دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
انتقلت وجهة الحراك السياسي والشعبي في تونس أمس، إلى مرحلة ما بعد الصفعة «النهضوية» الاسلامية في انتظار الإعلان عن النتائج النهائية للانتخابات التي جرت الاحد الماضي. قطار البحث عن الائتلافات في المجلس التأسيسي المقبل انطلق، ولكن يبدو أن حملة الإشادات المتسلسلة بشفافية العملية الانتخابية ونزاهتها لم تقنع الجميع، فهناك بين الفئات الشبابية العلمانية الليبرالية واليسارية من يرفع البطاقة الحمراء في وجه احتفالات التيار الإسلامي بانتصاراته المؤكدة.
وبقيت علامات استفهام كثيرة حول التحالفات في المجلس التأسيسي والحكومة المنبثقة عنه، بين الحديث عن نية «النهضة» الائتلاف مع القوى الأساسية التي تمكّنت من حصد بعض المقاعد كـ«المؤتمر من أجل الجمهورية» الليبرالي و«التكتل» اليساري، والحديث عن توجّه ممكن لدى «المؤتمر» نحو الائتلاف مع قوى ثانوية أخرى في مواجهة «النهضة»، فيما تزايدت كتلة المتظاهرين أمام قصر المؤتمرات في العاصمة للتذكير بانتهاكات وتجاوزات حصلت خلال الانتخاب.
وأعلنت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، أمس، عن نتائج جزئية لتسع ولايات تونسية، جاءت مؤكدة لصورة أمس الأول، من تقدم ساحق لـ«النهضة» واستتباع لـ«المؤتمر»، يليه «التكتل» و«العريضة الشعبية» التي فاجأت الجميع ونالت حصة كبيرة من الاتهامات بالتجاوز، خاصة في ما يتعلق بالحملة الانتخابية وامتدادها خارج إطار المهلة المحددة.
ومن أصل 62 مقعداً في الولايات التسع، حصلت «النهضة» على 24 مقعداً، فيما حصل «المؤتمر» على 9 مقاعد، و«العريضة» على 9 مقاعد، «التكتل» على 7 مقاعد، و«الديموقراطي التقدمي» على 4 مقاعد، و«البديل الثوري» الشيوعي على مقعد واحد، بالإضافة إلى ستة مقاعد حصل منها فلول حزب التجمع الحاكم سابقاً بقيادة وزير الخارجية الأسبق كمال مرجان على مقعدين في مدينته سوسة، وقوائم مستقلة أخرى حصل كل منها على مقعد واحد.
وهنا أيضا كانت الفوارق في أعداد الناخبين كبيرة بين «النهضة» والذين تبعوها في النتائج، في دائرة «صفاقس ـ 1»، مثلاً حيث حصلت الحركة الإسلامية على ثلاثة مقاعد بـ66402 صوت، وبعدها «المؤتمر» على مقعد بـ14302 صوت.
ويقول رئيس جمعية «المحامين التونسيين الشبان» ضياء الدين مورو، وهو أيضا نجل «النهضاوي» المنشق عبد الفتاح مورو الذي تزعم قائمة مستقلة خلال الانتخابات إن «النتائج تظهر أن الناخب التونسي توجه نحو الأحزاب لا نحو الأشخاص والمستقلين»، معتبراً أن «التيار الإسلامي سيحصل على حوالى 60 في المئة من الأصوات»، بين «النهضة» و«العريضة»، ما يخوله الحصول على الغالبية في المجلس التأسيسي. ويشير مورو لـ«السفير» إلى أن «المركز الثاني سيكون لحزب المؤتمر بقيادة منصف المرزوقي، وخلفه القوى الأخرى كالتكتل». وتوقع مورو أن تتوجه «النهضة» نحو عقد تحالفات مع القوى الأخرى في المجلس التأسيسي «برغم عدم كونها بحاجة لذلك بما أنها ستحظى بالغالبية. ولكنها ستتوخى الحذر في ممارسة سلطتها الجديدة في المجلس من موقع المتقدم في الانتخابات». أما عن الخلافات المقبلة في المجلس فاعتبر مورو أن الأزمات لن تكون في صدد صياغة الدستور بحد ذاته «بل في قضايا تشريعية أخرى خارج الدستور، سيكون على المجلس التأسيسي صياغتها».
من جهته، قال مؤسس «التقدمي» أحمد نجيب الشابي في مقابلة مع إذاعة «موزاييك» المحلية إنه يتوقع حدوث ائتلاف بين «النهضة» و«المؤتمر» و«التكتل» في حكومة وحدة وطنية، وأكد أنه لن يشارك فيها، وأنه سينضم إلى صفوف المعارضة السياسية.
أما عضو المكتب التنفيذي والقيادي في «التقدمي» أحمد بوعزي فقال لـ«السفير» إن دور حزبه والأحزاب الأخرى التي ستقف في موقع المعارضة سيقوم على الحفاظ على المكتسبات في ما يتعلق بـ«ما تمتاز به تونس من إرث في حقوق الإنسان والمرأة»، معتبراً أن التصويت الحاشد لـ«النهضة» كان تصويتاً عقابياً للأحزاب الأخرى التي «أساءت التصرف في مرحلة ما بعد 14 كانون الثاني (فرار الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي)، وشاركت في الانتخابات الانتقالية، إضافة إلى أنها بمعظمها منسلخة عن القوى الاجتماعية الحقيقية».
وأعلن زعيم حزب التكتل من اجل العمل والحريات اليساري مصطفى بن جعفر لوكالة «فرانس برس» بدء مشاورات المرحلة الانتقالية في تونس مع «النهضة». واوضح ان «المشاورات بدأت مع كافة الشركاء السياسيين بمن فيهم «النهضة»، وهي متواصلة في انتظار الاعلان عن النتائج النهائية» للانتخابات، معربا عن «استعداده لتحمل اعلى المسؤوليات في حال حصول توافق».
وفيما كانت الهيئة المستقلة للانتخابات تعلن النتائج الجزئية في قصر المؤتمرات، كان حوالى 600 متظاهر يتجمعون أمام المبنى، منددين بـ«التزوير» والانتهاكات الانتخابية، في إشارات واضحة إلى رفضهم لحصول «النهضة» على هذه الأعداد الكبيرة من المقاعد في المجلس التأسيسي، برغم تأكيد عدد من المتحدثين باسم المجموعة «لسنا هنا لمعارضة النهضة، بل لمعارضة التزوير مهما كانت الأحزاب التي مارسته». إلا أن «السفير» رصدت في التظاهرة إشارات كثيرة إلى «النهضة» كاللافتات التي حملت آيات قرآنية مثل «ويل للمطففين» مذيلة بـ«هل هذا هو الإسلام؟»، خاصة أنه كان من الكافي النظر في وجوه المتظاهرين وملابسهم لاستنتاج انتمائهم إلى فئات شبابية و«متحررة ثقافياً» حتى وإن لم تكن بالضرورة تنتمي إلى الطبقات الميسورة.
التظاهرة هذه كانت من فئة الـ«فيسبوكيين» التي لا مجال لإنكار أدائها دوراً كبيراً خلال الثورة التونسية. ويؤكد أحد منظمي التظاهرة الذي فضل عدم ذكر اسمه لـ«السفير»، إن التجمع جاء بمبادرة من مجموعة أفراد خارجة عن أطر الأحزاب السياسية، دعت على مواقع التواصل الاجتماعي إلى الاحتجاج على «أعداد كبيرة من التجاوزات التي سجلت ولم تؤخذ بالاعتبار». وخص الناشط الشاب بالذكر قائمة «العريضة الشعبية» ذات التوجه الإسلامي «التي لم تحترم قوانين الهيئة المستقلة للانتخابات في ما يتعلق بموعد انهاء الحملات الانتخابية»، كما أشار إلى وجود أدلة عن مشاركة عناصر من الشرطة في الانتخاب، ما هو محظور نظرياً، كما تحدث عن «تواطؤ» من جمعيات المراقبة «التي قررت مسبقا أن تؤكد عدم حدوث أي تجاوزات في الانتخابات».
وشهدت التظاهرة مشادات بين شبان مناصرين لـ«النهضة» والمحتجين، ظلت ضمن إطار حضاري برغم التوتر البادي على وجوه الجميع. ويعود المتظاهرون الشباب إلى التجمع اليوم أمام قصر المؤتمرات لتقديم ملفات التجاوزات إلى الهيئة المستقلة بعد تجميعها.
المصدر :
السفير
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة