دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
أجرى تلفزيون سوريا لقاءً خاصاً مع رجل الأعمال السوري المقيم في بريطانيا، أيمن أصفري، الذي عبّر عن مشاعر لا توصف لحظة عودته إلى سوريا بعد غياب دام 15 عاماً، عقب سقوط نظام بشار الأسد. وقال أصفري: "بكيت لحظة قطعت الحدود من لبنان إلى سوريا. كانت لحظة فرح عارمة لم أكن أتخيل أنني سأعيشها بعد كل ما مرّ بالبلد". وأشار إلى أنه زار دمشق وريفها خلال زيارته الأولى، وعبّر عن انطباعاته بقوله: "دمشق بدت حزينة، كئيبة، صحيح أن الناس فرحون بسقوط النظام ولديهم أمل بالإدارة الجديدة، لكن البؤس في كل مكان، الأبنية متهالكة، لم يُجرَ لها صيانة منذ 15 عاماً".
من إدلب إلى عالم المال والأعمال..
جذور سياسية عميقة وُلِد أصفري في مدينة إدلب عام 1958، في عائلة ذات خلفية سياسية. والده، الدكتور أديب أصفري، كان أحد مؤسسي حزب البعث العربي الاشتراكي، وقد تعرّف على صلاح الدين البيطار خلال دراسته في فرنسا، وشارك في تأسيس الحزب منتصف أربعينيات القرن الماضي.
عاد والده إلى سوريا بعد نيل شهادته وفتح عيادة في إدلب، ثم دخل البرلمان، وكان عضواً في مجلس الأمة خلال فترة الوحدة بين سوريا ومصر عام 1958.
وعند مجيء البعث بانقلاب عام 1963، استقال من الحزب احتجاجاً على الطريقة غير الديمقراطية التي استُخدمت للوصول إلى السلطة، مما أدى إلى إبعاده عن الحياة السياسية وتعيينه سفيراً في تركيا، ثم لاحقاً في يوغوسلافيا.
من الجامعة إلى عالم الأعمال
درس أصفري في جامعة حلب، ثم انتقل إلى الولايات المتحدة بعد صدور قانون التوظيف الإجباري في سوريا عام 1977، حيث نال بكالوريوس في الهندسة المدنية، وتابع دراسته في الماجستير بإدارة الأعمال. إلا أنه اضطر للعمل في أثناء الدراسة لتأمين مصاريفه، ولم يكمل الماجستير بالكامل في ذلك الوقت. وروى أصفري حادثة مؤلمة وقعت خلال أحداث حماة في الثمانينيات، حين كان والده مديراً لمشفى الكندي في حلب، إذ نُقل إليه عدد من المعتقلين المعذّبين على وشك الموت. اعترض والده على الطريقة التي عومل بها المعتقلون، فتم اعتقاله لفترة قصيرة، وبعد خروجه من السجن طلب الاستيداع وغادر سوريا نهائياً.
ويؤكد أصفري أن تلك المرحلة أثّرت كثيراً على وعيه السياسي والإنساني، ودفعته لاحقاً للعمل في الشأن العام، مع التزامه بالمبادئ التي تربّى عليها في بيئة أسرته السياسية.
لقاءان خاصان مع بشار الأسد.. وانسحاب من الاجتماع
أوضح أصفري أنه التقى بشار الأسد مرتين فقط، كان آخرهما في عام 2006 خلال زيارة رسمية إلى دمشق، وقال إن الزيارة جاءت بناءً على دعوة رسمية بعد طرح شركته للاكتتاب في البورصة، وقد جرى استقباله بمراسم رسمية في مطار دمشق. وروى أصفري تفاصيل اللقاء الذي عُقد في قصر الشعب، وقال إن الأسد بدأ الحديث بإبداء الإعجاب بنجاحاته، لكنه سرعان ما استفسر عن رأيه بالدكتور سامي الخيمي، السفير السوري في لندن، قبل أن يعبّر له عن رغبته في أن يكون أصفري بمثابة "سفير" للنظام بدلاً من سامي. وأشار أصفري إلى أنه رفض هذا الطرح، وسأل الأسد مباشرة عن سبب اعتقال الكاتب ميشيل كيلو. وقال: "فوجئت بانفعاله، وبدأ يشتم كيلو بكلمات نابية"، مضيفاً أنه رد على الأسد بأن الديمقراطية لا تُبنى من دون إصلاح سياسي. وتابع: "أخبرني أن الشعب السوري لا يستحق الديمقراطية، فغادرت الاجتماع بعد 40 دقيقة فقط".
دعم المعارضة السورية
تحدث أصفري عن دعمه السياسي والمعنوي للثورة السورية، مؤكداً مشاركته في تأسيس المجلس الوطني، وتأييده للدكتور برهان غليون، ومساهمته في دعم الائتلاف الوطني. كما كشف عن حضوره لمؤتمر الرياض عام 2015، الذي انتُخب فيه رياض حجاب رئيساً لهيئة التفاوض. وأشار إلى أنه التقى العديد من المسؤولين الأميركيين والخليجيين، لكنه لم ينخرط في السياسة كمهنة، نظراً لارتباطاته المهنية، ولأنه كان يشغل منصب المدير التنفيذي لشركة عامة. وقال: "هناك فرق بين اتخاذ موقف سياسي وبين احتراف السياسة. دعمت الثورة، لكنني لست سياسياً".
اتهامات في العراق وخسائر في العمل
أصفري أشار إلى أن شركته تعرّضت لهجوم كبير عام 2012، عندما صدر بحقه حكم في العراق بتهمة دعم الإرهاب، ما أدى إلى تراجع أعماله في المنطقة. وأوضح أنه اضطر إلى الاستقالة من منصبه التنفيذي، تفادياً للإضرار بشركائه ومستثمريه.
تحدث أصفري بإسهاب عن "مؤسسة الأصفري"، التي أطلقها عام 2006 لدعم التعليم والمجتمع المدني، مستلهماً تجربته الشخصية حين حصل على منحة دراسية غيّرت مسار حياته. وقال إنه موّل أكثر من 100 مؤسسة سورية، من بينها "القبعات البيضاء"، ومؤسسات إعلامية وحقوقية ونسوية. كما أشار إلى تأسيس مشروع "مدنية" عام 2021، والإعلان عنه رسمياً عام 2023 في معهد العالم العربي في باريس، مضيفاً أن المشروع بات اليوم مظلة تجمع عشرات المؤسسات، وتعمل على الدفاع عن قيم الدولة المدنية والديمقراطية.
العودة إلى الداخل والتواصل مع الشرع
أكد أصفري أنه عاد إلى سوريا بعد سقوط النظام، والتقى الرئيس أحمد الشرع أكثر من مرة، وخصص منزله في الشام القديمة مقراً لمنصة "مدنية". وأشار إلى أن اللقاءات شملت ملفات مهمة، منها الطاقة، والبنية التحتية، والاقتصاد الرقمي. وقال إنه أرسل فريقاً من الخبراء لدراسة إمكانيات زيادة إنتاج الغاز، خصوصاً في الحقول التي سبق له العمل بها سابقاً. وأكد أن هذا الملف كان محورياً في مناقشاته مع المسؤولين.
لا طموح لمنصب رسمي
نفى
أصفري بشكل قاطع أي نية لتولي منصب رسمي، مشيراً إلى أنه لم يُعرض عليه أي
منصب، ولم يطلب ذلك. وقال إن هناك شائعات رُوّجت حول ترشيحه، لكنه أصدر
بياناً ينفي فيه تلك المزاعم.
وانتقد بعض البنود في الإعلان الدستوري، لا سيما ما وصفه بـ"غياب فصل السلطات"، وتوسيع صلاحيات رئيس الجمهورية.
وأشار
أصفري إلى أن الإدارة الأميركية منقسمة بشأن التعامل مع الإدارة الجديدة في
سوريا، بسبب وجود شخصيات مصنفة إرهابية، ومقاتلين أجانب ضمن هيكلية الجيش.
في ختام
حديثه، شدد أصفري على أهمية بناء دولة ديمقراطية مدنية، تقوم على المواطنة
المتساوية، والمحاسبة، وسيادة القانون. وقال: "أنا مستعد لخدمة بلدي من أي
موقع، لكنني لا أطمح إلى منصب. سأبقى ناصحاً ومتابعاً، ولن أكون معارضاً،
لكنني سأكون ناصحاً".
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة