دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
منذ أشهر، تبدو عاصمة الشمال اللبناني ممرا ومستقرا للجهاديين، تتقاطع في مسالكها أجيال الشيوخ العائدين من أفغانستان والعراق وباكستان، بحديثي العهد في"الجهاد" المولين وجوههم شطر الداخل السوري. "الفيغارو" الفرنسية خصصت صفحتها الثانية لسوريا، "أرض الجهاديين المختارة" الجديدة. جورج مالبرونو العائد من شمال لبنان بحزمة من المقابلات والمشاهدات روى في الصحيفة الفرنسية، عن طرابلس، المحطة الأخيرة في طريق المجاهدين قبل نزولهم الى الساحات السورية. الشيخ سعد الدين غييه، أحد الذين التقاهم مالبرونو، يروي: "قبل انبلاج الفجر، أعبر النهر الذي يحد البلدين، متنكرا كفلاح، وأعود تحت جنح الظلام، تاركا سلاحي في مخبئه السوري". وكغييه، الذي قاتل في العراق وأفغانستان، تسلل إلى سوريا مئة سلفي لبناني، وما يقرب من 300 إلى 400 متطوع غير سوري، لمقاتلة أنصار الرئيس بشار الأسد، بحسب مصادر متطابقة.
في نهاية نيسان، تحطم جدار الصمت، بالكشف عن مقتل وجهين لبنانيين بارزين في "الحرب المقدسة": عبد الغني جوهر، ووليد البستاني. القتيلان، أبعد ما يكونان عن احتكار الشهادة في الثورة ضد الأسد. فقد سقط قبلهما العشرات، من بينهم ثلاثة تونسيين، وأردنيان ومصريان.
وفي شباط، خلال المعارك في حمص، قتل خمسة تونسيين من مدينة بن قردان في الجنوب التونسي. وقبل دخولهم الأراضي السورية، استودعوا رفاق السلاح، جوازات سفرهم، ورقما هاتفيا في تونس لإخبار الأهل، إذا ما أصابهم مكروه. جهاديون آخرون لقوا حتفهم. من بينهم فرنسي، وبلجيكي وبريطاني. وفي آذار الماضي، ترك الأمن العام اللبناني خمسة فرنسيين يدخلون لبنان، ثم تتبعهم إلى شمال لبنان، واعتقلهم وسلمهم إلى الأجهزة الأمنية الفرنسية.
المقاتلون الليبيون القدامى في الحرب ضد القذافي، بتشجيع من رعاتهم القطريين، يشكلون كتائب المقاتلين الأكبر في سوريا إلى جانب اللبنانيين فالسعوديين والعراقيين والكويتيين. هناك ايضاً بضعة جزائريين وثلاثة باكستانيين، يتمركزون في قرية جرجناز، في محافظة ادلب بالقرب من الحدود مع تركيا. ولا يختلط هؤلاء بالجيش الحر، إلا مع عناصره السلفية. وأكثرهم اليوم في المناطق الجبلية في ادلب، ويحظون بترحيب السكان المحرومين، والمهملين من السلطة المركزية. "الليبيون يعملون كمستشارين عسكريين لدينا" قال عبر السكايب للصحيفة الفرنسية، مقاتل سلفي سوري.
وخلال الحصار على حمص، فر المجاهدون الأجانب من المدينة وتراجعوا إلى "القصير"، على مقربة من الحدود اللبنانية. لكن منذ تصفية وليد البستاني، لم يعد يقبل السلفيون السوريون إلى جانبهم سوى بالمقاتلين اللبنانيين أو الفلسطينيين القادمين من المخيمات الفلسطينية في لبنان. إن مسيرة قائد "فتح الإسلام" هذا، تبين قوة الجذب التي باتت تشكلها سوريا للحركات الأصولية. وليد البستاني فر من سجنه في بيروت، ولجأ إلى منطقة حمص، لكن سرعان ما صدمت تصرفاته سكانها. "أخذ مسيحيين رهينة"، يتذكر الشيخ غييه، "وطالب عائلتيهما بفدية لم يتمكنا من دفعها. تدخل الكاهن والجيش السوري الحر، فاحتدت اللهجة، وقتل البستاني جنديين". قامت مجموعة من المنشقين بتصفيته على الفور. والحادث ليس معزولا وهو يبين التوتر المتصاعد بين المجاهدين من جهة والأهالي والمقاتلين غير الإسلاميين في الثورة. "في درعا"، قال المعارض هيثم مناع، "طرد الأهالي الجهاديين بعد هجوم بسيارة مفخخة قادها كويتي وقتلت ثلاثة شبان من أبنائنا".
هؤلاء المقاتلون دون مرجعية، تختلف أجندتهم عن أجندة الجيش الحر. "إن خلافاتنا ايديولوجية، يقول الشيخ سعد الدين غييه. يعتبر الجهاديون الجيش الحر كافرا يعارض مشروع إحياء الخلافة. لن تتحسن الأمور في ما بيننا وبين الجيش الحر، وفي النهاية إما هم وإما نحن. ومع الفوضى التي تتقدم وتعم، سيضعف النظام والجيش الحر كل من جانبه. وفي النهاية سيلتحق الناس بالجهاديين".
السيناريو قلما اتسم بالواقعية. "في سيناريو عاشت الطوائف جنبا إلى جنب على الدوام، يقول هيثم مناع، ولن يدعوا الجهاديين ينغرسون. ومن جهة ثانية لا محتل في سوريا كما في العراق يدفعهم نحو الوحدة كما لا منطقة كاملة صافية سنيا ليلجأوا اليها".
لكن الجهاديين يعملون على تنظيم جهادهم في المدى القريب. "في العراق بعد العام 2003، يتذكر الشيخ غييه، كان الفرع المحلي للقاعدة يتحمل كل مصاريفنا. في سوريا تسود الفوضى بين المقاتلين. يريد الجهاديون قيادة المعركة وهذا خطأ". يقول غييه الذي يقسم بأنه لن يعود اليهم. فمعهم لا مكان لاحترام وقف إطلاق النار وفق خطة كوفي انان. بل على العكس من ذلك، على الهجمات ان تظهر للشعب اليائس من أي مساعدة يلقاها من الأسرة الدولية، ان الجهاديين هم أشرس أعداء النظام. الهجوم بسيارات مفخخة يدعم التجنيد عبر الحدود ويستقدم مبالغ مالية كبيرة من الممولين.
شبكة تمويل الجهاد في سوريا قائمة منذ زمن. 40 مسجدا سلفيا في طرابلس، تشكل مركز توزيع واستقطاب للمساعدات التي تبذلها جمعيات خيرية خليحية من بينها مؤسسة عيد الخيرية، والجمعية العالمية لمقاومة العدوان التي يرأسها السعودي سفر الحوالي، يساعده الكويتي وليد الطبطبائي والقطري عبد الرحمن النعيمي. المال لا ينقص أبدا. ولكن بعضه يتبخر في الطريق. "عندما ذهبت إلى أفغانستان في العام 1997، يستذكر الشيخ غييه، الدفعة الأولى التي قبضتها من السعوديين تبلغ 5 آلاف دولار. بعدها رحت أحصل على راتب 800 دولار شهريا. في سوريا إذا قمت بعملية انتحارية فإنك تحصل على مبلغ كبير، وإلا فإن الجهادي لا يتقاضى أكثر من 200 دولار شهريا. لذا يقوم البعض بغزوات في بيوت "العلويين"".
وأحيانا يحمل المال رسل لبنانيون من الخليج إلى سلفيين سوريين يأتون إلى طرابلس. وأحيانا يتكفل رسل محليون بالعمل اللوجستي. وهذا شأن سائق تاكسي سابق، ومالك عقارات اليوم، كالشيخ بلال دقماق الذي يقول: "نريد المال وتحرير بعض أصدقائنا المسجونين في دمشق".
بعض البلدان القلقة، والحليفة للمعارضة، بدأت تدرك حجم خطر الجهاديين. قبل ان يصبح مقاتلا ضد الأسد، كان عبد الغني جوهر خبير متفجرات خطراً، خطط للهجوم على الفرنسيين في "اليونيفيل"، بحسب المخابرات العسكرية الفرنسية.
ومنذ أشهر يحذر مسؤولون أميركيون من ظهور محور جهادي يصل طرابلس بمنطقة الأنبار في العراق عبر سوريا. وهو محور شجعته دمشق التي أطلقت سراح العديد من الإسلاميين إثر الثورة. "تأخذ الثورة في سوريا منعطفاً خبيثاً، يقول ديبلوماسي غربي في دمشق، لم يعد بوسعنا القول إننا لا نعرف شيئاً. هناك دعوة الظواهري للجهاديين للقتال في سوريا، وتصريح مسؤول الاستخبارات الأميركية الجنرال كلابر محملا القاعدة مسؤولية الهجمات منذ كانون الأول". وهناك اليوم قناعة الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، بأن القاعدة وراء الهجمات الانتحارية الأخيرة في دمشق.
المصدر :
السفير /محمد بلوط
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة