دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
الكاتب عبد الرحيم التاجوري
كثّفت إسرائيل أنشطتها العسكرية في
مناطق الجنوب السوري، بهدف إعادة رسم ملامح جديدة للمنطقة، ليس فقط من منظور الردع
الأمني، بل أيضًا من خلال فرض واقع جديد، وفقًا لما أعلنه وزير الدفاع الإسرائيلي،
يسرائيل كاتس، الذي شدد على أن تل أبيب لن تسمح بأن يتحول جنوب سوريا إلى نسخة
أخرى من جنوب لبنان.
حيث يسعى نتنياهو إلى إحكام قبضته على جنوب
سوريا، مدعومًا من الولايات المتحدة وإدارة الرئيس دونالد ترامب. ويبدو أن نتنياهو
واثقٌ من أنه لن يجد من يردعه عسكرياً في الوقت الراهن على الأقل، خصوصاً وأن
إسرائيل مستمرة في تنفيذ مئات الغارات على منشآت عسكرية وقواعد بحرية وجوية في
أنحاء سوريا، الأمر الذي أدى إلى تدمير إسرائيل لأكثر من 70 في المئة من البنية
التحتية العسكرية السورية.
وفي هذا السياق أعرب دميتري بوليانسكي نائب
مندوب روسيا لدى الأمم المتحدة عن إدانة موسكو للضربات التي يشنها الجيش
الإسرائيلي على الأراضي السورية، ودعا بوليانسكي، خلال جلسة لمجلس الأمن حول
سوريا، تل أبيب إلى "العودة إلى الوفاء بالتزاماتها بموجب اتفاقية فض
الاشتباك لعام 1974 وسحب وحداتها من المنطقة العازلة والأراضي السورية الأخرى
المحتلة منذ ديسمبر 2024".
وتسعى تل أبيب إلى استغلال الأوضاع في سوريا
لفرض حائط أمني داخل الجنوب السوري، وسط حالة عدم الاستقرار الداخلي، خاصة في ظل
الأحداث التي يعيشها الساحل السوري في الأونة الأخيرة، إذ على الرغم من التراجع
النسبي في حجم الجرائم الجماعية التي أودت بحياة آلاف الأشخاص على خلفية طائفية،
تعيش اللاذقية وطرطوس ظروفاً مأساوية في ظل استمرار الجرائم التي يقال إنها
"فردية"، فيما يذهب ضحيّتها عشرات الأشخاص يومياً، بين مفقود ومخطوف
وقتيل. وفقًا
للمرصد السوري لحقوق الإنسان، ارتفع إجمالي عدد المجازر إلى 41 مجزرة، بينما اقترب
عدد الجثث التي تم العثور عليها حتى الآن من 1600 ضحية. وأشار المرصد إلى أن هناك
العديد من المناطق التي لم يتم الوصول إليها بعد. وقد وصفت منظمات حقوقية المعارك
في الساحل بأنها ترقى إلى جرائم تطهير عرقي بحق الأقلية العلوية التي تسكن تلك
المنطقة. لا يزال القلق في الساحل السوري يلقي بظلاله
على المدنيين، في وقت لا توحي فيه الحلول المؤقتة التي اتخذتها الإدارة السورية
الجديدة ببوادر انفراج قريب، بل إنها أقرب ما تكون إلى محاولة تجميل صورة الانفلات
الأمني ذي البعد الطائفي، مع ما يحمله من صبغة تطرفية، وذلك بحجة ملاحقة
"فلول النظام".
الأمر الذي لفت نظر العالم إلى التشكيك حول مدى
قدرة الحكومة الجديدة على ضبط الفصائل المتطرفة، على الرغم من التطمينات الرسمية
التي أطلقتها إدارة الشرع، عبر تشكيل لجنة السلم الأهلي للتحقيق في المجازر
الممنهجة التي وقعت في الساحل، الا أنا تحركات حكومة أحمد الشرع تتناقض مع التطمينات. هذه التناقضات تمثلت في القرار الصادر عن وزير
الدفاع في الحكومة والذي وصفه المراقبين بـ"المريب والمثير للجدل" والذي
يقضي بتنصيب سيف الدين بولاد، الملقّب بـ"أبي بكر"، وهو قائد "فرقة
الحمزات" المتورطة في ارتكاب جرائم في الساحل، والذي تمّ منحه رتبة عميد، قائداً
جديداً للفرقة 76 العاملة في محافظة حلب، الأمر الذي أثار ردود فعل متفاوتة في
الشارع السوري، في ظل الحديث عن محاسبة مرتكبي الجرائم، لا تكريمهم. وفي خضم التطورات الأخيرة، برز الدور الروسي
وسط مناخ من الاستقطاب الحاد المفعم بالاحتقان الطائفي، حيث لعبة قاعدة حميميم
دوراً مهماً في ضمان حياة آلاف المدنيين الذين فروا من القتل بعدما تقطعت بهم
السبل، حيث فتحت القاعدة أبوابها لإيوائهم وتقديم المساعدات الإنسانية والصحية
لهم، بالإضافة إلى الأمان الذي كان ينشدونه.وهذا
ما جعل قاعدة "حميميم" الملاذ الآمن والوحيد للمدنيين من أبناء الطائفة
العلوية خلال الاشتباكات التي شهدها الساحل السوري، وعملت على التنسيق والتواصل مع
السلطة في دمشق لبحث سبل تأمين الحماية والعودة الآمنة لهم. وهذا ما ظهر من خلال
زيارات مسؤولين مدنيين وعسكريين سوريين إلى القاعدة والحوار المباشر مع اللاجئين
إليها.
ويرى المحلل السياسي الدكتور حسام مؤمن ، إلى أن الشرع وحكومته فقدا الكثير من شرعيتهم
في عيون الأقليات، خاصة وأن ملاحقة فلول النظام لا تبرر الممارسات الوحشية التي
حصلت تجاه الأقليات، وأضاف أنا التطورات الأخيرة تشكل تحدياً كبيراً لحكومة دمشق. وأكد
الدكتور حسام مؤمن ، على ضرورة تعاون
الشرع مع الحكومة الروسية والتركية لدعم القدرات الدفاعية للجيش السوري الجديد،
خصوصاً وأن أغلبية المعدات والأنظمة الحربية التي يستخدمها الجيش السوري اليوم، هي
من إنتاج الاتحاد السوفييتي أو روسيا. ونوه مؤمن إلى إن إعادة بناء الجيش سوف
تتطلب إما إعادة تسليح كاملة، وهو ما يفرض وجود نوع من العلاقة مع الجانب الروسي.
وشدد المحلل السياسي، على أن تواجد
موسكو في البلاد، سيضمن بشكل واضح خلق التوازن في مجابهة التحديات الأمنية في
الفترة المقبلة في سوريا، وهو ما يتماشى مع سياسة الحكومة السورية الجديدة، خاصة
وأن موسكو تلعب دور الحياد في الشأن السوري، الأمر الذي سيحافظ على السيادة
السورية، ويمنع أي اشتباك محتمل بين الأطراف المتصارعة في سوريا. ولطالما
كانت روسيا تحظى بنفوذ كبير في منطقة الشرق الأوسط، وبالأخص في سوريا، وذلك لأسباب
تاريخية وسياسية واستراتيجية. ولم تتغير هذه الأمور مع الحكومة السورية الجديدة،
خصوصًا مع التزام القيادة السورية الجديدة بالتعاون مع موسكو، شريطة أن يحترم ذلك
مصالح سوريا الوطنية.
الكاتب عبد الرحيم التاجوري : كاتب وباحث في شؤون الشرق الاوسط والعلاقات الدولية
المصدر :
خاص الماسة السورية
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة