دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
الدكتور محمد صادق
إن سوريا اليوم بحاجة الى الخوض في مرحلة إعادة إعمار شاملة، في ضوء التحديات المختلفة على الصعد السياسية والاجتماعية والأمنية. وعلى الرغم من صعوبة التحول نحو الديمقراطية، فإنه يبقى مطلباً أساسياً لدى السوريين. والأمل معقود على أن يستلهم السوريون من تجارب الماضي لبناء دولة مستقرة تقوم على أسس العدالة والمساواة، وتتجنب الانقسامات الطائفية والفوضى.
وبنظر المراقبين، فإن السياسة الخارجية التي إتبعتها الإدارة السورية الجديدة تخدم هذه التطلعات. حيث تعمل الإدارة الجديدة في الوقت الحالي على بناء علاقات طيبة مع كافة الدول المجاورة والمرتبطة بشكل مباشر أو غير مباشر بالملف السوري والمهتمة بالعلاقات مع سوريا الجديدة.
كما أن علاقات سوريا مع العالم الخارجي بدأت تعتمد على الإحترام المتبادل وتوازن القوى. على عكس ما كان في عهد نظام بشار الأسد من تبعية لإيران ولرغباتها وسياساتها التي أفقدت سوريا وزنها ومكانتها الإقليمية. وهذا الأمر بدأ يترجم على أرض الواقع بنتائج إيجابية وبما يخدم الإدارة الجديدة في عملية النهوض بالاقتصاد والتحول الديمقراطي.
وبنظر المحلل السياسي جابر الكاسر فإن سوريا اليوم بأمس الحاجة لشركاء وحلفاء من الدول الأخرى كتركيا التي دعمت الثورة السورية ووقفت معها منذ اليوم الأول، للنهوض وإعادة الإعمار. كما أن الوجود الروسي في البلاد سيساهم في استقرار سوريا، وتجاوز تحديات التقسيم، التي لازالت تواجه السوريين، خصوصاً بعد أحداث الساحل السوري المؤسفة.
فقد ضربت مدن الساحل السوري وقراه أحداث عنف دامية منذ حوالي الأسبوعين في إطار حملة أمنية نفذتها قوات الأمن العام والقوات المتحالفة معها، التي تضم عناصر أجنبية من دول آسيا الوسطى، ضد فلول النظام البائد بعد مهاجمة الأخيرة مواقع الأمن العام في تلك المدن، حيث قُتل مئات المدنيين، بينهم نساء وأطفال، وفقًا لتقارير المرصد السوري لحقوق الإنسان.
وأفادت حينها مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان أن عائلات بأكملها، بما في ذلك نساء وأطفال، قُتلت خلال هذه الأحداث. والعديد من الحالات كانت إعدامات ميدانية نُفذت على أساس طائفي. فيما تداركت الإدارة السورية الجديدة الموقف، عبر إيقاف العملية الأمنية وتشكيل الرئيس أحمد الشرع لجنة وطنية مستقلة للتحقيق في أحداث الساحل السوري ومحاسبة المتورطين.
وبهذا السياق، أشار المحلل الى ضرورة الاستعانة بالشرطة العسكرية الروسية، وتسيير دوريات أمنية مشتركة. وهو ما سيردع العناصر التي تريد الإخلال بالأمن وبث الطائفية في قلوب السوريين. لأن القوات الروسية سبق وأن راقبت مناطق التوتر وساهمت في احتواء العديد من الأزمات خلال عهد النظام البائد. خصوصاً وأنهم متواجدون على الأرض في قاعدتي حميميم وطرطوس العسكريتين الروسيتين.
كما أكد الكاسر على أن روسيا تقوم بخطوات فعالة على الأرض، وهي مهتمة ببناء علاقات جيدة مع السلطات السورية الجديدة. وأشار الى توالي وصول السفن الروسية المحملة بالنفط الى سوريا، ناهيك عن شحنات النقود (الليرة السورية) التي تتوالى في الوصول الى مصرف سوريا المركزي، والتي تجاوزت 300 مليار ليرة سورية.
من جهته، أعرب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في رسالة إلى الرئيس السوري أحمد الشرع عن استعداد روسيا لتعميق التعاون مع سوريا في جميع المجالات المطروحة على الطاولة الثنائية. جاء ذلك وفقًا لتصريحات متحدث الكرملين دميتري بيسكوف، الذي أكد أن موسكو تسعى لتطوير العلاقات الودية التقليدية مع دمشق عبر تعزيز التعاون العملي في القضايا المشتركة.
وكانت الفترة الأخيرة قد شهدت زيادة في التواصل بين الجانبين، حيث أجرى بوتين اتصالًا هاتفيًا مع الشرع. كما أن وفدًا روسيًا رفيع المستوى، ضم نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف والمبعوث الرئاسي ألكسندر لافرينتييف، زار دمشق مطلع العام الجاري، في أول زيارة من نوعها بعد التغييرات السياسية الأخيرة.
وأعربت موسكو في جميع إتصالاتها مع دمشق عن دعمها لوحدة سوريا وسيادتها، واستعدادها لتقديم المساعدة في إعادة إعمار البلاد. فيما تشير تقارير إلى اقتراب الطرفين من التوصل إلى اتفاقات جديدة لتعزيز التعاون. بينما أكد الشرع مرات عديدة على رغبة الإدارة السورية في إقامة علاقات استراتيجية مع روسيا، مع الحفاظ على سيادة سوريا و استقلالها.
وختم المحلل بأنه بعيدًا عن المقاربات السطحية التي تتحيز لهذه الدولة أو تلك، فإن التفكير الواقعي يفرض النظر إلى المستقبل وإدراك أن الحفاظ على علاقات متينة بين سوريا وروسيا سيحقق مكاسب كبيرة للسوريين. الى جانب الحفاظ على العلاقات المميزة بين سوريا وتركيا والدول العربية الشقيقة.
الدكتور محمد صادق *كاتب وباحث في شؤون الشرق الأوسط والعلاقات الدولية
المصدر :
*الدكتور محمد صادق /كاتب وباحث في شؤون الشرق الأوسط والعلاقات الدولية
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة