برغم الصدمة التي أصابتها جراء قرار مصر إلغاء اتفاق تزويدها بالغاز، فقد سارعت إسرائيل إلى تقليص الأضرار. وأعلن رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن القرار «تجاري» وليس سياسيا، ما يتنافى مع كلام وزير ماليته يوفال شتاينتس وكلام زعيم المعارضة شاؤول موفاز عن أن ذلك انتهاك لبنود معاهدة كامب ديفيد. ويبدو أن الحكومة المصرية قد سهلت الأمر بإعلان وزيرة التعاون الدولي فايزة أبو النجا أن مصر مستعدة لإعادة تزويد إسرائيل بالغاز ولكن وفق شروط اتفاق جديد.

وتحدث نتنياهو للمرة الأولى أمس عن قرار إلغاء اتفاقية الغاز، فشدد على أن القرار «لا ينبع من تطورات أو قرارات سياسية». وأضاف، في لقاء مع قادة الجباية اليهودية «البوندس»، أن الأمر «نزاع تجاري بين الشركتين الإسرائيلية والمصرية. وإسرائيل تملك حقول غاز ستوفر لها استقلالية في مجال الطاقة ليس فقط عن الغاز المصري بل عن كل مصدر آخر بل وستحولها إلى واحدة من الدول الأكبر المصدرة للغاز في العالم. وبناء عليه فإننا مطمئنون جدا من هذه الناحية».

ومع ذلك فإن نائب وزير الخارجية الإسرائيلي داني إيلون اجتمع ظهر أمس مع السفير المصري في تل أبيب ياسر رضا وطلب منه توضيحات بشأن إلغاء اتفاقية تصدير الغاز. وشدد السفير المصري على أن الحكومة المصرية ترى في الأمر مجرد خلاف تجاري بين شركتين، وليس قضية سياسية ذات صلة بالعلاقات الإسرائيلية المصرية. ومع ذلك قال إيلون للسفير المصري إن حكومته تأمل أن تحل مصر الخلاف التجاري بالشكل المعهود بين الدول الجارة والصديقة، ومن أجل الاستقرار الإقليمي من المهم المحافظة على علاقات جيدة.

وكان المدير العام لشركة الغاز المصرية محمد شعيب قد أعلن أن مصر ألغت اتفاق الغاز لأنها لم تحصل على أموال من الشركة الإسرائيلية طوال شهور. وشدد على أن «الأمر يتعلق بقرار تجاري وليس سياسيا. وقد تبين أن الصفقة غير مرضية بعدما توقف شريكان مركزيان عن سداد الدفعات المالية المطلوبة للحكومة المصرية. وأمام الطريق المسدود الذي واجهناه لم يكن لدينا مفر سوى إلغاء الاتفاق من جانب واحد».

وفيما يؤكد وزير البنى التحتية الأسبق بنيامين بن أليعزر الذي وقع اتفاقية الغاز عن الجانب الإسرائيلي أن القرار سياسي بامتياز، تشير جهات رسمية إسرائيلية إلى أن الأمر «تجاري بحت». والحقيقة أن اتفاقية الغاز لها وجهان، أحدهما تجاري تم توقيعه والتفاوض عليه بين شركات تجارية، والثاني سياسي وقد أبرمه بن أليعزر ووزير الطاقة المصري في حينه وبحضور رئيس الحكومة أحمد نظيف. بل ان بن أليعزر يشدد على أنه في الجانب المصري كان الاهتمام بالاتفاق على أعلى المستويات، وأوضح أن المدير المصري لشركة «EMG» كان صهر رئيس الاستخبارات السابق اللواء عمر سليمان وهو الذي قام بدور مركزي في إبرام الاتفاق.

ونقلت الصحف الإسرائيلية عن مصادر سياسية إسرائيلية قولها إنها بعدما تحادثت مع نظرائها المصريين جرى التوضيح لها أن «المسألة جزء من خلاف تجاري بين شركة خاصة وشركة حكومية مصرية، وهذا النزاع يمر حاليا بإجراءات قضائية في الخارج ولم يحسم بعد. والأمر لا يتعلق بنزاع يرتبط بأي شكل بالعلاقات السياسية بين إسرائيل ومصر».

ومنذ حوالي نصف عام رفعت دعوى إلى محكمة تحكيم دولية ضد شركة الغاز المصرية بسبب فشلها في الوفاء بعقود ضخ الغاز إلى إسرائيل. وتطالب شركة أمفيل الإسرائيلية بتعويض مالي عن الأضرار الاقتصادية التي أصابتها جراء هذا الفشل.

وإضافة إلى الخسائر الاقتصادية العامة الناجمة عن القرار، ومن بينها زيادة تكلفة إنتاج الكهرباء في إسرائيل، مس القرار جهات أخرى، بينها المستثمرون في أسهم الشركات الضالعة في عملية تزويد الغاز إلى إسرائيل، وشركتا التأمين «هارئيل» و«منورا» اللتان استثمرتا وحدهما 100 مليون دولار في أسهم شركة «EMG» وشركة «أمفيل» التي اشترت منها سندات بحوالي 300 مليون دولار. ووفق التقديرات فإن خسائر الصناديق التقاعدية الإسرائيلية من وراء القرار بلغت في يوم واحد حوالي 150 مليون دولار.

واعتبرت معلقة الشؤون العربية في «يديعوت» سمدار بيري أن ما حدث جراء الواقع الجديد في مصر هو «تدهور سريع في العلاقات: لا موطئ قدم بعد اليوم للإسرائيليين في مصر، ولا تملك القنصلية المصرية في تل أبيب تفويضا لمنح تأشيرات دخول لهم. ومن يعاند ويصل هناك بجواز سفر أجنبي فقد يتورط. فاسمه قد يدرج في قائمة الجواسيس وعملاء الموساد. إنهم لا يريدوننا، وحاليا بات خطرا جدا للإسرائيلي أن يكون في مصر».

واعتبر عمير بن دافيد في «يديعوت» أيضا أن المراهنة على مصر انتهت، «فقد قررت الحكومة الإسرائيلية قبل عقد من الزمان تقريبا المراهنة على مصر ثانية. وبرغم برودة العلاقات بين الدولتين راهنوا في إسرائيل على استقرار السلام وعلى استمرار مصر بتزويد الغاز بانتظام. وألحق الاتفاق الاقتصادي لبيع الغاز الطبيعي المصري لشركة الكهرباء في العام 2005 باتفاقيات السلام. وأضيفت إلى المظلة السياسية مظلة اقتصادية أخرى، بفضل اتفاقية التجارة الحرة الثلاثية مع الولايات المتحدة. وآمنت إسرائيل بأن هذا اللاصق سيكون قويا بما فيه الكفاية ورفضت تصديق أنه إذا سقط مبارك فسيتحطم كل شيء».

وفي «هآرتس» أشار معلق الشؤون العربية تسفي بارئيل إلى أن عدم إعلان الحكومة المصرية رسمياً عن القرار ربما يطرح تساؤلات حول اتخاذه. وأوضح أنه «يحتمل ان تكون النية في هذه المرحلة هي الضغط على اسرائيل للتنازل عن إجراء التحكيم الذي في إطاره يطالب الشركاء الاسرائيليون بتعويض بحجم 8 مليارات دولار».

  • فريق ماسة
  • 2012-04-23
  • 9740
  • من الأرشيف

نتنياهو يحتوي صدمة الغاز المصري: الخـلاف تجــاري وليـس سـيـاسـيـاً

برغم الصدمة التي أصابتها جراء قرار مصر إلغاء اتفاق تزويدها بالغاز، فقد سارعت إسرائيل إلى تقليص الأضرار. وأعلن رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن القرار «تجاري» وليس سياسيا، ما يتنافى مع كلام وزير ماليته يوفال شتاينتس وكلام زعيم المعارضة شاؤول موفاز عن أن ذلك انتهاك لبنود معاهدة كامب ديفيد. ويبدو أن الحكومة المصرية قد سهلت الأمر بإعلان وزيرة التعاون الدولي فايزة أبو النجا أن مصر مستعدة لإعادة تزويد إسرائيل بالغاز ولكن وفق شروط اتفاق جديد. وتحدث نتنياهو للمرة الأولى أمس عن قرار إلغاء اتفاقية الغاز، فشدد على أن القرار «لا ينبع من تطورات أو قرارات سياسية». وأضاف، في لقاء مع قادة الجباية اليهودية «البوندس»، أن الأمر «نزاع تجاري بين الشركتين الإسرائيلية والمصرية. وإسرائيل تملك حقول غاز ستوفر لها استقلالية في مجال الطاقة ليس فقط عن الغاز المصري بل عن كل مصدر آخر بل وستحولها إلى واحدة من الدول الأكبر المصدرة للغاز في العالم. وبناء عليه فإننا مطمئنون جدا من هذه الناحية». ومع ذلك فإن نائب وزير الخارجية الإسرائيلي داني إيلون اجتمع ظهر أمس مع السفير المصري في تل أبيب ياسر رضا وطلب منه توضيحات بشأن إلغاء اتفاقية تصدير الغاز. وشدد السفير المصري على أن الحكومة المصرية ترى في الأمر مجرد خلاف تجاري بين شركتين، وليس قضية سياسية ذات صلة بالعلاقات الإسرائيلية المصرية. ومع ذلك قال إيلون للسفير المصري إن حكومته تأمل أن تحل مصر الخلاف التجاري بالشكل المعهود بين الدول الجارة والصديقة، ومن أجل الاستقرار الإقليمي من المهم المحافظة على علاقات جيدة. وكان المدير العام لشركة الغاز المصرية محمد شعيب قد أعلن أن مصر ألغت اتفاق الغاز لأنها لم تحصل على أموال من الشركة الإسرائيلية طوال شهور. وشدد على أن «الأمر يتعلق بقرار تجاري وليس سياسيا. وقد تبين أن الصفقة غير مرضية بعدما توقف شريكان مركزيان عن سداد الدفعات المالية المطلوبة للحكومة المصرية. وأمام الطريق المسدود الذي واجهناه لم يكن لدينا مفر سوى إلغاء الاتفاق من جانب واحد». وفيما يؤكد وزير البنى التحتية الأسبق بنيامين بن أليعزر الذي وقع اتفاقية الغاز عن الجانب الإسرائيلي أن القرار سياسي بامتياز، تشير جهات رسمية إسرائيلية إلى أن الأمر «تجاري بحت». والحقيقة أن اتفاقية الغاز لها وجهان، أحدهما تجاري تم توقيعه والتفاوض عليه بين شركات تجارية، والثاني سياسي وقد أبرمه بن أليعزر ووزير الطاقة المصري في حينه وبحضور رئيس الحكومة أحمد نظيف. بل ان بن أليعزر يشدد على أنه في الجانب المصري كان الاهتمام بالاتفاق على أعلى المستويات، وأوضح أن المدير المصري لشركة «EMG» كان صهر رئيس الاستخبارات السابق اللواء عمر سليمان وهو الذي قام بدور مركزي في إبرام الاتفاق. ونقلت الصحف الإسرائيلية عن مصادر سياسية إسرائيلية قولها إنها بعدما تحادثت مع نظرائها المصريين جرى التوضيح لها أن «المسألة جزء من خلاف تجاري بين شركة خاصة وشركة حكومية مصرية، وهذا النزاع يمر حاليا بإجراءات قضائية في الخارج ولم يحسم بعد. والأمر لا يتعلق بنزاع يرتبط بأي شكل بالعلاقات السياسية بين إسرائيل ومصر». ومنذ حوالي نصف عام رفعت دعوى إلى محكمة تحكيم دولية ضد شركة الغاز المصرية بسبب فشلها في الوفاء بعقود ضخ الغاز إلى إسرائيل. وتطالب شركة أمفيل الإسرائيلية بتعويض مالي عن الأضرار الاقتصادية التي أصابتها جراء هذا الفشل. وإضافة إلى الخسائر الاقتصادية العامة الناجمة عن القرار، ومن بينها زيادة تكلفة إنتاج الكهرباء في إسرائيل، مس القرار جهات أخرى، بينها المستثمرون في أسهم الشركات الضالعة في عملية تزويد الغاز إلى إسرائيل، وشركتا التأمين «هارئيل» و«منورا» اللتان استثمرتا وحدهما 100 مليون دولار في أسهم شركة «EMG» وشركة «أمفيل» التي اشترت منها سندات بحوالي 300 مليون دولار. ووفق التقديرات فإن خسائر الصناديق التقاعدية الإسرائيلية من وراء القرار بلغت في يوم واحد حوالي 150 مليون دولار. واعتبرت معلقة الشؤون العربية في «يديعوت» سمدار بيري أن ما حدث جراء الواقع الجديد في مصر هو «تدهور سريع في العلاقات: لا موطئ قدم بعد اليوم للإسرائيليين في مصر، ولا تملك القنصلية المصرية في تل أبيب تفويضا لمنح تأشيرات دخول لهم. ومن يعاند ويصل هناك بجواز سفر أجنبي فقد يتورط. فاسمه قد يدرج في قائمة الجواسيس وعملاء الموساد. إنهم لا يريدوننا، وحاليا بات خطرا جدا للإسرائيلي أن يكون في مصر». واعتبر عمير بن دافيد في «يديعوت» أيضا أن المراهنة على مصر انتهت، «فقد قررت الحكومة الإسرائيلية قبل عقد من الزمان تقريبا المراهنة على مصر ثانية. وبرغم برودة العلاقات بين الدولتين راهنوا في إسرائيل على استقرار السلام وعلى استمرار مصر بتزويد الغاز بانتظام. وألحق الاتفاق الاقتصادي لبيع الغاز الطبيعي المصري لشركة الكهرباء في العام 2005 باتفاقيات السلام. وأضيفت إلى المظلة السياسية مظلة اقتصادية أخرى، بفضل اتفاقية التجارة الحرة الثلاثية مع الولايات المتحدة. وآمنت إسرائيل بأن هذا اللاصق سيكون قويا بما فيه الكفاية ورفضت تصديق أنه إذا سقط مبارك فسيتحطم كل شيء». وفي «هآرتس» أشار معلق الشؤون العربية تسفي بارئيل إلى أن عدم إعلان الحكومة المصرية رسمياً عن القرار ربما يطرح تساؤلات حول اتخاذه. وأوضح أنه «يحتمل ان تكون النية في هذه المرحلة هي الضغط على اسرائيل للتنازل عن إجراء التحكيم الذي في إطاره يطالب الشركاء الاسرائيليون بتعويض بحجم 8 مليارات دولار».

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة