لعلها من المرات القليلة التي يشهد فيها لبنان ما شهده خلال الايام الماضية من هطول للمطر الدبلوماسي على ساحته بغزارة غير مسبوقة، حيث اختلطت الجنسيات والنيات في المقرات الرسمية التي انهمكت باستقبال الضيوف وتوديعهم، وكان آخرهم وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير الذي نصب سيركا دبلوماسيا، كعادته، لساعات قليلة في حرج الصنوبر في بيروت، بعدما كان قد سبقه اليها في فترات متقاربة كل من أمير الكويت ورئيس الوزراء القطري ورئيس الوزراء اليوناني ونائب الرئيس الايراني ووزير الخارجية الالماني ووزير الخارجية الاسباني.. والحبل على الجرار

وقبل أيام أثار الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله تساؤلات حول خلفية الزيارات الكثيفة التي يقوم بها مسؤولون دوليون الى لبنان في هذه المرحلة، راسما علامات استفهام حول هذا التدفق الدبلوماسي وملمحا الى انه سيقدم تفسيره لما يجري في كلمته اليوم لمناسبة عيد المقاومة والتحرير. وما لبث الرئيس نبيه بري ان لاقى السيد نصر الله في قراءته ببن سطور الزيارات الدولية، فاعتبر ان الزوّار الاجانب لا يأتون لحمايتنا بل لتخويفنا مما لا نخاف منه

ولكن، هل ان مقاربة «الثنائي الشيعي» هي في مكانها، أم انها تعبر عن هواجس مبالغ فيها؟ ولماذا لا يتم التعاطي مع هذا الاهتمام الخارجي بلبنان انطلاقا من كونه مؤشرا الى حضوره الفاعل على الخارطة الدولية؟

إذا كان لا يمكن بطبيعة الحال وضع كل الزوار في سلة واحدة، ولا سيما العرب منهم، إلا ان المعطيات التي توافرت حول دوافع عمليات «الانزال الدبلوماسي» التي قامت بها بعض الشخصيات الاوروبية تحرض على عدم التعامل مع الامر ببراءة أو ببساطة، ذلك ان المعلومات تفيد بأن الزوار الغربيين جاؤوا لممارسة ما يمكن وصفه بـ«الضغط الناعم» على لبنان تحت شعار الحرص عليه والرغبة في حمايته من أي ضربة اسرائيلية، وأما الترجمة السياسية و«الملغومة» لهذا الحرص فكانت بالتحذير من مغبة استمرار تزود حزب الله بالسلاح استنادا الى وجوب تنفيذ القرار 1701، "وإلا فإنه سيكون من الصعب ضمان عدم شن إسرائيل هجوما عسكريا ضد لبنان في وقت من الأوقات"

وعلى خط مواز، التقط النائب وليد جنبلاط خلال جولته العربية الاخيرة التي شملت بعض «دول الاعتدال» إشارات في عواصمها توحي بأن احتمال الحرب يبقى واردا وإن تكن أسهمه ترتفع او تنخفض تبعا للظروف والتطورات. كما سمعت إحدى الشخصيات اللبنانية مؤخرا من مسؤول في إحدى الدول الاوروبية مخاوف على جنود بلاده المشاركين في القوات الدولية، معربا عن قلقه من ان يتحولوا الى رهينة في الجنوب في حال اندلاع أي صراع عسكري

ونالت سوريا حصتها بطبيعة الحال من الرسائل الدولية، لا سيما ان أصحاب هذه الرسائل يعتبرون ان دمشق هي التي تمد حزب الله بالسلاح عبر حدودها مع لبنان، علما ان الولايات المتحدة والدول الاوروبية الفاعلة أظهرت في الوقت ذاته اهتماما بإبقاء القنوات مفتوحة مع دمشق وعدم العودة الى لغة جورج بوش وجاك شيراك في مخاطبتها

وفي قراءة مصادر مطلعة لأبعاد الازدحام الدولي في شوارع بيروت، ان حكومة بنيامين نتنياهو التي تتعرض الى ضغوط من أجل تسهيل عملية التسوية في المنطقة، تحاول بكل الوسائل تعطيلها او الالتفاف عليها، وبالتالي فهي أرادات ان تتهرب من استحقاقات هذه العملية ومستحقاتها عبر رمي مطالب تتصل بأمن اسرائيل في وجه حلفائها وأصدقائها في المجتمع الدولي، مستخدمة منطق المقايضة او الابتزاز الذي يقوم على المعادلة الآتية: «قبل ان تطلبوا منا الانخراط في التسوية، عليكم الإيفاء بالتزاماتكم تجاه امننا في مواجهة التهديدات التي تحدق به

وعلى هذا الاساس، تميل تلك المصادر الى وضع الإقبال الكثيف على زيارة بيروت في هذا التوقيت بالذات، في سياق السعي الى تخفيض منسوب التوتر الذي تصاعد بعد همروجة صوارخ الـ«سكود»، وطمأنة اسرائيل الى ان ضغوطا تمارس على لبنان وسوريا من أجل وقف إمداد حزب الله بالأسلحة التي تثير قلقها

وحسب المعلومات، فقد سبق هذه الموجة الدبلوماسية التي طفت على السطح، اتصالات بعيدة عن الاضواء شملت واشنطن ودمشق والدوحة، أبلغ خلالها الرئيس السوري بشار الاسد الادارة الاميركية موقفا واضحا مفاده ان سوريا لن تقف مكتوفة اليدين في حال وجهت إسرائيل ضربة عسكرية إليها، على خلفية اتهامها بتزويد حزب الله بالصواريخ. وأكد الأسد أن دمشق لن تمارس سياسة ضبط النفس هذه المرة وأن رد فعلها لن يكون شبيها بذاك الذي تبع الغارة الإسرائيلية على احد المواقع في دير الزور عام 2007، جازما بأن بلاده سترد عسكريا على أي اعتداء يطالها. وإزاء هذه اللهجة السورية المستخدمة، أبدت واشنطن اهتماما باحتواء الوضع، وأبلغ مساعد وزير الخارجية الأميركية ديفيد ساترفيلد السفير السوري في واشنطن ان بلاده حريصة على التهدئة في المنطقة، في موازاة موقف مماثل أبلغه مسؤول عربي كبير الى الأسد نقلا عن مستويات عليا في الإدارة الأميركية

وتدعو الأوساط المطلعة على هذه الأجواء إلى التوقف مليا عند أهمية تحول سوريا من دولة ممانعة الى دولة مقاومة، مشيرة الى ان ذلك يشكل تطورا استراتيجيا في دينامية الصراع مع إسرائيل، ولافتة الانتباه الى انه من السخرية بمكان أن تُطالب سوريا بضبط ما يعتبره الغرب تدفقا للسلاح عبر حدودها، في حين ان الجيش الأميركي الذي يحكم قبضته على الحدود العراقية من مختلف الجهات يعجز عن منع تسرب السلاح الى الداخل

  • فريق ماسة
  • 2010-05-24
  • 10043
  • من الأرشيف

الأسد للأميركيين: سوريا سترد على أي ضربة إسرائيلية

لعلها من المرات القليلة التي يشهد فيها لبنان ما شهده خلال الايام الماضية من هطول للمطر الدبلوماسي على ساحته بغزارة غير مسبوقة، حيث اختلطت الجنسيات والنيات في المقرات الرسمية التي انهمكت باستقبال الضيوف وتوديعهم، وكان آخرهم وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير الذي نصب سيركا دبلوماسيا، كعادته، لساعات قليلة في حرج الصنوبر في بيروت، بعدما كان قد سبقه اليها في فترات متقاربة كل من أمير الكويت ورئيس الوزراء القطري ورئيس الوزراء اليوناني ونائب الرئيس الايراني ووزير الخارجية الالماني ووزير الخارجية الاسباني.. والحبل على الجرار وقبل أيام أثار الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله تساؤلات حول خلفية الزيارات الكثيفة التي يقوم بها مسؤولون دوليون الى لبنان في هذه المرحلة، راسما علامات استفهام حول هذا التدفق الدبلوماسي وملمحا الى انه سيقدم تفسيره لما يجري في كلمته اليوم لمناسبة عيد المقاومة والتحرير. وما لبث الرئيس نبيه بري ان لاقى السيد نصر الله في قراءته ببن سطور الزيارات الدولية، فاعتبر ان الزوّار الاجانب لا يأتون لحمايتنا بل لتخويفنا مما لا نخاف منه ولكن، هل ان مقاربة «الثنائي الشيعي» هي في مكانها، أم انها تعبر عن هواجس مبالغ فيها؟ ولماذا لا يتم التعاطي مع هذا الاهتمام الخارجي بلبنان انطلاقا من كونه مؤشرا الى حضوره الفاعل على الخارطة الدولية؟ إذا كان لا يمكن بطبيعة الحال وضع كل الزوار في سلة واحدة، ولا سيما العرب منهم، إلا ان المعطيات التي توافرت حول دوافع عمليات «الانزال الدبلوماسي» التي قامت بها بعض الشخصيات الاوروبية تحرض على عدم التعامل مع الامر ببراءة أو ببساطة، ذلك ان المعلومات تفيد بأن الزوار الغربيين جاؤوا لممارسة ما يمكن وصفه بـ«الضغط الناعم» على لبنان تحت شعار الحرص عليه والرغبة في حمايته من أي ضربة اسرائيلية، وأما الترجمة السياسية و«الملغومة» لهذا الحرص فكانت بالتحذير من مغبة استمرار تزود حزب الله بالسلاح استنادا الى وجوب تنفيذ القرار 1701، "وإلا فإنه سيكون من الصعب ضمان عدم شن إسرائيل هجوما عسكريا ضد لبنان في وقت من الأوقات" وعلى خط مواز، التقط النائب وليد جنبلاط خلال جولته العربية الاخيرة التي شملت بعض «دول الاعتدال» إشارات في عواصمها توحي بأن احتمال الحرب يبقى واردا وإن تكن أسهمه ترتفع او تنخفض تبعا للظروف والتطورات. كما سمعت إحدى الشخصيات اللبنانية مؤخرا من مسؤول في إحدى الدول الاوروبية مخاوف على جنود بلاده المشاركين في القوات الدولية، معربا عن قلقه من ان يتحولوا الى رهينة في الجنوب في حال اندلاع أي صراع عسكري ونالت سوريا حصتها بطبيعة الحال من الرسائل الدولية، لا سيما ان أصحاب هذه الرسائل يعتبرون ان دمشق هي التي تمد حزب الله بالسلاح عبر حدودها مع لبنان، علما ان الولايات المتحدة والدول الاوروبية الفاعلة أظهرت في الوقت ذاته اهتماما بإبقاء القنوات مفتوحة مع دمشق وعدم العودة الى لغة جورج بوش وجاك شيراك في مخاطبتها وفي قراءة مصادر مطلعة لأبعاد الازدحام الدولي في شوارع بيروت، ان حكومة بنيامين نتنياهو التي تتعرض الى ضغوط من أجل تسهيل عملية التسوية في المنطقة، تحاول بكل الوسائل تعطيلها او الالتفاف عليها، وبالتالي فهي أرادات ان تتهرب من استحقاقات هذه العملية ومستحقاتها عبر رمي مطالب تتصل بأمن اسرائيل في وجه حلفائها وأصدقائها في المجتمع الدولي، مستخدمة منطق المقايضة او الابتزاز الذي يقوم على المعادلة الآتية: «قبل ان تطلبوا منا الانخراط في التسوية، عليكم الإيفاء بالتزاماتكم تجاه امننا في مواجهة التهديدات التي تحدق به وعلى هذا الاساس، تميل تلك المصادر الى وضع الإقبال الكثيف على زيارة بيروت في هذا التوقيت بالذات، في سياق السعي الى تخفيض منسوب التوتر الذي تصاعد بعد همروجة صوارخ الـ«سكود»، وطمأنة اسرائيل الى ان ضغوطا تمارس على لبنان وسوريا من أجل وقف إمداد حزب الله بالأسلحة التي تثير قلقها وحسب المعلومات، فقد سبق هذه الموجة الدبلوماسية التي طفت على السطح، اتصالات بعيدة عن الاضواء شملت واشنطن ودمشق والدوحة، أبلغ خلالها الرئيس السوري بشار الاسد الادارة الاميركية موقفا واضحا مفاده ان سوريا لن تقف مكتوفة اليدين في حال وجهت إسرائيل ضربة عسكرية إليها، على خلفية اتهامها بتزويد حزب الله بالصواريخ. وأكد الأسد أن دمشق لن تمارس سياسة ضبط النفس هذه المرة وأن رد فعلها لن يكون شبيها بذاك الذي تبع الغارة الإسرائيلية على احد المواقع في دير الزور عام 2007، جازما بأن بلاده سترد عسكريا على أي اعتداء يطالها. وإزاء هذه اللهجة السورية المستخدمة، أبدت واشنطن اهتماما باحتواء الوضع، وأبلغ مساعد وزير الخارجية الأميركية ديفيد ساترفيلد السفير السوري في واشنطن ان بلاده حريصة على التهدئة في المنطقة، في موازاة موقف مماثل أبلغه مسؤول عربي كبير الى الأسد نقلا عن مستويات عليا في الإدارة الأميركية وتدعو الأوساط المطلعة على هذه الأجواء إلى التوقف مليا عند أهمية تحول سوريا من دولة ممانعة الى دولة مقاومة، مشيرة الى ان ذلك يشكل تطورا استراتيجيا في دينامية الصراع مع إسرائيل، ولافتة الانتباه الى انه من السخرية بمكان أن تُطالب سوريا بضبط ما يعتبره الغرب تدفقا للسلاح عبر حدودها، في حين ان الجيش الأميركي الذي يحكم قبضته على الحدود العراقية من مختلف الجهات يعجز عن منع تسرب السلاح الى الداخل

المصدر : عماد مرمل (السفير)


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة