دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
قالت صحيفة الأخبار أن الأمين العام لحزب الله ، السيّد حسن نصر الله ، وضع مساء الاثنين (24 تشرين الأول) السقف الأعلى والنهائي لموقف الحزب من تمويل المحكمة الدولية، وهو رفضه إياه رفضاً قاطعاً غير قابل للمساومة. وثبّت مباشرة كل ما كان قد قيل في الأسابيع الأخيرة عن تكهّنات متضاربة حيال رفض التمويل أو القبول به في الساعات الأخيرة.
بيد أن السقف الذي رسمه نصر الله يُفصح عن بضعة معطيات منها:
1 ـ زيارة قام بها الأمين العام للحزب قبل أقل من عشرة أيام لدمشق، واجتماعه بالرئيس السوري بشّار الأسد، ومناقشتهما مواضيع إقليمية من بينها موقف الغالبية من تسديد لبنان حصته في موازنة المحكمة الدولية. كانت لكل من الرجلين مقاربة مختلفة للتمويل، تأخذ في الاعتبار التعاطي معه تبعاً للمصلحة التي تجمعهما على اتخاذ القرار الأكثر ملاءمة لتقويمهما الوضعين المحلي اللبناني والإقليمي.
لم يمانع الرئيس الأسد في تمويل المحكمة، وأولى اهتماماً لاستمرار الحكومة وعدم زعزعتها، ومساعدتها على إمرار الظروف الصعبة والدقيقة التي تعبر بها المنطقة، مع تأكيد أولوية حماية المقاومة في ضوء ما يستهدفها من الخارج. إلا أنه عَكَسَ مرونة في التعاطي مع التمويل. في المقابل، أبرَزَ نصر الله موقفه من المحكمة على أنه مسألة مبدئية تتصل بالمقاومة، وهو لا يستطيع الموافقة على التمويل وفق حيثيات شرحها للرئيس السوري.
انتهى الأمر بقول الرئيس الأسد لحليفه الأقوى والمسموع الكلمة لديه إنه لن يخوض في هذا الموضوع الذي يعدّه شأناً داخلياً لبنانياً، وهو يترك لحزب الله وحلفائه تقدير الموقف المناسب الذي يقتضي أن تتخذه المقاومة ويحفظ مصلحتها.
لم يكن ميل الرئيس السوري إلى تمويل المحكمة هو الأول الذي يبديه.
قبل بضعة أيام على اجتماعه بنصر الله، كان الرئيس الأسد قد استقبل مسؤولاً لبنانياً بارزاً يوم 8 تشرين الأول، وتحدّث أمامه عن تأييد التمويل، وأوحى بأنه سيحاول إقناع حزب الله بالمضي فيه. إلا أن زيارة نصر الله لدمشق تجاوزت الشكوك في احتمال موافقة حزب الله على التمويل، وثبّتت خياره القائل برفضه كجزء لا يتجزأ من موقف أعمّ هو رفضه أولاً وأخيراً المحكمة الدولية.
2ـ يسود الاقتناع لدى بعض المسؤولين بأن أحد المخارج الأقل إضراراً وإحراجاً لحزب الله لإمرار تمويل المحكمة، هو إقراره بمرسوم يوقعه رئيسا الجمهورية والحكومة ووزيرا العدل والمال، لا يمر بمجلس الوزراء لتفادي انقسامه عند التصويت، ولا بمجلس النواب الذي سيشهد عندئذ تكوين غالبية نيابية جديدة لمهمة محدّدة وحصرية في جلسة طرح التمويل على التصويت لا تتعدّاها. بعد ذلك يعود الجميع إلى قواعده.
كلا الحّلين يرفضه حزب الله انطلاقاً من أن موقفه الراسخ، هو رفض التمويل قلباً وقالباً، سواء أدمج في مشروع قانون الموازنة العامة أو أخرج بسلفة خزينة. بيد أن هذا الاحتمال طواه نصر الله تماماً مساء الاثنين.
3 ـ في حساب بعض الأفرقاء في الموالاة الحالية، وفي الفريق الوسطي الذي يمثله رئيس الجمهورية ميشال سليمان ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي ورئيس الحزب التقدّمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط، أن نصر الله لم يُوصد الأبواب كلياً على اتفاق يؤول في نهاية المطاف إلى موافقة حزب الله على التمويل. ويُعوّل هذا الفريق خصوصاً على عاملين متلازمين:
أولهما، تأجيل بحث الموضوع فسحاً في المجال أمام مناقشة هادئة للخلاف على التمويل بعيداً من الإعلام، ومن مجلس الوزراء أيضاً، بغية ابتكار تسوية ترضي طرفي الائتلاف الحكومي الحالي، رافضي التمويل ومؤيديه.
ثانيهما، توقع دور يضطلع به رئيس المجلس نبيه برّي كوسيط هو الأكثر دينامية يتقاطع عنده الموالون والوسطيون والمعارضون في آن واحد. لكن تعويلاً كهذا يبدو غير واقعي، نظراً إلى تطابق موقفي برّي ونصر الله في مقاربة المحكمة وما ينبثق منها كالتمويل. ليس برّي محايداً في هذا الخيار، بل في صلب الانحياز إلى وجهة النظر الأخرى المعاكسة.
4 ـ رغم أن حزب الله وافق أكثر من مرة على التعاون مع المحكمة، وأعاد تأكيد الموقف في البيانين الوزاريين لحكومتي الرئيسين فؤاد السنيورة (2008) وسعد الحريري (2010)، وعدّ هذه الموافقة جزءاً من التسوية السياسية مع قوى 14 آذار في انتظار صدور القرار الاتهامي، إلا أن موقفه اليوم من المشكلتين الصغرى والكبرى، التمويل والمحكمة، بات مختلفاً تماماً، وأصبحت كل موافقة عليهما تستمد رمزيتها من انبثاقها من حكومة يسيطر حزب الله فيها على النصف +1، ويقف عائقاً دون أي تصويت يتطلّب الثلثين.
مغزى ذلك أن قراراً بتأييد المحكمة والتمويل يصدر عن حكومة تدين بغالبيتها لحزب الله، يمثل تغطية مطلقة للمحكمة ولكل المسار الذي سلكته ولا تزال، بما في ذلك القرار الاتهامي. إلا أنه يعني أيضاً تمويل القرار الاتهامي ومحاكمة الحزب والخوض في مواجهة ينظر فيها إلى المحكمة على أنها تستهدفه.
الأصحّ أن حزب الله وأمينه العام أضحيا الآن أمام المشكلة الأكثر تعقيداً في المقاربة الأيديولوجية. بعدما أضفيا على المقاومين والمقاومة مسحة قدسية تجعله يقول في كل مناسبة إنه ينحني أمام المقاومين، لا يسعه أن يقدّم رؤوس المتهمين الأربعة باغتيال الرئيس رفيق الحريري ـ وهم مسؤولون أمنيون مهمون في الحزب ــ إلى مقصلة محكمة دولية عندما يوافق والغالبية الموالية له على تمويلها.
5 ـ حينما أعلن الأمين العام للحزب مساء الاثنين أن لا تمويل للمحكمة، قطع الطريق نهائياً على أي تسوية أو مناورة. لمَن يعرف تبادل الأدوار في قيادة الحزب، أن المناورة تنتقل من يد إلى أخرى، من نائب الأمين العام الشيخ نعيم قاسم إلى وزراء الحزب ونوابه إلى مسؤولين سياسيين آخرين في شتى المراتب، إلى أن تصبح أخيراً عند نصر الله الذي يحيلها قراراً للتنفيذ.
ولأنه رأس هرم مرجعية حزب الله، ويطبع صورته بالصدقية والوضوح والصراحة، وتأكيد المؤكد عندما يهدّد ويتوعّد ويجزم بما يريد، فإن أحداً لا يتوقع من نصر الله المناورة لفتح باب على تسوية سياسية.
الواقع أن الرجل يُوصد الباب بعد أن يكون معاونوه قد فتحوه، كي يقول أخيراً هذا هو قراره النهائي بعد استنفاد كل الجهود. مساء الاثنين قال ما لا يريد حصوله، ولكنه لم يُفصح عمّا سيفعل، وكيف سيواجه تناقض الموقف بينه وبين رئيس الحكومة. بعدما أشاد بميقاتي ومواصفاته، وأكد التعاون معه وتمسّكه به على رأس الحكومة، وتشبّث بحكومة الغالبية الحالية ومنع أي محاولة لضعضعة استقرارها، قال نصر الله لميقاتي ما يريده كي يترك له أن يقرّر ــ هو الآخر ـ ماذا سيفعل حيال تمويل مرفوض.
المصدر :
الأخبار
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة