في اليوم الأخير من المناورات الإيرانية البحرية في مضيق هُرمز، وجّهت طهران لأعدائها رسالة تهديد واضحة، حملها صاروخان عابران للقارات أطلقتهما «بنجاح»، مؤكدة أنها قادرة على قطع المضيق متى تشاء.

التهديدات الإيرانية وما قابلها من تصريحات أميركية حادة اللهجة مفادها أن واشنطن لن تتسامح مع أي عرقلة للشحن البحري، دفعت بكثيرين إلى التساؤل عن مدى جدية هذا التهديد والقدرة الإيرانية على الالتزام به. ولكن مهما يكن من سيناريوهات محتملة، فإن المضيق يبقى ورقة ضغط فعالة بيد إيران، إن لم يكن الأكثر فعالية.. فهي تمسك بـ«العنق الرئيسي للعالم»، الذي يربط أكبر خزان نفطي بالسوق العالمية.. وليفعل أعداؤها ما يشاؤون.

ويعتبر مضيق هُرمز المنفذ البحري الوحيد الذي يربط الخليج العربي بخليج عمان، وقد حمل اسمه نسبة إلى جزيرة هُرمز الواقعة شمال المضيق. وللمفارقة فإن كلمة «هُرمز» في الفارسية تعني «إله الخير والشر» حسب المذهب الزرادشتي، وعلى ما يبدو فإن إيران قد سلطت إله الشر على من يجرؤ الوقوف في وجهها، وفي مقدمتهم أميركا.

يمتد المضيق في خطه الأول من رأس الشيخ مسعود في شبه جزيرة مسندم إلى الغرب من جزيرة هنجام الإيرانية مرورا بجزيرة قشم حتى الساحل الإيراني، أما الخط الآخر الذي يميزه عن خليج عمان فيمتد من رأس دبا على ساحل الإمارات إلى دماجة على الساحل الإيراني. ويبلغ طول المضيق 280 كلم وعرضه 54 كلم، علماً أن الأخير يصل في نقطته الأضيق إلى حوالى 33 كيلومتراً. أما ممراته الأساسية فتتألف من قنوات بعرض 3 كيلومترات لمرور الناقلات ذهابا وإياباً، بالإضافة إلى عرض 3 كيلومترات كمنطقة فاصلة.

يسجّل هُرمز اليوم، حسب ما يقول الكاتب سايمون هندرسون في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، مرور أكثر من عشر ناقلات نفط ضخمة تخرج من الخليج يومياً، كما يدخل عبره عدد مماثل من ناقلات النفط الفارغة للتزود بحمولة. وتحمل الناقلات الخارجة حوالى 20 في المئة من الطلب اليومي العالمي على النفط، وبمعنى آخر تمثل النسبة نحو 40 في المئة من تجارة النفط العالمية. من جهة ثانية، هناك عدد قليل، لكنه متزايد، من الناقلات للغاز الطبيعي المسال، حيث يزداد الطلب على الغاز، لا سيما في آسيا، علماً أن قطر تُعدّ أكبر مُصدّر للغاز الطبيعي المسال في العالم.

ويؤكد العديد من المحللين، وتدعمهم في ذلك وكالة معلومات الطاقة الأميركية، عبر أرقام «دقيقة» بأن النفط المنتج في الخليج سيشكّل مستقبلاً نسبة أكبر من الإنتاج العالمي.

وفي هذا الإطار، يشير الباحث أنتوني كوردسمان، في تقرير نشره مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، إلى أن استخدام النفط والسوائل سيزداد من 85,7 مليون برميل في اليوم في العام 2008 إلى 97,6 مليون برميل في العام 2020 ليصل إلى 112,2 مليون برميل في العام 2035. وبعيداً عن الارتفاع الذي تسجّله أسعار النفط، فإن الاعتماد على السوائل النفطية في مجال النقل سيزداد بمعدل 1,4 في المئة سنوياً، أو بمعنى آخر 46 في المئة من العام 2008 إلى العام 2035. ولتلبية الطلب العالمي المتزايد، سيرتفع إنتاج السوائل في الخليج (بما فيها الإمدادات التقليدية وغير التقليدية) بمقدار ما مجموعه 26,6 مليون برميل يوميا من العام 2008 إلى العام 2035. وفي هذه الحالة، من المفترض أن تعتمد الدول المعنية على الاستثمار في مجال الطاقة الإنتاجية الإضافية من اجل الحفاظ على حصة الـ40 في المئة من مجموع إنتاج السوائل العالمي حتى العام 2035، أي بما يتفق مع حصتها خلال السنوات الـ15 الماضية.

ما سبق يثبت أهمية المضيق الاستراتيجية، ويفسّر لماذا لم يستطع الإفلات عبر التاريخ من صراع المصالح عليه. فمنذ القرن السابع قبل الميلاد وهو يلعب دوراً مهما في التجارة الدولية.

بداية كان عرضة لأطماع الأجانب، ثم تحول إلى محور للصراع والتنافس بين دوله من جهة، والدول الأجنبية من جهة أخرى. ومع اكتشاف النفط، ازدادت أهميته الاستراتيجية نظراً للاحتياطي النفطي الكبير في المنطقة.

وفي الثمانينيات من القرن الماضي، مع اندلاع الحرب العراقية ـ الإيرانية، كان المضيق بمثابة ورقة ضغط أساسية بيد الإيرانيين لتحويل دفة الحرب إلى صالحهم، وازداد التهديد اتساعاً بعد مرحلة حرب الناقلات عام 1984. وقد لجأ الإيرانيون حينها لإغلاق المضيق أمام السفن العراقية، مما دفع العراق للجوء إلى خيار الاستفادة من خطوط الأنابيب عبر تركيا والسعودية.

في ذلك الوقت، استجابت المملكة السعودية، التي كانت حليفاً للعراق، ببناء خط أنابيب صادرات لبغداد عبر أراضي المملكة إلى البحر الأحمر، علماً أن هذا الخط لم يعد مستخدماً. وفي هذا الإطار يعتبر هندرسون ان ما يحكى حالياً عن مسارات بديلة في حال إغلاق المضيق سيعتبر غير كاف. فستكون المملكة العربية السعودية قادرة على تصدير بعض إنتاجها من خلال خطها العابر لشبه الجزيرة العربية، كما يمكن للإمارات العربية المتحدة استخدام خط تم استكماله حديثاً يصل إلى خليج عمان لتصدير معظم إنتاجها. لكن جميع الصادرات من الكويت والحقول الجنوبية في العراق وقطر، ويفترض إيران نفسها، لن تتمكن من الوصول إلى أسواقها.

في المقابل، يقول هندرسون إن تأثر إيران نفسها بإغلاق المضيق قد يكون سبباً في عدم تنفيذها تاريخياً لعدد من التهديدات التي أطلقتها بهذا الشأن، ولكن ذلك لن يكون السبب الوحيد. فهندرسون يعتبر أن طهران ستتردد في تنفيذ تهديداتها نظراً لقوة البحرية الأميركية، الممثلة في الأسطول الخامس المتمركز في البحرين وفي الأسطول الجوي الضخم في قطر، والتي تتفوق على القوات العسكرية الإيرانية.

من جانبه، يلفت كوردسمان إلى أن إقدام إيران على أي فعل من شأنه أن يعيق حركة النقل عبر المضيق سيدفع بدول الخليج العربي إلى دعم أي تدخل خارجي لإعادة فتحه، معتبراً ان ايران ستخسر الكثير على صعيد القوة العسكرية والاقتصادية في حال قيامها بمواجهة مباشرة، كونها لا تملك قوات بحرية او جوية «حديثة». لكنه يشير إلى أن من المحتمل أن تلجأ إيران للحرب غير المتماثلة، الأمر الذي سيكون له نتائج غير متوقعة. ويمكن لإيران في هذا الصدد مضايقة الشحنات التي تمر عبر المضيق لفترة طويلة، وذلك عبر زرعه بألغام خطيرة تستغرق وقتاً طويلا ليتم اكتشافها ونزعها.

 

  • فريق ماسة
  • 2012-01-02
  • 10599
  • من الأرشيف

عــن مضيـق هُرمــز و«إلــه الخيــر والشــر»!

          في اليوم الأخير من المناورات الإيرانية البحرية في مضيق هُرمز، وجّهت طهران لأعدائها رسالة تهديد واضحة، حملها صاروخان عابران للقارات أطلقتهما «بنجاح»، مؤكدة أنها قادرة على قطع المضيق متى تشاء. التهديدات الإيرانية وما قابلها من تصريحات أميركية حادة اللهجة مفادها أن واشنطن لن تتسامح مع أي عرقلة للشحن البحري، دفعت بكثيرين إلى التساؤل عن مدى جدية هذا التهديد والقدرة الإيرانية على الالتزام به. ولكن مهما يكن من سيناريوهات محتملة، فإن المضيق يبقى ورقة ضغط فعالة بيد إيران، إن لم يكن الأكثر فعالية.. فهي تمسك بـ«العنق الرئيسي للعالم»، الذي يربط أكبر خزان نفطي بالسوق العالمية.. وليفعل أعداؤها ما يشاؤون. ويعتبر مضيق هُرمز المنفذ البحري الوحيد الذي يربط الخليج العربي بخليج عمان، وقد حمل اسمه نسبة إلى جزيرة هُرمز الواقعة شمال المضيق. وللمفارقة فإن كلمة «هُرمز» في الفارسية تعني «إله الخير والشر» حسب المذهب الزرادشتي، وعلى ما يبدو فإن إيران قد سلطت إله الشر على من يجرؤ الوقوف في وجهها، وفي مقدمتهم أميركا. يمتد المضيق في خطه الأول من رأس الشيخ مسعود في شبه جزيرة مسندم إلى الغرب من جزيرة هنجام الإيرانية مرورا بجزيرة قشم حتى الساحل الإيراني، أما الخط الآخر الذي يميزه عن خليج عمان فيمتد من رأس دبا على ساحل الإمارات إلى دماجة على الساحل الإيراني. ويبلغ طول المضيق 280 كلم وعرضه 54 كلم، علماً أن الأخير يصل في نقطته الأضيق إلى حوالى 33 كيلومتراً. أما ممراته الأساسية فتتألف من قنوات بعرض 3 كيلومترات لمرور الناقلات ذهابا وإياباً، بالإضافة إلى عرض 3 كيلومترات كمنطقة فاصلة. يسجّل هُرمز اليوم، حسب ما يقول الكاتب سايمون هندرسون في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، مرور أكثر من عشر ناقلات نفط ضخمة تخرج من الخليج يومياً، كما يدخل عبره عدد مماثل من ناقلات النفط الفارغة للتزود بحمولة. وتحمل الناقلات الخارجة حوالى 20 في المئة من الطلب اليومي العالمي على النفط، وبمعنى آخر تمثل النسبة نحو 40 في المئة من تجارة النفط العالمية. من جهة ثانية، هناك عدد قليل، لكنه متزايد، من الناقلات للغاز الطبيعي المسال، حيث يزداد الطلب على الغاز، لا سيما في آسيا، علماً أن قطر تُعدّ أكبر مُصدّر للغاز الطبيعي المسال في العالم. ويؤكد العديد من المحللين، وتدعمهم في ذلك وكالة معلومات الطاقة الأميركية، عبر أرقام «دقيقة» بأن النفط المنتج في الخليج سيشكّل مستقبلاً نسبة أكبر من الإنتاج العالمي. وفي هذا الإطار، يشير الباحث أنتوني كوردسمان، في تقرير نشره مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، إلى أن استخدام النفط والسوائل سيزداد من 85,7 مليون برميل في اليوم في العام 2008 إلى 97,6 مليون برميل في العام 2020 ليصل إلى 112,2 مليون برميل في العام 2035. وبعيداً عن الارتفاع الذي تسجّله أسعار النفط، فإن الاعتماد على السوائل النفطية في مجال النقل سيزداد بمعدل 1,4 في المئة سنوياً، أو بمعنى آخر 46 في المئة من العام 2008 إلى العام 2035. ولتلبية الطلب العالمي المتزايد، سيرتفع إنتاج السوائل في الخليج (بما فيها الإمدادات التقليدية وغير التقليدية) بمقدار ما مجموعه 26,6 مليون برميل يوميا من العام 2008 إلى العام 2035. وفي هذه الحالة، من المفترض أن تعتمد الدول المعنية على الاستثمار في مجال الطاقة الإنتاجية الإضافية من اجل الحفاظ على حصة الـ40 في المئة من مجموع إنتاج السوائل العالمي حتى العام 2035، أي بما يتفق مع حصتها خلال السنوات الـ15 الماضية. ما سبق يثبت أهمية المضيق الاستراتيجية، ويفسّر لماذا لم يستطع الإفلات عبر التاريخ من صراع المصالح عليه. فمنذ القرن السابع قبل الميلاد وهو يلعب دوراً مهما في التجارة الدولية. بداية كان عرضة لأطماع الأجانب، ثم تحول إلى محور للصراع والتنافس بين دوله من جهة، والدول الأجنبية من جهة أخرى. ومع اكتشاف النفط، ازدادت أهميته الاستراتيجية نظراً للاحتياطي النفطي الكبير في المنطقة. وفي الثمانينيات من القرن الماضي، مع اندلاع الحرب العراقية ـ الإيرانية، كان المضيق بمثابة ورقة ضغط أساسية بيد الإيرانيين لتحويل دفة الحرب إلى صالحهم، وازداد التهديد اتساعاً بعد مرحلة حرب الناقلات عام 1984. وقد لجأ الإيرانيون حينها لإغلاق المضيق أمام السفن العراقية، مما دفع العراق للجوء إلى خيار الاستفادة من خطوط الأنابيب عبر تركيا والسعودية. في ذلك الوقت، استجابت المملكة السعودية، التي كانت حليفاً للعراق، ببناء خط أنابيب صادرات لبغداد عبر أراضي المملكة إلى البحر الأحمر، علماً أن هذا الخط لم يعد مستخدماً. وفي هذا الإطار يعتبر هندرسون ان ما يحكى حالياً عن مسارات بديلة في حال إغلاق المضيق سيعتبر غير كاف. فستكون المملكة العربية السعودية قادرة على تصدير بعض إنتاجها من خلال خطها العابر لشبه الجزيرة العربية، كما يمكن للإمارات العربية المتحدة استخدام خط تم استكماله حديثاً يصل إلى خليج عمان لتصدير معظم إنتاجها. لكن جميع الصادرات من الكويت والحقول الجنوبية في العراق وقطر، ويفترض إيران نفسها، لن تتمكن من الوصول إلى أسواقها. في المقابل، يقول هندرسون إن تأثر إيران نفسها بإغلاق المضيق قد يكون سبباً في عدم تنفيذها تاريخياً لعدد من التهديدات التي أطلقتها بهذا الشأن، ولكن ذلك لن يكون السبب الوحيد. فهندرسون يعتبر أن طهران ستتردد في تنفيذ تهديداتها نظراً لقوة البحرية الأميركية، الممثلة في الأسطول الخامس المتمركز في البحرين وفي الأسطول الجوي الضخم في قطر، والتي تتفوق على القوات العسكرية الإيرانية. من جانبه، يلفت كوردسمان إلى أن إقدام إيران على أي فعل من شأنه أن يعيق حركة النقل عبر المضيق سيدفع بدول الخليج العربي إلى دعم أي تدخل خارجي لإعادة فتحه، معتبراً ان ايران ستخسر الكثير على صعيد القوة العسكرية والاقتصادية في حال قيامها بمواجهة مباشرة، كونها لا تملك قوات بحرية او جوية «حديثة». لكنه يشير إلى أن من المحتمل أن تلجأ إيران للحرب غير المتماثلة، الأمر الذي سيكون له نتائج غير متوقعة. ويمكن لإيران في هذا الصدد مضايقة الشحنات التي تمر عبر المضيق لفترة طويلة، وذلك عبر زرعه بألغام خطيرة تستغرق وقتاً طويلا ليتم اكتشافها ونزعها.  

المصدر : السفير


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة