دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
لم ينه الجيش السوري التمرّد المسلح في سورية، ولم يعلن انتصاره. إلا أن نتيجة وتداعيات ما جرى في بابا عمرو، وغيرها من المناطق السورية الأخرى، مؤشر على تراجع قسري للرهانات على "سقوط "النظام في دمشق، وفي الحد الأقصى الاتجاه نحو قرب انتهاء الأزمة، بمستوياتها التي كانت سائدة في الأشهر الماضية. الحسم في بابا عمرو، وقبله في ريف دمشق، لا يقتصر فقط على نتائجه العسكرية، بل يدل على منعة النظام وقوته، وعلى تماسك الجيش السوري وتماهيه مع النظام، وعلى نجاعة التموضع الهجومي الجديد، قياساً إلى التموضع الدفاعي السابق... كما يدل على خسارة الرهان الخارجي على المعارضة المسلحة في الداخل، التي ثبت أنها غير قادرة على تحقيق أماني أعداء النظام في سورية.
في الشطر الآخر للمشهد السوري، يوجد دليل إضافي على الفشل الذي مُنيت به جهات العداء للنظام الموزعة من الخليج إلى أوروبا وصولاً إلى الولايات المتحدة. مع ذلك، أن يقرّ هؤلاء بالهزيمة، أمر متعذر، وأقله لجهة الدول الخليجية التي تتداخل مصالح أنظمتها بالحقد الشخصي لحكامها تجاه النظام في سوريا، وتحديداً تجاه الرئيس السوري بشار الأسد.
الاستراتيجيا التي تحكم تصرفات دول العداء الخليجي للنظام في سورية وسلوكها، وتحديداً هذه الدول، مبنية على "منطق الشراء"، وأن كل شيء يمكن تحقيقه بالمال: تطلعات الشعوب، شراء المعارضات على اختلافها، تبديل سياسات الدول، المكانة الدولية، الوسائل الإعلامية، أصوات الدول في الجامعة العربية، وتنظيم واستضافة مباريات كأس العالم في كرة القدم... تماماً كما هي الحال في شراء السيارات الفاخرة واليخوت وبناء القصور.
والاستراتيجيا المبنية على أن كل شيء يُشترى بالمال، تعني "أنا أريد فأشتري فأحصل على كل ما أريد"، الأمر الذي يصيب أصحاب هذه الاستراتيجيا بالعمى، ويمنع عنهم إدراك حدود القدرة الذاتية، وفهم التهديدات والفرص وكيفية معالجتها، كما يمنع عنهم استشراف المستقبل وظروف تكوّنه ومحفزاته، وتبدل العلاقات والمصالح الدولية، وبنحو آكد يمنع فهم قوة الخصوم والأعداء وقدرتهم على الصدّ والدفاع وتحقيق مصالحهم الخاصة، أي وضع أهداف لا تستند إلى حدّ كبير على الواقع الفعلي.
أيضاً هي حال جهات 14 آذار في لبنان، المتهمة من قبل النظام في سورية بأنها شريكة فعلية في الحرب الدائرة عليه، من خلال تهريب السلاح والأفراد وتأمين الملجأ والمأوى للمسلحين، من سوريا وإليها، إضافة إلى المشاركة في التحريض والحثّ على الفتنة الداخلية، وإطلاق المواقف والدعم الإعلامي غير المحدود للمسلحين. انتظرت هذه الجهات سقوط النظام، وبنت آمالها واستراتيجيتها عليه، ورأت أن سقوط الرئيس الأسد يعني ضعفاً لخصومها في لبنان، وبالتالي إعادة العجلة إلى الوراء في الساحة اللبنانية، تماماً كما هي حال بعض الدول الخليجية، مصدر الإلهام الفعلي لـ14 آذار، أصابها عمى إزاء استشراف قدرات أعدائها، وبالتالي لم تحترز من فرضية صمود النظام أمام الهجمة. فإذا كان"سقوط" النظام السوري يعني ضعف خصومها في لبنان، فإن صمود النظام وانتصاره، يعنيان، في المقابل، زيادة في قوة أعدائها، وزيادة في ضعفها.. بل قد تكون التداعيات أكثر سلبية من ذلك على "المعارضين" في لبنان، إذ إن نظام الرئيس السوري بشار الأسد، ما قبل الأزمة شيء، وما بعدها شيء آخر تماماً. ولا يخفى أن اتجاه النظام نحو الانتصار على الإرادة الأميركية والخليجية، وعلى تمرّد المسلحين في العديد من المناطق السورية، يعود أولاً وقبل أي شيء آخر، بما فيه الدعم السياسي الذي حظي به من حلفائه الإقليميين والدوليين، إلى صموده وحكمته في الأداء والتعامل مع التطورات الخارجية والداخلية المتداخلة بعضها مع بعض.
مع ذلك، الأزمة في سورية لم تنته، ومسار إنهائها قد يطول نسبياً، لكنها لن تعود إلى مستوياتها السابقة. خصوصاً أن المعركة، مع سوريا وعليها، تتجاوز في دوافعها ساحتها على أهميتها الاستراتيجية، بفعل موقعها الجيوسياسي، باعتبار أن إسقاط النظام، أو على الأقل تطويعه، هو هدف يحتل الأولوية القصوى لدى الإدارة الأميركية والاتحاد الأوروبي و"حلفائهما" في العالم العربي، كجزء من محاولة احتواء تداعيات التطورات التي شهدتها وتشهدها المنطقة العربية.
في كل الأحوال، المؤكد أن المشهد بات مختلفاً، والمبادرة في أيدي النظام نفسه، بينما ينكفئ أعداؤه في الداخل والخارج، وتتقلص خياراتهم الفعلية، ما عدا الاستمرار بإطلاق المواقف النارية والتحريضية، التي لم تعد، كما في السابق، فاعلة ومؤثرة في مجرى الأحداث.
المصدر :
الأخبار\ يحيى دبوق
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة