بهذه الكلمات المثبتة بالأفعال والتي رافقت «قداسة البابا شنودة، بابا الاسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية» للأمة القبطية مدى الحياة، لاقى قداسته وجه ربّه راضياً مرضياً.

قوله هذا المثبّت بالفعل والمعزز بسياسته الحكيمة، كلّفت قداسته سنتين كاملتين في المنفى..ومواقف شريفة لعملاق يحترم نفسه، وبإيمان لم يتزعزع.كان «بابا شنودة» الثالث رمزاً للإخلاص والإيمان والتقوى والأخلاق الحميدة والسيرة الحسنة. مبادؤه، أقواله، ومواقفه المشرّفة رافقته مدى الحياة، من المهد إلى اللحد، ظلّ حزيناً على القدس، بعيداً جسدياً عنها، لم يطأها تحت نير الاحتلال.‏

كان يصلّي للظالم بقوله: «سامحه الله» وللمظلوم: «الفرج قريب».‏

قداسة البابا: «إذا ما اندفعت الجماهير، أبناء ملّتك وغيرهم، زرافات ووحدانا لوداعك: مسجى أو جالساً، أو في لحدك. غير آبهين بالأخطار التي أودت بحياة البعض، مضحّين حتى الموت، لم يكن مستغرباً من الشعب القبطي، إذ عرفت عن تفاني أفراد هذا الشعب وإخلاصهم لزعيمهم وأبيهم الروحي، واعين بتضحيته بالغالي والرخيص، أباً رؤوما، لكل إنسان، جدّاً لكل طفل، وملجأ لكل محتاج.‏

«البابا شنودة»، تزوّد بالعلم والمعرفة، بالتاريخ، بالعلوم الدينية، بالفلسفة، بالدراسات الانسانية، ترهّب وعاش حياة رهبانيّة، نسكا، زهداً وتقشّفاً، لاهوتاً وعلوماً إنسانيّة، وعرفته أيضاً شاعراً، ناظماً للسهل الممتنع لنيّف وعشر سنوات، حافظاً وراوياً لشعراء مشهورين، من أقواله:‏

غريباً عشت في الدنيا‏

غريباً في أساليبي‏

بعيدا عشت في الدنيا‏

نزيلا مثل آبائي‏

وينهي بقوله: «سعادتي في المحبّة والوجود مع الله».‏

«لن ندخل القدس...» قولك المأثور، رافقك مدى الحياة، من المهد إلى اللحد، وقفت حزيناً بعيداً عن كنيسة المهد، بعيداً عن الأقصى..وإيمانك بمواقفك وبأقوالك لم يتزعزع.‏

أصغيت إلى آرائك وأقوالك مراراً وتكراراً، ولا يمكنني أن أنسى بأي ترحاب اَستقبلت في بطريركيتكم العامرة في القاهرة بعد أيام قليلة من عودتك من ذلك المنفى، وكأن شيئا لم يكن، وكنت بشموخك الأدبي والمعنوي تردد: «ليسامحهم الباري تعالى وليغفر لهم ذنوبهم»..كبيراً، عظيماً كنت حتى في المنفى وفي مواقفك وتواضعك وإيمانك.‏

أسمح لنفسي الآن بالعودة إلى الذاكرة، إلى بعض ما نشرت أو لم ينشر، زيارات قداسة البابا شنودة الثالث إلى سورية بعد المنفى تتكرر، لقاءات بالرئيس حافظ الأسد سنة 1997 وثم الرئيس بشار الأسد والسلطات الدينية، وزير الأوقاف وسماحة مفتي الجمهورية المغفور له الشيخ أحمد كفتارو، ولقاءات عمل مشترك بدعوة من رئيس «الكنيسة التوءم» السريان الأرثوذكس، قداسة البطريرك زكا الأول عيواص.‏

ها أنا ذي أعود إلى وثائق سجلتها، منها ما نشر، إذ توضح بعض الصفات الإنسانية الحميدة التي تحلّى بها فقيدنا الغالي والتي فقدته قضايانا المحقّة وحقوقنا المسلوبة.‏

قبل زيارة قداسة البابا شنودة الثالث، شهر نيسان 1997 إلى دمشق، تلقيت مكالمات من سفير فلسطين الأستاذ «محمود الخالدي» ومن سيادة اللواء «طارق الخضراء» ومزيد من الاتصالات، الهدف واحد والاقتراح نفسه: دعوة قداسة البابا شنودة الثالث لزيارة «مخيّم اليرموك» في دمشق وإلقاء كلمة من قبله على منصّة مركز الشهيدة «حلوة زيدان» وزيارة «جامع أبو النور»، كان تكليف بالمهمة المذكورة طبيعياً بصفتي مؤسسة مكتب مجلس كنائس الشرق الأوسط في سورية ومديرته منذ عام 1974.‏

على الرغم من أن البرنامج كان أعد، سرعان ما أقدمت، ناقلة رغبة سماحة مفتي الجمهورية، وزعماء فلسطين، الملحة، عبر الهاتف، والتأكيد على هذه الرغبة برسالة خطية سريعة.‏

كان جواب قداسته الآني سريعاً: لم لا؟ موافق بدون تردد، «سكان المخيم كلهم أبناؤنا، طلبي أن تدخلي الموضوعين في البرنامج الرسمي حتى لو اقتضى تمديد إقامتي والوفد المرافق لمدة يوم..سماحة مفتي الجمهورية أخ لي».‏

في الخامس من أيارعام 1997 وفي الساعة المحددة مساء وصل قداسة الباباشنوده الثالث الى محيط المخيم وحالت الجموع المحتشدة دون المضيف و السيارة، سيارته وسيارات الوفدالمرافق والمراسم.. فترجّلا لبطريرك وصحبه على بعد مئات الأمتار من مركز «الشهيدة حلوة زيدان».. وسار وسرنامعه بموكبه محاطاً بأفراد الشعب حملة الشموع المضاءة.. يرددون: «بالروح، بالدم، نفديك ياشنوده» فلسطينيين.. أم دمشقيين شباباً، كهولاً وأطفال.. كلهم سواسية، منظرلايصدق.. التصفيق على قدم وساق.. استقبال رسمي وشعبي، وأمن غاية في الكياسة..‏

كانت كلمة ترحيب.. على المنصة.. والأهم ترحيب الشارع تلقائياً بدون إيحاءمن أحد.. وبدون أوامرآتية من جهة عليا.. أومن زعامات، أومن مسؤولين..‏

المحبة والترحاب والضيافة أتت طبيعية، ولذاكانت غاية في الجمال،.. لقاء جماهيري مع فلسطينيي مخيم اليرموك.‏

  • فريق ماسة
  • 2012-05-18
  • 14087
  • من الأرشيف

«لن ندخل القدس إلا مع إخواننا العرب والمسلمين»

بهذه الكلمات المثبتة بالأفعال والتي رافقت «قداسة البابا شنودة، بابا الاسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية» للأمة القبطية مدى الحياة، لاقى قداسته وجه ربّه راضياً مرضياً. قوله هذا المثبّت بالفعل والمعزز بسياسته الحكيمة، كلّفت قداسته سنتين كاملتين في المنفى..ومواقف شريفة لعملاق يحترم نفسه، وبإيمان لم يتزعزع.كان «بابا شنودة» الثالث رمزاً للإخلاص والإيمان والتقوى والأخلاق الحميدة والسيرة الحسنة. مبادؤه، أقواله، ومواقفه المشرّفة رافقته مدى الحياة، من المهد إلى اللحد، ظلّ حزيناً على القدس، بعيداً جسدياً عنها، لم يطأها تحت نير الاحتلال.‏ كان يصلّي للظالم بقوله: «سامحه الله» وللمظلوم: «الفرج قريب».‏ قداسة البابا: «إذا ما اندفعت الجماهير، أبناء ملّتك وغيرهم، زرافات ووحدانا لوداعك: مسجى أو جالساً، أو في لحدك. غير آبهين بالأخطار التي أودت بحياة البعض، مضحّين حتى الموت، لم يكن مستغرباً من الشعب القبطي، إذ عرفت عن تفاني أفراد هذا الشعب وإخلاصهم لزعيمهم وأبيهم الروحي، واعين بتضحيته بالغالي والرخيص، أباً رؤوما، لكل إنسان، جدّاً لكل طفل، وملجأ لكل محتاج.‏ «البابا شنودة»، تزوّد بالعلم والمعرفة، بالتاريخ، بالعلوم الدينية، بالفلسفة، بالدراسات الانسانية، ترهّب وعاش حياة رهبانيّة، نسكا، زهداً وتقشّفاً، لاهوتاً وعلوماً إنسانيّة، وعرفته أيضاً شاعراً، ناظماً للسهل الممتنع لنيّف وعشر سنوات، حافظاً وراوياً لشعراء مشهورين، من أقواله:‏ غريباً عشت في الدنيا‏ غريباً في أساليبي‏ بعيدا عشت في الدنيا‏ نزيلا مثل آبائي‏ وينهي بقوله: «سعادتي في المحبّة والوجود مع الله».‏ «لن ندخل القدس...» قولك المأثور، رافقك مدى الحياة، من المهد إلى اللحد، وقفت حزيناً بعيداً عن كنيسة المهد، بعيداً عن الأقصى..وإيمانك بمواقفك وبأقوالك لم يتزعزع.‏ أصغيت إلى آرائك وأقوالك مراراً وتكراراً، ولا يمكنني أن أنسى بأي ترحاب اَستقبلت في بطريركيتكم العامرة في القاهرة بعد أيام قليلة من عودتك من ذلك المنفى، وكأن شيئا لم يكن، وكنت بشموخك الأدبي والمعنوي تردد: «ليسامحهم الباري تعالى وليغفر لهم ذنوبهم»..كبيراً، عظيماً كنت حتى في المنفى وفي مواقفك وتواضعك وإيمانك.‏ أسمح لنفسي الآن بالعودة إلى الذاكرة، إلى بعض ما نشرت أو لم ينشر، زيارات قداسة البابا شنودة الثالث إلى سورية بعد المنفى تتكرر، لقاءات بالرئيس حافظ الأسد سنة 1997 وثم الرئيس بشار الأسد والسلطات الدينية، وزير الأوقاف وسماحة مفتي الجمهورية المغفور له الشيخ أحمد كفتارو، ولقاءات عمل مشترك بدعوة من رئيس «الكنيسة التوءم» السريان الأرثوذكس، قداسة البطريرك زكا الأول عيواص.‏ ها أنا ذي أعود إلى وثائق سجلتها، منها ما نشر، إذ توضح بعض الصفات الإنسانية الحميدة التي تحلّى بها فقيدنا الغالي والتي فقدته قضايانا المحقّة وحقوقنا المسلوبة.‏ قبل زيارة قداسة البابا شنودة الثالث، شهر نيسان 1997 إلى دمشق، تلقيت مكالمات من سفير فلسطين الأستاذ «محمود الخالدي» ومن سيادة اللواء «طارق الخضراء» ومزيد من الاتصالات، الهدف واحد والاقتراح نفسه: دعوة قداسة البابا شنودة الثالث لزيارة «مخيّم اليرموك» في دمشق وإلقاء كلمة من قبله على منصّة مركز الشهيدة «حلوة زيدان» وزيارة «جامع أبو النور»، كان تكليف بالمهمة المذكورة طبيعياً بصفتي مؤسسة مكتب مجلس كنائس الشرق الأوسط في سورية ومديرته منذ عام 1974.‏ على الرغم من أن البرنامج كان أعد، سرعان ما أقدمت، ناقلة رغبة سماحة مفتي الجمهورية، وزعماء فلسطين، الملحة، عبر الهاتف، والتأكيد على هذه الرغبة برسالة خطية سريعة.‏ كان جواب قداسته الآني سريعاً: لم لا؟ موافق بدون تردد، «سكان المخيم كلهم أبناؤنا، طلبي أن تدخلي الموضوعين في البرنامج الرسمي حتى لو اقتضى تمديد إقامتي والوفد المرافق لمدة يوم..سماحة مفتي الجمهورية أخ لي».‏ في الخامس من أيارعام 1997 وفي الساعة المحددة مساء وصل قداسة الباباشنوده الثالث الى محيط المخيم وحالت الجموع المحتشدة دون المضيف و السيارة، سيارته وسيارات الوفدالمرافق والمراسم.. فترجّلا لبطريرك وصحبه على بعد مئات الأمتار من مركز «الشهيدة حلوة زيدان».. وسار وسرنامعه بموكبه محاطاً بأفراد الشعب حملة الشموع المضاءة.. يرددون: «بالروح، بالدم، نفديك ياشنوده» فلسطينيين.. أم دمشقيين شباباً، كهولاً وأطفال.. كلهم سواسية، منظرلايصدق.. التصفيق على قدم وساق.. استقبال رسمي وشعبي، وأمن غاية في الكياسة..‏ كانت كلمة ترحيب.. على المنصة.. والأهم ترحيب الشارع تلقائياً بدون إيحاءمن أحد.. وبدون أوامرآتية من جهة عليا.. أومن زعامات، أومن مسؤولين..‏ المحبة والترحاب والضيافة أتت طبيعية، ولذاكانت غاية في الجمال،.. لقاء جماهيري مع فلسطينيي مخيم اليرموك.‏

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة