لم يغب النقاش عن ضربة عسكرية إسرائيلية ـ أميركية محتملة لإيران حتى نقول إنه احتدم من جديد، لكنه اكتسب هذه المرّة طابعاً مختلفاً، مع التسريبات الأخيرة حول مضمون تقرير وكالة الطاقة الذرية.. إذ تؤكد التسريبات على توفّر الأدلة «الدامغة» حول اقتراب الأخيرة من امتلاك السلاح النووي. ومرة أخرى، شهدت وسائل الإعلام، الغربية تحديداً، «غزواً» لسؤال محدّد وصريح: هل سيكون هناك ضربة أميركية وإسرائيلية لإيران في المستقبل القريب؟

ما يزيد طين التهديد بلّة، هو أن تاريخ إسرائيل السابق يؤكد على أنها ستستغل نتائج التقرير المقبل لتحفيز المجتمع الدولي على بذل المزيد من الجهد لعزل إيران، وتحذيره من مغبّة عدم تحركه في هذا الإطار والنتائج الكارثية التي تترتب عن الاستخفاف بالخطر الإيراني. ثم ستتجه في المرحلة الثانية إلى الدفع باتجاه ضربة عسكرية، لن تجد أميركا مفراً من الاستجابة لها.

ولكن مهلاً، قبل الدخول في هذه المغامرة المتهورة، إليكم خمسة أسباب تؤكد على ضرورة ألا تبرح الطائرات والصواريخ الأميركية والإسرائيلية مكانها.

1- لن تحقّق الضربة أهدافها: ضرب المواقع النووية الإيرانية يشبه إلى حدّ بعيد عمليّة جزّ العشب. إن لم تتمكن الضربات الجويّة من أن تشلّ القدرة الإيرانية على إنتاج المواد الانشطارية، فإن العشب سينمو مرة أخرى. وليس هناك من ضربة، أو حتى سلسلة من الضربات، يمكنها تحقيق هذا الهدف. السرية التي بنت بها إيران ترسانتها النووية، كما صلابة هذه الترسانة وقوتها.. كلها أمور تقف عائقاً في وجه إنجاز ضربة ناجحة. وفي أفضل الأحوال، حتى لو نجحت الضربة في شلّ البرنامج النووي لسنتين أو ثلاث، فإن الأخير سيكتسب شرعيّة الانطلاق من جديد، عربياً ودولياً، بعد تعرّض إيران لتهديد القوى الخارجية. أما السيناريو الأسوأ، فهو ألا تحقق الضربة أهدافها، فيصبح العشب بحاجة إلى عملية جزّ دورية تُقحم المنطقة في صراع مستمر خلال السنوات المقبلة.

2- لن يستطيع أحد منع إيران من امتلاك سلاح نووي: سوى إيران. فحقيقة أن الهند وباكستان وكوريا الشمالية، وحتى إسرائيل، قد نجحت في تطوير السلاح النووي في سرية تامة تثبت ذلك.

في الحقيقة، يذهب حرمان إيران من سلاحها النووي إلى أبعد بكثير من مجرّد سرقة «ألعابها»، ذلك أن خسارة هذا البرنامج تعني تغيّر الحسابات السياسية والأمنية لدى قوة تقدّم نفسها تاريخياً كأمة عظيمة. ما سبق يؤكد أن ضربة إسرائيل العسكرية لإيران قد تذهب في الاتجاه المعاكس. فهي قد تضفي المزيد من الشرعيّة على الطموحات الإيرانيّة، لا سيّما إذا سجّل الهجوم سقوط العديد من الضحايا المدنيين. كما سيصبح الإسرائيليون هدفاً مثالياً لجهود الدعاية الإيرانية التي ستعمّ العالم العربي، والتي ستفوز لا شكّ بقدر كبير من التعاطف.

3- هناك تكاليف باهظة ستدفعها الولايات المتحدة: عندما ينخرط بلد ما في مشاريع خطيرة وغير مضمونة النتائج، هناك سؤالان لا بدّ من طرحهما، الأول: هل سينجح ذلك؟ أما الثاني: ما هي التكلفة؟

دعونا نشدّد على ما قد تعود به الضربة العسكرية الإسرائيلية من تبعات على الاقتصاد الأميركي الذي يعاني من حالة ركود مستفحلة. فلو نجح الإيرانيون في عرقلة حركة الملاحة في مضيق هرمز بصورة موقتة، فإن أسعار النفط سترتفع بشكل خيالي، كما ستجرّ خراباً في العديد من الأسواق العالمية وتقضي على الانتعاش الهشّ الذي يعيشه الاقتصاد الأميركي. هذه الشكوك الماليّة والاقتصادية العالميّة قد تصبح حقيقة كارثيّة بكل ما للكلمة من معنى. في الوقت نفسه، لن يتردّد الإيرانيون في زيادة وتيرة التهديد ضد القوات الأميركية المتبقية في العراق وفي أفغانستان، والدفع باتجاه زعزعة الوضع الأمني الهش في كل من البلدين. قد تكون القدرة الإيرانية على ضرب أميركا بشكل مباشر محدودة للغاية، لكن هذه القدرة تُصنّف هائلة في إطار امتلاكها لاستراتيجيات ناجحة في شن حرب سرية ضد المصالح الأميركية والإسرائيلية في الشرق الأوسط.

4- الضربة العسكرية ستضفي على إيران الشرعيّة في المنطقة: عندما جهدت إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش في منع إسرائيل من الردّ على الغزو العراقي للكويت، كان منطقها مقنعاً للغاية: آخر شيء ينقصنا في خضم تحدي الرئيس العراقي صدام حسين للمجتمع الدولي هو أن يتحول غزوه للكويت إلى صراع عربي – إسرائيلي. الشيء نفسه ينطبق هنا. ويمكن لأي هجوم إسرائيلي أن يقوّض كل العمل الجيّد الذي استطاعت أميركا إنجازه في أعقاب الثورات العربيّة. صحيح أن العديد من قادة الخليج سيرحّبون بخطوة مماثلة، لكن الشارع العربي سينظر إليها حتماً من منظار العدائية الإسرائيلية وازدواجيّة المعايير الأميركية.

5- حتى لو كانت الضربة إسرائيلية، ستكون أميركا بالضرورة جزءاً منها: يستحيل ألا تجرّ الضربة الإسرائيلية على إيران ردود فعل انتقامية ستهدّد بطبيعة الحال المصالح الأميركية. من المسلّم جدلاً، أن إيران ستفترض أن إسرائيل لم تتحرك وحدها، واستهدافها هو فعل حربي بتخطيط أميركي وتنفيذ إسرائيلي. أما وسائل الردّ الإيرانية على أميركا فستكون عديدة وقاسية، وإن كان أولها إغلاق مضيق هرمز، فلن يكون آخرها تعزيز الهجمات على السفارات والمنشآت الأميركية بالوكالة، كما توسيع جبهة الحرب كي ينخرط فيها حزب الله وحماس كذلك.

ولا ننسى أن الولايات المتحدة متورطة اليوم في حربين على بلدين مسلمين، ولنكن واضحين: آخر ما تحتاجه الإدارة الأميركية هو الدخول في حرب ثالثة مع بلد مسلم قوي لن يتردّد أبداً في توجيه الضربات القاتلة إلى أميركا.

  • فريق ماسة
  • 2011-11-08
  • 5017
  • من الأرشيف

5 أسباب تجعل الضربة العسكرية علـى إيـران «تهـوّراً كارثيـاً»

لم يغب النقاش عن ضربة عسكرية إسرائيلية ـ أميركية محتملة لإيران حتى نقول إنه احتدم من جديد، لكنه اكتسب هذه المرّة طابعاً مختلفاً، مع التسريبات الأخيرة حول مضمون تقرير وكالة الطاقة الذرية.. إذ تؤكد التسريبات على توفّر الأدلة «الدامغة» حول اقتراب الأخيرة من امتلاك السلاح النووي. ومرة أخرى، شهدت وسائل الإعلام، الغربية تحديداً، «غزواً» لسؤال محدّد وصريح: هل سيكون هناك ضربة أميركية وإسرائيلية لإيران في المستقبل القريب؟ ما يزيد طين التهديد بلّة، هو أن تاريخ إسرائيل السابق يؤكد على أنها ستستغل نتائج التقرير المقبل لتحفيز المجتمع الدولي على بذل المزيد من الجهد لعزل إيران، وتحذيره من مغبّة عدم تحركه في هذا الإطار والنتائج الكارثية التي تترتب عن الاستخفاف بالخطر الإيراني. ثم ستتجه في المرحلة الثانية إلى الدفع باتجاه ضربة عسكرية، لن تجد أميركا مفراً من الاستجابة لها. ولكن مهلاً، قبل الدخول في هذه المغامرة المتهورة، إليكم خمسة أسباب تؤكد على ضرورة ألا تبرح الطائرات والصواريخ الأميركية والإسرائيلية مكانها. 1- لن تحقّق الضربة أهدافها: ضرب المواقع النووية الإيرانية يشبه إلى حدّ بعيد عمليّة جزّ العشب. إن لم تتمكن الضربات الجويّة من أن تشلّ القدرة الإيرانية على إنتاج المواد الانشطارية، فإن العشب سينمو مرة أخرى. وليس هناك من ضربة، أو حتى سلسلة من الضربات، يمكنها تحقيق هذا الهدف. السرية التي بنت بها إيران ترسانتها النووية، كما صلابة هذه الترسانة وقوتها.. كلها أمور تقف عائقاً في وجه إنجاز ضربة ناجحة. وفي أفضل الأحوال، حتى لو نجحت الضربة في شلّ البرنامج النووي لسنتين أو ثلاث، فإن الأخير سيكتسب شرعيّة الانطلاق من جديد، عربياً ودولياً، بعد تعرّض إيران لتهديد القوى الخارجية. أما السيناريو الأسوأ، فهو ألا تحقق الضربة أهدافها، فيصبح العشب بحاجة إلى عملية جزّ دورية تُقحم المنطقة في صراع مستمر خلال السنوات المقبلة. 2- لن يستطيع أحد منع إيران من امتلاك سلاح نووي: سوى إيران. فحقيقة أن الهند وباكستان وكوريا الشمالية، وحتى إسرائيل، قد نجحت في تطوير السلاح النووي في سرية تامة تثبت ذلك. في الحقيقة، يذهب حرمان إيران من سلاحها النووي إلى أبعد بكثير من مجرّد سرقة «ألعابها»، ذلك أن خسارة هذا البرنامج تعني تغيّر الحسابات السياسية والأمنية لدى قوة تقدّم نفسها تاريخياً كأمة عظيمة. ما سبق يؤكد أن ضربة إسرائيل العسكرية لإيران قد تذهب في الاتجاه المعاكس. فهي قد تضفي المزيد من الشرعيّة على الطموحات الإيرانيّة، لا سيّما إذا سجّل الهجوم سقوط العديد من الضحايا المدنيين. كما سيصبح الإسرائيليون هدفاً مثالياً لجهود الدعاية الإيرانية التي ستعمّ العالم العربي، والتي ستفوز لا شكّ بقدر كبير من التعاطف. 3- هناك تكاليف باهظة ستدفعها الولايات المتحدة: عندما ينخرط بلد ما في مشاريع خطيرة وغير مضمونة النتائج، هناك سؤالان لا بدّ من طرحهما، الأول: هل سينجح ذلك؟ أما الثاني: ما هي التكلفة؟ دعونا نشدّد على ما قد تعود به الضربة العسكرية الإسرائيلية من تبعات على الاقتصاد الأميركي الذي يعاني من حالة ركود مستفحلة. فلو نجح الإيرانيون في عرقلة حركة الملاحة في مضيق هرمز بصورة موقتة، فإن أسعار النفط سترتفع بشكل خيالي، كما ستجرّ خراباً في العديد من الأسواق العالمية وتقضي على الانتعاش الهشّ الذي يعيشه الاقتصاد الأميركي. هذه الشكوك الماليّة والاقتصادية العالميّة قد تصبح حقيقة كارثيّة بكل ما للكلمة من معنى. في الوقت نفسه، لن يتردّد الإيرانيون في زيادة وتيرة التهديد ضد القوات الأميركية المتبقية في العراق وفي أفغانستان، والدفع باتجاه زعزعة الوضع الأمني الهش في كل من البلدين. قد تكون القدرة الإيرانية على ضرب أميركا بشكل مباشر محدودة للغاية، لكن هذه القدرة تُصنّف هائلة في إطار امتلاكها لاستراتيجيات ناجحة في شن حرب سرية ضد المصالح الأميركية والإسرائيلية في الشرق الأوسط. 4- الضربة العسكرية ستضفي على إيران الشرعيّة في المنطقة: عندما جهدت إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش في منع إسرائيل من الردّ على الغزو العراقي للكويت، كان منطقها مقنعاً للغاية: آخر شيء ينقصنا في خضم تحدي الرئيس العراقي صدام حسين للمجتمع الدولي هو أن يتحول غزوه للكويت إلى صراع عربي – إسرائيلي. الشيء نفسه ينطبق هنا. ويمكن لأي هجوم إسرائيلي أن يقوّض كل العمل الجيّد الذي استطاعت أميركا إنجازه في أعقاب الثورات العربيّة. صحيح أن العديد من قادة الخليج سيرحّبون بخطوة مماثلة، لكن الشارع العربي سينظر إليها حتماً من منظار العدائية الإسرائيلية وازدواجيّة المعايير الأميركية. 5- حتى لو كانت الضربة إسرائيلية، ستكون أميركا بالضرورة جزءاً منها: يستحيل ألا تجرّ الضربة الإسرائيلية على إيران ردود فعل انتقامية ستهدّد بطبيعة الحال المصالح الأميركية. من المسلّم جدلاً، أن إيران ستفترض أن إسرائيل لم تتحرك وحدها، واستهدافها هو فعل حربي بتخطيط أميركي وتنفيذ إسرائيلي. أما وسائل الردّ الإيرانية على أميركا فستكون عديدة وقاسية، وإن كان أولها إغلاق مضيق هرمز، فلن يكون آخرها تعزيز الهجمات على السفارات والمنشآت الأميركية بالوكالة، كما توسيع جبهة الحرب كي ينخرط فيها حزب الله وحماس كذلك. ولا ننسى أن الولايات المتحدة متورطة اليوم في حربين على بلدين مسلمين، ولنكن واضحين: آخر ما تحتاجه الإدارة الأميركية هو الدخول في حرب ثالثة مع بلد مسلم قوي لن يتردّد أبداً في توجيه الضربات القاتلة إلى أميركا.

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة