يسمع زوار العاصمة الروسية لغة روسية حاسمة في مقاربة الأزمة السورية التي دخلت شهرها السابع عشر. هم يتحدثون عن "حرب عالمية" تشن على سوريا "لم تحقق أهدافها"، ولو أنهم يتوقعون لها أن تطول أكثر، وأن يستمر مسلسل العنف والدم في غياب التسويات السياسية الداخلية.

ويروي الزوار أنه خلال انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة للتنمية في مدينة ريو دي جانيرو البرازيلية في أواخر الشهر الماضي، وخلال اللقاء الذي عقد بين رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، طلب الأول أن يناقش الملف السوري، وكان جواب بوتين لأردوغان: "أعتذر. أنا متعب من السـفر".

ما يستنتجه زوار موسكو أن سقوط بشار الأسد امر غير مطروح في حسابات الروس، لا بل على العكس من ذلك، فإن أي تسوية للازمة السورية، لا يمكن أن تحصل بمعزل عن نظام الأسد، وهذا الموقف سبق لموسكو أن أبلغته للأميركيين.

ويقول الروس إن المرحلة الانتقالية التي جرى الحديث عنها في جنيف، تشمل النظام والمعارضين بعد توحيد فصائلهم، ومنطلقها وقف العنف المتبادل ووقف الدعم الخارجي للمعارضين بالسلاح وإجبار الطرفين على الجلوس إلى طاولة حوار تفضي إلى صياغة سورية لمرحلة انتقالية ضمن سقف زمني معين، تتضمن تشكيل حكومة تضم جميع الأطراف، مرورا بإجراء انتخابات تشريعية حرة، وصولا إلى إجراء انتخابات رئاسية تفرز رئيسا يختاره السوريون.

وثمة قضية لا يطرحها الروس علنا وهي الهوية الطائفية للرئيس السوري، فهم يتمسكون بأن يكون الرئيس السوري ممثلا للأقليات السورية، بعد إعادة النظر بالصلاحيات، بحيث يعطى دور أكبر للسلطتين التشريعية والتنفيذية.

يتوقف زوار موسكو عند مقاربة روسية لافتة للانتباه حيال الحرب التي تشن على سوريا، حيث يعتبرها الروس حربا على روسيا أيضا، وهذا ما فرض على روسيا منذ بدايات هذه الحرب خوض ما يسمونها "الحرب الدفاعية الاستباقية"، ليس فقط لحماية الخاصرة السورية، وما يشكله موقع سوريا من أهمية استراتيجية، بل للدفاع عن "الأمن القومي الروسي"، وذلك في مواجهة حرب هادفة إلى تغيير البنية الجيوسياسية في الشرق الأوسط ونقل عدوى التطرّف الأصولي والتكفيري إلى جمهوريات آسيا الوسطى، مع ما يعنيه ذلك من تهديد لروسيا واستقرارها.

يقول زوار موسكو إن استقرار روسيا يتقدم على كل الاعتبارات. ولذلك، فإن الروس يرسمون خطا احمر على طريقتهم: "يخطئ من يعتقد أننا نبيع أو نشتري، لأن "البازار" هنا يعرّض استقرار روسيا للخطر".

يلاحظ زوار موسكو أنه في موازاة الدعم الروسي، السياسي والعسكري، للنظام السوري، ثمة ملاحظات لا تحصى ولا تعد على النظام وسلوكه البطيء، وبرغم ذلك، يكثفون جهودهم من أجل عدم بلوغ الأمور نقطة اللاعودة، وهم سيقدمون رؤيتهم لوفد المعارضة السورية عندما يزور موسكو.

وفي السياق نفسه، من المتوقع عقد اجتماع موسع في العاصمة الروسية يشارك فيه كل سفراء روسيا المعتمدين في المنطقة، لمناقشة تداعيات الأزمة السورية، في ظل مؤشرات تشي بانهيار مهمة كوفي أنان والمراقبين الدوليين في سوريا.

ماذا عن لبنان؟

لم يكن يتوقع الديبلوماسيون الروس أن تشهد سوريا كل هذا العنف الدموي منذ 17 شهرا، بينما لا تزال أمور لبنان قيد السيطرة إلى حد بعيد. يبادر المسؤولون الروس للقول أمام ضيوفهم اللبنانيين ان المسؤولية الوطنية، تقتضي من جميع أطراف طاولة الحوار الوطني في لبنان، أن يلبوا دعوة رئيس الجمهورية ميشال سليمان وأن يناقشوا جديا كيفية حماية بلدهم، بمعزل عن أهواء ومصالح فريقي 8 و14 آذار.

ويقول المسؤولون الروس انه من واجب اللبنانيين ان يحاولوا القيام بفرضهم المدرسي على أكمل وجه، عبر رسم سيناريوهات متعددة، للأزمة السورية، بما فيها خطر انزلاق هذا البلد إلى الحرب الأهلية وكيف سيرتد ذلك على الواقع اللبناني، لأن مسؤولية حماية لبنان لن تكون مهمة سهلة ولا مهمة فريق لبناني..

يدعو الروس اللبنانيين إلى استذكار دروس حربهم الأهلية ومآسيها، ويقولون ان تقديم تنازلات من جميع الأطراف في لبنان وحده الكفيل بعدم تكرار التجربة المريرة نفسها.

يقول المسؤولون الروس ان سياسة النأي بالنفس المتبعة من الحكومة اللبنانية تلقى تفهما دوليا وهي استطاعت أن تحمي لبنان، وهم يلتقون في موقفهم مع معظم المواقف الغربية، وخاصة الأميركي.

ويروي أحد الديبلوماسيين اللبنانيين أن وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون عندما اجتمعت برئيس الحكومة نجيب ميقاتي في ريو دي جانيرو، قالت له انه هو نفسه لا يدرك معنى أن يقود السفينة اللبنانية بهذه الحكمة التي يفترض أن يتحلى بها قبطان السفينة. وأشادت بسياسة النأي بالنفس عن الحدث السوري، وقالت ان واشنطن تدعم المثلث اللبناني الذهبي: رئيس الحكومة وحاكمية مصرف لبنان وقيادة الجيش.

هذا المثلث يحظى أيضا بدعم روسي، سمعه بشكل واضح وزير الداخلية مروان شربل خلال زيارته مدينة سان بطرسبورغ، حيث أعرب الروس عن استعدادهم الكبير لتقديم كل ما يمكن تقديمه من أجل تعزيز دور القوى المسلحة من أجل حماية حدود لبنان.

وتردد أن بعض الدوائر اللبنانية تدرس بشكل جدي الاستعانة بخبرات الروس التقنية، خاصة في مجال الاتصالات، بعدما تبين أن أحدا لم يتفوق عليهم في الغرب.

هل تأثرت صورة روسيا في لبنان والمنطقة؟ يرفض الروس الانزلاق الى خانة الشعبوية في مقاربتهم ما يجري من أحداث كبرى في المنطقة، وهم يرفضون الحديث بلغة المعسكرات ويتمسكون بلغة المصالح، ويعتبرون أن ثمة معايير لا يمكن أن يحيدوا عنها وفي طليعتها الحق السيادي للدول ورفض التدخل في شؤونها الداخلية. وهذا يسري عليهم وعلى غيرهم.

  • فريق ماسة
  • 2012-07-06
  • 9644
  • من الأرشيف

موسكو تذكّر اللبنانيين بدروس الحرب الأهلية: احموا بلدكم

يسمع زوار العاصمة الروسية لغة روسية حاسمة في مقاربة الأزمة السورية التي دخلت شهرها السابع عشر. هم يتحدثون عن "حرب عالمية" تشن على سوريا "لم تحقق أهدافها"، ولو أنهم يتوقعون لها أن تطول أكثر، وأن يستمر مسلسل العنف والدم في غياب التسويات السياسية الداخلية. ويروي الزوار أنه خلال انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة للتنمية في مدينة ريو دي جانيرو البرازيلية في أواخر الشهر الماضي، وخلال اللقاء الذي عقد بين رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، طلب الأول أن يناقش الملف السوري، وكان جواب بوتين لأردوغان: "أعتذر. أنا متعب من السـفر". ما يستنتجه زوار موسكو أن سقوط بشار الأسد امر غير مطروح في حسابات الروس، لا بل على العكس من ذلك، فإن أي تسوية للازمة السورية، لا يمكن أن تحصل بمعزل عن نظام الأسد، وهذا الموقف سبق لموسكو أن أبلغته للأميركيين. ويقول الروس إن المرحلة الانتقالية التي جرى الحديث عنها في جنيف، تشمل النظام والمعارضين بعد توحيد فصائلهم، ومنطلقها وقف العنف المتبادل ووقف الدعم الخارجي للمعارضين بالسلاح وإجبار الطرفين على الجلوس إلى طاولة حوار تفضي إلى صياغة سورية لمرحلة انتقالية ضمن سقف زمني معين، تتضمن تشكيل حكومة تضم جميع الأطراف، مرورا بإجراء انتخابات تشريعية حرة، وصولا إلى إجراء انتخابات رئاسية تفرز رئيسا يختاره السوريون. وثمة قضية لا يطرحها الروس علنا وهي الهوية الطائفية للرئيس السوري، فهم يتمسكون بأن يكون الرئيس السوري ممثلا للأقليات السورية، بعد إعادة النظر بالصلاحيات، بحيث يعطى دور أكبر للسلطتين التشريعية والتنفيذية. يتوقف زوار موسكو عند مقاربة روسية لافتة للانتباه حيال الحرب التي تشن على سوريا، حيث يعتبرها الروس حربا على روسيا أيضا، وهذا ما فرض على روسيا منذ بدايات هذه الحرب خوض ما يسمونها "الحرب الدفاعية الاستباقية"، ليس فقط لحماية الخاصرة السورية، وما يشكله موقع سوريا من أهمية استراتيجية، بل للدفاع عن "الأمن القومي الروسي"، وذلك في مواجهة حرب هادفة إلى تغيير البنية الجيوسياسية في الشرق الأوسط ونقل عدوى التطرّف الأصولي والتكفيري إلى جمهوريات آسيا الوسطى، مع ما يعنيه ذلك من تهديد لروسيا واستقرارها. يقول زوار موسكو إن استقرار روسيا يتقدم على كل الاعتبارات. ولذلك، فإن الروس يرسمون خطا احمر على طريقتهم: "يخطئ من يعتقد أننا نبيع أو نشتري، لأن "البازار" هنا يعرّض استقرار روسيا للخطر". يلاحظ زوار موسكو أنه في موازاة الدعم الروسي، السياسي والعسكري، للنظام السوري، ثمة ملاحظات لا تحصى ولا تعد على النظام وسلوكه البطيء، وبرغم ذلك، يكثفون جهودهم من أجل عدم بلوغ الأمور نقطة اللاعودة، وهم سيقدمون رؤيتهم لوفد المعارضة السورية عندما يزور موسكو. وفي السياق نفسه، من المتوقع عقد اجتماع موسع في العاصمة الروسية يشارك فيه كل سفراء روسيا المعتمدين في المنطقة، لمناقشة تداعيات الأزمة السورية، في ظل مؤشرات تشي بانهيار مهمة كوفي أنان والمراقبين الدوليين في سوريا. ماذا عن لبنان؟ لم يكن يتوقع الديبلوماسيون الروس أن تشهد سوريا كل هذا العنف الدموي منذ 17 شهرا، بينما لا تزال أمور لبنان قيد السيطرة إلى حد بعيد. يبادر المسؤولون الروس للقول أمام ضيوفهم اللبنانيين ان المسؤولية الوطنية، تقتضي من جميع أطراف طاولة الحوار الوطني في لبنان، أن يلبوا دعوة رئيس الجمهورية ميشال سليمان وأن يناقشوا جديا كيفية حماية بلدهم، بمعزل عن أهواء ومصالح فريقي 8 و14 آذار. ويقول المسؤولون الروس انه من واجب اللبنانيين ان يحاولوا القيام بفرضهم المدرسي على أكمل وجه، عبر رسم سيناريوهات متعددة، للأزمة السورية، بما فيها خطر انزلاق هذا البلد إلى الحرب الأهلية وكيف سيرتد ذلك على الواقع اللبناني، لأن مسؤولية حماية لبنان لن تكون مهمة سهلة ولا مهمة فريق لبناني.. يدعو الروس اللبنانيين إلى استذكار دروس حربهم الأهلية ومآسيها، ويقولون ان تقديم تنازلات من جميع الأطراف في لبنان وحده الكفيل بعدم تكرار التجربة المريرة نفسها. يقول المسؤولون الروس ان سياسة النأي بالنفس المتبعة من الحكومة اللبنانية تلقى تفهما دوليا وهي استطاعت أن تحمي لبنان، وهم يلتقون في موقفهم مع معظم المواقف الغربية، وخاصة الأميركي. ويروي أحد الديبلوماسيين اللبنانيين أن وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون عندما اجتمعت برئيس الحكومة نجيب ميقاتي في ريو دي جانيرو، قالت له انه هو نفسه لا يدرك معنى أن يقود السفينة اللبنانية بهذه الحكمة التي يفترض أن يتحلى بها قبطان السفينة. وأشادت بسياسة النأي بالنفس عن الحدث السوري، وقالت ان واشنطن تدعم المثلث اللبناني الذهبي: رئيس الحكومة وحاكمية مصرف لبنان وقيادة الجيش. هذا المثلث يحظى أيضا بدعم روسي، سمعه بشكل واضح وزير الداخلية مروان شربل خلال زيارته مدينة سان بطرسبورغ، حيث أعرب الروس عن استعدادهم الكبير لتقديم كل ما يمكن تقديمه من أجل تعزيز دور القوى المسلحة من أجل حماية حدود لبنان. وتردد أن بعض الدوائر اللبنانية تدرس بشكل جدي الاستعانة بخبرات الروس التقنية، خاصة في مجال الاتصالات، بعدما تبين أن أحدا لم يتفوق عليهم في الغرب. هل تأثرت صورة روسيا في لبنان والمنطقة؟ يرفض الروس الانزلاق الى خانة الشعبوية في مقاربتهم ما يجري من أحداث كبرى في المنطقة، وهم يرفضون الحديث بلغة المعسكرات ويتمسكون بلغة المصالح، ويعتبرون أن ثمة معايير لا يمكن أن يحيدوا عنها وفي طليعتها الحق السيادي للدول ورفض التدخل في شؤونها الداخلية. وهذا يسري عليهم وعلى غيرهم.

المصدر : صحيفة السفير : نبيل هيثم


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة