وسط الاحداث المصيرية التي تشهدها المنطقة العربية والحروب الافتراضية التي تضج بها الشبكة العنكبوتية وتوجه الانظار نحو سوريا وايران، تواصل تل ابيب خططها المنهجية المتصاعدة لتهويد القدس والاراضي الفلسطينية، غير عابئة بردود الفعل الهزيلة التي تتوالى عربياِ ودولياً وتقف عند حدود الكلام العابر دون ان تقترن بأي اجراء عملي، يعاقب الفاعل او يمنعه من الاستمرار في انتهاكه الصارخ للحقوق الفلسطينية وقرارات الشرعية الدولية. فالأمين العام للأمم المتحدة الحريص على ارضاء واشنطن عبّر بالأمس عن قلقه إزاء قرار «اسرائيل» تسريع الاستيطان في القدس من دون ان يقول للفلسطينيين اين يمكن صرف تصريحه السخيف.

اما واشنطن، فأعربت هي الأخرى عن خيبة املها لهذا التسريع وكأنها تطالب اسرائيل بالتمهل في تنفيذ برامجها حتى لا تثير انتباه الاعلام والرأي العام ولا تحرج المرجعيات الدولية الكبرى التي تتراجع عن تعهداتها قبل صياح الديك، وتركز ضغوطها على الجمعية العامة للأمم المتحدة ومنظمة الاونسكو لحرمان فلسطين من حقوقها المشروعة في الانضمام اليهما.

واذا ما أضفنا لموقفي بان كي مون والخارجية الاميركية مواقف دول ومنظمات وشخصيات أخرى، شرقاً وغرباً، وفي مقدمها كاترين اشتون، وكمال الدين أوغلو والان جوبيه لوجدنا انفسنا امام مسرحية اعلامية تحكي عن انحطاط المجتمع الدولي وخضوعه لارادة الكيان الغاصب الذي لم يكذب خبراً بل واجه الجميع بإصراره على بناء المزيد من المستوطنات في القدس والضفة وعزمه على مصادرة اموال السلطة الفلسطينية لتركيعها مع موظفيها البالغ عددهم 140 الفاً.

واذ تمضي «اسرائيل» في خطواتها الاستعمارية العنصرية تجد نفسها مطمئنة إلى ان احداً لن يقف في طريقها بفضل حماية واشنطن لها وخشية الدول من غضب الادارة الاميركية التي تجاوزت كل الاعتبارات السياسية واللياقات الديبلوماسية عندما امتنعت بالأمس عن دفع مساهمتها المالية للأونيسكو عقوبة لها على قبولها فلسطين بين صفوفها.

ومقابل دموع التماسيح التي تذرفها قوى دولية وإقليمية لتشجع العدوان وردع أصحاب الحقوق تتوغل تل أبيب في كوميديا المفاوضات من جهة وتراجيديا التهويد من جهة أخرى مركزة في الدرجة الأولى على القدس مهد الديانات وموطن المقدسات المسيحية والإسلامية لتمارس عليها حصاراً خبيثاً، عنيف الوطأة، يخنقها اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً، ويترافق مع حفريات لا تتوقف تحت مسجدها الأقصى، ويتزامن مع زرع المستوطنات حولها وداخل أحيائها في ظل عملية إجرامية لمصادرة منازل وأراضي أهلها وإبعادهم تدريجياً خارج أسوارها وأسواقها وأحيائها تمهيداً للإجهاز عليها بعد أن نجحت في إفقارها وعزلها عن أكنافها ابتداء من بيت لحم ونابلس وصولاً إلى رفح وغزة.

وإذا كانت واشنطن موافقة ضمنياً على عملية التهويد ومعها دول عديدة، وإذا كانت الأنظمة العربية مشغولة بكل الأمور ما عدا القدس فان الأمم المتحدة لا يمكن أن تتهرب من مسؤوليتها إزاء القدس ولا يجوز لها قانوناً وأخلاقاً أن تتنصل من واجباتها حيال مدينة مقدسة وضعتها القرارات الدولية مهما كان رأينا السلبي فيها في عهدتها وانتدبتها للحفاظ على أمنها وسلامها والحؤول دون أي تغيير في أوضـاعها ومعالمها بانتظار الحل الآتي.

فماذا فعل بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة تعبيراً عن قلقه حيال الحركة الاستعمارية التي تسعى حثيثاً لتغيير معالم القدس واغتيال حقيقتها وتزوير هويتها وإغراقها بالهياكل المفتعلة والدهاليز المصطنعة التي تجعل منها مدينة يهودية مزيفة، بل مدينة مقطوعة الجذور لا علاقة لها بالتاريخ الحقيقي. هل قام بان كي مون بمبادرة واحدة لوقف العدوان على القدس؟ هل بادر إلى زيارة الفاتيكان وباريس وطوكيو والأزهر الشريف لبحث هذا الموضوع الخطير المثقل بكل المعاني الدينية والتاريخية والسياسية؟ هل انعقد مجلس الأمن، كما يفعل عادة بالنسبة لقضايا اقل أهمية، من اجل البحث في وضع القدس والطلب إلى «إسرائيل» وقف جرائمها ضد الإنسانية تحت طائلة التعامل معها وفقاً للبند السابع؟

قد يقول السيد بان كي مون «لا فض فوه» لماذا لا تتحرك اولاً الدول العربية والاسلامية وهي الأولى بنصرة القدس واهلها؟

له نقول سؤالك في محله ولكن تلكؤ الانظمة او خشيتها من التحرك لا يبرر اطلاقاً تهاونكم وتواطؤكم مع العدوان.

  • فريق ماسة
  • 2011-11-11
  • 5201
  • من الأرشيف

القدس في البال

وسط الاحداث المصيرية التي تشهدها المنطقة العربية والحروب الافتراضية التي تضج بها الشبكة العنكبوتية وتوجه الانظار نحو سوريا وايران، تواصل تل ابيب خططها المنهجية المتصاعدة لتهويد القدس والاراضي الفلسطينية، غير عابئة بردود الفعل الهزيلة التي تتوالى عربياِ ودولياً وتقف عند حدود الكلام العابر دون ان تقترن بأي اجراء عملي، يعاقب الفاعل او يمنعه من الاستمرار في انتهاكه الصارخ للحقوق الفلسطينية وقرارات الشرعية الدولية. فالأمين العام للأمم المتحدة الحريص على ارضاء واشنطن عبّر بالأمس عن قلقه إزاء قرار «اسرائيل» تسريع الاستيطان في القدس من دون ان يقول للفلسطينيين اين يمكن صرف تصريحه السخيف. اما واشنطن، فأعربت هي الأخرى عن خيبة املها لهذا التسريع وكأنها تطالب اسرائيل بالتمهل في تنفيذ برامجها حتى لا تثير انتباه الاعلام والرأي العام ولا تحرج المرجعيات الدولية الكبرى التي تتراجع عن تعهداتها قبل صياح الديك، وتركز ضغوطها على الجمعية العامة للأمم المتحدة ومنظمة الاونسكو لحرمان فلسطين من حقوقها المشروعة في الانضمام اليهما. واذا ما أضفنا لموقفي بان كي مون والخارجية الاميركية مواقف دول ومنظمات وشخصيات أخرى، شرقاً وغرباً، وفي مقدمها كاترين اشتون، وكمال الدين أوغلو والان جوبيه لوجدنا انفسنا امام مسرحية اعلامية تحكي عن انحطاط المجتمع الدولي وخضوعه لارادة الكيان الغاصب الذي لم يكذب خبراً بل واجه الجميع بإصراره على بناء المزيد من المستوطنات في القدس والضفة وعزمه على مصادرة اموال السلطة الفلسطينية لتركيعها مع موظفيها البالغ عددهم 140 الفاً. واذ تمضي «اسرائيل» في خطواتها الاستعمارية العنصرية تجد نفسها مطمئنة إلى ان احداً لن يقف في طريقها بفضل حماية واشنطن لها وخشية الدول من غضب الادارة الاميركية التي تجاوزت كل الاعتبارات السياسية واللياقات الديبلوماسية عندما امتنعت بالأمس عن دفع مساهمتها المالية للأونيسكو عقوبة لها على قبولها فلسطين بين صفوفها. ومقابل دموع التماسيح التي تذرفها قوى دولية وإقليمية لتشجع العدوان وردع أصحاب الحقوق تتوغل تل أبيب في كوميديا المفاوضات من جهة وتراجيديا التهويد من جهة أخرى مركزة في الدرجة الأولى على القدس مهد الديانات وموطن المقدسات المسيحية والإسلامية لتمارس عليها حصاراً خبيثاً، عنيف الوطأة، يخنقها اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً، ويترافق مع حفريات لا تتوقف تحت مسجدها الأقصى، ويتزامن مع زرع المستوطنات حولها وداخل أحيائها في ظل عملية إجرامية لمصادرة منازل وأراضي أهلها وإبعادهم تدريجياً خارج أسوارها وأسواقها وأحيائها تمهيداً للإجهاز عليها بعد أن نجحت في إفقارها وعزلها عن أكنافها ابتداء من بيت لحم ونابلس وصولاً إلى رفح وغزة. وإذا كانت واشنطن موافقة ضمنياً على عملية التهويد ومعها دول عديدة، وإذا كانت الأنظمة العربية مشغولة بكل الأمور ما عدا القدس فان الأمم المتحدة لا يمكن أن تتهرب من مسؤوليتها إزاء القدس ولا يجوز لها قانوناً وأخلاقاً أن تتنصل من واجباتها حيال مدينة مقدسة وضعتها القرارات الدولية مهما كان رأينا السلبي فيها في عهدتها وانتدبتها للحفاظ على أمنها وسلامها والحؤول دون أي تغيير في أوضـاعها ومعالمها بانتظار الحل الآتي. فماذا فعل بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة تعبيراً عن قلقه حيال الحركة الاستعمارية التي تسعى حثيثاً لتغيير معالم القدس واغتيال حقيقتها وتزوير هويتها وإغراقها بالهياكل المفتعلة والدهاليز المصطنعة التي تجعل منها مدينة يهودية مزيفة، بل مدينة مقطوعة الجذور لا علاقة لها بالتاريخ الحقيقي. هل قام بان كي مون بمبادرة واحدة لوقف العدوان على القدس؟ هل بادر إلى زيارة الفاتيكان وباريس وطوكيو والأزهر الشريف لبحث هذا الموضوع الخطير المثقل بكل المعاني الدينية والتاريخية والسياسية؟ هل انعقد مجلس الأمن، كما يفعل عادة بالنسبة لقضايا اقل أهمية، من اجل البحث في وضع القدس والطلب إلى «إسرائيل» وقف جرائمها ضد الإنسانية تحت طائلة التعامل معها وفقاً للبند السابع؟ قد يقول السيد بان كي مون «لا فض فوه» لماذا لا تتحرك اولاً الدول العربية والاسلامية وهي الأولى بنصرة القدس واهلها؟ له نقول سؤالك في محله ولكن تلكؤ الانظمة او خشيتها من التحرك لا يبرر اطلاقاً تهاونكم وتواطؤكم مع العدوان.

المصدر : السفير /بشارة مرهج


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة