#
  • فريق ماسة
  • 2025-03-23
  • 1471

تعديلات جذرية مقترحة على قانون اللجوء في ألمانيا تثير جدلاً قانونياً

تعتزم الأحزاب الألمانية الكبرى، التي تتفاوض حالياً لتشكيل حكومة ائتلافية، إدخال تعديلات جذرية على قانون اللجوء، تهدف إلى تحميل طالبي اللجوء المسؤولية الكاملة عن إثبات حاجتهم للحماية، لكن خبراء القانون يحذرون من أن هذا المقترح غير مدروس وقد يخالف القوانين المعمول بها. وبعد أكثر من أسبوع من المحادثات التمهيدية، قدمت أحزاب "الاتحاد المسيحي" والحزب الاشتراكي الديمقراطي في 8 آذار الجاري، وثيقة تفاهم أولية تمهد الطريق لبدء مفاوضات تشكيل حكومة ائتلافية، حيث تم التوصل إلى اتفاق مبدئي بشأن قضايا أساسية تشمل سياسة الهجرة واللجوء، والمالية، وسوق العمل والاقتصاد. وفاز التحالف المسيحي الذي يضم حزبي (الاتحاد الديمقراطي المسيحي/الاتحاد الاجتماعي المسيحي) بقيادة فريدريش ميرتس، بالانتخابات التي جرت في 23 شباط الفائت، بحصوله على 28.6 في المئة من الأصوات، في حين سجل الحزب الاشتراكي الديمقراطي بزعامة المستشار أولاف شولتس أدنى نتيجة له في الانتخابات بنسبة 16.4 في المئة من الأصوات.                         تحوّل جذري في الإجراءات القانونية في وثيقة التفاهم المشتركة المؤلفة من 11 صفحة التي قدمها الحزبين، جاء في الفصل المتعلق بخطط الطرفين حول سياسة الهجرة واللجوء، جملة ربما لم تلفت انتباه الكثيرين، تشير إلى أنه سيتم تعديل قانون اللجوء بحيث يكون طالب اللجوء مسؤولاً عن تقديم الأدلة والوثائق بنفسه. العبارة التي وردت في الوثيقة والتي نصت على أنه "يجب أن يتحول مبدأ التحقيق الرسمي إلى مبدأ تقديم الأدلة في قانون اللجوء"، تحمل في طياتها تحولاً جذرياً في الإجراءات القانونية، إذ سيتوجب على طالبي اللجوء أن يبرهنوا بأنفسهم، وبشكل أكثر صرامة من السابق، أنهم يستحقون الحماية، وقد يؤدي تقديم معلومات غير كافية إلى رفض طلباتهم حتى لو كانوا فعلاً بحاجة للحماية.   ووفقاً لصحيفة (فيلت) الألمانية، فإن "الاتحاد المسيحي" يأمل من هذا التعديل تقليل عدد طالبي اللجوء المقبولين وتخفيف العبء عن المحاكم، لكن خبراء القانون الذين تحدثت إليهم الصحيفة يرون أن هذا الإجراء غير قانوني.                                                                                                تناقض مع المبادئ القانونية الحالية في القانون الإداري الألماني، الذي يشمل قانون اللجوء، تتولى السلطات والمحاكم حالياً مسؤولية جمع الأدلة والتحقق من الوقائع في كل حالة لجوء، فهي غير مقيدة فقط بما يقدمه الأفراد، بل يجب على القاضي المسؤول أيضاً التأكد من استكمال أي معلومات غير كافية، ويوضح فريدريك فون هاربو، خبير قانون الهجرة أن "مبدأ التحقيق الرسمي يهدف إلى الوصول للحقيقة بشكل موضوعي". في المقابل، فإن مبدأ "تقديم الأدلة" معمول به في القانون المدني، حيث لا يكون النزاع بين المواطن والدولة، بل بين أطراف خاصة، إذ يتحمل الأفراد المتنازعون مسؤولية تقديم جميع المعلومات والأدلة المتعلقة بالقضية. ويقول البروفيسور دانييل تايم، أستاذ القانون العام في جامعة كونستانس إن "تطبيق هذا المبدأ على قضايا اللجوء، يعني أن القاضي سيكتفي بالاستماع إلى ما يقدمه طالب اللجوء، ثم يصدر قراره بناءً على ذلك فقط، دون أن يأخذ في الاعتبار الأوضاع أو أي معلومات أخرى قد تكون معروفة عن بلد المنشأ".                                  تعارض مع الدستور والقوانين الأوروبية ويعتقد تايم أن السبب وراء هذا التغيير المحتمل هو طول مدة قضايا اللجوء، حيث تأمل الحكومة في تسريع إجراءات اللجوء عبر تقليل دور القضاة في البحث عن الأدلة وفرض المزيد من المسؤوليات على اللاجئين، مما يؤدي إلى ارتفاع معدل رفض الطلبات، ويسهم في تقليل أعداد القادمين إلى ألمانيا. ويُشير الخبير في قوانين الهجرة  فريدريك فون هاربو إلى أنه لا توجد سابقة في القانون الإداري الألماني تُلغى فيها بالكامل مسؤولية الدولة عن التحقيق واستبدالها بمسؤولية مقدم الطلب. ويرى أن مبدأ التحقيق الرسمي مستمد من مبدأ سيادة القانون في الدستور الألماني، والذي يهدف إلى ضمان العدالة والمساواة في الإجراءات الإدارية، كما أن محكمة العدل الأوروبية تعتبر هذا المبدأ جزءاً من "الحق في إدارة جيدة"، وهو حق منصوص عليه في ميثاق الحقوق الأساسية للاتحاد الأوروبي. يقول البروفيسور تايم إن القانون الأوروبي ينص من جهة على أن من واجب طالبي اللجوء تقديم جميع الأدلة التي تدعم طلبهم للحصول على الحماية بأسرع وقت ممكن، ووفقاً لقانون اللجوء الألماني، يُلزم طالبو اللجوء بتسليم أي وسائط قد تكون مهمة للتحقق من هويتهم، كما يجب عليهم الخضوع لالتقاط الصور والبصمات. من جهة أخرى، تفرض قوانين الاتحاد الأوروبي على الدول الأعضاء فحص طلبات اللجوء بشكل فردي، مع الأخذ في الاعتبار جميع الحقائق المتصلة بوضع البلد الأصلي لطالب اللجوء، والتي تكون ذات صلة في وقت اتخاذ القرار. وبالاستناد إلى الحقوق الأساسية، يعني ذلك وفقاً لتايم أن "المحاكم لا يمكنها تجاهل المعلومات المعروفة بوضوح عن الوضع في البلد الأصلي لطالب اللجوء". وكانت المحكمة الدستورية الاتحادية في ألمانيا قد أشارت في قرار عام 2013 إلى أنه لا يمكن تحميل الأفراد عبء الإثبات بطريقة تنتهك حقوقهم الأساسية، وأن الدولة قد تتحمل "عبء إثبات ثانوي" إذا كانت لديها معلومات لا يستطيع المواطن الوصول إليها.                                                                                                                                                                                                                                                                                      هل سيصبح طلب اللجوء أكثر تعقيداً؟ على سبيل المثال، يذكر الخبير القانوني أنه إذا طلب لاجئ سوري اللجوء في عام 2016 بسبب الاضطهاد السياسي، ولكنه لم يذكر أن هناك حرباً في بلاده، فإنه حتى إذا لم يصدق مكتب الهجرة واللاجئين أو المحكمة روايته عن الاضطهاد السياسي، يجب عليهما أن يفحصا ما إذا كان يستحق الحماية الفرعية بسبب الحرب، لأنه في عام 2016، كان معروفاً أن هناك حرباً قائمة في سوريا. ويخشى فون هاربو أن تؤدي القواعد الجديدة إلى تباين أكبر في قرارات منح صفة اللاجئ، ما قد يخلق تمييزاً غير عادل بين المتقدمين بطلبات لجوء. أما البروفيسور تايم، فيشير إلى أنه قد يكون هناك حل وسط عبر وضع "قواعد افتراضية"، أي تحديد افتراضات قانونية بشأن أوضاع معينة في دول معينة، بحيث يتم اعتبار بعض المتقدمين غير مستحقين للحماية دون الحاجة إلى تحقيق واسع النطاق. لكن تايم يعترف أيضاً بأن هناك نطاقاً واسعاً بين المعلومات التي تعتبر "معروفة بوضوح" ويجب عدم تجاهلها، وبالتالي يجب أن يقدمها طالب اللجوء بنفسه في المستقبل، وإلا فإن عدم تقديمها سيكون ضد مصلحته. وبالنظر إلى ذلك، يبدو أن طالبي اللجوء في المستقبل سيحتاجون إلى محامٍ جيد يعرف ما يجب تقديمه، أو إلى حظ جيد في حال صادفوا قاضياً على دراية كافية. وفي هذا السياق، يعتبر فون هاربو أن الطلبات الواردة في وثيقة التفاهم المشتركة "غير مدروسة وغير قابلة للتنفيذ من الناحية الدستورية والأوروبية".                                                                                                                                                                                                                                                             الجدل السياسي حول المقترح ووفقاً لمصادر من داخل "الاتحاد المسيحي" فإن إدراج هذا الاقتراح في وثيقة التفاهم يرجع إلى مبادرة من رئيس وزراء ولاية ساكسونيا، مايكل كريتشمر (من حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي)، الذي يدعو منذ سنوات إلى إصلاح جذري لقوانين اللجوء، حتى لو تطلب الأمر تعديل الدستور. لكن المثير للاستغراب هو أن الحزب الاشتراكي الديمقراطي وافق على هذه الصياغة رغم أنه كان ينتقد سياسات الهجرة الخاصة بالاتحاد المسيحي خلال الحملة الانتخابية. نائب رئيس الكتلة البرلمانية ديرك فيزه، الذي يقود فريق الحزب الاشتراكي الديمقراطي في مجموعة العمل المهمة "الداخلية، القانون، الهجرة والاندماج" في المفاوضات الجارية لتشكيل الائتلاف الحكومي، صرح لصحيفة (فيلت) أن "هناك حاجة إلى إشراك طالبي اللجوء بشكل أكبر في تقديم المعلومات، لكن التنفيذ يجب أن يتماشى مع القوانين الأوروبية". من غير الواضح كيف سيتم تنفيذ هذه التغييرات دون انتهاك القوانين الألمانية والأوروبية، ومع ذلك، من المؤكد أن النقاش حولها سيظل مستمراً خلال مفاوضات تشكيل الحكومة، وسيكون هناك الكثير من التحديات القانونية أمام تنفيذها.


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة