دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
تحولت صدمة الدول الغربية والإقليمية من نظام الحكم الجديد في العراق، التي شكلها إصرار رئيس الوزراء نوري المالكي وثباته طيلة أشهر على موقفه تجاه ما يحدث في سورية، إلى "صداع" تسبب بأرق دائم لتلك البلدان المنتقدة لموقف بغداد الرسمي الذي أعتبر "داعما" لنظام الرئيس بشار الأسد، على حساب المعارضة التي تحولت إلى مسلحة في بعض المناطق.هذا "الصداع المؤلم" له دلائل على أرض الواقع تثبتها التحركات المكثفة للسفير الفرنسي لدى بغداد، دني غوير التي ألتقى فيها أركان الديبلوماسية العراقية على مدى أسابيع ماضية في محاولة من باريس المخولة من قبل لندن وبرلين، لحض بغداد على تغيير موقفها مما يحصل في سورية من احداث تصفها فرنسا وغيرها من الدول الغربية بـ"الدامية".
ومنذ منتصف مارس الماضي، موعد إنطلاق الاحتجاجات في سورية، لا زال العراق بطابعه الرسمي يقف إلى جانب نظام الحكم هناك، مما جعل العلاقة بين البلدين على أحسن ما يرام، مع استثناءات تمثلها بعض القوى السياسية.سفير الاليزيه وإنطلاقا من موقف بلاده المعروف تجاه القضية السورية، التقى للمرة الثانية خلال فترة أقل من شهر، لبيد عباوي وكيل الخارجية العراقية لشؤون التخطيط السياسي والعلاقات الثنائية، ومدير دائرة اوروبا في الوزارة، للأستفسار عن موقف بغداد ودورها من الأحداث الجارية في جارتها العربية.لكن ما تسرب من اللقاءات التي عقدها غوير مع عباوي أو غيره من مسؤولي السياسة الخارجية، يفيد عكس ذلك إذ تشير التسريبات الى إن "باريس تمارس ضغوطا على بغداد بهدف استبدال موقفها المناصر لدمشق بموقف آخر يساهم في زيادة عزلة الأخيرة وتدويل الملف السوري"، وهو ما لم تعلق عليه سفارة باريس ببغداد لا بالنفي ولا بالتأكيد، وفضلت التزام الصمت المطبق حياله، مما يدعم فرضية صحة تلك التسريبات.كما ان اللغة الديبلوماسية التي تضمنتها البيانات الصحافية الصادرة عقب اللقاءات التي عقدها السفير الفرنسي أو تلك التي تمت مؤخرا بين وزير الخارجية هوشيار زيباري مع رؤوساء بعثات ديبلوماسية عربية وأجنبية، تخالف التسريبات التي كشفها مسؤول مقرب من دائرة صنع القرار في العراق أشار فيها الى تعرض رئيس الوزراء نوري المالكي شخصيا لـ"ضغوط خارجية هائلة بهدف ثنيه عن موقفه الثابت تجاه الآزمة في الجارة سورية".ومؤخرا أمتنع زيباري بتوجيه من حكومة بلاده، عن التصويت على قرار مجلس الجامعة العربية القاضي بتعليق عضوية سورية في مجلس الجامعة وسحب السفراء العرب من دمشق، الذي وافقت عليه 18 دولة عربية فيما سجل كل من لبنان واليمن رفضهم للقرار.المسؤول الحكومي الذي طلب الأحتفاظ باسمه طي الكتمان لحساسية الموضوع، قال إن "تلك الضغوط الغربية تحديدا وصلت الى حد التهديد في الاطاحة بالمالكي"، مؤكدا إن بعض الفرقاء السياسيين الذين يسيرون بركب التصعيد الدولي ضد سورية، يساهمون بمخطط الاطاحة المفترض من خلال التلويح بسحب الثقة عن رئيس الوزراء.كلام المسؤول الرفيع، يغذيه ما مطروح في الكواليس السياسية من "مخطط" مدعوم خارجيا يقضي باستبدال المالكي بزعيم آخر من كتلة "التحالف الوطني" النيابية في رئاسة الحكومة، إنطلاقاً من فشله في إدارة ملفات داخلية، فضلا عن حديث متواتر يدلي به بعض المقربين من المالكي عن "مؤامرة" لقلب النظام السياسي في البلاد بدعم خارجي أيضا.يضاف الى ذلك "الغضب" الاميركي الذي تبديه دوائر عدة في واشنطن تجاه المالكي الذي لم يمرر لهم رغبتهم الجامحة بتمديد تواجد قواتهم في العراق الى ما بعد عام 2011، وكذلك "النقمة" التي تبديها انظمة الحكم في امارات ومماليك المحيط العربي، من المالكي بسبب خروجه عن النص ورفضه الاستضلال تحت فيء عبائتها.هذا "المخطط" أو كما يسميه أنصار المعسكر المعارض للمالكي بـ"المقترح" في محاولة منهم للتخفيف من حدة اللهجة، وجد له صدى في وسائل الاعلام، وتم الحديث عنه والترحيب به علانية من قبل نواب وساسة في كتلتي "العراقية" و"التحالف الكردستاني" النيابيتين، المنتقدتين لقرار أمتناع بغداد عن التصويت على قرار تعليق عضوية دمشق في الجامعة العربية."مخطط الاطاحة" تدعمه التحركات المكوكية الى الجوار الاقليمي التي يجريها زعماء سياسيين معارضين للتوجهات التي يتخذها المالكي على الصعيدين الداخلي والخارجي، إذ يشاع إن الهدف منها تنسيق المواقف الإقليمية بهدف أرغام رئيس الوزراء على تبديل موقف بلاده لجهة تدويل الملف السوري في الأيام القليلة القادمة، وهو أمر غير منظور حاليا في آفق الحكومة العراقية.آخر تلك الجولات الخارجية، هي الزيارة التي قام بها الى تركيا في ذات الوقت كل من رئيس البرلمان اسامة النجيفي عراب مشروع الاقاليم الفيدرالية، ورئيس حكومة اقليم كردستان برهم صالح، والنائب التركماني أرشد الصالحي احد اقطاب قائمة "العراقية" التي يتزعمها غريم المالكي التقليدي إياد علاوي.هؤلاء القادة الثلاث ممن يحسبون على خانة المعارضين لسياسة بلادهم الخارجية تجاه ما يحدث في جارتهم سورية، أجروا مباحثات منفردة مع القيادة التركية حيال ملفات ثنائية تربط البلدين، فضلا عن قضايا إقليمية حساسة حسبما أعلن رسميا، وهو ما فسرته دوائر التحليل السياسي على انه تنسيق للمواقف بين أنقرة ومعارضي توجهات رئيس الحكومة العراقية.الحديث عن مخطط إسقاط المالكي، يأتي في وقت عبرت فيه وزارة الداخلية العراقية عن مخاوف من استخدام مناطق في شما وغرب البلاد محاذية لسورية - تابعة لسيطرة حكومة الأكراد الفيدرالية، وآخرى يسيطر عليها حزب النجيفي في محافظة نينوى - في "تحديات أمنية".كما يتزامن مع مساعي تركيا لإقامة منطقة عازلة داخل الاراضي السورية ستكون على مقربة من الحدود العراقية المشار اليها في حديث وزارة الداخلية العراقية.
المصدر :
الماسة السورية
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة