يزداد الصراع حالياً في إسرائيل حدة بين اليمين مع أقصى اليمين المهيمن، وبين آخرين يحاولون المحافظة على شكلية ديمقراطية، ولاسيما بعد أن أقر الكنيست مجموعة قوانين عنصرية القاسم المشترك بينها والموجهة إما ضد فلسطينيي 48 أو ضد الليبراليين من اليهود دعاة التسوية السياسية واحترام حقوق الإنسان وفي هذا الإطار، جاءت التجربة العنصرية في جنوب إفريقيا، وتشابهها أو اختلافها مع التجربة العنصرية الإسرائيلية المستمرة في فلسطين، لتشكل موضوعاً للبحث والتأويل بخصوص التشابهات والجوامع المشتركة بل والمقولات التبريرية المدعاة سواء كانت تاريخية أو عرقية أو دينية.‏

ومع استمرار انسداد الأفق لتسوية سياسية وإغلاق حكومة اليمين الإسرائيلي الاستعمارية الاستيطانية، والتي أعلنت عن بناء ألفي وحدة سكنية في منطقة القدس والضفة الغربية مؤخراً بزعامة نتنياهو الطريق أمامها، وفي ظل ترسيخ هذه الحكومة عملياً لنظام- أبارتايد عنصري يحرم الشعب الفلسطيني حقه في الحرية والاستقلال الوطني وتعالي أصوات عالمية أدركت أن لامجال لاستتباب الأمن إلا عبر إيجاد تسوية سياسية للقضية الفلسطينية، فقد كشفت صحيفة هآرتس النقاب عن الوثيقة الإسرائيلية الهادفة للاستيلاء على أراض في الضفة الغربية لتمزيقها ومنع التواصل الجغرافي لدولة فلسطينية مستقلة، حيث كانت -الإدارة المدنية- الإسرائيلية قد أعدت وثيقة تنظيم ملكية لاحتلال الأراضي المحاذية للتجمعات -الاستيطانية- مثل: غوش عنصيون، وآرائيل، ومعاليه أدوميم وفي مناطق استراتيجية في الأغوار وشمال البحر الميت.‏

ومعروف أن هذه الممارسات، مع ضم منطقة الأغوار وشمال البحر الميت، ستمنع التواصل الجغرافي لأي دولة فلسطينية، وستحول دون إمكانية لتبادل للأراضي الأمر الذي يفشل عملياً اقتراح أوباما المزيف بإقامة الدولة الفلسطينية في حدود 67.‏

لقد أصبحت ممارسات الفصل العنصري المحتلة أمراً مألوفاً، وهي مرشحة لأن تشهد تزايداً وتصاعداً، ففي مقال كاشف، يقول الكاتب- يوعز أوكون- في صحيفة يديعوت أحرونوت: «ليس كلمح البصر ولابشكل فوري، بل بانجراف متواصل، نحن نفقد حدود المسموح والممنوع، العادة السيئة تصبح طبيعة ثانية وحقوق الإنسان تداس بمحاذير فظة لاعتبارات الأمن التي ليست سوى غطاء لاعتبارات ديمغرافية هدفهاتشويش الحقيقة الفظيعة في أن سياسة من قبل (الأبارتايد) تحظى منذ الآن بشرعية كاملة، هكذا حصل الآن في الخليل». ويختتم قائلاً: الأبارتايد كالمرض، فهو يبدأ صغيراً ويبدو أن الجرثومة أصبحت موجودة هنا، هذا إضافة إلى المؤشرات الأخرى: تشريع ضد منظمات حقوق الإنسان، محاولة إسكات خطوات احتجاج شرعية والأجواء العامة لـ «إما أنك معنا أو ضدنا» كلهاتدل على أن المرض يستشري».‏

والمتابع للمزاعم الإسرائيلية، ولاسيما تلك المتعلقة بقوانين الأرض والسكان، يدرك الرغبة الإسرائيلية في إنجاح حل- خطة التفرقة العنصرية ومن أبرز أدواتها جدار الفصل العنصري الذي يتكون من سلسلة من الحواجز تمتد على طول مايسمى «الخط الأخضر» أي (حدود خط الهدنة بين 1948-1967) والجدار هو جدران إسمنتية ارتفاعها مابين مترين وثمانية أمتار، وأسلاك شائكة وسياج مكهرب، ونقاط مراقبة الكترونية، مزودة بأجهزة إنذار مبكر، بالإضافة إلى منطقة عازلة على طول «الخط الأخضر» بعمق مابين 2-10 كيلو مترات وتصل في بعض المواضع إلى 20 كيلو متراً.‏

وبذلك يصبح الشعب الفلسطيني هو الشعب الوحيد، بعد انتهاء سياسة الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، الذي يعيش في معازل أقرب إلى السجون ومحروم من التنقل داخل أرضه.‏

وبسبب «الخطر الديمغرافي الفلسطيني» نجد ماهوأخطر من هذا كله، فمثلاً يضع -آلون مروم- سيناريويستعيره من تهجير الصهيونيين للفلسطينيين في 1948،ويراه قابلاً للتطبيق فيقول: «الخيار هو نظام الأبارتايد العنصري سنقلب المسألة: لا حاجة لإضاعة الوقت في تخطيط أصل للترحيل كل شيءجاهز في أرشيف الجيش الإسرائيلي.‏

ببساطة ماعلينا غير نغض الغبار عن الخطة (د) لقوات الهغناة- المطبقة في 1948: بداية القرى حول محاور السير الرئيسة في المناطق بدعوى أن من شأنها أن تساعد الجيوش العربية التي قد تغزو.‏

ومن المحاور، نواصل إلى مناطق الحدود في ظل استخدام ذات الحجة، في هذه الأثناء تقام وحدات شبه عسكرية من أفضل- فتيان التلال- وقدامى التنظيمات السرية اليهودية وترسل إلى مهمات ردع في القرى المتبقية، وإذا ما ذبحوا قليلاً، لابأس فإن أيدي الجيش الإسرائيلي لن تسفك الدماء، الفزع الذي سيعربد في أوساط باقي الفلسطينيين ستغذي ناره، ستبعث بمبعوث لكل مختار يهمس في أذنه بأن وحدات المتطرفين اليمينيين تشق طريقها إليه، وعندما يهرب السكان، مرة أخرى لن تكون أيدينا ملوثة بهذه الفعلة».‏

تجاه هذه المخاطر، يبرز سؤال ما العمل؟ ربما نختار نهجاً اختاره كل من-بنغاني نجيلزا- من جنوب إفريقيا، و-ادري نيوهوف- من هولندا، اللذان استخلصا من دراستهما عن جنوب إفريقيا أنه: «على مدى أكثر من ثمانية عقود، خاض «المؤتمر الوطني الإفريقي» تجربة كفاحية متواصلة وشاقة من أجل الحرية والديمقراطية في جنوب إفريقيا.‏

وهذه التجربة الكفاحية الغنية التي توجت في النهاية بالانتصار على نظام الفصل العنصري- الابارتايد- تحتوي على الكثير من الدروس المهمة والملهمة، ولاسيما بالنسبة لنضال الشعب الفلسطيني ضد النظام الاستعماري الاستيطاني العنصري في فلسطين «الابارتايد الإسرائيلي».‏

وأهم مايمكن أن تقدمه هذه الدروس للكفاح الفلسطيني يكمن في إلهام الفلسطينيين لاستكشاف وبلورة استراتيجيات جديدة للنضال ولعل إحداها تتمثل في التفكير بضرورة إعادة النظر في كيفية إعادة بناء منظمة التحرير وهيئاتها الوطنية وبرنامجها الوطني كحركة سياسية تمثل الشعب الفلسطيني في جميع أماكن تواجده وتعيد تنظيم الكفاح الفلسطيني والسير به قدماً لتحقيق أهدافه.‏

وهنا يجب على الفلسطينيين والعرب،ولا يجوز لهم أن يبقوا في موقف المتفرق والمنقسم والمتفرج على ماتقترفه إسرائيل ضد الفلسطينيين وعموم العرب.‏
  • فريق ماسة
  • 2011-11-14
  • 3623
  • من الأرشيف

تصاعد وتيرة «الأبارتايد» الإسرائيلي

يزداد الصراع حالياً في إسرائيل حدة بين اليمين مع أقصى اليمين المهيمن، وبين آخرين يحاولون المحافظة على شكلية ديمقراطية، ولاسيما بعد أن أقر الكنيست مجموعة قوانين عنصرية القاسم المشترك بينها والموجهة إما ضد فلسطينيي 48 أو ضد الليبراليين من اليهود دعاة التسوية السياسية واحترام حقوق الإنسان وفي هذا الإطار، جاءت التجربة العنصرية في جنوب إفريقيا، وتشابهها أو اختلافها مع التجربة العنصرية الإسرائيلية المستمرة في فلسطين، لتشكل موضوعاً للبحث والتأويل بخصوص التشابهات والجوامع المشتركة بل والمقولات التبريرية المدعاة سواء كانت تاريخية أو عرقية أو دينية.‏ ومع استمرار انسداد الأفق لتسوية سياسية وإغلاق حكومة اليمين الإسرائيلي الاستعمارية الاستيطانية، والتي أعلنت عن بناء ألفي وحدة سكنية في منطقة القدس والضفة الغربية مؤخراً بزعامة نتنياهو الطريق أمامها، وفي ظل ترسيخ هذه الحكومة عملياً لنظام- أبارتايد عنصري يحرم الشعب الفلسطيني حقه في الحرية والاستقلال الوطني وتعالي أصوات عالمية أدركت أن لامجال لاستتباب الأمن إلا عبر إيجاد تسوية سياسية للقضية الفلسطينية، فقد كشفت صحيفة هآرتس النقاب عن الوثيقة الإسرائيلية الهادفة للاستيلاء على أراض في الضفة الغربية لتمزيقها ومنع التواصل الجغرافي لدولة فلسطينية مستقلة، حيث كانت -الإدارة المدنية- الإسرائيلية قد أعدت وثيقة تنظيم ملكية لاحتلال الأراضي المحاذية للتجمعات -الاستيطانية- مثل: غوش عنصيون، وآرائيل، ومعاليه أدوميم وفي مناطق استراتيجية في الأغوار وشمال البحر الميت.‏ ومعروف أن هذه الممارسات، مع ضم منطقة الأغوار وشمال البحر الميت، ستمنع التواصل الجغرافي لأي دولة فلسطينية، وستحول دون إمكانية لتبادل للأراضي الأمر الذي يفشل عملياً اقتراح أوباما المزيف بإقامة الدولة الفلسطينية في حدود 67.‏ لقد أصبحت ممارسات الفصل العنصري المحتلة أمراً مألوفاً، وهي مرشحة لأن تشهد تزايداً وتصاعداً، ففي مقال كاشف، يقول الكاتب- يوعز أوكون- في صحيفة يديعوت أحرونوت: «ليس كلمح البصر ولابشكل فوري، بل بانجراف متواصل، نحن نفقد حدود المسموح والممنوع، العادة السيئة تصبح طبيعة ثانية وحقوق الإنسان تداس بمحاذير فظة لاعتبارات الأمن التي ليست سوى غطاء لاعتبارات ديمغرافية هدفهاتشويش الحقيقة الفظيعة في أن سياسة من قبل (الأبارتايد) تحظى منذ الآن بشرعية كاملة، هكذا حصل الآن في الخليل». ويختتم قائلاً: الأبارتايد كالمرض، فهو يبدأ صغيراً ويبدو أن الجرثومة أصبحت موجودة هنا، هذا إضافة إلى المؤشرات الأخرى: تشريع ضد منظمات حقوق الإنسان، محاولة إسكات خطوات احتجاج شرعية والأجواء العامة لـ «إما أنك معنا أو ضدنا» كلهاتدل على أن المرض يستشري».‏ والمتابع للمزاعم الإسرائيلية، ولاسيما تلك المتعلقة بقوانين الأرض والسكان، يدرك الرغبة الإسرائيلية في إنجاح حل- خطة التفرقة العنصرية ومن أبرز أدواتها جدار الفصل العنصري الذي يتكون من سلسلة من الحواجز تمتد على طول مايسمى «الخط الأخضر» أي (حدود خط الهدنة بين 1948-1967) والجدار هو جدران إسمنتية ارتفاعها مابين مترين وثمانية أمتار، وأسلاك شائكة وسياج مكهرب، ونقاط مراقبة الكترونية، مزودة بأجهزة إنذار مبكر، بالإضافة إلى منطقة عازلة على طول «الخط الأخضر» بعمق مابين 2-10 كيلو مترات وتصل في بعض المواضع إلى 20 كيلو متراً.‏ وبذلك يصبح الشعب الفلسطيني هو الشعب الوحيد، بعد انتهاء سياسة الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، الذي يعيش في معازل أقرب إلى السجون ومحروم من التنقل داخل أرضه.‏ وبسبب «الخطر الديمغرافي الفلسطيني» نجد ماهوأخطر من هذا كله، فمثلاً يضع -آلون مروم- سيناريويستعيره من تهجير الصهيونيين للفلسطينيين في 1948،ويراه قابلاً للتطبيق فيقول: «الخيار هو نظام الأبارتايد العنصري سنقلب المسألة: لا حاجة لإضاعة الوقت في تخطيط أصل للترحيل كل شيءجاهز في أرشيف الجيش الإسرائيلي.‏ ببساطة ماعلينا غير نغض الغبار عن الخطة (د) لقوات الهغناة- المطبقة في 1948: بداية القرى حول محاور السير الرئيسة في المناطق بدعوى أن من شأنها أن تساعد الجيوش العربية التي قد تغزو.‏ ومن المحاور، نواصل إلى مناطق الحدود في ظل استخدام ذات الحجة، في هذه الأثناء تقام وحدات شبه عسكرية من أفضل- فتيان التلال- وقدامى التنظيمات السرية اليهودية وترسل إلى مهمات ردع في القرى المتبقية، وإذا ما ذبحوا قليلاً، لابأس فإن أيدي الجيش الإسرائيلي لن تسفك الدماء، الفزع الذي سيعربد في أوساط باقي الفلسطينيين ستغذي ناره، ستبعث بمبعوث لكل مختار يهمس في أذنه بأن وحدات المتطرفين اليمينيين تشق طريقها إليه، وعندما يهرب السكان، مرة أخرى لن تكون أيدينا ملوثة بهذه الفعلة».‏ تجاه هذه المخاطر، يبرز سؤال ما العمل؟ ربما نختار نهجاً اختاره كل من-بنغاني نجيلزا- من جنوب إفريقيا، و-ادري نيوهوف- من هولندا، اللذان استخلصا من دراستهما عن جنوب إفريقيا أنه: «على مدى أكثر من ثمانية عقود، خاض «المؤتمر الوطني الإفريقي» تجربة كفاحية متواصلة وشاقة من أجل الحرية والديمقراطية في جنوب إفريقيا.‏ وهذه التجربة الكفاحية الغنية التي توجت في النهاية بالانتصار على نظام الفصل العنصري- الابارتايد- تحتوي على الكثير من الدروس المهمة والملهمة، ولاسيما بالنسبة لنضال الشعب الفلسطيني ضد النظام الاستعماري الاستيطاني العنصري في فلسطين «الابارتايد الإسرائيلي».‏ وأهم مايمكن أن تقدمه هذه الدروس للكفاح الفلسطيني يكمن في إلهام الفلسطينيين لاستكشاف وبلورة استراتيجيات جديدة للنضال ولعل إحداها تتمثل في التفكير بضرورة إعادة النظر في كيفية إعادة بناء منظمة التحرير وهيئاتها الوطنية وبرنامجها الوطني كحركة سياسية تمثل الشعب الفلسطيني في جميع أماكن تواجده وتعيد تنظيم الكفاح الفلسطيني والسير به قدماً لتحقيق أهدافه.‏ وهنا يجب على الفلسطينيين والعرب،ولا يجوز لهم أن يبقوا في موقف المتفرق والمنقسم والمتفرج على ماتقترفه إسرائيل ضد الفلسطينيين وعموم العرب.‏

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة