لم تحجب أحداث طرابلس عن عيون مراجع سياسية وديبلوماسية لبنانية، ما يجري من تطورات في المنطقة، سواء في سورية، أو العراق أو ايران ودول الخليج.

وتعوّل مراجع لبنانية على ما ستسفر عنه اجتماعات بغداد المنتظرة بين ايران ومجموعة 1 + 5 في الثالث والعشرين من الشهر الحالي في بغداد حول الملف النووي الايراني، خاصة أن نتائج هذه الجولة، وان لم تكن حاسمة لكنها ستترك بصماتها على عدد من الملفات الاقليمية المشتركة بين الايرانيين والأميركيين..

وينعقد اجتماع بغداد وسط أجواء متفائلة تتحدث علناً وصراحة عن وجود تواصل هاتفي وديبلوماسي بين طهران وواشنطن، سواء مباشرة أو عبر بعض القنوات الدولية والعربية وأبرزها سويسرا وسلطنة عمان.

وتكشف مصادر ديبلوماسية غربية مطلعة لـ"السفير" ان "كلا من سلطنة عمان وسويسرا تشكلان منذ أكثر من ثلاث سنوات أبرز قناتين للتواصل المفتوح وغير المباشر بين واشنطن من جهة وطهران من جهة ثانية، من دون إغفال دور رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي بين العاصمتين الأميركية والايرانية".

ووفق المعلومات الديبلوماسية "فإن الادارة الأميركية حسمت موقفها من ايران، وانتقلت من مقاربتها السابقة على انها مجموعة من رجال دين غير المسؤولين والمجانين الذين يمكن ان يفجروا العالم في أية لحظة، الى مقاربة جديدة مفادها اننا أمام دولة عقلانية يتسم سلوكها بحسابات الربح والخسارة، مثلها مثل أية دولة تحترم نفسها في العالم، وقد بات التيار المنادي بإمكان تعايش واشنطن مع ايران نووية، لا يستهان به في صفوف "النخبة" الاميركية، ويتقدمهم زبيغنو بريجنسكي وهنري كيسنجر".

هذه اللغة الديبلوماسية عبّر عنها مساعد وزيرة الخارجية الاميركية لشؤون الشرق الأدنى جيفري فيلتمان خلال زيارته الأخيرة لبيروت حيث لم ينفِ وجود "اتصالات أميركية معمّقة، مباشرة وغير مباشرة مع طهران"، رابطاً التوصل الى اتفاق نهائي معها "بسماحها للمعارضة الإيرانية (في الخارج) بممارسة دورها في الحياة السياسية في ايران".

وتشير المصادر الديبلوماسية الغربية عينها الى "ان الاجراءات التمهيدية للصفقة المنتظرة بين واشنطن وطهران قد بلغت مرحلة متقدمة، ولم يعد هناك من مشكلة أمام واشنطن للإعلان عنها سوى الحليف الإسرائيلي الذي لا يزال مصراً على توجيه ضربة عسكرية لمفاعلاتها النووية برغم معارضة الولايات المتحدة الأميركية المطلقة لهذا التوجه، لأنه من شأنه في حال حصوله أن يشعل منطقة الشرق الأوسط بحرب شاملة لن تقتصر تداعياتها الاقتصادية والمالية على دول المنطقة بل ستتعداها الى أوروبا التي تعاني معظم دولها أزمات مالية خانقة تهدد بإفلاس بعضها وانهيار بعضها الآخر".

وبرغم ان أي لقاء أميركي - ايراني مباشر كان مستبعداً في الماضي "لأن ما كانت تعرضه واشنطن كان أقل مما كانت تقبل به طهران، وما كانت تريده طهران في الماضي كان يتجاوز قدرة واشنطن على دفعه"، فإن المصادر الديبلوماسية الغربية تشير الى "ان الطرفين الآن (أي واشنطن وطهران) أصبحا على استعداد للقبول بتسوية ترضي كليهما. فواشنطن تريد عودة طهران الى الحاضنة الاميركية عن طريق الاعتراف بها "القوة الأولى" في العالم. وفي المقابل، على واشنطن من وجهة نظر طهران الاعتراف بها كـ"قوة إقليمية".

وتضيف المعلومات أن الترجمة العملية لهذا المفهوم المتبادل تعني بالحد الأدنى الاعتراف بالخليج والعراق وأفغانستان مناطق نفوذ إيرانية. والإقرار بحصة إيران في الدائرة الأوسع، أي آسيا الوسطى مروراً بلبنان ومصر والقرن الافريقي، بالإضافة طبعاً إلى الاعتراف غير القابل لأي التباس بحق طهران بامتلاكها تقنيات وأدوات إنتاج الطاقة النووية السلمية وفق الالتزام الذي صدر عن مرشد الثورة السيد علي الخامنئي بتحريم صناعة السلاح النووي واستخدامه، وهو الأمر الذي اعتبرته واشنطن بمثابة "بادرة إيجابية وكبيرة" يمكن البناء عليها.

وكان الخامنئي قد أعلن قبل أشهر في إحدى خطب الجمعة من جامعة طهران "أنهم (الغرب) يعرفون ويعترفون بأن إيران لا تسعى الى امتلاك أسلحة نووية، وهذه حقيقة القضية. إننا ولأسبابنا لا نسعى بحال من الأحوال إلى امتلاك سلاح نووي، لم ننتج ولن ننتج سلاحاً نووياً ولن نصنع سلاحاً نووياً".

وبناء على ما تقدم، تقول المصادر الديبلوماسية الغربية نفسها "انه اذا تم التوصل الى تفاهم بين واشنطن وطهران، في اجتماع بغداد المقبل، فإن أولى الخطوات التي ستلي هذا التفاهم تتمثل في ثلاثة أمور:

أولها، إلغاء الحظر النفطي الدولي المفروض على ايران.

ثانيها، رفع حظر المؤسسات المالية والنقدية الدولية المقاطعة للمصرف المركزي الايراني وللمصارف الايرانية العاملة في الداخل والخارج.

ثالثها، إعادة الملف النووي الايراني الى الوكالة الدولية للطاقة الذرية ووقف التداول والبحث فيه في أروقة الأمم المتحدة".

وتقول المصادر الديبلوماسية الغربية انه "إذا سلكت المشاورات بين واشنطن وطهران هذا الاتجاه وقامت الأولى مع حلفائها الاوروبيين بتنفيذها، فإن ذلك سيكون بمثابة الخطوة الأولى على طريق عملية بناء الثقة بين الطرفين"...

تضيف المصادر أنه مع بناء الثقة، سيصبح الأميركي والايراني جاهزين للجلوس معاً وجهاً لوجه حول طاولة واحدة وعلى أساس ورقة عمل مشتركة، للبحث في ملفات المنطقة من أجل التوصل الى اتفاق على ترتيبات إقليمية شاملة حولها، "لأن أي تقارب أميركي - إيراني مرتقب لا بد أن يؤدي الى تفاهمات حول كل الملفات في المنطقة وينهي الصراع الدائر فيها انطلاقاً من فلسطين، سوريا مروراً بلبنان والعراق وصولا الى البحرين والخليج".

وتشير المصادر ذاتها الى انه "اذا نجحت واشنطن في التوصل الى تفاهمات مع طهران حول عدد من الملفات، وأعقدها هو الملف النووي الايراني، فإن كل الملفات الأخرى تصبح ثانوية ويسهل حلها والتوصل الى تفاهمات وترتيبات بشأنها، خاصة ان واشنطن تشعر انها بحاجة ماسة الى التفاهم مع طهران حول ملفات المنطقة لاستثماره في معركة التجديد لإدارة الرئيس باراك أوباما في البيت الأبيض في تشرين الثاني المقبل من العام الحالي، ولهذا فإن ما يقوم به العاملون بين الطرفين في هذا المجال يتمحور حول ضرورة تنفيذ واشنطن السريع للآتي:

1 ـ وضع حد نهائي لأية مغامرة اسرائيلية في اتجاه القيام بعمل عسكري ضدّ ايران.

2. عدم المساس بجوهر النظام في سوريا.

3. الحفاظ على تركيبة الحكم في العراق التي تمّ التفاهم عليها بين جميع مكوناته الطائفية والسياسية.

4. إجبار السلطة البحرينية على التفاهم مع المعارضة الشيعية لوضع دستور جديد في البلاد يسمح لجميع أبناء البحرين في المشاركة في الحكم والسلطة من دون أي تمييز ديني ومذهبي".

وتختم المصادر بالقول ان أية انفراجات بين طهران وواشنطن ستنعكس حكماً على الوضع اللبناني، ولذلك يصبح القول إن أحداث طرابلس لم تكن جزءا من اشتباك اقليمي أو دولي، ما دامت السعودية شجعت حلفاءها على وضع حد سريع للأحداث، وهو الأمر نفسه الذي طلبته دمشق من حلفائها، ولو أن تعامل الراعيين الاقليميين، قد تبدل تبعا لمجريات الأحداث بداية ونهاية... اذا صح الحديث عن نهاية.

 

السفير

  • فريق ماسة
  • 2012-05-20
  • 9039
  • من الأرشيف

أميركا وإيران إلى مصالحة تاريخية.. يستفيد منها لبنان وسورية

لم تحجب أحداث طرابلس عن عيون مراجع سياسية وديبلوماسية لبنانية، ما يجري من تطورات في المنطقة، سواء في سورية، أو العراق أو ايران ودول الخليج. وتعوّل مراجع لبنانية على ما ستسفر عنه اجتماعات بغداد المنتظرة بين ايران ومجموعة 1 + 5 في الثالث والعشرين من الشهر الحالي في بغداد حول الملف النووي الايراني، خاصة أن نتائج هذه الجولة، وان لم تكن حاسمة لكنها ستترك بصماتها على عدد من الملفات الاقليمية المشتركة بين الايرانيين والأميركيين.. وينعقد اجتماع بغداد وسط أجواء متفائلة تتحدث علناً وصراحة عن وجود تواصل هاتفي وديبلوماسي بين طهران وواشنطن، سواء مباشرة أو عبر بعض القنوات الدولية والعربية وأبرزها سويسرا وسلطنة عمان. وتكشف مصادر ديبلوماسية غربية مطلعة لـ"السفير" ان "كلا من سلطنة عمان وسويسرا تشكلان منذ أكثر من ثلاث سنوات أبرز قناتين للتواصل المفتوح وغير المباشر بين واشنطن من جهة وطهران من جهة ثانية، من دون إغفال دور رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي بين العاصمتين الأميركية والايرانية". ووفق المعلومات الديبلوماسية "فإن الادارة الأميركية حسمت موقفها من ايران، وانتقلت من مقاربتها السابقة على انها مجموعة من رجال دين غير المسؤولين والمجانين الذين يمكن ان يفجروا العالم في أية لحظة، الى مقاربة جديدة مفادها اننا أمام دولة عقلانية يتسم سلوكها بحسابات الربح والخسارة، مثلها مثل أية دولة تحترم نفسها في العالم، وقد بات التيار المنادي بإمكان تعايش واشنطن مع ايران نووية، لا يستهان به في صفوف "النخبة" الاميركية، ويتقدمهم زبيغنو بريجنسكي وهنري كيسنجر". هذه اللغة الديبلوماسية عبّر عنها مساعد وزيرة الخارجية الاميركية لشؤون الشرق الأدنى جيفري فيلتمان خلال زيارته الأخيرة لبيروت حيث لم ينفِ وجود "اتصالات أميركية معمّقة، مباشرة وغير مباشرة مع طهران"، رابطاً التوصل الى اتفاق نهائي معها "بسماحها للمعارضة الإيرانية (في الخارج) بممارسة دورها في الحياة السياسية في ايران". وتشير المصادر الديبلوماسية الغربية عينها الى "ان الاجراءات التمهيدية للصفقة المنتظرة بين واشنطن وطهران قد بلغت مرحلة متقدمة، ولم يعد هناك من مشكلة أمام واشنطن للإعلان عنها سوى الحليف الإسرائيلي الذي لا يزال مصراً على توجيه ضربة عسكرية لمفاعلاتها النووية برغم معارضة الولايات المتحدة الأميركية المطلقة لهذا التوجه، لأنه من شأنه في حال حصوله أن يشعل منطقة الشرق الأوسط بحرب شاملة لن تقتصر تداعياتها الاقتصادية والمالية على دول المنطقة بل ستتعداها الى أوروبا التي تعاني معظم دولها أزمات مالية خانقة تهدد بإفلاس بعضها وانهيار بعضها الآخر". وبرغم ان أي لقاء أميركي - ايراني مباشر كان مستبعداً في الماضي "لأن ما كانت تعرضه واشنطن كان أقل مما كانت تقبل به طهران، وما كانت تريده طهران في الماضي كان يتجاوز قدرة واشنطن على دفعه"، فإن المصادر الديبلوماسية الغربية تشير الى "ان الطرفين الآن (أي واشنطن وطهران) أصبحا على استعداد للقبول بتسوية ترضي كليهما. فواشنطن تريد عودة طهران الى الحاضنة الاميركية عن طريق الاعتراف بها "القوة الأولى" في العالم. وفي المقابل، على واشنطن من وجهة نظر طهران الاعتراف بها كـ"قوة إقليمية". وتضيف المعلومات أن الترجمة العملية لهذا المفهوم المتبادل تعني بالحد الأدنى الاعتراف بالخليج والعراق وأفغانستان مناطق نفوذ إيرانية. والإقرار بحصة إيران في الدائرة الأوسع، أي آسيا الوسطى مروراً بلبنان ومصر والقرن الافريقي، بالإضافة طبعاً إلى الاعتراف غير القابل لأي التباس بحق طهران بامتلاكها تقنيات وأدوات إنتاج الطاقة النووية السلمية وفق الالتزام الذي صدر عن مرشد الثورة السيد علي الخامنئي بتحريم صناعة السلاح النووي واستخدامه، وهو الأمر الذي اعتبرته واشنطن بمثابة "بادرة إيجابية وكبيرة" يمكن البناء عليها. وكان الخامنئي قد أعلن قبل أشهر في إحدى خطب الجمعة من جامعة طهران "أنهم (الغرب) يعرفون ويعترفون بأن إيران لا تسعى الى امتلاك أسلحة نووية، وهذه حقيقة القضية. إننا ولأسبابنا لا نسعى بحال من الأحوال إلى امتلاك سلاح نووي، لم ننتج ولن ننتج سلاحاً نووياً ولن نصنع سلاحاً نووياً". وبناء على ما تقدم، تقول المصادر الديبلوماسية الغربية نفسها "انه اذا تم التوصل الى تفاهم بين واشنطن وطهران، في اجتماع بغداد المقبل، فإن أولى الخطوات التي ستلي هذا التفاهم تتمثل في ثلاثة أمور: أولها، إلغاء الحظر النفطي الدولي المفروض على ايران. ثانيها، رفع حظر المؤسسات المالية والنقدية الدولية المقاطعة للمصرف المركزي الايراني وللمصارف الايرانية العاملة في الداخل والخارج. ثالثها، إعادة الملف النووي الايراني الى الوكالة الدولية للطاقة الذرية ووقف التداول والبحث فيه في أروقة الأمم المتحدة". وتقول المصادر الديبلوماسية الغربية انه "إذا سلكت المشاورات بين واشنطن وطهران هذا الاتجاه وقامت الأولى مع حلفائها الاوروبيين بتنفيذها، فإن ذلك سيكون بمثابة الخطوة الأولى على طريق عملية بناء الثقة بين الطرفين"... تضيف المصادر أنه مع بناء الثقة، سيصبح الأميركي والايراني جاهزين للجلوس معاً وجهاً لوجه حول طاولة واحدة وعلى أساس ورقة عمل مشتركة، للبحث في ملفات المنطقة من أجل التوصل الى اتفاق على ترتيبات إقليمية شاملة حولها، "لأن أي تقارب أميركي - إيراني مرتقب لا بد أن يؤدي الى تفاهمات حول كل الملفات في المنطقة وينهي الصراع الدائر فيها انطلاقاً من فلسطين، سوريا مروراً بلبنان والعراق وصولا الى البحرين والخليج". وتشير المصادر ذاتها الى انه "اذا نجحت واشنطن في التوصل الى تفاهمات مع طهران حول عدد من الملفات، وأعقدها هو الملف النووي الايراني، فإن كل الملفات الأخرى تصبح ثانوية ويسهل حلها والتوصل الى تفاهمات وترتيبات بشأنها، خاصة ان واشنطن تشعر انها بحاجة ماسة الى التفاهم مع طهران حول ملفات المنطقة لاستثماره في معركة التجديد لإدارة الرئيس باراك أوباما في البيت الأبيض في تشرين الثاني المقبل من العام الحالي، ولهذا فإن ما يقوم به العاملون بين الطرفين في هذا المجال يتمحور حول ضرورة تنفيذ واشنطن السريع للآتي: 1 ـ وضع حد نهائي لأية مغامرة اسرائيلية في اتجاه القيام بعمل عسكري ضدّ ايران. 2. عدم المساس بجوهر النظام في سوريا. 3. الحفاظ على تركيبة الحكم في العراق التي تمّ التفاهم عليها بين جميع مكوناته الطائفية والسياسية. 4. إجبار السلطة البحرينية على التفاهم مع المعارضة الشيعية لوضع دستور جديد في البلاد يسمح لجميع أبناء البحرين في المشاركة في الحكم والسلطة من دون أي تمييز ديني ومذهبي". وتختم المصادر بالقول ان أية انفراجات بين طهران وواشنطن ستنعكس حكماً على الوضع اللبناني، ولذلك يصبح القول إن أحداث طرابلس لم تكن جزءا من اشتباك اقليمي أو دولي، ما دامت السعودية شجعت حلفاءها على وضع حد سريع للأحداث، وهو الأمر نفسه الذي طلبته دمشق من حلفائها، ولو أن تعامل الراعيين الاقليميين، قد تبدل تبعا لمجريات الأحداث بداية ونهاية... اذا صح الحديث عن نهاية.   السفير

المصدر : السفير\ داود رمال


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة