وضعت الإدارة الأميركية بالأمس "الجيش السوري الحر" أمام اختبار الاستفادة من تحسين قدرات التنسيق بين مجموعاته لإقامة مناطق آمنة داخل سورية سيعتمد عليها إيصال المساعدات الأميركية، في وقت يزداد فيه النقاش في واشنطن حول حجم ودور تنظيم "القاعدة" داخل سورية.

وقال مسؤول أميركي لـ"السفير" إن "التمرد يزيد بشكل واضح وتيرة نشاطه وعملياته على مدى مساحات اكبر من الاراضي. وبعض المجموعات التي لا تعد ولا تحصى، والتي تشكل المعارضة المسلحة، بدأت تتحدث أكثر مع بعضها الآخر، ويبدو أن التنسيق التكتيكي يتحسن". وتابع المسؤول الأميركي "الاختبار الحقيقي الآن هو تحديد ما إذا كان يمكن للمقاتلين المتمردين التمسّك بالمناطق الرئيسة في مواجهة الهجوم المضاد".

المعلومات تشير الى أن الإدارة الأميركية تعتبر أن التنسيق بين مجموعات المعارضة المسلحة يتحسن بعد حصولها على معدات الاتصال الأميركية، وانه في حال تمكنها من إقامة مناطق آمنة داخل سورية والاحتفاظ بسيطرتها كما حصل في ليبيا، يمكن إمداد خطوط مع هذه المناطق من تركيا او غيرها من دول الجوار، وقد تكون خطوة تمهيدية لإقامة خط مباشر من المساعدات العسكرية الى داخل سورية لتغيير دينامية المواجهات، في وقت حذرت المتحدثة باسم وزارة الخارجية فيكتوريا نولاند من حصول "مجزرة" في حلب.

وصرح المتحدث باسم وزارة الدفاع جورج ليتل أن النظام السوري "تمكن عبر عقود من بناء أنظمة دفاع جوية متطورة، وبالتالي فإن فكرة فرض منطقة عازلة او ما شابه غير مطروحة الآن". ولم ينف البنتاغون وجود "القاعدة" في سورية لكنه اعتبر انها ليست المعارضة السورية.

الجنرال مصطفى الشيخ، الذي يقود المجلس العسكري في الجيش الحر، صرح لموقع "دايلي بيست" الالكتروني بالامس ان "الواقع ليس كما يبدو" وان الانتصار لا يزال بعيدا، وان الجيش السوري الحر "ليس قويا بشكل كاف بعد ليسيطر على حلب". واضاف "نحتاج الى كل شيء. نحن نموت. ليس لدينا خبز نأكله. ليس هناك اي شيء. لا اسلحة. لا اتصالات. لا دواء".

وعن المعارضة المسلحة ودورها، قال الشيخ "كل واحد يعمل من تلقاء نفسه، لسنا مجموعة جماعية". وذكر ان تنظيم "القاعدة" يزداد قوة على الارض، واصفا هذا الوضع بانه "خطير للغاية".

ويعد هذا اول اعتراف رسمي من "الجيش السوري الحر" بوجود مجموعات لتنظيم "القاعدة" تقاتل في سورية. وقال الشيخ في نهاية المقابلة "ترك سورية هكذا أمر خطير للغاية. قد تصبح افغانستان او عراقا آخر. على المجتمع الدولي ان يفعل شيئا والتحرك بسرعة".

كبيرة الباحثين في برنامج الشرق الاوسط في "معهد كارنيغي للسلام الدولي" مارينا اوتاواي علقت في تصريح لـ"السفير" على ما قاله الشيخ معتبرة انه "يريد التأكد من ان المجتمع الدولي لن يقرر ان القتال انتهى ولن يوقف امداد الاسلحة".

وأضافت ان الشيخ ذكر تنظيم "القاعدة" ليعطي من يوفر هذه الاسلحة "حافزا اضافيا لزيادة الشحنات"، وليحث المجتمع الدولي على التدخل عسكريا لمساعدة الجيش السوري الحر "قبل ان تكسب القاعدة المزيد من النفوذ".

لكن اوتاواي رأت ان تزايد الحديث عن دور "القاعدة" في سورية يأتي ردا على "معلومات واقعية" في هذا السياق. واضافت "اشك في انه سيكون لهذا الامر تأثير في السياسة الاميركية" التي اعتبرت انها ستبقى "تراقب الوضع وتصدر بيانات ولا تفعل شيئا".

وأشارت إلى أن حضور "القاعدة" في سورية لا يزال "صغيرا" وهذه العناصر "ليست على وشك اجتياح هذا البلد". وبالتالي فهي تعتبر ان هذه الحجج حول "القاعدة" لن تغير طبيعة السياسة الاميركية، وذلك لسببين: اولهما أن الادارة الاميركية ذهبت بعيدا في مواقفها حول سورية ولن تتراجع، وثانيهما ان الادارة تعتقد انه لا يمكن للرئيس بشار الاسد عمليا اعادة السيطرة على سورية.

وتابعت اوتاواي ان تسليح الادارة الاميركية للجيش السوري الحر اقل ترجيحا الآن "خوفا من وقوع هذه الاسلحة في يدي تنظيم القاعدة".

الاجواء في واشنطن توحي بأن شعور الادارة بالسقوط الوشيك للنظام السوري بعد ساعات من تفجير المكتب الامن القومي في دمشق بدأ بالتراجع بعد تقييم الوضع الامني على الارض، مع التمسك بفكرة ان هذا السقوط اصبح حتميا لكن لا يمكن التكهن بالتوقيت لان وتيرة هذه المواجهات متسارعة وقد تزداد دموية ولا يعرف احد ما قد يحصل خلالها. اما التوقعات لمرحلة ما بعد سقوط النظام فكثيرة، ولا يوجد إجماع داخل الادارة حول ما قد يحصل من ترددات داخل سوريا وفي دول الجوار.

ويبدو أيضاً أن هناك طبقات في مقاربة السياسة الاميركية تجاه سورية: اولا التخطيط السياسي لمرحلة ما بعد الاسد لتكون المرحلة الانتقالية جاهزة عند سقوط النظام؛ ثانيا البعد الامني في مراقبة اداء المعارضة المسلحة؛ ثالثا الحذر من مخاطر تورط تنظيم "القاعدة" في سورية على أمن الولايات المتحدة والعراق والدول المجاورة، اضافة الى الموقف التركي المتصلب من حزب العمال الكردستاني؛ ورابعا مخاطر استخدام النظام السوري للاسلحة الكيميائية او وصولها الى ايدي مجموعات متطرفة.

كل هذه العوامل قد تبلور في النهاية موقفا اميركيا من طريقة التصرف حيال سورية.

  • فريق ماسة
  • 2012-07-26
  • 14205
  • من الأرشيف

واشنطن : مساعدة المعارضة السورية تنتظر مناطق آمنة

وضعت الإدارة الأميركية بالأمس "الجيش السوري الحر" أمام اختبار الاستفادة من تحسين قدرات التنسيق بين مجموعاته لإقامة مناطق آمنة داخل سورية سيعتمد عليها إيصال المساعدات الأميركية، في وقت يزداد فيه النقاش في واشنطن حول حجم ودور تنظيم "القاعدة" داخل سورية. وقال مسؤول أميركي لـ"السفير" إن "التمرد يزيد بشكل واضح وتيرة نشاطه وعملياته على مدى مساحات اكبر من الاراضي. وبعض المجموعات التي لا تعد ولا تحصى، والتي تشكل المعارضة المسلحة، بدأت تتحدث أكثر مع بعضها الآخر، ويبدو أن التنسيق التكتيكي يتحسن". وتابع المسؤول الأميركي "الاختبار الحقيقي الآن هو تحديد ما إذا كان يمكن للمقاتلين المتمردين التمسّك بالمناطق الرئيسة في مواجهة الهجوم المضاد". المعلومات تشير الى أن الإدارة الأميركية تعتبر أن التنسيق بين مجموعات المعارضة المسلحة يتحسن بعد حصولها على معدات الاتصال الأميركية، وانه في حال تمكنها من إقامة مناطق آمنة داخل سورية والاحتفاظ بسيطرتها كما حصل في ليبيا، يمكن إمداد خطوط مع هذه المناطق من تركيا او غيرها من دول الجوار، وقد تكون خطوة تمهيدية لإقامة خط مباشر من المساعدات العسكرية الى داخل سورية لتغيير دينامية المواجهات، في وقت حذرت المتحدثة باسم وزارة الخارجية فيكتوريا نولاند من حصول "مجزرة" في حلب. وصرح المتحدث باسم وزارة الدفاع جورج ليتل أن النظام السوري "تمكن عبر عقود من بناء أنظمة دفاع جوية متطورة، وبالتالي فإن فكرة فرض منطقة عازلة او ما شابه غير مطروحة الآن". ولم ينف البنتاغون وجود "القاعدة" في سورية لكنه اعتبر انها ليست المعارضة السورية. الجنرال مصطفى الشيخ، الذي يقود المجلس العسكري في الجيش الحر، صرح لموقع "دايلي بيست" الالكتروني بالامس ان "الواقع ليس كما يبدو" وان الانتصار لا يزال بعيدا، وان الجيش السوري الحر "ليس قويا بشكل كاف بعد ليسيطر على حلب". واضاف "نحتاج الى كل شيء. نحن نموت. ليس لدينا خبز نأكله. ليس هناك اي شيء. لا اسلحة. لا اتصالات. لا دواء". وعن المعارضة المسلحة ودورها، قال الشيخ "كل واحد يعمل من تلقاء نفسه، لسنا مجموعة جماعية". وذكر ان تنظيم "القاعدة" يزداد قوة على الارض، واصفا هذا الوضع بانه "خطير للغاية". ويعد هذا اول اعتراف رسمي من "الجيش السوري الحر" بوجود مجموعات لتنظيم "القاعدة" تقاتل في سورية. وقال الشيخ في نهاية المقابلة "ترك سورية هكذا أمر خطير للغاية. قد تصبح افغانستان او عراقا آخر. على المجتمع الدولي ان يفعل شيئا والتحرك بسرعة". كبيرة الباحثين في برنامج الشرق الاوسط في "معهد كارنيغي للسلام الدولي" مارينا اوتاواي علقت في تصريح لـ"السفير" على ما قاله الشيخ معتبرة انه "يريد التأكد من ان المجتمع الدولي لن يقرر ان القتال انتهى ولن يوقف امداد الاسلحة". وأضافت ان الشيخ ذكر تنظيم "القاعدة" ليعطي من يوفر هذه الاسلحة "حافزا اضافيا لزيادة الشحنات"، وليحث المجتمع الدولي على التدخل عسكريا لمساعدة الجيش السوري الحر "قبل ان تكسب القاعدة المزيد من النفوذ". لكن اوتاواي رأت ان تزايد الحديث عن دور "القاعدة" في سورية يأتي ردا على "معلومات واقعية" في هذا السياق. واضافت "اشك في انه سيكون لهذا الامر تأثير في السياسة الاميركية" التي اعتبرت انها ستبقى "تراقب الوضع وتصدر بيانات ولا تفعل شيئا". وأشارت إلى أن حضور "القاعدة" في سورية لا يزال "صغيرا" وهذه العناصر "ليست على وشك اجتياح هذا البلد". وبالتالي فهي تعتبر ان هذه الحجج حول "القاعدة" لن تغير طبيعة السياسة الاميركية، وذلك لسببين: اولهما أن الادارة الاميركية ذهبت بعيدا في مواقفها حول سورية ولن تتراجع، وثانيهما ان الادارة تعتقد انه لا يمكن للرئيس بشار الاسد عمليا اعادة السيطرة على سورية. وتابعت اوتاواي ان تسليح الادارة الاميركية للجيش السوري الحر اقل ترجيحا الآن "خوفا من وقوع هذه الاسلحة في يدي تنظيم القاعدة". الاجواء في واشنطن توحي بأن شعور الادارة بالسقوط الوشيك للنظام السوري بعد ساعات من تفجير المكتب الامن القومي في دمشق بدأ بالتراجع بعد تقييم الوضع الامني على الارض، مع التمسك بفكرة ان هذا السقوط اصبح حتميا لكن لا يمكن التكهن بالتوقيت لان وتيرة هذه المواجهات متسارعة وقد تزداد دموية ولا يعرف احد ما قد يحصل خلالها. اما التوقعات لمرحلة ما بعد سقوط النظام فكثيرة، ولا يوجد إجماع داخل الادارة حول ما قد يحصل من ترددات داخل سوريا وفي دول الجوار. ويبدو أيضاً أن هناك طبقات في مقاربة السياسة الاميركية تجاه سورية: اولا التخطيط السياسي لمرحلة ما بعد الاسد لتكون المرحلة الانتقالية جاهزة عند سقوط النظام؛ ثانيا البعد الامني في مراقبة اداء المعارضة المسلحة؛ ثالثا الحذر من مخاطر تورط تنظيم "القاعدة" في سورية على أمن الولايات المتحدة والعراق والدول المجاورة، اضافة الى الموقف التركي المتصلب من حزب العمال الكردستاني؛ ورابعا مخاطر استخدام النظام السوري للاسلحة الكيميائية او وصولها الى ايدي مجموعات متطرفة. كل هذه العوامل قد تبلور في النهاية موقفا اميركيا من طريقة التصرف حيال سورية.

المصدر : السفير/ جو معكرون


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة