الإعلام التركي، ولا سيما في ظل التوتر الذي يخيم على مدينة أنطاكيا. أجواء اضطرت السلطات التركية إلى نقل عدد من المخيمات من منطقة أنطاكيا وأطرافها إلى مدن أخرى، مثل غازي عين تاب وكليس وأورفا ومالاطيا ومرعشلي، بحيث امتلأت جميع المخيمات والمدارس والمباني الحكومية الفارغة بهم، ما دفع الحكومة إلى إغلاق الحدود مع سورية لفترة مؤقتة من دون استقبال أي من اللاجئين الجدد. وقد راهنت الحكومة التركية منذ البداية على موضوع اللاجئين، كي تجعل منهم ورقة هامة لمصلحتها في حساباتها مع سورية، وبشكل خاص استخدامها بهدف إقامة حزام أمني أو منطقة عازلة داخل الأراضي السورية، وهو المشروع الذي فشل بسبب التصدي الروسي له منذ البداية، كما فشل مشروع إعلان مناطق حظر جوي في الشمال السوري لضمان الحماية اللازمة والضرورية لمسلحي الجيش السوري الحر في حلب والمناطق المجاورة وإيصال المزيد من المساعدات العسكرية المهمة للمقاتلين، استعداداً للزحف نحو دمشق عبر حمص وحماه، وذلك بعد الانفجار الذي استهدف مبنى الأمن القومي في دمشق. لذلك بالغ المسؤولون الأتراك، وفي مقدّمتهم وزير الخارجية أحمد داوود أوغلو، منذ البداية في تقدير أعداد النازحين. وتوقعوا وصول أكثر من 300 ألف لاجئ سوري، فيما لم يأت منهم سوى 80 ألفاً حتى الآن، رغم كل الإغراءات والحملات النفسية التي استهدفت سكان المناطق التي تشهد الاشتباكات، إن كان في حلب أو المناطق المجاورة منها، حيث استطاع مسلحو الجيش الحر السيطرة على البعض من هذه المناطق، ورغم الضمانات بحمايتهم بالمظلة العسكرية التركية، عبر الحديث عن حزام أمني أو حظر جوي أو تقديم المزيد من الدعم المالي والعسكري المباشر لـ"الجيش الحر". وفي النهاية، فإن الحظ لم يحالف أنقرة أو مليشيا "الجيش الحر" في استخدام ورقة اللاجئين وتحقيق أهدافهم. وبات واضحاً أنهم كانوا ولا يزالون ضحية الحسابات الخاطئة لحكومة رجب طيب أردوغان، التي يبدو أنها سقطت ضحية أكاذيب مليشيا "الجيش الحر" ومن ورائهم المختصين في الشأن السوري، إن كانوا في واشنطن أو الدوحة أو الرياض أو عمان، والذين راهنوا على سقوط النظام خلال 3 أشهر، قبل أن تُحال هذه الأشهر الثلاث الى المزاد العلني، فهرب المشترون وبقي اللاجئون..

المصدر : الاخبار/ حسني محلي


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة