منذ أسابيع قليلة كان وقع قصيدة "ما يجب أن يقال" للأديب الألماني جنتر جراس الحائز على جائزة نوبل للادب كالقنبلة في أروقة الدولة الألمانية ووسائل الإعلام. في هذه القصيدة قال جراس ما يجب أن يقال عن عدوانية إسرائيل وإنها تهدد السلام العالمي بترسانتها النووية وبتهديدها بالهجوم على إيران. لم يتراجع الشاعر عن موقفه على الرغم من الحملة التي شنتها عليه الحكومة الإسرائيلية التي أصدرت قرارا بمنعه من زيارة إسرائيل. كما أنه لم ينحن أمام  زوبعة المجلس اليهودي المركزي ومن يسير في ركبه من رجال الدولة والإعلام، وعلى العكس فهو لم يكتف بانتقاد سياسة إسرائيل تجاه إيران بل إزاء الفلسطينيين أيضا، فقد طالبها مجددا بالكف عن عرقلة جهود السلام وعن بناء المسوطنات بل بإخلائها بالكامل لأنها غير شرعية.

بيد أن الخطاب الصهيوني الذي كال لجراس بالقنطار تهم اللاسامية لم يفلح في صرف الأنظار عن خطر الهجوم على إيران وما قد ينجم عن ذلك من دمار للمنطقة بأسرها، بل أسفر في نهاية المطاف عن حوار بناء حول السلام في الشرق الأوسط. وفي هذا الإطار سمعنا أصوات لم نتعود على سماعها في وسائل إعلام مرموقة ومنتشرة، أصوات صحفيين كبار يقولون: صمتنا ما فيه الكفاية، كُفي يا إسرائيل عن انتهاك حقوق الفلسطينيين وعلى رأسها إقامة دولتهم المستقلة، كُفي عن قتل الأطفال وتهديم البيوت والفتك بالمواطنين في غزة بالقنابل الفسفورية.. كفي يا أسرائيل ..كفي.

جراس، هذا الشاعر والروائي والنحات والرسام يسير على نهج أسلافه من كبار الشعراء الإغريق القدماءإلى المحدثين كبريخت وغيرهم، فهم لم يتوقفوا عن رفع أقلامهم في وجوه العتاة وعن التعبير عن رأيهم في قضايا الشعوب المصيرية.

أوروبا منهمكة منذ فترة غير وجيزة  بأزمة اليورو والديون وخاصة فيما يتعلق بديون اليونان التي تقدر بمليارات اليوروهات. أثينا عاجزة حاليا في ظل هذا التطور الجارف عن سد ديونها ولكن عواصم الإتحاد الأوروبي ما انفكت تطالب يوميا بالإسراع في ذلك مما أدى إلى شبه مجاعة في اليونان وإلى تعثر نظامها الصحي والحياة بصورة عامة بالإضافة إلى أزمة الدولة ومخاطر تعاظم قوة الأحزاب اليمينية المتطرفة.  وفي الآونة الأخيرة لم يعد سرا أن الحكومات الأوروبية تبحث بجدية في مسألة إخراج اليونان من نادي اليورو وبشكل أو بآخر من الإتحاد الأوروبي. كما أن وسائل الإعلام الأوروبية لم تتورع عن إتهام اليونانيين بالكسل والتهرب من دفع الضرائب وتحمل المسؤولية. وكانت تصريحات الفرنسية كريستيني ليجارد رئيسة صندوق النقد الدولي قمة القسوة والتجريح الأوروبي باليونان حين قالت إنها لا تشعر بأي تعاطف مع الشعب اليوناني بما في ذلك طلاب المدارس.

هذه الحالة المشحونة بالتهكم والغضب وربما بالكراهية لليونان من قبل معظم الأوروبيين جعلت الأديب الألماني جنتر جراس يتدخل مجددا في هذه القضية الساخنة، فقد نشر مؤخرا قصيدته " العار لأوروبا" في صحيفة زيد دويتشي الواسعة الإنتشار وفي هذه القصيدة التي تختلف عن الأولى أدبيا إذ كانت هذه أقرب إلى المقال السياسي منها إلى الشعر. في  قصيدته الجديدة يقول:

 

            العار لأوروبا

 

اقتربتِ من الفوضى لأنك تهتِ في السوق

مهد حضارتك لم يعد لك يروق

 

  ----------

بروحك بحثتِ عنه لتجديه

والآن بسعر التبن تدفنيه

    

-----------

امسكتِ بتلابيبه وبديونه لك عذبتيه

كم كنتِ مدينة له وكم كنتِ تشكريه

 

 -----------

بلد حكمتِ عليه بالفقر وكنوزه التي سلبتيها

تزين متاحفك التي ما زلتِ تحميها

 

 -----------

بقوة السلاح احتليتِ  جزرا لا تحصى في اليونان1 )

وفي جعبة جنودِك قصائد هولدرلن   2) 

 

  -----------

غاب عن ذاكرتِك إبان حكم العسكر 3)

وتحالفتِ مع الضباط يا للمخسر

 

  -----------

بلد اصبح بلا حقوق وبقوة الديون

أرغمتِيه على شد الحزام على البطون

 

 ------------

يقاوِمك بثوب حداد أنتوجينس 4)

وحزن شعبه عم ونسيت انه كان  لكِ خيرأنيس

 

 -------------

حاشية كروزوس 5) هرّبتْ أموالها خارج البلد

وفي خزائِنك تكدس الذهب

 

 -------------

إسكر، إسكر يصيح مصفقوا مفوضيتِك

وسقراط يرد كأس السم لتشربيه إليكِ

 

 -------------

سيلعنكِ كوْرس الآلهة ويلعن الديْن

فأنتِ إلى سرقة الأليمب 6)  وآلهته تسعيْن

 

 -------------

متخلفة العقل دونه ستقبعين

وبعقله صنعك اوروبا فمن المدين؟

 

 

1) أثناء الحرب العالمية الثانية احتلت المانيا اليونان.

2) هولدرلن شاعر ألماني كلاسيكي (1770 – 1843)

3) أثناء حكم العسكر لليونان (1967 -  1974 ) في السبعينات استمرت العلاقات الطبيعية بين الدول الأوروبية وأثينا.

4)أنتوجينيس بطلة في الميثولوجيا اليونانية فضلت الإنتحار على الخيانة والإستسلام.

5) كروزوس ملك يوناني قديم اشتهر بالثراء الفاحش.

6) أعلى جبل في اليونان وفي قممه كان يعيش ألآلهة  حسب الميثولوجيا. 

(ترجمة حكم عبد الهادي)

 

كما كان متوقعا لم ترق القصيدة لوزراء المالية في العواصم الأوروبية ولبعض الأوساط الإعلامية هنا، ولكنها كانت كالبلسم على قلوب المواطنين في اليونان الذين يواجهون مشاكل مالية واقتصادية وتموينية خانقه بالإضافة إلى الأزمة الحكومية التي لم تخرج منها البلاد بعد. رد أدباء من أثينا بقولهم ما معناه: "ألله يقويك ويجبر بخاطرك يا جراس، فنحن بحاجة إلى صوتك!"

  • فريق ماسة
  • 2012-07-10
  • 11156
  • من الأرشيف

"العار لأوروبا".. جنتر جراس يدين بقصيدة جديدة أوروبا

منذ أسابيع قليلة كان وقع قصيدة "ما يجب أن يقال" للأديب الألماني جنتر جراس الحائز على جائزة نوبل للادب كالقنبلة في أروقة الدولة الألمانية ووسائل الإعلام. في هذه القصيدة قال جراس ما يجب أن يقال عن عدوانية إسرائيل وإنها تهدد السلام العالمي بترسانتها النووية وبتهديدها بالهجوم على إيران. لم يتراجع الشاعر عن موقفه على الرغم من الحملة التي شنتها عليه الحكومة الإسرائيلية التي أصدرت قرارا بمنعه من زيارة إسرائيل. كما أنه لم ينحن أمام  زوبعة المجلس اليهودي المركزي ومن يسير في ركبه من رجال الدولة والإعلام، وعلى العكس فهو لم يكتف بانتقاد سياسة إسرائيل تجاه إيران بل إزاء الفلسطينيين أيضا، فقد طالبها مجددا بالكف عن عرقلة جهود السلام وعن بناء المسوطنات بل بإخلائها بالكامل لأنها غير شرعية. بيد أن الخطاب الصهيوني الذي كال لجراس بالقنطار تهم اللاسامية لم يفلح في صرف الأنظار عن خطر الهجوم على إيران وما قد ينجم عن ذلك من دمار للمنطقة بأسرها، بل أسفر في نهاية المطاف عن حوار بناء حول السلام في الشرق الأوسط. وفي هذا الإطار سمعنا أصوات لم نتعود على سماعها في وسائل إعلام مرموقة ومنتشرة، أصوات صحفيين كبار يقولون: صمتنا ما فيه الكفاية، كُفي يا إسرائيل عن انتهاك حقوق الفلسطينيين وعلى رأسها إقامة دولتهم المستقلة، كُفي عن قتل الأطفال وتهديم البيوت والفتك بالمواطنين في غزة بالقنابل الفسفورية.. كفي يا أسرائيل ..كفي. جراس، هذا الشاعر والروائي والنحات والرسام يسير على نهج أسلافه من كبار الشعراء الإغريق القدماءإلى المحدثين كبريخت وغيرهم، فهم لم يتوقفوا عن رفع أقلامهم في وجوه العتاة وعن التعبير عن رأيهم في قضايا الشعوب المصيرية. أوروبا منهمكة منذ فترة غير وجيزة  بأزمة اليورو والديون وخاصة فيما يتعلق بديون اليونان التي تقدر بمليارات اليوروهات. أثينا عاجزة حاليا في ظل هذا التطور الجارف عن سد ديونها ولكن عواصم الإتحاد الأوروبي ما انفكت تطالب يوميا بالإسراع في ذلك مما أدى إلى شبه مجاعة في اليونان وإلى تعثر نظامها الصحي والحياة بصورة عامة بالإضافة إلى أزمة الدولة ومخاطر تعاظم قوة الأحزاب اليمينية المتطرفة.  وفي الآونة الأخيرة لم يعد سرا أن الحكومات الأوروبية تبحث بجدية في مسألة إخراج اليونان من نادي اليورو وبشكل أو بآخر من الإتحاد الأوروبي. كما أن وسائل الإعلام الأوروبية لم تتورع عن إتهام اليونانيين بالكسل والتهرب من دفع الضرائب وتحمل المسؤولية. وكانت تصريحات الفرنسية كريستيني ليجارد رئيسة صندوق النقد الدولي قمة القسوة والتجريح الأوروبي باليونان حين قالت إنها لا تشعر بأي تعاطف مع الشعب اليوناني بما في ذلك طلاب المدارس. هذه الحالة المشحونة بالتهكم والغضب وربما بالكراهية لليونان من قبل معظم الأوروبيين جعلت الأديب الألماني جنتر جراس يتدخل مجددا في هذه القضية الساخنة، فقد نشر مؤخرا قصيدته " العار لأوروبا" في صحيفة زيد دويتشي الواسعة الإنتشار وفي هذه القصيدة التي تختلف عن الأولى أدبيا إذ كانت هذه أقرب إلى المقال السياسي منها إلى الشعر. في  قصيدته الجديدة يقول:               العار لأوروبا   اقتربتِ من الفوضى لأنك تهتِ في السوق مهد حضارتك لم يعد لك يروق     ---------- بروحك بحثتِ عنه لتجديه والآن بسعر التبن تدفنيه      ----------- امسكتِ بتلابيبه وبديونه لك عذبتيه كم كنتِ مدينة له وكم كنتِ تشكريه    ----------- بلد حكمتِ عليه بالفقر وكنوزه التي سلبتيها تزين متاحفك التي ما زلتِ تحميها    ----------- بقوة السلاح احتليتِ  جزرا لا تحصى في اليونان1 ) وفي جعبة جنودِك قصائد هولدرلن   2)      ----------- غاب عن ذاكرتِك إبان حكم العسكر 3) وتحالفتِ مع الضباط يا للمخسر     ----------- بلد اصبح بلا حقوق وبقوة الديون أرغمتِيه على شد الحزام على البطون    ------------ يقاوِمك بثوب حداد أنتوجينس 4) وحزن شعبه عم ونسيت انه كان  لكِ خيرأنيس    ------------- حاشية كروزوس 5) هرّبتْ أموالها خارج البلد وفي خزائِنك تكدس الذهب    ------------- إسكر، إسكر يصيح مصفقوا مفوضيتِك وسقراط يرد كأس السم لتشربيه إليكِ    ------------- سيلعنكِ كوْرس الآلهة ويلعن الديْن فأنتِ إلى سرقة الأليمب 6)  وآلهته تسعيْن    ------------- متخلفة العقل دونه ستقبعين وبعقله صنعك اوروبا فمن المدين؟     1) أثناء الحرب العالمية الثانية احتلت المانيا اليونان. 2) هولدرلن شاعر ألماني كلاسيكي (1770 – 1843) 3) أثناء حكم العسكر لليونان (1967 -  1974 ) في السبعينات استمرت العلاقات الطبيعية بين الدول الأوروبية وأثينا. 4)أنتوجينيس بطلة في الميثولوجيا اليونانية فضلت الإنتحار على الخيانة والإستسلام. 5) كروزوس ملك يوناني قديم اشتهر بالثراء الفاحش. 6) أعلى جبل في اليونان وفي قممه كان يعيش ألآلهة  حسب الميثولوجيا.  (ترجمة حكم عبد الهادي)   كما كان متوقعا لم ترق القصيدة لوزراء المالية في العواصم الأوروبية ولبعض الأوساط الإعلامية هنا، ولكنها كانت كالبلسم على قلوب المواطنين في اليونان الذين يواجهون مشاكل مالية واقتصادية وتموينية خانقه بالإضافة إلى الأزمة الحكومية التي لم تخرج منها البلاد بعد. رد أدباء من أثينا بقولهم ما معناه: "ألله يقويك ويجبر بخاطرك يا جراس، فنحن بحاجة إلى صوتك!"

المصدر : حكم عبد الهادي


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة