تزامنت تقريبا العملية العسكرية التي حصلت ليل الجمعة الماضي مع المؤتمر الصحافي لوزير خارجية روسيا سيرغي لافروف صباح أمس الأول السبت، بشكل دفع مراقبين ودبلوماسيين لرؤية ترابط بين الحدثين، لا سيما أن ليل الجمعة اختلف تماما عن صباحه، بالنسبة للعديد من المقيمين في دمشق، الذين تعرضوا على مدى الليل لحرب إشاعات وصلت حد بث إحدى الفضائيات العربية المحترفة أخبارا عن اشتعال المصرف المركزي وسط دمشق، ومقتل العشرات في قلب حي ابو رمانة الراقي.والواقع أن اشتباكا واحدا لم يسجل في أحياء العاصمة تلك الليلة، فيما سجلت وقائع حرب محدودة وموزعة على مناطق مختلفة في أطرافها وفي ريف دمشق. ووفقا لمصادر سورية تابعت وقائع ليلة الثامن من حزيران الحالي، فإن الجيش السوري قام بضربة استباقية منعت تطور الهجوم على حواجزه في المناطق القريبة من الغوطة إلى عملية عسكرية واسعة في العاصمة، وذلك استنادا لإنذارات ومعلومات بأن التركيز انتقل في الآونة الأخيرة إلى محاولة هز دمشق، بناء على استنتاج أن «آخر الأهداف هو أهمها».

ووفقا لصحيفة «الوطن» القريبة من الحكومة، فإن الجيش لم يكتف بتوجيه ضرباته، بل لاحق المسلحين إلى مراكزهم، واستمر وهج النار وضجيج الاشتباك من ظهر يوم الجمعة وحتى صباح السبت، والذي بدت فيه شوارع العاصمة بحركة نهار عادي كأي يوم عطلة، وإن كثرت الحواجز الأمنية وانتشرت بمناطق كثيرة.

وفيما شهدت دمشق هدوءا ليل السبت، اشتدت المواجهات في حمص، ولا سيما حول حي الخالدية، وفي اللاذقية في مدينة الحفة ومحيطها، حيث تسود مخاوف كبيرة من «مخطط لمجزرة» وفقا لما ينقل الإعلام الرسمي بسبب حساسية المنطقة من نواح كثيرة مذهبية وعرقية، حيث نقلت الفضائيات وبينها «الإخبارية «السورية أن حوالي 70 إلى 80 شخصا اختطفوا من الحفة باتجاه قرية دفيل، مبدية قلقها «من أن تتم تصفيتهم واتهام الدولة».

وعرض التلفزيون الرسمي أمس شهادات حية تحمّل شبانا من الأردن وفلسطين (جنسية سورية) مسؤولية تفجيرات القزاز وكفرسوسة والقصاع، وذلك بإدارة وتنظيم أشخاص عراقيين منتمين لتنظيم «القاعدة». وركزت شهادة أحد المشاركين على الرابط بين «القاعدة» و«الجيش الحر»، مشيرا أيضا إلى أن عمليتي التفخيخ والتخطيط جرتا في ريف العاصمة دمشق.

ووجود «القاعدة» والتيار الإسلامي المتطرف هو من أكثر الأمور التي تثير قلق الروس، سواء أعلنوا ذلك أم لا. وهو يبدو جليا من خطابهم الدبلوماسي خلال اللقاءات الخاصة، فيظهر الحديث عن سوريا كأنه «في إطار الحرص على الأمن القومي الروسي». ووفقا لتلك المصادر لا تشكل سوريا آخر موطئ قدم لموسكو في شرق المتوسط فحسب، بل هي «آخر قلاع العلمانية في العالم العربي». وبالنظر للتجربة المصرية، وللدعم الخليجي القطري والسعودي للتيارات الإسلامية على اختلافها، تظهر روسيا حذرا شديدا في مداراتها لملف سوريا، خصوصا في ضوء قراءتها لواقع البلدان العربية الأخرى، والمعرضة لاهتزازات شديدة في أي وقت كالعراق ولبنان والأردن.

ويضاف إلى تلك العوامل استذكار «الإهانة الدولية» التي شعر بها الروس اثر غزو ليبيا، والتي يذكر بها المسؤولون الروس نظراءهم الأميركيين كلما طلبوا دعم موسكو لقرار دولي بخصوص سوريا. وهو أمر أعادوا تكراره في اللقاء الذي جمع بين كبار ديبلوماسيي وزارتي الخارجية الأميركية والروسية حول سوريا منذ يومين في موسكو. حيث لم ينته اللقاء إلى اتفاق، وإن اجتمع الطرفان «على ضرورة الحل السلمي» و«القلق الشديد من تنامي الحركات الإرهابية في سوريا» كما «ضرورة تطويق أية محاولة لهز الاستقرار المحيط ولا سيما في لبنان».

ويعتقد مسؤولون سوريون أن «التوافق الأميركي الروسي» هو أساس الحل الإقليمي. فلا مبادرات سياسية ولا تصورات مستقبلية يمكن أن تنجح من دون هذا التوافق. وذلك استنادا لاستنتاج سياسي واستخباراتي بأن وقف العنف والقضاء على التمرد المسلح هو «بداية الحل لا نهايته»، باعتبار أن أي «حل سياسي لا يمكن أن ينجح من دون وقف تمويل وتسليح المعارضة بحيث يكن الحوار بين ندين سياسيين وليس بين دولة وميليشيات». وهو أمر يعتقد كثيرون أنه غير ممكن ما لم يصدر قرار أميركي لكل من تركيا وقطر والسعودية بوقف دعم المعارضة المسلحة، القرار الذي لا تبدو ملامحه في الأفق، إذ يقتصر شد الحبال بين موسكو وواشنطن حاليا على رغبة الأولى في عقد مؤتمر دولي حول سوريا، تحضره إيران، ومشروع الثانية في مجلس الأمن لاستصدار قرار بالعقوبات على سوريا، في إطار الفصل السابع.

أما الخوف الروسي الحقيقي فينصب على خروج الأمور عن السيطرة في سوريا، بحيث تتحول الى حرب أهلية ، لن يكون بالإمكان حصرها أو حصول توافقات فيها على حل قبل مرور أعوام من الدمار والقتل.

وهو أمر يفسر مجددا لهجة لافروف المتشددة، إذ يؤمن الروس تماما بأن هذا الأمر «لن يقتصر على سوريا، بل سيقود الى حرب عالمية ثالثة».

 

 

  • فريق ماسة
  • 2012-06-10
  • 10200
  • من الأرشيف

شد حبال أميركي ـ روسي محوره وقف العنف أولاً

تزامنت تقريبا العملية العسكرية التي حصلت ليل الجمعة الماضي مع المؤتمر الصحافي لوزير خارجية روسيا سيرغي لافروف صباح أمس الأول السبت، بشكل دفع مراقبين ودبلوماسيين لرؤية ترابط بين الحدثين، لا سيما أن ليل الجمعة اختلف تماما عن صباحه، بالنسبة للعديد من المقيمين في دمشق، الذين تعرضوا على مدى الليل لحرب إشاعات وصلت حد بث إحدى الفضائيات العربية المحترفة أخبارا عن اشتعال المصرف المركزي وسط دمشق، ومقتل العشرات في قلب حي ابو رمانة الراقي.والواقع أن اشتباكا واحدا لم يسجل في أحياء العاصمة تلك الليلة، فيما سجلت وقائع حرب محدودة وموزعة على مناطق مختلفة في أطرافها وفي ريف دمشق. ووفقا لمصادر سورية تابعت وقائع ليلة الثامن من حزيران الحالي، فإن الجيش السوري قام بضربة استباقية منعت تطور الهجوم على حواجزه في المناطق القريبة من الغوطة إلى عملية عسكرية واسعة في العاصمة، وذلك استنادا لإنذارات ومعلومات بأن التركيز انتقل في الآونة الأخيرة إلى محاولة هز دمشق، بناء على استنتاج أن «آخر الأهداف هو أهمها». ووفقا لصحيفة «الوطن» القريبة من الحكومة، فإن الجيش لم يكتف بتوجيه ضرباته، بل لاحق المسلحين إلى مراكزهم، واستمر وهج النار وضجيج الاشتباك من ظهر يوم الجمعة وحتى صباح السبت، والذي بدت فيه شوارع العاصمة بحركة نهار عادي كأي يوم عطلة، وإن كثرت الحواجز الأمنية وانتشرت بمناطق كثيرة. وفيما شهدت دمشق هدوءا ليل السبت، اشتدت المواجهات في حمص، ولا سيما حول حي الخالدية، وفي اللاذقية في مدينة الحفة ومحيطها، حيث تسود مخاوف كبيرة من «مخطط لمجزرة» وفقا لما ينقل الإعلام الرسمي بسبب حساسية المنطقة من نواح كثيرة مذهبية وعرقية، حيث نقلت الفضائيات وبينها «الإخبارية «السورية أن حوالي 70 إلى 80 شخصا اختطفوا من الحفة باتجاه قرية دفيل، مبدية قلقها «من أن تتم تصفيتهم واتهام الدولة». وعرض التلفزيون الرسمي أمس شهادات حية تحمّل شبانا من الأردن وفلسطين (جنسية سورية) مسؤولية تفجيرات القزاز وكفرسوسة والقصاع، وذلك بإدارة وتنظيم أشخاص عراقيين منتمين لتنظيم «القاعدة». وركزت شهادة أحد المشاركين على الرابط بين «القاعدة» و«الجيش الحر»، مشيرا أيضا إلى أن عمليتي التفخيخ والتخطيط جرتا في ريف العاصمة دمشق. ووجود «القاعدة» والتيار الإسلامي المتطرف هو من أكثر الأمور التي تثير قلق الروس، سواء أعلنوا ذلك أم لا. وهو يبدو جليا من خطابهم الدبلوماسي خلال اللقاءات الخاصة، فيظهر الحديث عن سوريا كأنه «في إطار الحرص على الأمن القومي الروسي». ووفقا لتلك المصادر لا تشكل سوريا آخر موطئ قدم لموسكو في شرق المتوسط فحسب، بل هي «آخر قلاع العلمانية في العالم العربي». وبالنظر للتجربة المصرية، وللدعم الخليجي القطري والسعودي للتيارات الإسلامية على اختلافها، تظهر روسيا حذرا شديدا في مداراتها لملف سوريا، خصوصا في ضوء قراءتها لواقع البلدان العربية الأخرى، والمعرضة لاهتزازات شديدة في أي وقت كالعراق ولبنان والأردن. ويضاف إلى تلك العوامل استذكار «الإهانة الدولية» التي شعر بها الروس اثر غزو ليبيا، والتي يذكر بها المسؤولون الروس نظراءهم الأميركيين كلما طلبوا دعم موسكو لقرار دولي بخصوص سوريا. وهو أمر أعادوا تكراره في اللقاء الذي جمع بين كبار ديبلوماسيي وزارتي الخارجية الأميركية والروسية حول سوريا منذ يومين في موسكو. حيث لم ينته اللقاء إلى اتفاق، وإن اجتمع الطرفان «على ضرورة الحل السلمي» و«القلق الشديد من تنامي الحركات الإرهابية في سوريا» كما «ضرورة تطويق أية محاولة لهز الاستقرار المحيط ولا سيما في لبنان». ويعتقد مسؤولون سوريون أن «التوافق الأميركي الروسي» هو أساس الحل الإقليمي. فلا مبادرات سياسية ولا تصورات مستقبلية يمكن أن تنجح من دون هذا التوافق. وذلك استنادا لاستنتاج سياسي واستخباراتي بأن وقف العنف والقضاء على التمرد المسلح هو «بداية الحل لا نهايته»، باعتبار أن أي «حل سياسي لا يمكن أن ينجح من دون وقف تمويل وتسليح المعارضة بحيث يكن الحوار بين ندين سياسيين وليس بين دولة وميليشيات». وهو أمر يعتقد كثيرون أنه غير ممكن ما لم يصدر قرار أميركي لكل من تركيا وقطر والسعودية بوقف دعم المعارضة المسلحة، القرار الذي لا تبدو ملامحه في الأفق، إذ يقتصر شد الحبال بين موسكو وواشنطن حاليا على رغبة الأولى في عقد مؤتمر دولي حول سوريا، تحضره إيران، ومشروع الثانية في مجلس الأمن لاستصدار قرار بالعقوبات على سوريا، في إطار الفصل السابع. أما الخوف الروسي الحقيقي فينصب على خروج الأمور عن السيطرة في سوريا، بحيث تتحول الى حرب أهلية ، لن يكون بالإمكان حصرها أو حصول توافقات فيها على حل قبل مرور أعوام من الدمار والقتل. وهو أمر يفسر مجددا لهجة لافروف المتشددة، إذ يؤمن الروس تماما بأن هذا الأمر «لن يقتصر على سوريا، بل سيقود الى حرب عالمية ثالثة».    

المصدر : السفير


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة