أهلاً بالربيع العربي منقذاً من ضلال بدعة العروبة..

يكاد هذا الشعار يسود في المنطقة العربية جميعاً، ويكاد أبطاله ينظمون مجالس العزاء في "العروبة" التي شاخت وثبُت بطلان دعواها وآن لها أن تطوي أعلامها عائدة إلى بطون التاريخ أو الخرافة، شأنها شأن كل البدع التي جاء بها ما يسمى عصر استعادة الوعي بالذات!!

إنها "دار الإسلام"، وقد آن الأوان لكي تعود إلى حقيقتها... أما تسمية "الربيع العربي" فمسألة تكتيكية، ولعل الأميركيين قد اختاروها تخفيفاً من وطأة الاعتراف بالهوية الأصلية لهذه الأرض وشعوبها.. فالتبشير بالربيع العربي ليس إلا الوجه الآخر لإعلان وفاة "العروبة" فكرة وعقيدة أسهمت في تحديد هوية هذه الأرض التي كانت مع بداية القرن الماضي مشاعاً مفتوحاً أمام كل طامع.

بل إن هناك مَن يضيف شروحاً تاريخية تبرّر "التساهل" مع تعبير "العروبة"عن طريق الافتراض أن استخدامها قد أفاد في بث الروح في الحركة السياسية لشعوب هذه الأرض التي كان "العثمانيون" في طليعة مستعمريها وقد كان بينهم كذلك البريطاني والفرنسي والإيطالي والبرتغالي والإسباني... إلخ. وبديهي أن الاستعمار قد مسخ هوية هذه المنطقة وغيّب هويتها الجامعة ليستطيع كل مستعمر أن يتعامل مع مستعمرته وأهلها بما يناسب مصالحه. ولقد كان صعباً إلى حد الاستحالة، مثلاً، أن يُقاتَل العثمانيون بالشعار الإسلامي وفيهم الخليفة الذي صار سلطاناً وإن بقي له بين ألقابه "حامي الحرمين الشريفين". وبقدر ما كان المستعمرون يختلفون في ما بينهم على تحديد مناطق نفوذ كل منهم فإنهم ظلوا يجتمعون على مواجهة "الأهالي" في مستعمراتهم بوصفهم أمماً شتى لا رابط بينهم ولا صلة رحم ولا مصالح مشتركة ولا أمل بمستقبل واحد.

ومع أن تسمية "الربيع العربي" تؤكّد تواصلاً ما بين هذه "الدول" التي اجتاحتها الانتفاضات، فقد اجتهدت الأنظمة المستولدة قيصرياً منعاً لاكتمال "الثورة" بأركانها الفكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية في قطع صلات الرحم جميعاً مع "العروبة"، وجعلت من الحركات الإسلامية، إخوانية وسلفية وبين بين، البديل المستقبلي للحركة القومية التي دمّرها الطغاة الذين تسلطوا على الشعوب باسمها، مطمئنة إلى أن التبشير الأميركي يستطيع إعادة "الابن الضال" إلى حظيرة الإيمان ويقدر على التصدي للبدع التي كانت تأخذه إلى مهاوي الهلاك.

هل نقول إن التاريخ يعيد علينا الأمثولة ذاتها: الثورة يصنعها الأبطال الأبرياء ويستشهد من أجلها الشرفاء ويحصد ثمارها الانتهازيون؟!

في أي حال، من حق التيارات الإسلامية، إخوانية وسلفية ومختلطة، أن تحتفل مزهوة بانتصاراتها السياسية المتوالية، بدءاً بمصر وانتهاءً بالمغرب مروراً بليبيا (؟) وتونس، التي نقلتها من مواقع المعارضة الرافضة والمرفوضة إلى سدة السلطة بالأساليب الديموقراطية، أي عبر صناديق الاقتراع... بمعزل عن كل ما قيل ونشر وأذيع عن كميات هائلة من الأموال بذلت بسخاء منقطع النظير من أجل نصرة هذه الديموقراطية، ومعظم هذه الأموال قد جاء من جهات ملكية لم تعرف الانتخابات طوال تاريخها، ولا هي تنوي أن تعترف بها كحق بديهي من حقوق قبائلها المؤتلفة في حمى السيف والذهب... وبمعزل أيضاً عما قيل حول تواطؤ شبه معلن بين هذه الجماعات الرافعة الرايات الإسلامية مع الجيش، حيث كان يمثل سلطة الأمر الواقع، أو مع الملك حيث السلطة لأمير المؤمنين ـ الخليفة ـ ظل الله على الأرض.

إنه الربيع العربي، ولا يهم أن التسمية أميركية وأن الشعار إسلامي، وأن الديموقراطية قد توفرت بحماية العسكر الذي ما زال "الأقوى" نفوذاً ولو من وراء الستار.

كذلك فلا يهم أن يكون هذا الربيع العربي قد ألهم قادة مجلس التعاون الخليجي أن يسعوا لتحويل مجلسهم هذا إلى "اتحاد" بعد سنوات طويلة من المماحكات والممانعات وأصناف الفيتو ضد توحيد النقد أو توحيد الهوية أو تسهيل العبور بين دول المجلس بالبطاقة الشخصية.

فالربيع العربي الذي شرع للإسلام السياسي أن يقفز إلى السلطة، معززاً بتاريخ قمعه الطويل، في أقطار عربية عدة، ممنوع من الدخول إلى المملكات والسلطنات والإمارات والمشيخات حتى لو كان يحظى ببركة المرجعية السياسية في واشنطن.

والمطلوب من الربيع العربي أن يقضي على العروبة بالإسلام، وليس أن يقدم نموذجاً عصرياً للإسلام في بلاد لا تزال تعتبر قيادة المرأة السيارة معصية لإرادة الخالق وخروجاً على الدين الحنيف.

كذلك فإن بين مهام الربيع العربي أن ينهي الصراع العربي ـ الإسرائيلي، فليس للإسلام السياسي من فلسطين إلا المسجد الأقصى، أما فلسطين فلا ذكر لها في مراجع الدين الحنيف. بل إن فلسطين من اختراع أولئك العروبيين الذين كانوا يريدون الخروج من الخلافة للالتحاق بالغرب، وليس بين المسلمين واليهود عداء، بل إن تاريخ العلاقات في ما بينهم كان وداً متصلاً وتعاوناً وثيقاً تشهد به الأندلس!

لا مفاجأة، إذاً، في خلو أدبيات الإسلاميين، إخواناً وسلفيين، الذين يهمّون الآن بالإمساك بمفاتيح السلطة في أكثر من بلد عربي، من أي ذكر لفلسطين ومن أي إساءة للعدو الإسرائيلي، بل إن ثمة أكثر من تصريح وأكثر من تلميح وأكثر من إشارة ود تدل على حرص هؤلاء جميعاً على العلاقات الطبيعية مع إسرائيل تحت شعار أنها قد جنحت أخيراً إلى السلم، وما فات قد مات.

هو الربيع العربي: لا يهم أنه جاء مع بداية فصل الشتاء وانتهى مع الخريف.. فالتسمية للدلالة على الهوية، ولكنها هنا أيضاً لا تدل على هوية، بل تحور فيها فإذا ليس فيها من العروبة شيء.

والعروبة راسخة وباقية لأنها تتصل بالروح كما بالجغرافيا والتاريخ والمصالح وسائر حقائق الحياة وأهمها وأخطرها الهوية.

وهوية الأمة ثابتة.. وكل ما عداها باطل.

وكل عام وأنتم بخير في ظل الهوية التي يصنعها تاريخ أهلها ولا تأتيهم محمولة من العواصم البعيدة.

  • فريق ماسة
  • 2011-12-29
  • 9966
  • من الأرشيف

"الربيع العربي": الإسلام بديلاً من العروبة! .. بقلم : طلال سلمان

أهلاً بالربيع العربي منقذاً من ضلال بدعة العروبة.. يكاد هذا الشعار يسود في المنطقة العربية جميعاً، ويكاد أبطاله ينظمون مجالس العزاء في "العروبة" التي شاخت وثبُت بطلان دعواها وآن لها أن تطوي أعلامها عائدة إلى بطون التاريخ أو الخرافة، شأنها شأن كل البدع التي جاء بها ما يسمى عصر استعادة الوعي بالذات!! إنها "دار الإسلام"، وقد آن الأوان لكي تعود إلى حقيقتها... أما تسمية "الربيع العربي" فمسألة تكتيكية، ولعل الأميركيين قد اختاروها تخفيفاً من وطأة الاعتراف بالهوية الأصلية لهذه الأرض وشعوبها.. فالتبشير بالربيع العربي ليس إلا الوجه الآخر لإعلان وفاة "العروبة" فكرة وعقيدة أسهمت في تحديد هوية هذه الأرض التي كانت مع بداية القرن الماضي مشاعاً مفتوحاً أمام كل طامع. بل إن هناك مَن يضيف شروحاً تاريخية تبرّر "التساهل" مع تعبير "العروبة"عن طريق الافتراض أن استخدامها قد أفاد في بث الروح في الحركة السياسية لشعوب هذه الأرض التي كان "العثمانيون" في طليعة مستعمريها وقد كان بينهم كذلك البريطاني والفرنسي والإيطالي والبرتغالي والإسباني... إلخ. وبديهي أن الاستعمار قد مسخ هوية هذه المنطقة وغيّب هويتها الجامعة ليستطيع كل مستعمر أن يتعامل مع مستعمرته وأهلها بما يناسب مصالحه. ولقد كان صعباً إلى حد الاستحالة، مثلاً، أن يُقاتَل العثمانيون بالشعار الإسلامي وفيهم الخليفة الذي صار سلطاناً وإن بقي له بين ألقابه "حامي الحرمين الشريفين". وبقدر ما كان المستعمرون يختلفون في ما بينهم على تحديد مناطق نفوذ كل منهم فإنهم ظلوا يجتمعون على مواجهة "الأهالي" في مستعمراتهم بوصفهم أمماً شتى لا رابط بينهم ولا صلة رحم ولا مصالح مشتركة ولا أمل بمستقبل واحد. ومع أن تسمية "الربيع العربي" تؤكّد تواصلاً ما بين هذه "الدول" التي اجتاحتها الانتفاضات، فقد اجتهدت الأنظمة المستولدة قيصرياً منعاً لاكتمال "الثورة" بأركانها الفكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية في قطع صلات الرحم جميعاً مع "العروبة"، وجعلت من الحركات الإسلامية، إخوانية وسلفية وبين بين، البديل المستقبلي للحركة القومية التي دمّرها الطغاة الذين تسلطوا على الشعوب باسمها، مطمئنة إلى أن التبشير الأميركي يستطيع إعادة "الابن الضال" إلى حظيرة الإيمان ويقدر على التصدي للبدع التي كانت تأخذه إلى مهاوي الهلاك. هل نقول إن التاريخ يعيد علينا الأمثولة ذاتها: الثورة يصنعها الأبطال الأبرياء ويستشهد من أجلها الشرفاء ويحصد ثمارها الانتهازيون؟! في أي حال، من حق التيارات الإسلامية، إخوانية وسلفية ومختلطة، أن تحتفل مزهوة بانتصاراتها السياسية المتوالية، بدءاً بمصر وانتهاءً بالمغرب مروراً بليبيا (؟) وتونس، التي نقلتها من مواقع المعارضة الرافضة والمرفوضة إلى سدة السلطة بالأساليب الديموقراطية، أي عبر صناديق الاقتراع... بمعزل عن كل ما قيل ونشر وأذيع عن كميات هائلة من الأموال بذلت بسخاء منقطع النظير من أجل نصرة هذه الديموقراطية، ومعظم هذه الأموال قد جاء من جهات ملكية لم تعرف الانتخابات طوال تاريخها، ولا هي تنوي أن تعترف بها كحق بديهي من حقوق قبائلها المؤتلفة في حمى السيف والذهب... وبمعزل أيضاً عما قيل حول تواطؤ شبه معلن بين هذه الجماعات الرافعة الرايات الإسلامية مع الجيش، حيث كان يمثل سلطة الأمر الواقع، أو مع الملك حيث السلطة لأمير المؤمنين ـ الخليفة ـ ظل الله على الأرض. إنه الربيع العربي، ولا يهم أن التسمية أميركية وأن الشعار إسلامي، وأن الديموقراطية قد توفرت بحماية العسكر الذي ما زال "الأقوى" نفوذاً ولو من وراء الستار. كذلك فلا يهم أن يكون هذا الربيع العربي قد ألهم قادة مجلس التعاون الخليجي أن يسعوا لتحويل مجلسهم هذا إلى "اتحاد" بعد سنوات طويلة من المماحكات والممانعات وأصناف الفيتو ضد توحيد النقد أو توحيد الهوية أو تسهيل العبور بين دول المجلس بالبطاقة الشخصية. فالربيع العربي الذي شرع للإسلام السياسي أن يقفز إلى السلطة، معززاً بتاريخ قمعه الطويل، في أقطار عربية عدة، ممنوع من الدخول إلى المملكات والسلطنات والإمارات والمشيخات حتى لو كان يحظى ببركة المرجعية السياسية في واشنطن. والمطلوب من الربيع العربي أن يقضي على العروبة بالإسلام، وليس أن يقدم نموذجاً عصرياً للإسلام في بلاد لا تزال تعتبر قيادة المرأة السيارة معصية لإرادة الخالق وخروجاً على الدين الحنيف. كذلك فإن بين مهام الربيع العربي أن ينهي الصراع العربي ـ الإسرائيلي، فليس للإسلام السياسي من فلسطين إلا المسجد الأقصى، أما فلسطين فلا ذكر لها في مراجع الدين الحنيف. بل إن فلسطين من اختراع أولئك العروبيين الذين كانوا يريدون الخروج من الخلافة للالتحاق بالغرب، وليس بين المسلمين واليهود عداء، بل إن تاريخ العلاقات في ما بينهم كان وداً متصلاً وتعاوناً وثيقاً تشهد به الأندلس! لا مفاجأة، إذاً، في خلو أدبيات الإسلاميين، إخواناً وسلفيين، الذين يهمّون الآن بالإمساك بمفاتيح السلطة في أكثر من بلد عربي، من أي ذكر لفلسطين ومن أي إساءة للعدو الإسرائيلي، بل إن ثمة أكثر من تصريح وأكثر من تلميح وأكثر من إشارة ود تدل على حرص هؤلاء جميعاً على العلاقات الطبيعية مع إسرائيل تحت شعار أنها قد جنحت أخيراً إلى السلم، وما فات قد مات. هو الربيع العربي: لا يهم أنه جاء مع بداية فصل الشتاء وانتهى مع الخريف.. فالتسمية للدلالة على الهوية، ولكنها هنا أيضاً لا تدل على هوية، بل تحور فيها فإذا ليس فيها من العروبة شيء. والعروبة راسخة وباقية لأنها تتصل بالروح كما بالجغرافيا والتاريخ والمصالح وسائر حقائق الحياة وأهمها وأخطرها الهوية. وهوية الأمة ثابتة.. وكل ما عداها باطل. وكل عام وأنتم بخير في ظل الهوية التي يصنعها تاريخ أهلها ولا تأتيهم محمولة من العواصم البعيدة.

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة