قرّر إيريك برنس، أمير المرتزقة، ومؤسس شركة «بلاكووتر»، الانتقال إلى دولة الإمارات والإقامة فيها، مزوَّداً بعقد عمل مع أمير أبو ظبي. والمهمة الموكلة إليه هي «حفظ أمن الخليج داخلياً، والتصدي لأعدائه الإقليميين»، لا سيما «الخطر الإيراني».

رافقت ذلك الخبر ملابسات مريبة. فكبار معاوني الرجل يتعرضون لملاحقات قضائية في أميركا على جرائم مشهودة، وذات نزعة عنصرية ودينية متطرفة قاموا بها في الدول العربية والإسلامية. وهو الآن، شخصياً، يواجه تهماً مماثلة. فانتقاله إلى الخليج وإقامته فيه، يؤمّنان له حصانة عربية مزدوجة: حصانة من الملاحقة القضائية الأميركية على أفعاله الماضية (لعدم وجود معاهدة تسليم المجرمين بين أميركا والإمارات)، ثم حصانة مستقبلية ومستدامة، بحكم عمله الجديد تحت المظلة العربية وبالمباركة الأميركية.

لا يبدو أنّ هذا الوضع الملتبس قد استوقف أياً من السلطات الأميركية والخليجية، بالرغم من أنّه ينطوي على مفارقتين أوّليتين، أميركية وعربية. في الأولى، نشهد تواطؤ السلطات الأميركية مع سلطات أجنبية، على منح الحصانة الأجنبية لمواطن أميركي يلاحقه القضاء الأميركي. والمفارقة الثانية، والأخطر، أنّ القضاء الأميركي يلاحق مواطناً أميركياً بتهمة ارتكاب جرائم بحق أبناء البلدان العربية والإسلامية، فتأتي الدول الخليجية فتمنحه الحصانة لمنع مقاضاته، ثم تتعاقد معه فتسلمه مقاليد أمنها وتوكل إليه «حروبها الإقليمية».

المفارقة الثانية، العربية، تنطوي على مفارقة ثانية أدهى. فالسلطات الخليجية لا تسمح لأي مسلم أو عربي بأن تطأ قدماه أرض الخليج، إلا بعد مراجعة سجله العدلي والسياسي، وتهمة «التطرف الديني» جاهزة لحجب سمة الدخول.

نرى تلك السلطات الخليجية إيّاها تتخلى عن كل تلك المبادئ وعن أبسط الإجراءات الأمنية، فتفتح أبوابها، وصناديق مالها، وملفاتها الأمنية والسياسية، الداخلية والإقليمية، وتسلّم أعناق المسلمين لأخطر متطرف ديني نذر نفسه وماله لحرب نيو ــ صليبية.

أسارع هنا وأقول إنّ ذلك ليس رأياً شخصياً في الرجل، أو اجتهاداً في طبيعة عمله. إنّه واقع موثق، ومعروف، ومعلن: في نشأته العائلية، وعقيدته الدينية ــ الحربية، وسيرته وممارساته، ورأي ضباطه فيه وفي أفعاله، وتصريحاته الشخصية. وثمة ما يثبت أنّ موضوع عمله «الأمني» الجديد لصالح دول الخليج قائم منذ سنوات طويلة من جهته هو، ولصالحه هو وصالح مشروعه الحربي في البلدان العربية والإسلامية. أما فكرة العقد مع إحدي الدول الخليجية، فهي فكرة عمل عليها منذ ثلاث سنوات تقريباً ثم سوّقها مع حملة التخويف من الخطر الإيراني والمدّ الشيعي.

ماذا يستطيع أي باحث أن يكتشف، في خلال بضع ساعات فقط من البحث، عن حقيقة ذلك الرجل ومشاريعه الحربية؟

يكتشف، أولاً، أنّ برنس نشأ في عائلة تنتمي إلى اليمين الديني المتطرف، نشطت في مؤسسات منتمية إلى هذا اليمين، وموّلتها. فتجند إيريك الشاب لخدمة هذا الإرث وأسهم في تطويره إلى حركة سياسية، ثم انخرط في العمل في دوائر سياسية يرعاها أعتى اليمينيين الصهاينة من أصدقاء أبيه وغيرهم. ويكتشف، ثانياً، أنّ برنس أسهم مع الصهاينة في تغيير أوليات هذا اليمين ونقلها من الموضوعات الداخلية في الحياة الأميركية (الإجهاض، والتعليم، والقيم العائلية والدينية وغيرها) إلى الموضوعات السياسية الخارجية، لا سيما الكره للإسلام والإسلاموفوبيا.

ويكتشف، ثالثاً، أنّه أسهم في نقل تلك الإسلاموفوبيا من موقع الخوف والتخويف من الإسلام إلى موقف الحرب على الإسلام والمسلمين، وتطويرها إلى مشروع حرب نيو ــ صليبية. ويكتشف، رابعاً، أنّ إيريك برنس انبرى لتنفيذ ذلك المشروع الحربي، وهو «لا يرى نفسه إلا قائداً صليبياً»، بحسب ما يقوله كبار معاونيه السابقين، والاتهامات الموجهة إليه أمام القضاء الأميركي. وهو يعتمد، لتنفيذ مشروعه الحربي، على جحافل المرتزقة وشبكاتها، وهي تشكل قوة موازية للقوات الأميركية النظامية، وتستأثر بالقسم الأكبر من ميزانيات الاستخبارات الأميركية. كما يعتمد على توريط القوات الأميركية والحليفة في عمليات حربية تدميرية. وليس ما حصل في الفلوجة إلا نموذجاً صارخاً لذلك.

ويكتشف، خامساً، أنّ إيريك برنس هو ظاهرة جديدة في تاريخ المرتزقة، إذ لم يعد كسب المال غاية وحيدة، والقتل مهنة لخدمة تلك الغاية، بل أصبح القتل والتدمير، عند الرجل، غاية في ذاتهما. وأصبح جمع المال وسيلة، إلى جانب كونه هدفاً: وسيلة لتحقيق غاية دينية ــ سياسية ــ حربية. فالرجل يؤمن بأنّ عمله رسالة، وبأنّ رسالته حرب نيو ــ صليبية. ويكتشف، سادساً، أنّ هدف الصليبية الجديدة تلك لا يقتصر على «تحرير الأراضي المقدسة» بل «القضاء على الإسلام والمسلمين لإنقاذ الغرب وحضارته من خطرهم».

ويكتشف، سابعاً، أنّ برنس غاضب على الأميركيين والغربيين لأنّهم لا يفعلون ما هو كافٍ لتحقيق الأهداف المطلوبة بالسرعة المطلوبة. وشأنه، في ذلك، شأن سفّاح أوسلو، أندرس بيرينغ براييفك، الذي تجمعه به المدرسة الإيديولوجية الواحدة. ولعلّ غضب صاحبنا على الأميركيين، لا خوفه من القضاء الأميركي، هو ما دفعه إلى الانتقال إلى الخليج والإقامة فيه، للعمل باستقلالية.

ويكتشف، ثامناً، أنّ إيريك برنس غاضب على الأميركيين والغربيين لأسباب أخرى. فهو يطالبهم بأن يوكلوا إليه الحرب، حصرياً، لأنّه الأقدر، بمرتزقته، على تحقيق الأهداف بفاعلية أقوى، وبسرعة أكبر، وبكلفة مادية وسياسية أقلّ، وبقتلى لا أسماء لهم ولا إحصاء لعددهم ولا توابيت محمّلة تصدم الرأي العام. ذلك فضلاً عن عمليات سرية لا تترك بصمات، فتبقى من دون تبعات، وعن حروب مستدامة وفي عشرات الجبهات، من دون استئذان الشعب الأميركي وعموم السلطات الأميركية، من جهة أولى، ومن دون استثارة صيحات الغضب ضد الإمبريالية الأميركية في العالم، من جهة ثانية. بل قد يسمح ذلك للأميركيين بأن يطلوا على العالم بوجه المنقذين والمحررين، تستجدي الشعوب حسناتهم المالية وتدخلاتهم العسكرية.

ويكتشف، تاسعاً وأخيراً، أنّ إيريك برنس الغاضب، والمتلمس قوته وقوة شركائه الحربيين (هم بالعشرات من صنّاع الحرب وقراصنة المال الذين سبقوه إلى التمركز في الخليج، أو من أمثال «القوات الخاصة» المستقوية على المرجعيات الأميركية التي تصول وتجول بحرية في غالبية البلدان العربية والإسلامية وغيرها في العالم من دون حسيب أو رقيب)، قرّروا أن يوكلوا شأن الحرب إلى أنفسهم، إذا تعذر التوكيل، فيتاح لهم أن يعمّموا، في العالمين العربي والإسلامي، النمط الحربي الجديد، من دون مشهد أساطيل بحرية وجوية وجحافل جيوش، بل من دون جندي نظامي واحد، ومن دون بصمات، ومن دون نشرات إخبارية إلا عن مشاهد الموت والدمار وأعداد الضحايا. وتلك هي خلفية قرارهم في أن ينقلوا القيادة العامة لعملياتهم الحربية إلى دول الخليج، بغطاء عقد العمل مع أمير أبو ظبي، وبترغيبهم الحكام السعوديين والإماراتيين، بعد ترهيبهم، بحفظ رؤوسهم وكراسيهم فضلاً عن تمييز أنظمتهم عن جميع أقرانها بصورة البراءة، تماماً كما فعلوا مع الأميركيين بترغيبهم، بعد ترهيبهم، بتجميل صورتهم وغسلها من آثار الجريمة.

لكنّ تلك الوقائع تبقى ناقصة ومصدر التباس، إذا لم نعرف أنّ هذه الحرب الصليبية الجديدة لا علاقة لها بالصليب والمسيحية. هي تهدد المسيحية والمسيحيين بقدر ما تهدد الإسلام والمسلمين. تهدد الغرب بقدر ما تهدد الشرق. ترفع شعار الحضارة الغربية المسيحية لكنّها تهدد الحضارة بعامة بدءاً بتدمير الإرث الحضاري في البلدان الغربية. تغلّب الغرائز الاعتدائية المتوحشة على كل عقلانية وأخلاقية ضامنة لأمن الإنسانية. والنمط الحربي الذي تعتمده هو شرّ وليد لتلك الشرور، صار بدوره مولّداً لشرور أكبر، وناظماً لتفاعلاتها الكارثية.

  • فريق ماسة
  • 2011-10-27
  • 10379
  • من الأرشيف

الخليج والحرب الصليبية الجديدة

قرّر إيريك برنس، أمير المرتزقة، ومؤسس شركة «بلاكووتر»، الانتقال إلى دولة الإمارات والإقامة فيها، مزوَّداً بعقد عمل مع أمير أبو ظبي. والمهمة الموكلة إليه هي «حفظ أمن الخليج داخلياً، والتصدي لأعدائه الإقليميين»، لا سيما «الخطر الإيراني». رافقت ذلك الخبر ملابسات مريبة. فكبار معاوني الرجل يتعرضون لملاحقات قضائية في أميركا على جرائم مشهودة، وذات نزعة عنصرية ودينية متطرفة قاموا بها في الدول العربية والإسلامية. وهو الآن، شخصياً، يواجه تهماً مماثلة. فانتقاله إلى الخليج وإقامته فيه، يؤمّنان له حصانة عربية مزدوجة: حصانة من الملاحقة القضائية الأميركية على أفعاله الماضية (لعدم وجود معاهدة تسليم المجرمين بين أميركا والإمارات)، ثم حصانة مستقبلية ومستدامة، بحكم عمله الجديد تحت المظلة العربية وبالمباركة الأميركية. لا يبدو أنّ هذا الوضع الملتبس قد استوقف أياً من السلطات الأميركية والخليجية، بالرغم من أنّه ينطوي على مفارقتين أوّليتين، أميركية وعربية. في الأولى، نشهد تواطؤ السلطات الأميركية مع سلطات أجنبية، على منح الحصانة الأجنبية لمواطن أميركي يلاحقه القضاء الأميركي. والمفارقة الثانية، والأخطر، أنّ القضاء الأميركي يلاحق مواطناً أميركياً بتهمة ارتكاب جرائم بحق أبناء البلدان العربية والإسلامية، فتأتي الدول الخليجية فتمنحه الحصانة لمنع مقاضاته، ثم تتعاقد معه فتسلمه مقاليد أمنها وتوكل إليه «حروبها الإقليمية». المفارقة الثانية، العربية، تنطوي على مفارقة ثانية أدهى. فالسلطات الخليجية لا تسمح لأي مسلم أو عربي بأن تطأ قدماه أرض الخليج، إلا بعد مراجعة سجله العدلي والسياسي، وتهمة «التطرف الديني» جاهزة لحجب سمة الدخول. نرى تلك السلطات الخليجية إيّاها تتخلى عن كل تلك المبادئ وعن أبسط الإجراءات الأمنية، فتفتح أبوابها، وصناديق مالها، وملفاتها الأمنية والسياسية، الداخلية والإقليمية، وتسلّم أعناق المسلمين لأخطر متطرف ديني نذر نفسه وماله لحرب نيو ــ صليبية. أسارع هنا وأقول إنّ ذلك ليس رأياً شخصياً في الرجل، أو اجتهاداً في طبيعة عمله. إنّه واقع موثق، ومعروف، ومعلن: في نشأته العائلية، وعقيدته الدينية ــ الحربية، وسيرته وممارساته، ورأي ضباطه فيه وفي أفعاله، وتصريحاته الشخصية. وثمة ما يثبت أنّ موضوع عمله «الأمني» الجديد لصالح دول الخليج قائم منذ سنوات طويلة من جهته هو، ولصالحه هو وصالح مشروعه الحربي في البلدان العربية والإسلامية. أما فكرة العقد مع إحدي الدول الخليجية، فهي فكرة عمل عليها منذ ثلاث سنوات تقريباً ثم سوّقها مع حملة التخويف من الخطر الإيراني والمدّ الشيعي. ماذا يستطيع أي باحث أن يكتشف، في خلال بضع ساعات فقط من البحث، عن حقيقة ذلك الرجل ومشاريعه الحربية؟ يكتشف، أولاً، أنّ برنس نشأ في عائلة تنتمي إلى اليمين الديني المتطرف، نشطت في مؤسسات منتمية إلى هذا اليمين، وموّلتها. فتجند إيريك الشاب لخدمة هذا الإرث وأسهم في تطويره إلى حركة سياسية، ثم انخرط في العمل في دوائر سياسية يرعاها أعتى اليمينيين الصهاينة من أصدقاء أبيه وغيرهم. ويكتشف، ثانياً، أنّ برنس أسهم مع الصهاينة في تغيير أوليات هذا اليمين ونقلها من الموضوعات الداخلية في الحياة الأميركية (الإجهاض، والتعليم، والقيم العائلية والدينية وغيرها) إلى الموضوعات السياسية الخارجية، لا سيما الكره للإسلام والإسلاموفوبيا. ويكتشف، ثالثاً، أنّه أسهم في نقل تلك الإسلاموفوبيا من موقع الخوف والتخويف من الإسلام إلى موقف الحرب على الإسلام والمسلمين، وتطويرها إلى مشروع حرب نيو ــ صليبية. ويكتشف، رابعاً، أنّ إيريك برنس انبرى لتنفيذ ذلك المشروع الحربي، وهو «لا يرى نفسه إلا قائداً صليبياً»، بحسب ما يقوله كبار معاونيه السابقين، والاتهامات الموجهة إليه أمام القضاء الأميركي. وهو يعتمد، لتنفيذ مشروعه الحربي، على جحافل المرتزقة وشبكاتها، وهي تشكل قوة موازية للقوات الأميركية النظامية، وتستأثر بالقسم الأكبر من ميزانيات الاستخبارات الأميركية. كما يعتمد على توريط القوات الأميركية والحليفة في عمليات حربية تدميرية. وليس ما حصل في الفلوجة إلا نموذجاً صارخاً لذلك. ويكتشف، خامساً، أنّ إيريك برنس هو ظاهرة جديدة في تاريخ المرتزقة، إذ لم يعد كسب المال غاية وحيدة، والقتل مهنة لخدمة تلك الغاية، بل أصبح القتل والتدمير، عند الرجل، غاية في ذاتهما. وأصبح جمع المال وسيلة، إلى جانب كونه هدفاً: وسيلة لتحقيق غاية دينية ــ سياسية ــ حربية. فالرجل يؤمن بأنّ عمله رسالة، وبأنّ رسالته حرب نيو ــ صليبية. ويكتشف، سادساً، أنّ هدف الصليبية الجديدة تلك لا يقتصر على «تحرير الأراضي المقدسة» بل «القضاء على الإسلام والمسلمين لإنقاذ الغرب وحضارته من خطرهم». ويكتشف، سابعاً، أنّ برنس غاضب على الأميركيين والغربيين لأنّهم لا يفعلون ما هو كافٍ لتحقيق الأهداف المطلوبة بالسرعة المطلوبة. وشأنه، في ذلك، شأن سفّاح أوسلو، أندرس بيرينغ براييفك، الذي تجمعه به المدرسة الإيديولوجية الواحدة. ولعلّ غضب صاحبنا على الأميركيين، لا خوفه من القضاء الأميركي، هو ما دفعه إلى الانتقال إلى الخليج والإقامة فيه، للعمل باستقلالية. ويكتشف، ثامناً، أنّ إيريك برنس غاضب على الأميركيين والغربيين لأسباب أخرى. فهو يطالبهم بأن يوكلوا إليه الحرب، حصرياً، لأنّه الأقدر، بمرتزقته، على تحقيق الأهداف بفاعلية أقوى، وبسرعة أكبر، وبكلفة مادية وسياسية أقلّ، وبقتلى لا أسماء لهم ولا إحصاء لعددهم ولا توابيت محمّلة تصدم الرأي العام. ذلك فضلاً عن عمليات سرية لا تترك بصمات، فتبقى من دون تبعات، وعن حروب مستدامة وفي عشرات الجبهات، من دون استئذان الشعب الأميركي وعموم السلطات الأميركية، من جهة أولى، ومن دون استثارة صيحات الغضب ضد الإمبريالية الأميركية في العالم، من جهة ثانية. بل قد يسمح ذلك للأميركيين بأن يطلوا على العالم بوجه المنقذين والمحررين، تستجدي الشعوب حسناتهم المالية وتدخلاتهم العسكرية. ويكتشف، تاسعاً وأخيراً، أنّ إيريك برنس الغاضب، والمتلمس قوته وقوة شركائه الحربيين (هم بالعشرات من صنّاع الحرب وقراصنة المال الذين سبقوه إلى التمركز في الخليج، أو من أمثال «القوات الخاصة» المستقوية على المرجعيات الأميركية التي تصول وتجول بحرية في غالبية البلدان العربية والإسلامية وغيرها في العالم من دون حسيب أو رقيب)، قرّروا أن يوكلوا شأن الحرب إلى أنفسهم، إذا تعذر التوكيل، فيتاح لهم أن يعمّموا، في العالمين العربي والإسلامي، النمط الحربي الجديد، من دون مشهد أساطيل بحرية وجوية وجحافل جيوش، بل من دون جندي نظامي واحد، ومن دون بصمات، ومن دون نشرات إخبارية إلا عن مشاهد الموت والدمار وأعداد الضحايا. وتلك هي خلفية قرارهم في أن ينقلوا القيادة العامة لعملياتهم الحربية إلى دول الخليج، بغطاء عقد العمل مع أمير أبو ظبي، وبترغيبهم الحكام السعوديين والإماراتيين، بعد ترهيبهم، بحفظ رؤوسهم وكراسيهم فضلاً عن تمييز أنظمتهم عن جميع أقرانها بصورة البراءة، تماماً كما فعلوا مع الأميركيين بترغيبهم، بعد ترهيبهم، بتجميل صورتهم وغسلها من آثار الجريمة. لكنّ تلك الوقائع تبقى ناقصة ومصدر التباس، إذا لم نعرف أنّ هذه الحرب الصليبية الجديدة لا علاقة لها بالصليب والمسيحية. هي تهدد المسيحية والمسيحيين بقدر ما تهدد الإسلام والمسلمين. تهدد الغرب بقدر ما تهدد الشرق. ترفع شعار الحضارة الغربية المسيحية لكنّها تهدد الحضارة بعامة بدءاً بتدمير الإرث الحضاري في البلدان الغربية. تغلّب الغرائز الاعتدائية المتوحشة على كل عقلانية وأخلاقية ضامنة لأمن الإنسانية. والنمط الحربي الذي تعتمده هو شرّ وليد لتلك الشرور، صار بدوره مولّداً لشرور أكبر، وناظماً لتفاعلاتها الكارثية.

المصدر : الاخبار /يوسف الاشقر


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة