دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
من جديد. غزّة محاصرة بالظلام. لا وقود ولا كهرباء. 1.7 مليون نسمة مهدّدون بالموت. لا طعام يمكن أن يطهى لعدم وجود الغاز. لا برادات لحفظ المأكولات. لا كهرباء في المستشفيات، وحياة المرضى في خطر، وخصوصاً مرضى غرف العناية الفائقة والفشل الكلوي. لا وقود للسيارات لنقل المواطنين الى أعمالهم. لا ولا ولا. المسؤولون في القطاع أعلنوا صراحة أنّ معركتهم مع الاحتلال والسلطة ومصر، وحمّلوا هؤلاء مسؤولية الكارثة، متوعّدين اليوم بتظاهرات حاشدة تحت اسم «جمعة انارة غزّة وكشف المؤامرة».
الغزّيون يعيشون الكارثة التي تهدّد حياتهم، بعد انقطاع «السولار» (المازوت)، بشكل شبه نهائي، سواء كان الذي يتزودون به عن طريق الأنفاق «السولار المصري» أو «السولار الاسرائيلي» الذي يدخل عبر معبر كرم أبو سالم. طوابير تنتظر على أبواب المخابز. تراقب الخبز وهو ينضج. تتأمل الحصول على أكثر من ربطة خبز للعيال. أصوات تتعالى لتوسل أصحاب المخابز. أحمد فروانة (45 عاماً) ترك أعماله وهرع لشراء الخبز، وهو ينتظر لأكثر من ساعة. لحظات تُعيد الى ذهنه أيام العدوان والساعات الطويلة، التي كان ينتظر خلالها ليحصل على عدد قليل من أرغفة الخبز، لكنه يشير الى وجود فرق بين اليوم وأيام العدوان «فخلال العدوان كانت اسرائيل هي التي سببت لنا الأزمة، لكن الآن لا أعرف من أتهم: هل هي حكومة «حماس» أم حكومة رام الله أم المصريون؟ أم أحمّل نفسي المسؤولية لأنني اعيش في غزّة؟». ويتابع «كل يوم نمر بمشكلة جديدة. مرة الحصار ومرة الأنفاق ومرة البطالة والفقر. والآن أزمة الكهرباء والسولار».
لكن المواطن سهيل شاهين (35 عاماً) حسم أمره وحمّل الحكومة الحمساوية المقالة المسؤولية الكاملة «عما يمر به القطاع من أزمات على اعتبارها المسيطرة عليه بغض النظر عن الأسباب التي تعلنها بين الحين والآخر لتخرج نفسها من نطاق المسؤولية»، على حد تعبيره. ويقول شاهين «نحن لا نريد حكومة لا تستطيع أن توفر للمواطن العادي أدنى متطلبات الحياة، وما فائدة وجودها؟ هل يريد قادتها فقط الكراسي حتى وان كانت على حساب الشعب الغلبان؟».
ولم تكن محطات الوقود أفضل حالاً من المخابز؛ فسائقو سيارات الأجرة يتجمعون عليها وينتظرون دورهم ليزوّدوا محرّكات سياراتهم بالبنزين غالي الثمن مع فقدان السولار من السوق، بحيث وصل سعر الليتر من البنزين الى 8 شيكلات بعدما كان 3,7 شيكلات. وتدور أحاديث السائقين حول مسببي الأزمة. ويرى عبد الكريم الكفارنة، وهو أحد السائقين في الطابور، أن أصحاب المحطات هم السبب لأنهم يحتكرون السولار والبنزين لمصالحهم الخاصة ولأصدقائهم أو لأفراد من الحكومة. ويؤكد أن أصحاب محطات البنزين شركاء في معاناة الناس، وخصوصاً أنه «ربما ينتظر لأكثر من 3 ساعات ليحصل على الوقود، فيما تأتي سيارة تابعة للحكومة ولا تنتظر أكثر من دقيقة وبقدرة قادر يظهر السولار ويُملأ محرك السيارة لتذهب مسرعة».
يشرح الكفارنة معاناة السائقين ويقول «ننتظر ساعات وساعات لنحصل على غالون من البنزين نظراً لانقطاع السولار ونأخذه بسعر غال، حيث يبلغ 150 شيكلاً! أشتغل على السيارة، ولكنني افاجأ في آخر النهار بأنني لم أحصل على قوت أبنائي». ويضيف «بسبب ذلك رفعنا الأجرة رغم علمنا بأن ذلك مكلف على المواطن، خاصة في ظل الفقر والبطالة التي يعيشها أهالي القطاع» .
لكن صاحب احدى محطات الوقود، الذي رفض ذكر اسمه، يؤكد أن محطته خالية من المحروقات «سوى ما يتم تزويده به من الوقود الذي يأتي عن طريق اسرائيل وبكميات محدودة جداً». وعن سبب غلاء السولار، يقول صاحب المحطة إن «قانون العرض والطلب يتحكم بالأسعار؛ فالعرض قليل والطلب كثير، وهذا ما يدفع أصحاب المحطات الى رفع الأسعار».
وقد أوجدت أزمة الكهرباء سوقاً سوداء وصل فيها سعر ليتر وقود «الديزل» إلى سبعة شيكلات (1.87 دولار) مقابل 2.50 شيكل قبل الأزمة. وتجدر الاشارة الى أن هناك نوعين من البنزين يدخلان الى القطاع، واحد عن طريق الأنفاق من مصر، والثاني عن طريق اسرائيل. الأول نوعان، رخيص يبلغ سعر الليتر الواحد منه 2 شيكل ونصف الشيكل تقريباً، ونوع ثان يبلغ سعر الليتر الواحد منه 4 شيكلات ونصف الشيكل. اما البنزين الاسرائيلي فأفضلها جودة ويبلغ سعره 7 شيكلات ونصف الشيكل.
ويدرك بعض المواطنين أن الأزمة سياسية بحتة، هذا ما يقوله أحمد جرادة، الطالب الجامعي، الذي يدعو المواطنين الى العصيان المدني في القطاع «لعل الحكومة تتنازل وتهتم بمصالحهم».
وحث منسق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ماكسويل جيلارد، الأطراف المعنية على حل مشكلات الإمدادات. وقال إن المستشفيات وخدمات الإسعاف تواجه صعوبة متزايدة في العمل مع تداعي أنظمة المياه والصرف الهشة بالفعل، في وقت خفضت فيه المستشفيات خدمة الاسعاف والطوارئ عدد سيارات الإسعاف في الشوارع، وألغى مستشفى واحد على الأقل العمليات الجراحية غير العاجلة للحفاظ على الكهرباء لمولداته.
ويبدو أن الأزمة ستأخذ مساراً تصعيدياً اليوم، بعدما دعت «حماس» بكثافة الى «جمعة انارة غزة وكشف المؤامرة»، فيما زجت الحركة الأزمة في الملعب السياسي، مشيرة إلى دوافع سياسية وراء عدم تزويد مصر للقطاع بالوقود كما وعدت.
وكانت مصر قد بدأت في الشهر الماضي الحد من تدفقات الوقود الى غزة عن طريق شبكة أنفاق تهريب تحت الحدود. ونفد الوقود من محطة الكهرباء الوحيدة في القطاع مما تسبب في انقطاع الكهرباء عن نحو ثلثي سكان القطاع البالغ عددهم 1.7 مليون نسمة. وتفضل مصر إرسال الوقود عبر منفذ كرم أبو سالم الذي تسيطر عليه إسرائيل، مشيرة إلى تفاهمات دولية قديمة تقصر استخدام معبر رفح على سفر الركاب. لكن «حماس» تعترض على ذلك، وترفض منح إسرائيل فرصة منع الإمدادات في أوقات التوتر، وتريد تجارة مباشرة مع مصر.
والعلاقات المتوترة بين مصر و«حماس» زادت من تفاقم الأزمة. واتهمت مصادر من «حماس» مصر بخلق أزمة وقود للضغط على الحركة لتنفيذ اتفاق المصالحة مع الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، وهو ما عبر عنه نائب رئيس الوزراء في الحكومة المقالة في القطاع، محمد عوض، الذي أكّد خلال مؤتمر صحافي في غزّة، أن «الأزمة سياسية ومفتعلة، وسنتغلب عليها، كما تغلبنا على كثير من الأزمات». وأضاف «المسؤول عن الأزمة هو الاحتلال وأدواته ومن أطبق الحصار على غزة». وأشار إلى أن السبب الأساسي وراء أزمة الكهرباء في غزة ناجم عن طلب السلطة في رام الله من الاتحاد الأوروبي وقف تمويل السولار الصناعي اللازم لتشغيل محطة التوليد الوحيدة في القطاع. وأضاف «السلطة طلبت من الاتحاد تحويل المبالغ المالية المخصصة لشراء السولار لرواتب الموظفين في الضفة بهدف خنق الحكومة». وشدد على أن جهود الحكومة متواصلة مع العديد من الدول والشركات لحل جذري للمشكلة. وطالب عوض مصر «بالإيفاء بوعدها والإسراع بضخ الوقود إلى قطاع غزة وزيادة كميات الكهرباء الواردة إليه بناءً على اتفاق أبرم مع المسؤولين المصريين»، مشيراً إلى قيام الحكومة بتحويل 2 مليون دولار دفعة أولى مقابل توفير الوقود.
وحول إمكانية الاستفادة من الوقود الإسرائيلي، قال عوض إن ذلك الوقود «يكرس الارتباط بالاحتلال ويقوي سيطرته ويزيد من المعاناة على كاهل المواطن الفلسطيني لارتفاع أسعاره بشكل كبير». وأشار عوض إلى اتصالات دولية لحل أزمة الوقود، والى التواصل مع قطر والجزائر لوضع ترتيبات إيصال الوقود إلى قطاع غزة، إضافة إلى كافة المؤسسات الدولية والإنسانية والتباحث مع مؤسسات محلية للتوصل إلى حلول لهذه الأزمة. وذكر أن «الحكومة تراقب توزيع الوقود الوارد بشكل منظم وتلاحق المحتكرين لمنع علميات الاحتكار»، مبدياً أمله في «الانتصار على هذه الأزمة كما انتصرنا على العدوان في السابق».
بدورها، حذّرت وزارة الزراعة في الحكومة الفلسطينية المقالة من كارثة غذائية وبيئية جرّاء انقطاع الكهرباء وشحّ الوقود. وقالت في بيان إن «أزمة الكهرباء والوقود أفرزت كارثة تهدد قطاعات هامة بغزة، أهمها القطاع الزراعي الذي يوشك أن يتوقف كلياً». وشددت على أن «استمرار الأزمة دون حل سريع وفوري لها ينذر بكارثة غذائية، نتيجة توقف الآبار الزراعية والآلات التشغيلية ومصانع التعليب والفرز عن العمل بنسبة كبيرة، إضافة إلى توقف مزارع الدواجن عن التفريخ والإنتاج، وبالتالي حرمان سكان القطاع من اللحوم البيضاء».
وذكرت أنّ القطاع الصناعي والتشغيلي تأثر هو الآخر بشكل كبير نتيجة انقطاع التيار الكهربائي، وأهمها توقف مطاحن القمح عن العمل وتعطل مصانع الأعلاف ومصانع منتجات الألبان وحلابات الأبقار عن الإنتاج، إضافة إلى تلف المحاصيل الزراعية المحفوظة في الثلاجات الكبيرة، وكذلك الأدوية البيطرية التي تحفظ في مستودعات الأدوية والثلاجات الصغيرة. كذلك أشارت وزارة الزراعة إلى أنَّ أزمة الكهرباء تلقي بظلالها على محطات الصرف الصحي ومحطات المعالجة، ما ينذر بكارثة بيئية وصحية لا تحمد عقباها نتيجة توقفها عن العمل.
المصدر :
الماسة السورية
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة