مع اتهام الولايات المتحدة لإيران بالتخطيط لاغتيال السفير السعودي في واشنطن عبدالله جبير، تقدم الاشتباك الاقليمي والدولي خطوة اضافية نحو الانفجار. كل التحليلات تصبّ في خانة القول ان ايران تبقى الهدف الاول، فطبيعي ان يزداد الضغط العربي والدولي على سورية وسط انسداد افق التسويات السياسية الحقيقية. لكن شروط الانفجار لم تجتمع تماماً بعد، فلا بد من انتظار شهور اخرى من التأزم والتفجيرات الصغيرة الدبلوماسية والأمنية، فتشتد قناعة النظام السوري بأن الأمن يبقى أولوية.

لا شيء في دمشق يوحي بهذا الغليان الاقليمي. ولا شيء يوحي أيضاً بان ثمة مناطق اخرى في سورية تغلي على نار السلاح او على جمر الاقتتال المذهبي (حمص خير مثال). الحياة في دمشق اكثر من عادية. ازدحام سير في النهار. حركة الناس في الاسواق على معهودها قبل الازمة. والمطاعم تعجّ في الليل بأهل السمر. خصوصاً مطاعم الخمس نجوم المستلقية عند الضفة اليمنى لجادة المزة الشهيرة. والحضور الأنثوي الطاغي في ليالي المطاعم يوحي بأن لا قلق أمنياً فعلياً في دمشق.

اما الفنادق، فهي شبه خالية في الأحياء القديمة على غرار تلك الموجودة في باب توما رغم زحمة الزوار وبعض السائحين الأجانب ليلاً في الأزقة القديمة المحافظة على تراث مسيحي وطابع فرنسي. بينما الفنادق التقليدية الكبرى في دمشق مثل الشيراتون فتعج بالحلفاء الخلّص لسورية، حيث يسمع الزائر لهجات من اميركا اللاتينية او من الهند والصين وروسيا. تضافرت وفود هذه الدول مذ قرر وزير الخارجية وليد المعلم محو اوروبا عن خريطة العالم، لكن الذين تم محوهم لا يزالون حاضرين بقوة عبر سفرائهم وهذه مسألة هامة في الوقت الراهن.

واشنطن والمعارضة والعرب

السفير الاميركي روبرت فورد باق في سورية رغم كل الضجيج حول دوره. ويقال الكثير في دمشق هذه الأيام حول الدور الاميركي. ومما يقال مثلاً إن وفداً من السفارة الاميركية زار أنقرة قبيل فترة وشارك في اجتماعات المجلس الانتقالي. بقي الأمر شبه سري ولكن الاميركيين وجهوا للمجلس نصائح عديدة وبينها :

[ يجب ان يكون المجلس شاملاً كل اطياف المعارضة، خصوصاً ممثلي التنسيقيات والمعارضة الداخلية.

[ من الافضل ان لا يكون الاخوان المسلمون في واجهة المجلس حتى ولو شكلوا جزءاً أساسياً فيه.

[ يجب تقوية الرهان على الداخل السوري ثم التوجه الى الدعم الخارجي وليس العكس.

[ ينبغي العمل على طبقة رجال الاعمال في سورية، وإفهامها بأن مصالحها سوف تتقهقر مع بقاء النظام الحالي وتتحسن لو أزيل.

وفي المعلومات أيضاً ان الاميركيين قالوا للمعارضة ان واشنطن لن تعترف قريباً بالمجلس الانتقالي لأن ذلك لن يفيد الآن، وان مجرد اعتراف المجلس الانتقالي الليبي بالمجلس السوري دفع السوريين للقول إنه اعتراف من حلف شمال الاطلسي، فكيف اذا اعترفت واشنطن؟

تدرك واشنطن خطورة دعمها المباشر والعلني للمجلس الانتقالي، ولذلك قال أحد دبلوماسييها مؤخراً: «إننا لن نكون الدولة الأولى ولا الثانية او الثالثة ربما التي تعترف بالمجلس، نفضل ان يبرهن المجلس أولاً عن قاعدته الشعبية القوية ثم نقرر».

استند هذا الحذر الاميركي الى جمعة دعم المجلس الانتقالي. الجمعة التي ارتفع فيها شعار «المجلس يمثلني» لم تحشد أكثر من 26 الف متظاهر وفق معلومات دبلوماسية دقيقة.

 ليست الولايات المتحدة وحيدة في خيار الإبقاء على سفيرها فكل الأوروبيين لم يحركوا سفراءهم. ايطاليا استدعته ثم أعادته. اليابان كذلك. اما القرار المركزي الاوروبي فيقضي بالحفاظ على السفراء الاوروبيين في دمشق لكي «تبقى العين حاضرة» وفق ما يقول دبلوماسي غربي في دمشق.

والاوروبيون ليسوا مستعجلين للاعتراف بالمجلس الانتقالي. يشعرون بأن ذلك قد يسيء اكثر مما ينفع. ولكن الاتصالات قائمة. فرنسا استقبلت علانية في مقر وزارة خارجيتها الشخصية الابرز في المجلس الدكتور برهان غليون. وقبل فترة جاء الى دمشق في زيارة غير معلنة مسؤول دانمركي، والحركة الاوروبية ناشطة جدا في اروقة مجلس الامن للضغط على النظام السوري، ومن المرجح ان تتفاعل مستقبلا.

سر الفيتو الروسي

منذ استخدام موسكو وبكين حق النقض «فيتو» ضد قرار ادانة سورية وفرض عقوبات اضافية عليها في مجلس الامن الدولي، شغل الموقف الروسي كثيرين. قيل انه مصلحي موقت، ولكن تبين مع الوقت أنه أكثر تجذراً مما يعتقد البعض.

يقول دبلوماسي اوروبي إن موسكو استخدمت حق النقض لأسباب عدة أبرزها، ان الدبلوماسية الروسية شعرت بان الغرب «خدعها» في الملف الليبي حيث كانت الوعود لها تؤكد ان الاطلسي سيحمي فقط المدنيين واذا بالامر يتحول الى اجتياح وعملية للإطاحة بنظام العقيد معمر القذافي، فتوعدت موسكو خادعيها بالرد في ملف آخر. ثم ان موسكو تعتبر ان سورية قد تكون آخر معاقلها الفعلية في الشرق الاوسط ولو سقط نظام الاسد فإنها ستبتعد كلياً عن المنطقة. وتعتبر ايضا ان النظامين السوري والجزائري هما آخر نظامين يشبهان الى حد بعيد النظام الروسي، وسقوطهما يعني وصول التهديد الى الحدود الروسية. ويضاف الى ذلك ان نشر رادارات الدرع الصاروخية الاطلسية في تركيا وتنامي الدور التركي أشعرا الادارة الروسية بأن ثمة تهديداً فعلياً لها، خصوصا ان ذلك سيجعل منطقة المتوسط بكاملها حكراً على الاميركيين والاوروبيين، وقد يوصل لاحقاً التمدد الاسلامي بما فيه الاصولي الى الحدود الروسية.

ويقال بان ثمة من عرض على موسكو اغراءات مالية تكون بديلاً مغرياً لحوالى 4 مليارات دولار تكسبها من بيع الاسلحة الى سورية، ويبدو ان دولة خليجية عرضت مضاعفة المبلغ مقابل التخلي عن نظام الاسد، ولكن ذلك بقي مجرد أمانٍ.

ويكشف الدبلوماسي الغربي وجود بعض التباينات داخل الادارة الروسية حيال الملف السوري، فوزير الخارجية سيرغي لافروف مؤيد بقوة للقيادة السورية، بينما الرئيس ديمتري ميدفيديف يبدو أكثر ميلاً للموازنة بين دعم النظام من جهة وشجب قتل المدنيين من جهة ثانية، اما رئيس الوزراء فلاديمير بوتين فخياره مع سورية يبدو استراتيجياً. وفي كل الاحوال كل المعلومات الغربية تشير الى ان الموقف الروسي حيال سورية ليس قابلاً للتغيير قريباً وانه سيبقى داعما للنظام ورافضا لاي تدخل دولي.

العرب والطوق على سورية

يبدو ان الفيتو الروسي الصيني، وتماسك الجيش السوري وقدرة السلطة على التعامل عسكرياً مع كل مناطق التوتر، وتراجع عدد المتظاهرين، واستمرار قدرة بشار الاسد على جمع الكثير من المؤيدين، أمور دفعت الولايات المتحدة الاميركية ومعها جل الدول الاوروبية للضغط على العواصم العربية بغية رفع مستوى الضغوط على دمشق.

لا تستطيع الادارة السورية تفسير ما جرى قبل يومين في مقر الجامعة العربية في القاهرة إلا من هذا المنظور. يقول السوريون إن المطلوب في الوقت الراهن هو «ضمان غطاء عربي» لأي قرار دولي في مجلس الامن، وتشريع التدخل الدولي، وإحراج روسيا والصين، بحيث لا تستطيع العاصمتان لاحقا اعاقة مشاريع قرارات او عقوبات في مجلس الامن ضد القيادة السورية.

تركيا وغموض الموقف

لا يختلف اثنان على ان الدور التركي كاد يكون مفصلياً في الازمة السورية. حجم الضغوط التي مارستها القيادة التركية كان لافتاً. لكن ما يختلف عليه اثنان هو مواقف الاطراف التركية حيال قيادة الاسد. فالمعلومات الدبلوماسية والامنية المتوافرة حتى الآن تشير الى ان الاستخبارات التركية واجهزة الامن والجيش لا تزال تؤيد عدم الانزلاق الى اتون اشتباك مع سورية. لا بل ان رئيس الاستخبارات حقان فيدان يزور دمشق بين وقت وآخر، تماماً كما ان مسؤولاً سورياً كبيراً يزور بين وقت وآخر انقرة.

لا شيء يدفع للاعتقاد حتى الآن بان الامور مع انقرة جيدة، ولكن الأكيد ان لا شيء يدفع بالمقابل للاعتقاد بأن الامور ستسوء بسرعة. ثمة كلام عن تعديل طفيف في موقف رجب طيب اردوغان، بحيث انه لم يعد يرفع الصوت بقوة كما فعل في الاشهر الاولى وان الخطر الاكبر يبقى وزير الخارجية احمد داوود اوغلو، ولكن عارفي اردوغان يقولون إنه لا يمكن رصد مواقف الرجل، فغداً صباحاً قد يقول كلاماً اكثر قسوة من السابق، وكل ما في الامر ان الزلات الدبلوماسية التي ارتكبها حيال عدد من دول الجوار بما في ذلك في مصر حيث اثار الاخوان المسلمين بحديثه عن العلمانية، دفع ناصحيه في تركيا لنصحه بالتروي.

ثم ان الكلام عن إقامة منطقة عازلة في الاراضي السورية، صار اقرب الى الوهم، ويقــول مســؤول دبلوماسي ذو عــلاقة مباشرة مــع انقرة بان الاتــجاه الآن هــو لإقــامة منطقة لجوء في الاراضي التركية وليس السورية، ذلك ان الحدود بين البلدين تتخطى 700 كيلومتر مربع وان اي حركة تركية معادية لسورية في 100 كــيلومتر ستـــدفع الســوريين للــرد في اكثر من مكــان عنــد الحدود او عبرها. قدرة الإيذاء عند الطرفين كبيرة.

أسرار التهديد الإيراني

لم يكن دخول ايران على الخط السوري التركي مفاجئاً. قال الجنرال يحيى رحيم الصفوي: «يتعين على تركيا ان تعيد النظر جذرياً في سياستها حيال سورية والدرع الصاروخي، والا فانها ستواجه مشاكل مع شعبها». ليس هذا من نوع التصريحات العابرة. فالرجل هو المستشار العسكري لآية الله علي خامنئي. تحذيره الداعم لسوريا جاء في وقت كانت مؤشرات تدخل تركي في الشؤون السورية تزداد ويزداد معها الضغط الاميركي على اردوغان للتحرك سريعاً.

لم تكتف ايران بالتهديد. سعت لاحتضان حركة حماس. العائدون من طهران وتحديداً من مؤتمر دعم المقاومة يشرحون كم «تفانت» القيادة الايرانية في توجيه الرسائل الايجابية. لم يؤثر تصريح رئيس المكتب السياسي للحركة خالد مشعل والذي تحدث عن حقوق الشعوب بما فيها السوري في التعبير عن رأيه، لم يؤثر في تغيير الموقف الايراني. تصرفت طهران من موقع الراغب بإعادة الحركة الاسلامية الى مكانها الصحيح، خصوصاً وسط معلومات تتسرب منذ فترة عن محاولات سعودية وقطرية لإبعاد رموز الحركة عن دمشق. قدمت القيادة الايرانية احد اعلى الاوسمة لمحمود الزهار. ثم جاءت مفاجأة اخرى عبر اعلان مشعل نفسه ومن قلب دمشق نجاح صفقة تبادل الأسرى مع إسرائيل.

تبين ان الخط الايراني السوري عاد يتوضح بقوة. تزامن ذلك مع التخبط في ملف الانسحاب الاميركي من العراق. وتزامن ايضاً مع تصاعد التفجيرات على الاراضي العراقية، ومع تهديدات للقوات الأميركية من زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، ومع دعم عراقي اقتصادي واضح لسورية.

تحرك العامل الكردي. تعددت الانتقادات لرئيس الحكومة نوري المالكي. حصلت ضغوط خلف الأضواء عربية وغربية على حكــــومة المالكي المقرب من ايران والمتقارب منذ سنوات مع دمشق. اضطر الرجل لان يقول كلاماً مفاده انه ليس مع الحزب الواحد ولا الرئيس الواحد ولا الطـــائفة او القـــومية الواحدة. فهم السوريون أن في الامر مجرد اضطرار وان الموقف الحقيـــقي لرئيس الحكومة العراقي يصبّ في مصلحة التحالف الايراني السوري.

اغتيل القيادي الكردي مشعل تمّو. قلقت القيادة السورية من إلصاق الاتهام بها. سارع التلفزيون الرسمي الى اعتبار الرجل مناضلاً ومناهضاً للتدخل الدولي. سارعت المعارضة الى الصاق التهمة بالامن السوري. وبين الاتهام وعكسه بدا الامر وكأنه محاولة لدق اسفين جديد بين القيادة السورية والاكراد ليس في سورية فحسب، وانما في العراق وتركيا ايضا.

سر محاولة اغتيال السفير السعودي

يعتقد المقربون من دمشق وطهران، بأن كل الضجة التي اثيرت حول «مخطط» اغتيال السفير السعودي في واشنطن عادل الجبير، تهدف الى أمر واحد، هو تأجيج الدول الخليجية ومن خلفها دول عربية اخرى ضد طهران. يقول هؤلاء ان المعركة عادت الى مركزيتها. لا بد من وقف القدرة الايرانية على التحرك، خصوصا بعد الكلام الايجابي الذي صدر عن وزير الخارجية علي اكبر صالحي قبل فترة حيال انقرة والرياض.

ان سرعة ردة الفعل السعودية على لسان وزير الخارجية سعود الفيصل جعلت طهران ودمشق تشعران بأن ثمة فخاً يُنصب، وكان قد سبق ذلك تحذيرات اطلقها الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي من عملية عسكرية وقائية ضد ايران، وتبعه بعد فترة قصيرة وزير الخارجية الاسرائيلي افغيدور ليبرمان الذي هدد ايران بضربة عسكرية. كما ان وزير الدفاع الاميركي الاسبق ديك تشيني كان قد اعلن مؤخراً وقبل اسبوع من خطاب بنيامين نتنياهو في الامم المتحدة ان اسرائيل تنوي ضرب ايران وان هذا امر مؤكد.

يقول دبلوماسي اوروبي ان الزيارة التي قام بها وزير الدفاع الاميركي ليون بانيتا الى اسرائيل كانت تهدف الى كبح الجماح الاسرائيلي حيال طهران، وقد قال الرجل كلاماً واضحاً امام المسؤولين الاسرائيليين مؤكداً ان «موقف واشنطن واضح بان لا ضربة ضد ايران من دون تنسيق ليس فقط مع الولايات المتحدة وانما مع دول المنطقة كلها».

مثل هذه الاحتمالات عززت الشعور لدى المقربين من طهران بأن ثمة فخاً ينصب وان عدداً من الدول العربية وتحديدا الخليجية قد تنزلق اليه، وهذا ما دفع القيادة الايرانية الى موقفين متناقضين، اولهما من خامنئي نفسه وكان محذراً ومهدداً، والثاني من صالحي وكرر فيه الدبلوماسية الايرانية المعهودة في محاولة التهدئة مع الجوار وخصوصاً مع السعودية.

وسط هذه الاجواء، تكررت التحليلات الدمشقية القائلة بان الضغوط الاميركية والاوروبية هائلة على الدول العربية لدفعها الى مواقف خطيرة حيال سورية وايران، وان كشف واشنطن عن مخطط لاغتيال السفير السعودي لا يختلف عما حصل في اروقة الجامعة العربية في القاهرة من رغبة في تطويق الدولتين، ايران وسورية. وعاد علي اكبر صالحي ينصح السعودية بتوخي الحيطة والحـذر للحيلولة دون الوقوع في الفخ الاميركي.

اين لبنان ؟

وسط هذا الاحتقان الاقليمي والدولي، رفع حزب الله منسوب كلامه. وهذا طبيعي وفق المنظور الدمشقي. واستقبل الرئيس بشار الاسد مجموعة من القيادات اللبنانية السنية، اولها الرئيس الدكتور سليم الحص، ثم الرئــــيس عمـــر كرامــي، وبعدهما كمال شاتيلا ومصطفى حمدان وعبد الرحيم مراد.

تزامنت تلك الاستـــقبالات مع اسئـــلة كثــيرة حول سياسة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي. كان ميقاتي قد هدد بالاستقالة في حال أجبر لبنان على التـــصويت ضد القــــرار الدولي حيال سورية. المعلومات تؤكد ان روسيا لعبت دوراً مركزياً مع دمـــشق بغية دفع لبنان للامتناع وليس للمعارضة. يقـــال ان السفير نواف سلام هدد هو الآخر بالاستقالة.

من عاد من دمشق مؤخراً، يشير الى ان الرئيس الاسد مستمر على احتضانه لميقاتي، ويقال إنه نصحه بالتواصل مع الامير عبد العزيز في السعودية.

وينقل زائر لبناني عن الاسد تأكيده ان الاتصالات مع السعودية جيدة وان العلاقة مع الملك عبدالله مستمرة ولم تنقطع طيلة الازمة، لا بل ان العلاقة مع الامير نايف بن عبد العزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية جيدة خلافاً لما كان يشاع سابقاً.

وكان أمير قطر الشيخ حمد نفسه قد اتصل بالاسد مهنئاً بعيد الفطر، وثمة من يقول بان الاتصالات لم تنقطع رغم كل المواقف القطرية ورغم دور «الجزيرة»، وهذا ما نقله الضيف اللبناني عن الرئيس السوري الذي اشار الى ان الموقف الافضل يبقى للامارات العربية. ويبدو ان سفير الامارات في لبنان يقول كلاماً ايجابياً عن سورية. لكن بعض اوساط المعارضة تقول ان في الامر بعض المغالاة.

طنطاوي: الأسد رفيق سلاح

وفي مصر يبدو الوضع اكثر لفتاً للانتباه، فبالرغم من ان حركة الاخوان المسلمين هناك اصدرت اكثر من بيان ناقد للوضع في سورية وشاجب للعنف، فان المجلس العسكري يبقى في مكان آخر. تفيد المعلومات بان المجلس الوطني الانتقالي السوري طلب عقد لقاء له في القاهرة. تقدمت وزارة الداخلية بطلب رسمي الى المجلس العسكري، فكان الرد سلبياً، واكتفى العسكريون المصريون بمنح المعارضة السورية امكانية اجراء لقاءات على الاراضي المصرية وليس عقد مؤتمر حوار. وثمة من ينقل عن المشير طنطاوي قوله: «ان الاسد رفيق سلاح، وانه لا بد من الإبقاء على سورية قوية».

هذا الكلام المصري له أبعاد استراتيجية، ذلك ان اسرائيل تدرك ان مصر تعود شيئاً فشيئاً لتشكل تهديداً، ويشعر العسكريون المصريون بأن اللقاءات التاريخية بين القـــاهرة ودمشق وبـــين جيشي البلدين شكلت عبر الستينيات والسبعينيات الحجر الاساس الاول للمنطقة ولمواجهة اسرائيل.

جنبلاط والثقة المفقودة

اما بالنسبة لوليد جنبلاط فالوضع مختلف. ثمة انعدام ثقة متزايد من قبل القيادة السورية برئيس جبهة النضال، لكن رغبة احتواء الرجل لا تزال قائمة وأنيط وضعه بـ«حزب الله».

وقد ساهم لقاء جنبلاط مع قناة «المنار» قبل ايام قليلة في تأجيج الشكوك السورية حياله، ومفاد الشكوك ان حقيقة المواقف الجنبلاطية تصبّ في خانة معاداة النظام حتى ولو انه سعى الى تنميق ذلك بشجب قتل عسكريين او الى طرح ما يشبه المبادرة «التي يعرف هو نفسه انها غير قابلة ليس للتطبيق فقط بل وللترحيب ايضا».  وربما في هذا الاطار، لا يبدو مستغرباً افتتاح وئام وهاب مستشفى الصحابي سلمان الفارسي في الجبل قبل ايام.

وقد عبر جنبلاط غير مرة عن قلقه من احتمال تسليح دروز سوريا، وقال هذا الكلام صراحة للقيادة السورية، ويبدو أن جواب مسؤول سوري بارز على هذا القلق حمل شيئاً من المزاح ومفاده: «ان القلق في غير محله، ذلك ان الدروز تسلحوا منذ فترة طويلة».  اما على صعيد الاتهامات السورية لأطراف لبنانية بتهريب السلاح والمتفجرات، فإن الزيارة التي قام بها احد القادة الامنيــــين اللبنانيين البارزين لدمشق ولقاءه الرئيس الاسد ساهم في تعزيز الاطمئـــنان السوري الى ان لبنان سيـــستمر في منع تلك المحاولات وأن ثـــمة خطـــطاً توضع ويقترن ذلك بغض نظر لبناني عن بعض العمليات السورية الهادفة الى ملاحقة مهربي سلاح داخل الاراضي اللبنانية او اعتقال متسللين.

حمص القضية

في موازاة كل ذلك، يبقى الوضعان الامني والاقتصادي طاغيين على الاهتمام السوري الداخلي. حمص تبقى القضية الشائكة. المعلومات الراشحة منها توحي بكثير من الانــزلاقات المذهبية. يُحكى عن قتل على الهوية. ويُحكى عن غيتوات مذهبــية، وعن مدارس مفصولة بين الطائفتين العلوية والسنية، كما يُحكى عن سلاح كثير ومحاولات لجعل المدينة بنغازي جديدة. يبدو ان القرار المركزي هو الانتهاء من هذا الوضع في أقرب فرصة ممكنة. وهذه ستبقى اولوية قبل اي شي آخــر. اما الاصــلاح السياسي والتحاور مع المعارضة، فإن القيادة الــسورية لا ترى على الاقــل حتــى الآن اي حاجة للتــسرع في ذلك، وتستمر في التقدم بخطواتها وفق ما ترى ان فيه مصلحة لها.

 

  • فريق ماسة
  • 2011-10-19
  • 15229
  • من الأرشيف

سورية بين شروط الانفجار الإقليمي والتفجيرات الصغيرة

مع اتهام الولايات المتحدة لإيران بالتخطيط لاغتيال السفير السعودي في واشنطن عبدالله جبير، تقدم الاشتباك الاقليمي والدولي خطوة اضافية نحو الانفجار. كل التحليلات تصبّ في خانة القول ان ايران تبقى الهدف الاول، فطبيعي ان يزداد الضغط العربي والدولي على سورية وسط انسداد افق التسويات السياسية الحقيقية. لكن شروط الانفجار لم تجتمع تماماً بعد، فلا بد من انتظار شهور اخرى من التأزم والتفجيرات الصغيرة الدبلوماسية والأمنية، فتشتد قناعة النظام السوري بأن الأمن يبقى أولوية. لا شيء في دمشق يوحي بهذا الغليان الاقليمي. ولا شيء يوحي أيضاً بان ثمة مناطق اخرى في سورية تغلي على نار السلاح او على جمر الاقتتال المذهبي (حمص خير مثال). الحياة في دمشق اكثر من عادية. ازدحام سير في النهار. حركة الناس في الاسواق على معهودها قبل الازمة. والمطاعم تعجّ في الليل بأهل السمر. خصوصاً مطاعم الخمس نجوم المستلقية عند الضفة اليمنى لجادة المزة الشهيرة. والحضور الأنثوي الطاغي في ليالي المطاعم يوحي بأن لا قلق أمنياً فعلياً في دمشق. اما الفنادق، فهي شبه خالية في الأحياء القديمة على غرار تلك الموجودة في باب توما رغم زحمة الزوار وبعض السائحين الأجانب ليلاً في الأزقة القديمة المحافظة على تراث مسيحي وطابع فرنسي. بينما الفنادق التقليدية الكبرى في دمشق مثل الشيراتون فتعج بالحلفاء الخلّص لسورية، حيث يسمع الزائر لهجات من اميركا اللاتينية او من الهند والصين وروسيا. تضافرت وفود هذه الدول مذ قرر وزير الخارجية وليد المعلم محو اوروبا عن خريطة العالم، لكن الذين تم محوهم لا يزالون حاضرين بقوة عبر سفرائهم وهذه مسألة هامة في الوقت الراهن. واشنطن والمعارضة والعرب السفير الاميركي روبرت فورد باق في سورية رغم كل الضجيج حول دوره. ويقال الكثير في دمشق هذه الأيام حول الدور الاميركي. ومما يقال مثلاً إن وفداً من السفارة الاميركية زار أنقرة قبيل فترة وشارك في اجتماعات المجلس الانتقالي. بقي الأمر شبه سري ولكن الاميركيين وجهوا للمجلس نصائح عديدة وبينها : [ يجب ان يكون المجلس شاملاً كل اطياف المعارضة، خصوصاً ممثلي التنسيقيات والمعارضة الداخلية. [ من الافضل ان لا يكون الاخوان المسلمون في واجهة المجلس حتى ولو شكلوا جزءاً أساسياً فيه. [ يجب تقوية الرهان على الداخل السوري ثم التوجه الى الدعم الخارجي وليس العكس. [ ينبغي العمل على طبقة رجال الاعمال في سورية، وإفهامها بأن مصالحها سوف تتقهقر مع بقاء النظام الحالي وتتحسن لو أزيل. وفي المعلومات أيضاً ان الاميركيين قالوا للمعارضة ان واشنطن لن تعترف قريباً بالمجلس الانتقالي لأن ذلك لن يفيد الآن، وان مجرد اعتراف المجلس الانتقالي الليبي بالمجلس السوري دفع السوريين للقول إنه اعتراف من حلف شمال الاطلسي، فكيف اذا اعترفت واشنطن؟ تدرك واشنطن خطورة دعمها المباشر والعلني للمجلس الانتقالي، ولذلك قال أحد دبلوماسييها مؤخراً: «إننا لن نكون الدولة الأولى ولا الثانية او الثالثة ربما التي تعترف بالمجلس، نفضل ان يبرهن المجلس أولاً عن قاعدته الشعبية القوية ثم نقرر». استند هذا الحذر الاميركي الى جمعة دعم المجلس الانتقالي. الجمعة التي ارتفع فيها شعار «المجلس يمثلني» لم تحشد أكثر من 26 الف متظاهر وفق معلومات دبلوماسية دقيقة.  ليست الولايات المتحدة وحيدة في خيار الإبقاء على سفيرها فكل الأوروبيين لم يحركوا سفراءهم. ايطاليا استدعته ثم أعادته. اليابان كذلك. اما القرار المركزي الاوروبي فيقضي بالحفاظ على السفراء الاوروبيين في دمشق لكي «تبقى العين حاضرة» وفق ما يقول دبلوماسي غربي في دمشق. والاوروبيون ليسوا مستعجلين للاعتراف بالمجلس الانتقالي. يشعرون بأن ذلك قد يسيء اكثر مما ينفع. ولكن الاتصالات قائمة. فرنسا استقبلت علانية في مقر وزارة خارجيتها الشخصية الابرز في المجلس الدكتور برهان غليون. وقبل فترة جاء الى دمشق في زيارة غير معلنة مسؤول دانمركي، والحركة الاوروبية ناشطة جدا في اروقة مجلس الامن للضغط على النظام السوري، ومن المرجح ان تتفاعل مستقبلا. سر الفيتو الروسي منذ استخدام موسكو وبكين حق النقض «فيتو» ضد قرار ادانة سورية وفرض عقوبات اضافية عليها في مجلس الامن الدولي، شغل الموقف الروسي كثيرين. قيل انه مصلحي موقت، ولكن تبين مع الوقت أنه أكثر تجذراً مما يعتقد البعض. يقول دبلوماسي اوروبي إن موسكو استخدمت حق النقض لأسباب عدة أبرزها، ان الدبلوماسية الروسية شعرت بان الغرب «خدعها» في الملف الليبي حيث كانت الوعود لها تؤكد ان الاطلسي سيحمي فقط المدنيين واذا بالامر يتحول الى اجتياح وعملية للإطاحة بنظام العقيد معمر القذافي، فتوعدت موسكو خادعيها بالرد في ملف آخر. ثم ان موسكو تعتبر ان سورية قد تكون آخر معاقلها الفعلية في الشرق الاوسط ولو سقط نظام الاسد فإنها ستبتعد كلياً عن المنطقة. وتعتبر ايضا ان النظامين السوري والجزائري هما آخر نظامين يشبهان الى حد بعيد النظام الروسي، وسقوطهما يعني وصول التهديد الى الحدود الروسية. ويضاف الى ذلك ان نشر رادارات الدرع الصاروخية الاطلسية في تركيا وتنامي الدور التركي أشعرا الادارة الروسية بأن ثمة تهديداً فعلياً لها، خصوصا ان ذلك سيجعل منطقة المتوسط بكاملها حكراً على الاميركيين والاوروبيين، وقد يوصل لاحقاً التمدد الاسلامي بما فيه الاصولي الى الحدود الروسية. ويقال بان ثمة من عرض على موسكو اغراءات مالية تكون بديلاً مغرياً لحوالى 4 مليارات دولار تكسبها من بيع الاسلحة الى سورية، ويبدو ان دولة خليجية عرضت مضاعفة المبلغ مقابل التخلي عن نظام الاسد، ولكن ذلك بقي مجرد أمانٍ. ويكشف الدبلوماسي الغربي وجود بعض التباينات داخل الادارة الروسية حيال الملف السوري، فوزير الخارجية سيرغي لافروف مؤيد بقوة للقيادة السورية، بينما الرئيس ديمتري ميدفيديف يبدو أكثر ميلاً للموازنة بين دعم النظام من جهة وشجب قتل المدنيين من جهة ثانية، اما رئيس الوزراء فلاديمير بوتين فخياره مع سورية يبدو استراتيجياً. وفي كل الاحوال كل المعلومات الغربية تشير الى ان الموقف الروسي حيال سورية ليس قابلاً للتغيير قريباً وانه سيبقى داعما للنظام ورافضا لاي تدخل دولي. العرب والطوق على سورية يبدو ان الفيتو الروسي الصيني، وتماسك الجيش السوري وقدرة السلطة على التعامل عسكرياً مع كل مناطق التوتر، وتراجع عدد المتظاهرين، واستمرار قدرة بشار الاسد على جمع الكثير من المؤيدين، أمور دفعت الولايات المتحدة الاميركية ومعها جل الدول الاوروبية للضغط على العواصم العربية بغية رفع مستوى الضغوط على دمشق. لا تستطيع الادارة السورية تفسير ما جرى قبل يومين في مقر الجامعة العربية في القاهرة إلا من هذا المنظور. يقول السوريون إن المطلوب في الوقت الراهن هو «ضمان غطاء عربي» لأي قرار دولي في مجلس الامن، وتشريع التدخل الدولي، وإحراج روسيا والصين، بحيث لا تستطيع العاصمتان لاحقا اعاقة مشاريع قرارات او عقوبات في مجلس الامن ضد القيادة السورية. تركيا وغموض الموقف لا يختلف اثنان على ان الدور التركي كاد يكون مفصلياً في الازمة السورية. حجم الضغوط التي مارستها القيادة التركية كان لافتاً. لكن ما يختلف عليه اثنان هو مواقف الاطراف التركية حيال قيادة الاسد. فالمعلومات الدبلوماسية والامنية المتوافرة حتى الآن تشير الى ان الاستخبارات التركية واجهزة الامن والجيش لا تزال تؤيد عدم الانزلاق الى اتون اشتباك مع سورية. لا بل ان رئيس الاستخبارات حقان فيدان يزور دمشق بين وقت وآخر، تماماً كما ان مسؤولاً سورياً كبيراً يزور بين وقت وآخر انقرة. لا شيء يدفع للاعتقاد حتى الآن بان الامور مع انقرة جيدة، ولكن الأكيد ان لا شيء يدفع بالمقابل للاعتقاد بأن الامور ستسوء بسرعة. ثمة كلام عن تعديل طفيف في موقف رجب طيب اردوغان، بحيث انه لم يعد يرفع الصوت بقوة كما فعل في الاشهر الاولى وان الخطر الاكبر يبقى وزير الخارجية احمد داوود اوغلو، ولكن عارفي اردوغان يقولون إنه لا يمكن رصد مواقف الرجل، فغداً صباحاً قد يقول كلاماً اكثر قسوة من السابق، وكل ما في الامر ان الزلات الدبلوماسية التي ارتكبها حيال عدد من دول الجوار بما في ذلك في مصر حيث اثار الاخوان المسلمين بحديثه عن العلمانية، دفع ناصحيه في تركيا لنصحه بالتروي. ثم ان الكلام عن إقامة منطقة عازلة في الاراضي السورية، صار اقرب الى الوهم، ويقــول مســؤول دبلوماسي ذو عــلاقة مباشرة مــع انقرة بان الاتــجاه الآن هــو لإقــامة منطقة لجوء في الاراضي التركية وليس السورية، ذلك ان الحدود بين البلدين تتخطى 700 كيلومتر مربع وان اي حركة تركية معادية لسورية في 100 كــيلومتر ستـــدفع الســوريين للــرد في اكثر من مكــان عنــد الحدود او عبرها. قدرة الإيذاء عند الطرفين كبيرة. أسرار التهديد الإيراني لم يكن دخول ايران على الخط السوري التركي مفاجئاً. قال الجنرال يحيى رحيم الصفوي: «يتعين على تركيا ان تعيد النظر جذرياً في سياستها حيال سورية والدرع الصاروخي، والا فانها ستواجه مشاكل مع شعبها». ليس هذا من نوع التصريحات العابرة. فالرجل هو المستشار العسكري لآية الله علي خامنئي. تحذيره الداعم لسوريا جاء في وقت كانت مؤشرات تدخل تركي في الشؤون السورية تزداد ويزداد معها الضغط الاميركي على اردوغان للتحرك سريعاً. لم تكتف ايران بالتهديد. سعت لاحتضان حركة حماس. العائدون من طهران وتحديداً من مؤتمر دعم المقاومة يشرحون كم «تفانت» القيادة الايرانية في توجيه الرسائل الايجابية. لم يؤثر تصريح رئيس المكتب السياسي للحركة خالد مشعل والذي تحدث عن حقوق الشعوب بما فيها السوري في التعبير عن رأيه، لم يؤثر في تغيير الموقف الايراني. تصرفت طهران من موقع الراغب بإعادة الحركة الاسلامية الى مكانها الصحيح، خصوصاً وسط معلومات تتسرب منذ فترة عن محاولات سعودية وقطرية لإبعاد رموز الحركة عن دمشق. قدمت القيادة الايرانية احد اعلى الاوسمة لمحمود الزهار. ثم جاءت مفاجأة اخرى عبر اعلان مشعل نفسه ومن قلب دمشق نجاح صفقة تبادل الأسرى مع إسرائيل. تبين ان الخط الايراني السوري عاد يتوضح بقوة. تزامن ذلك مع التخبط في ملف الانسحاب الاميركي من العراق. وتزامن ايضاً مع تصاعد التفجيرات على الاراضي العراقية، ومع تهديدات للقوات الأميركية من زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، ومع دعم عراقي اقتصادي واضح لسورية. تحرك العامل الكردي. تعددت الانتقادات لرئيس الحكومة نوري المالكي. حصلت ضغوط خلف الأضواء عربية وغربية على حكــــومة المالكي المقرب من ايران والمتقارب منذ سنوات مع دمشق. اضطر الرجل لان يقول كلاماً مفاده انه ليس مع الحزب الواحد ولا الرئيس الواحد ولا الطـــائفة او القـــومية الواحدة. فهم السوريون أن في الامر مجرد اضطرار وان الموقف الحقيـــقي لرئيس الحكومة العراقي يصبّ في مصلحة التحالف الايراني السوري. اغتيل القيادي الكردي مشعل تمّو. قلقت القيادة السورية من إلصاق الاتهام بها. سارع التلفزيون الرسمي الى اعتبار الرجل مناضلاً ومناهضاً للتدخل الدولي. سارعت المعارضة الى الصاق التهمة بالامن السوري. وبين الاتهام وعكسه بدا الامر وكأنه محاولة لدق اسفين جديد بين القيادة السورية والاكراد ليس في سورية فحسب، وانما في العراق وتركيا ايضا. سر محاولة اغتيال السفير السعودي يعتقد المقربون من دمشق وطهران، بأن كل الضجة التي اثيرت حول «مخطط» اغتيال السفير السعودي في واشنطن عادل الجبير، تهدف الى أمر واحد، هو تأجيج الدول الخليجية ومن خلفها دول عربية اخرى ضد طهران. يقول هؤلاء ان المعركة عادت الى مركزيتها. لا بد من وقف القدرة الايرانية على التحرك، خصوصا بعد الكلام الايجابي الذي صدر عن وزير الخارجية علي اكبر صالحي قبل فترة حيال انقرة والرياض. ان سرعة ردة الفعل السعودية على لسان وزير الخارجية سعود الفيصل جعلت طهران ودمشق تشعران بأن ثمة فخاً يُنصب، وكان قد سبق ذلك تحذيرات اطلقها الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي من عملية عسكرية وقائية ضد ايران، وتبعه بعد فترة قصيرة وزير الخارجية الاسرائيلي افغيدور ليبرمان الذي هدد ايران بضربة عسكرية. كما ان وزير الدفاع الاميركي الاسبق ديك تشيني كان قد اعلن مؤخراً وقبل اسبوع من خطاب بنيامين نتنياهو في الامم المتحدة ان اسرائيل تنوي ضرب ايران وان هذا امر مؤكد. يقول دبلوماسي اوروبي ان الزيارة التي قام بها وزير الدفاع الاميركي ليون بانيتا الى اسرائيل كانت تهدف الى كبح الجماح الاسرائيلي حيال طهران، وقد قال الرجل كلاماً واضحاً امام المسؤولين الاسرائيليين مؤكداً ان «موقف واشنطن واضح بان لا ضربة ضد ايران من دون تنسيق ليس فقط مع الولايات المتحدة وانما مع دول المنطقة كلها». مثل هذه الاحتمالات عززت الشعور لدى المقربين من طهران بأن ثمة فخاً ينصب وان عدداً من الدول العربية وتحديدا الخليجية قد تنزلق اليه، وهذا ما دفع القيادة الايرانية الى موقفين متناقضين، اولهما من خامنئي نفسه وكان محذراً ومهدداً، والثاني من صالحي وكرر فيه الدبلوماسية الايرانية المعهودة في محاولة التهدئة مع الجوار وخصوصاً مع السعودية. وسط هذه الاجواء، تكررت التحليلات الدمشقية القائلة بان الضغوط الاميركية والاوروبية هائلة على الدول العربية لدفعها الى مواقف خطيرة حيال سورية وايران، وان كشف واشنطن عن مخطط لاغتيال السفير السعودي لا يختلف عما حصل في اروقة الجامعة العربية في القاهرة من رغبة في تطويق الدولتين، ايران وسورية. وعاد علي اكبر صالحي ينصح السعودية بتوخي الحيطة والحـذر للحيلولة دون الوقوع في الفخ الاميركي. اين لبنان ؟ وسط هذا الاحتقان الاقليمي والدولي، رفع حزب الله منسوب كلامه. وهذا طبيعي وفق المنظور الدمشقي. واستقبل الرئيس بشار الاسد مجموعة من القيادات اللبنانية السنية، اولها الرئيس الدكتور سليم الحص، ثم الرئــــيس عمـــر كرامــي، وبعدهما كمال شاتيلا ومصطفى حمدان وعبد الرحيم مراد. تزامنت تلك الاستـــقبالات مع اسئـــلة كثــيرة حول سياسة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي. كان ميقاتي قد هدد بالاستقالة في حال أجبر لبنان على التـــصويت ضد القــــرار الدولي حيال سورية. المعلومات تؤكد ان روسيا لعبت دوراً مركزياً مع دمـــشق بغية دفع لبنان للامتناع وليس للمعارضة. يقـــال ان السفير نواف سلام هدد هو الآخر بالاستقالة. من عاد من دمشق مؤخراً، يشير الى ان الرئيس الاسد مستمر على احتضانه لميقاتي، ويقال إنه نصحه بالتواصل مع الامير عبد العزيز في السعودية. وينقل زائر لبناني عن الاسد تأكيده ان الاتصالات مع السعودية جيدة وان العلاقة مع الملك عبدالله مستمرة ولم تنقطع طيلة الازمة، لا بل ان العلاقة مع الامير نايف بن عبد العزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية جيدة خلافاً لما كان يشاع سابقاً. وكان أمير قطر الشيخ حمد نفسه قد اتصل بالاسد مهنئاً بعيد الفطر، وثمة من يقول بان الاتصالات لم تنقطع رغم كل المواقف القطرية ورغم دور «الجزيرة»، وهذا ما نقله الضيف اللبناني عن الرئيس السوري الذي اشار الى ان الموقف الافضل يبقى للامارات العربية. ويبدو ان سفير الامارات في لبنان يقول كلاماً ايجابياً عن سورية. لكن بعض اوساط المعارضة تقول ان في الامر بعض المغالاة. طنطاوي: الأسد رفيق سلاح وفي مصر يبدو الوضع اكثر لفتاً للانتباه، فبالرغم من ان حركة الاخوان المسلمين هناك اصدرت اكثر من بيان ناقد للوضع في سورية وشاجب للعنف، فان المجلس العسكري يبقى في مكان آخر. تفيد المعلومات بان المجلس الوطني الانتقالي السوري طلب عقد لقاء له في القاهرة. تقدمت وزارة الداخلية بطلب رسمي الى المجلس العسكري، فكان الرد سلبياً، واكتفى العسكريون المصريون بمنح المعارضة السورية امكانية اجراء لقاءات على الاراضي المصرية وليس عقد مؤتمر حوار. وثمة من ينقل عن المشير طنطاوي قوله: «ان الاسد رفيق سلاح، وانه لا بد من الإبقاء على سورية قوية». هذا الكلام المصري له أبعاد استراتيجية، ذلك ان اسرائيل تدرك ان مصر تعود شيئاً فشيئاً لتشكل تهديداً، ويشعر العسكريون المصريون بأن اللقاءات التاريخية بين القـــاهرة ودمشق وبـــين جيشي البلدين شكلت عبر الستينيات والسبعينيات الحجر الاساس الاول للمنطقة ولمواجهة اسرائيل. جنبلاط والثقة المفقودة اما بالنسبة لوليد جنبلاط فالوضع مختلف. ثمة انعدام ثقة متزايد من قبل القيادة السورية برئيس جبهة النضال، لكن رغبة احتواء الرجل لا تزال قائمة وأنيط وضعه بـ«حزب الله». وقد ساهم لقاء جنبلاط مع قناة «المنار» قبل ايام قليلة في تأجيج الشكوك السورية حياله، ومفاد الشكوك ان حقيقة المواقف الجنبلاطية تصبّ في خانة معاداة النظام حتى ولو انه سعى الى تنميق ذلك بشجب قتل عسكريين او الى طرح ما يشبه المبادرة «التي يعرف هو نفسه انها غير قابلة ليس للتطبيق فقط بل وللترحيب ايضا».  وربما في هذا الاطار، لا يبدو مستغرباً افتتاح وئام وهاب مستشفى الصحابي سلمان الفارسي في الجبل قبل ايام. وقد عبر جنبلاط غير مرة عن قلقه من احتمال تسليح دروز سوريا، وقال هذا الكلام صراحة للقيادة السورية، ويبدو أن جواب مسؤول سوري بارز على هذا القلق حمل شيئاً من المزاح ومفاده: «ان القلق في غير محله، ذلك ان الدروز تسلحوا منذ فترة طويلة».  اما على صعيد الاتهامات السورية لأطراف لبنانية بتهريب السلاح والمتفجرات، فإن الزيارة التي قام بها احد القادة الامنيــــين اللبنانيين البارزين لدمشق ولقاءه الرئيس الاسد ساهم في تعزيز الاطمئـــنان السوري الى ان لبنان سيـــستمر في منع تلك المحاولات وأن ثـــمة خطـــطاً توضع ويقترن ذلك بغض نظر لبناني عن بعض العمليات السورية الهادفة الى ملاحقة مهربي سلاح داخل الاراضي اللبنانية او اعتقال متسللين. حمص القضية في موازاة كل ذلك، يبقى الوضعان الامني والاقتصادي طاغيين على الاهتمام السوري الداخلي. حمص تبقى القضية الشائكة. المعلومات الراشحة منها توحي بكثير من الانــزلاقات المذهبية. يُحكى عن قتل على الهوية. ويُحكى عن غيتوات مذهبــية، وعن مدارس مفصولة بين الطائفتين العلوية والسنية، كما يُحكى عن سلاح كثير ومحاولات لجعل المدينة بنغازي جديدة. يبدو ان القرار المركزي هو الانتهاء من هذا الوضع في أقرب فرصة ممكنة. وهذه ستبقى اولوية قبل اي شي آخــر. اما الاصــلاح السياسي والتحاور مع المعارضة، فإن القيادة الــسورية لا ترى على الاقــل حتــى الآن اي حاجة للتــسرع في ذلك، وتستمر في التقدم بخطواتها وفق ما ترى ان فيه مصلحة لها.  

المصدر : السفير/ سامي كليب


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة