دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
أوضحت تصريحات السيد كوفي انان مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة مضمون التحول الذي حصل في التقدير الأميركي للوضع في سورية والخطوط العامة للخطة الجديدة التي رسمت بعد الفشل النوعي والحاسم اللاحق بالمشروع الاستعماري لتدمير القوة السورية ، ولتفكيك هذه الدولة المقاومة التي تمثل العامود الفقري لمنظومة الاستقلال والتحرر في المنطقة ، و التي تمثل منذ عقود ، الركيزة القومية العربية للدفاع عن قضية فلسطين ولمنع الهيمنة الإسرائيلية على المنطقة عبر تصفية حقوق الشعب الفلسطيني تمهيدا لإعلان الدولة اليهودية.
أولا: الاعتراف الأميركي بسقوط الوهم حول إمكانية تعديل الموقفين الروسي والصيني اللذين يسدان الطريق إلى العدوان على سورية بقرار في مجلس الأمن الدولي ، يفرض على واشنطن الانكفاء عن المحاولات والتطلع إلى أن تتولى موسكو وبكين نصب السلالم التي يحتاجها القادة الأميركيون وملحقاتهم الأوروبية للنزول عن شجرة التصعيد ضد سورية.
المسؤولون الصينيون جزموا باستعدادهم لاستعمال الفيتو مرات جديدة في سبيل منع أي قرار يسعى الأميركيون والفرنسيون خصوصا ، لاستصداره في مجلس الأمن لتغطية عدوان على سورية وقد استهلك المسؤولون الأميركيون وحكام الخليج جميع أشكال الضغط والإغراء دون طائل وبرهنت تلك المحاولات البائسة على حجم العقم الفكري والسياسي وعلى البلاهة في التعامل مع دولة عظمى صاعدة يملأ هدير محركاتها الجبارة في كل أرجاء الكرة الأرضية ، وهي تدرك جيدا أن التفريط بالعلاقة التحالفية مع سورية العربية أو مع إيران الإسلامية يعني تمكين الولايات المتحدة من السيطرة على موارد الطاقة وممرات نقلها الإستراتيجية التي يحتاجها الاقتصاد الصيني المتعاظم القدرة والمتوثب إلى جميع أسواق العالم.
أما بشأن روسيا فقد شملت البلادة و الإعاقة العقلية عواصم الغرب والخليج وتركيا معا عندما روجت الدعاية الإعلامية وأدواتها المتورطة في الحرب على سورية نظرية أن الموقف الروسي قد يلين بعد انتخاب الرئيس فلاديمير بوتين.
فقد ثابر القادة الروس يتقدمهم الرئيس المنتخب ، على إعلانات شبه يومية بشأن ثبات موقفهم من الوضع في سورية ، وتصميمهم على استعمال الفيتو من جديد وعلى التصدي لجميع الضغوط والتهديدات التي تستهدف سورية وإيران أيضا، بل إن الرئيس بوتين طرح مبدأ يثير الإعجاب والتقدير لدى جميع الشعوب المضطهدة ، وهو أن روسيا ستبني سياستها الخارجية من الآن فصاعدا على عقيدة الدفاع عن جميع الشعوب التي تقاوم الهيمنة الاستعمارية، وهو وضع الموقف في سورية ضمن هذا السياق بحق.
بلهاء الغرب والخليج وتركيا مارسوا التذاكي المفضوح مع القيصر الروسي العائد إلى الكرملين وكأنه لا يعرف بالأرقام والحسابات وبالمعلومات وهو القادم من التجربة الأمنية المتفوقة التي أهلته للزعامة، أن خط الأنابيب بين قطر وتركيا وبالشراكة مع إسرائيل عبر مياه المتوسط ، هو مشروع يستهدف روسيا مباشرة ، ويشكل خطرا على كونها المورد الرئيسي للطاقة إلى أوروبا ، وبالتالي فالمراد منه خنق روسيا وقدراتها الاقتصادية بضربة واحدة ، وهذا مشروع لن يمر في ظل صمود سورية وعصيانها على المشيئة الاستعمارية بقيادة الرئيس بشار الأسد ، لأن ذلك المشروع سيمنع من عبور المياه الإقليمية السورية إلى تركيا ولأن سورية المقاومة وقائدها العربي ترفض أي شراكة مع العدو الصهيوني مهما كانت المغريات ، و هذا ما خبره المتغطرسون الواهمون الذين أطلقوا تصريحاتهم البلهاء عن الموقف الروسي مؤخرا فالرئيس بوتين قال أمام بعض مساعديه: "إذا نجح الغرب في النيل من سورية سنضطر للقتال دفاعا عن أمننا القومي في شوارع موسكو".
ثانيا: في سياق الاعتراف بالفشل تلاحقت التصريحات الأميركية عن صعوبة الرهان على غزو سورية بسبب قوة جيشها وتماسك دولتها ولأن الرئيس بشار الأسد أثبت زعامته الشعبية في أصعب الظروف ، وقد قرأ الخبراء الغربيون نتائج الاستفتاء على الدستور الجديد فأقروا بأن نص الدستور هو تعبير عن إرادة تغيير ديمقراطي ناضج لدى قائد سورية وشعبها، كما اعترفوا بأن أرقام الاستفتاء أظهرت مساندة أكثر من ثلثي الشعب السوري لزعيم البلاد وقائدها.
على هذا الصعيد كان معبرا جدا كلام الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في حديثه إلى "قناة فرانس 2" الفرنسية الحكومية: "يبدو أنني سأستقبله مجددا" في معرض كلامه عن علاقته بالرئيس بشار الأسد الذي كان ساركوزي أشرس من استهدفه في رحاب الأشهر الأخيرة وخرج عن جميع آداب التخاطب في كلامه عنه، ولا يقل قوة عن اعتراف ساركوزي بالخيبة تساؤل الصحافي البريطاني روبرت فيسك الساخر عن عدم قيام حكومات المستعربين في محميات الخليج بمنح الديمقراطية لشعوبها قبل مطالبة الدولة السورية بذلك، وهو كان يسخر من الدجل والنفاق الغربيين بشأن الوضع في سورية و من تصدر مجلس التعاون للحرب على سورية التي تسبق ممالك و مشيخات الخليج بملايين السنوات الضوئية في المؤسسات و تقاليد الدولة المعاصرة .
كواليس الحكومات الغربية تضج بإعلان اليأس من حالة التفاهة والتناحر والعجز التي تتخبط فيها المعارضات السورية ، بينما يحضر الأميركيون أنفسهم للنزول على السلالم الروسية والصينية ، بالتأكيد على وجود القاعدة في سورية ، بعدما كانوا يتحصنون بالإنكار منذ بداية الأحداث ، وما لم يعلنه الأميركيون هو أن المملكة السعودية تمول فصائل التكفير في سورية وتحتضن قادتها في أوكار أقيمت على أرض الجزيرة العربية وهي التي أنشئت لهم قنوات فضائية ، سيدفع الغرب بأسره كلفة ما تمارسه من تحريض وما تقوم به من نشر لفكر التكفير والإرهاب والقتل، في صفوف مسلمي أوروبا والقارة الأميركية واوستراليا وهذه مشكلة لن تتأخر نتائجها في الظهور فيأكل حكام الغرب السم الذي أعدوه لسورية المنتصرة عليهم بترياقها الشعبي المقاوم.
ثالثا: الانتقال بالمخطط الاستعماري إلى مراحل التفاوض عبر كوفي انان هو إعلان فشل ولكنه أيضا ينطوي على مزيد من الخبث والتآمر في مضمون ما يحمله انان لاختراق القلعة السورية الصامدة من خلال ما يدعى بوقف النار وشمولية الحوار.
سيجد مبعوث بان كي مون المشارك في المؤامرة على سورية، كل الكياسة واللباقة في دمشق وهدوء الأعصاب واللغة الباردة والمثابرة في النقاش وعرض وجهات النظر في التفاصيل والملفات والوثائق كالتي سلمت إلى معاونة الأمين العام آموس والمتضمنة جردة بالمدارس والمستشفيات التي أحرقها ثوار آخر زمن ودمروها.
ثوابت الدولة الوطنية السورية معروفة، والدولة المقاومة التي يقف خلفها شعبها تجيد فن التفاوض ، ويشهد لها الأعداء قبل الأصدقاء ببراعة استثنائية في هذا المجال ، وبعناد حاسم في ممارسة المفهوم السيادي الوطني.
الأسابيع القادمة ستشهد كثيرا من الزيارات إلى دمشق وكثيرا من اللقاءات الغربية والخليجية والتركية مع موفدين روس وصينيين كلقاء السيد لافروف المرتقب في القاهرة بينما تواصل الدولة الوطنية مطاردة فلول العصابات المندحرة وإحكام القبضة على نطاقها السيادي لمنع تهريب الأموال والأسلحة إلى القتلة والمجرمين ، ولحظر تسرب الإرهابيين إلى البلاد بينما تحيط الدولة السورية بكتمان شديد ، الكثير مما اصطادته في الميدان من أدلة وعناصر تدين جميع المتورطين، وكما بدأ ساركوزي يشق طريقه في العودة من الورطة السورية سيسعى غيره في المسعى نفسه أما حكام الخليج فلهم حساب آخر.
المصدر :
غالب قنديل
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة