يكتسي قرار الحكومة بنشر الجيش على الحدود اللبنانية السورية شمالا وبقاعا أهمية بالغة لاستجابته لمطلب مزمن بضبط هذه الحدود، ولطالما طلبت المؤسسة العسكرية توفير الغطاء السياسي الجدي بما يسمح لها القيام بهذه المهمة من دون معوقات. ولكن لماذا صدر هذا القرار الآن وفي أي سياق وما هي أبعاده الحقيقية، وهل يمتلك العناصر التي تجعله قابلا للتطبيق الميداني وليس مجرد حبر على ورق؟

ما يحمل على طرح تلك التساؤلات، هو أنّ القرار، شكلا وتوقيتا ومضمونا، على أهميته وضرورته، انما يحتمل تفسيرات متناقضة، يختصرها أحد الخبراء العسكريين على الشكل الآتي:

أولا، انه قرار باسترداد منطقة عكار الى حضن الدولة اللبنانية، بعدما كادت تنفصل عنها في الأيام الماضية وتصبح بقعة معزولة تحكمها فوضى السلاح والمسلحين والحواجز الطيارة والطرق المقطوعة.

ثانيا، انه قرار استرضائي للجيش اتخذته الحكومة على قاعدة "ضربة على الحافر وضربة على المسمار"، أي ان الحكومة وبعدما أرضت ذوي الشيخين أحمد عبد الواحد ومحمد المرعب بقرار التوسع في التحقيق مع العسكريين، أرضت الجيش بقرار نشره على الحدود وكأنها تقول له: "ما زلت تشكل حاجة وضرورة لحماية البلد".

ثالثا، انه قرار تنفيسي واحتوائي للآثار التي خلفتها الاحتجاجات العكارية التي رافقت إطلاق العسكريين، حيث ارتفعت الصرخة الاهلية من الممارسات التي اتخذت منحى طائفيا في المنطقة وهددت بسلوك الأمور منحى خطيرا، خاصة بعدما شعرت بعض المكونات العكارية بأنها مستهدفة، وهذا ما دفع نواب المنطقة الى تعديل النبرة لمصلحة المطالبة بنشر الجيش.

رابعا، انه قرار يندرج في سياق الاستجابة للشارع العكاري المتململ والرافض تحويله الى دشمة حدودية تتلقى النار من الاتجاهين، ولعل زيارة وفد الفعاليات العكارية ورؤساء بلديات المنطقة الى قيادة الجيش مؤخرا عكست غيضا من فيض ما يعبر عنه الرأي العام العكاري. يتقاطع ذلك مع تقارير رسمية أمنية ترصد ارتفاع معدلات الجريمة والسرقات والانتهاكات في المنطقة.

خامسا، إنه قرار يحمل في مضمونه تعبيرا واضحا عن حزم السلطة السياسية أمرها ووضع شعار "النأي بالنفس" عن الازمة السورية موضع التطبيق الجدي للمرة الأولى منذ 18 شهرا، ذلك ان قرار نشر الجيش يستبطن حكما منع عمليات تهريب السلاح والمسلحين في كلا الاتجاهين، ومنع جعل منطقة الحدود من الجانب اللبناني مقرا ومنطلقا لأعمال عدوانية ضد سوريا.

سادسا، انه قرار يلغي مشروع إقامة "المنطقة الآمنة" بمعزل عما اذا كان مشروعا جديا أو نظريا.

سابعا، انه قرار يحتاج من أجل وضعه موضع التنفيذ الى سلسلة إجراءات يلخصها الخبير العسكري نفسه على الشكل الآتي:

ـ توافر الغطاء السياسي للجيش.

ـ إعلان منطقة انتشار الجيش في عكار منطقة عسكرية خاصة.

ـ ان أي جيش مهما بلغ عديده وقوته لا يستطيع أن يمسك الحدود اذا لم تتوافر له البيئة السياسية والشعبية الحاضنة من داخل حدوده، بما يجعله يدير وجهه شرقا وشمالا وفي أي اتجاه وهو مطمئن الى من يحمي ظهره وليس على طريقة مطاردة العسكريين ومنعهم من الالتحاق بمراكزهم، فضلا عن إخلاء المواقع وصولا الى دفع الجيش الى اعتماد التمويه باعتماد سيارات مدنية لنقل جنوده خشية اعتراضهم من قبل المسلحين من أبناء المنطقة أو "الغرباء" عنها.

ـ إن نجاح قرار نشر الجيش يفترض تجاوب سياسيا وأهليا مع الإجراءات والتدابير والخطوات التي قد ترافق تنفيذه، ومنها منع وجود مسلحين في تلك المنطقة، سواء كانوا من أبناء المنطقة أو من أولئك "المتعددي الجنسيات"، بما في ذلك القيام بمطاردات للقبض على المسلحين المخالفين للقانون، وهنا ينبري السؤال مجددا: هل سيكون الجيش مقيدا بينما لم تنته حتى الآن فصول قضية الكويخات؟

ما يخشاه الخبير العسكري هو أنه في حال عدم توافر تلك الإجراءات، "فإن الجيش سيخضع مجددا لامتحان صعب قد يدخله ومعه البلد في متاهة خطيرة يكون من الصعب عليه أن يتلمس طريق الخروج منها".

 

السفير

  • فريق ماسة
  • 2012-07-11
  • 9395
  • من الأرشيف

الانتشار العسكري شمالاً يتطلب "بيئة حاضنة" وإجراءات ميدانية

يكتسي قرار الحكومة بنشر الجيش على الحدود اللبنانية السورية شمالا وبقاعا أهمية بالغة لاستجابته لمطلب مزمن بضبط هذه الحدود، ولطالما طلبت المؤسسة العسكرية توفير الغطاء السياسي الجدي بما يسمح لها القيام بهذه المهمة من دون معوقات. ولكن لماذا صدر هذا القرار الآن وفي أي سياق وما هي أبعاده الحقيقية، وهل يمتلك العناصر التي تجعله قابلا للتطبيق الميداني وليس مجرد حبر على ورق؟ ما يحمل على طرح تلك التساؤلات، هو أنّ القرار، شكلا وتوقيتا ومضمونا، على أهميته وضرورته، انما يحتمل تفسيرات متناقضة، يختصرها أحد الخبراء العسكريين على الشكل الآتي: أولا، انه قرار باسترداد منطقة عكار الى حضن الدولة اللبنانية، بعدما كادت تنفصل عنها في الأيام الماضية وتصبح بقعة معزولة تحكمها فوضى السلاح والمسلحين والحواجز الطيارة والطرق المقطوعة. ثانيا، انه قرار استرضائي للجيش اتخذته الحكومة على قاعدة "ضربة على الحافر وضربة على المسمار"، أي ان الحكومة وبعدما أرضت ذوي الشيخين أحمد عبد الواحد ومحمد المرعب بقرار التوسع في التحقيق مع العسكريين، أرضت الجيش بقرار نشره على الحدود وكأنها تقول له: "ما زلت تشكل حاجة وضرورة لحماية البلد". ثالثا، انه قرار تنفيسي واحتوائي للآثار التي خلفتها الاحتجاجات العكارية التي رافقت إطلاق العسكريين، حيث ارتفعت الصرخة الاهلية من الممارسات التي اتخذت منحى طائفيا في المنطقة وهددت بسلوك الأمور منحى خطيرا، خاصة بعدما شعرت بعض المكونات العكارية بأنها مستهدفة، وهذا ما دفع نواب المنطقة الى تعديل النبرة لمصلحة المطالبة بنشر الجيش. رابعا، انه قرار يندرج في سياق الاستجابة للشارع العكاري المتململ والرافض تحويله الى دشمة حدودية تتلقى النار من الاتجاهين، ولعل زيارة وفد الفعاليات العكارية ورؤساء بلديات المنطقة الى قيادة الجيش مؤخرا عكست غيضا من فيض ما يعبر عنه الرأي العام العكاري. يتقاطع ذلك مع تقارير رسمية أمنية ترصد ارتفاع معدلات الجريمة والسرقات والانتهاكات في المنطقة. خامسا، إنه قرار يحمل في مضمونه تعبيرا واضحا عن حزم السلطة السياسية أمرها ووضع شعار "النأي بالنفس" عن الازمة السورية موضع التطبيق الجدي للمرة الأولى منذ 18 شهرا، ذلك ان قرار نشر الجيش يستبطن حكما منع عمليات تهريب السلاح والمسلحين في كلا الاتجاهين، ومنع جعل منطقة الحدود من الجانب اللبناني مقرا ومنطلقا لأعمال عدوانية ضد سوريا. سادسا، انه قرار يلغي مشروع إقامة "المنطقة الآمنة" بمعزل عما اذا كان مشروعا جديا أو نظريا. سابعا، انه قرار يحتاج من أجل وضعه موضع التنفيذ الى سلسلة إجراءات يلخصها الخبير العسكري نفسه على الشكل الآتي: ـ توافر الغطاء السياسي للجيش. ـ إعلان منطقة انتشار الجيش في عكار منطقة عسكرية خاصة. ـ ان أي جيش مهما بلغ عديده وقوته لا يستطيع أن يمسك الحدود اذا لم تتوافر له البيئة السياسية والشعبية الحاضنة من داخل حدوده، بما يجعله يدير وجهه شرقا وشمالا وفي أي اتجاه وهو مطمئن الى من يحمي ظهره وليس على طريقة مطاردة العسكريين ومنعهم من الالتحاق بمراكزهم، فضلا عن إخلاء المواقع وصولا الى دفع الجيش الى اعتماد التمويه باعتماد سيارات مدنية لنقل جنوده خشية اعتراضهم من قبل المسلحين من أبناء المنطقة أو "الغرباء" عنها. ـ إن نجاح قرار نشر الجيش يفترض تجاوب سياسيا وأهليا مع الإجراءات والتدابير والخطوات التي قد ترافق تنفيذه، ومنها منع وجود مسلحين في تلك المنطقة، سواء كانوا من أبناء المنطقة أو من أولئك "المتعددي الجنسيات"، بما في ذلك القيام بمطاردات للقبض على المسلحين المخالفين للقانون، وهنا ينبري السؤال مجددا: هل سيكون الجيش مقيدا بينما لم تنته حتى الآن فصول قضية الكويخات؟ ما يخشاه الخبير العسكري هو أنه في حال عدم توافر تلك الإجراءات، "فإن الجيش سيخضع مجددا لامتحان صعب قد يدخله ومعه البلد في متاهة خطيرة يكون من الصعب عليه أن يتلمس طريق الخروج منها".   السفير

المصدر : السفير : نبيل هيثم


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة