#
  • فريق ماسة
  • 2024-06-13
  • 4286

حكومة التضخم: أربعة أعوام من الغلاء أشدها في 2023

   كتب زياد غصن..   لا يكاد يخلو تصريح أو اجتماع رسمي من الحديث عن اهتمام الحكومة بالعمل على ضبط الأسعار في الأسواق المحلية، لكن عملياً ما يحدث هو أن سياسات هذه الحكومة وإجراءاتها وقراراتها هي التي تدفع بالمزيد من “الحطب” إلى “موقدة نار” التضخم أو الغلاء، والأمثلة على ذلك كثيرة. ولهذا فإن الحكومة الحالية تحرص على إخفاء العديد من البيانات والمؤشرات الاقتصادية الرئيسية، وتأخير إصدارها أو لنقل، تأخير نشرها لسنوات عدة بغية تقليص مساحة الاهتمام بها، ومن المؤسف في هذا السياق الإشارة إلى ما تقوم به بعض الأجهزة الإحصائية العربية من إصدارها لنشرات دورية حديثة عن الرقم القياسي لأسعار المستهلك، في حين أن آخر نشرة صادرة عن المكتب لدينا حول الموضوع نفسه تعود إلى العام 2021. أكثر من ذلك، فإن تجاهل الحكومة للمؤشرات الاقتصادية الأساسية (معدل التضخم، البطالة، الفقر..) في جميع مداخلاتها أمام مجلس الشعب يؤشر إلى وجود نية حكومية بالتهرب من مناقشة هذه المؤشرات على المستوى الوطني، وما يمكن أن تفضي إليه من استنتاجات حول تقييم الأداء الحكومي. العام الأسوأ: بالعودة إلى موضوع التضخم، يمكن القول إن السنوات الأربع الأخيرة سجلت أعلى نسبة ارتفاع في معدل التضخم منذ عدة عقود، وذلك تحت تأثير مجموعة من المتغيرات السياسية والاقتصادية التي شهدتها البلاد بعد العام 2019، والتي من أبرزها ما يلي: تشديد الحصار الاقتصادي الأمريكي على سوريا وما تبعه من إصدار قانون “قيصر”، سيطرة القوات الأمريكية على حقول النفط والقمح الرئيسية في البلاد، الأزمة الاقتصادية في لبنان، الدمار الكبير الذي لحق بالبنى التحتية والإنتاجية للبلاد، والسياسات والإجراءات الحكومية المطبقة. إذا ما حاولنا الوقوف على معدلات التضخم المسجلة في عهد الحكومة الحالية، سنكون كالعادة في مواجهة ظاهرة عدم توفر البيانات والمؤشرات، فما هو متاح رسمياً يعود فقط للعامين 2020 و2021، وهنا سنكون في مواجهة روايتين، إن صح التعبير. الأولى صادرة عن المكتب المركزي للإحصاء؛ إذ بحسب ما ورد في المجموعة الإحصائية لعام 2022، بلغ معدل التضخم السنوي في العام 2021 حوالي 118.8%، وفي العام 2020 حوالي 114.2%، بينما لم يتجاوز في العام 2019 أكثر من 13.4%، وأحد الأسباب الأساسية التي أدت إلى استمرار ارتفاع معدل التضخم خلال العام 2021 كان رفع الحكومة في ذلك العام لأسعار المشتقات النفطية والمواد التموينية المدعومة بشكل مضاعف. الباحث عن رقم رسمي للتضخم سوف يلاحظ وجود تباين في معدل التضخم السنوي لعام 2020 بين ما هو منشور على الموقع الإلكتروني للمكتب المركزي للإحصاء، وبين ما تضمنته المجموعة الإحصائية في الفصل المتعلق بالأسعار، فعلى الموقع قيل إنه يبلغ 163.1%، وفي المجموعة الإحصائية ذكر أنه 114.2%. أما الرواية الثانية فهي صادرة عن المصرف المركزي، حيث صدرت خلال السنوات الماضية تصريحات عدة لمسؤوليه حمل بعضها تناقضاً واضحاً فيما بينها، مثلاً، مدير أبحاث المصرف أكد في تصريحات صحفية سابقة أن معدل التضخم العام المسجل في عام 2020 بلغ 114%، ثم تراجع إلى 101% في العام 2021، وإلى حوالي 55% لغاية شهر أيلول من العام 2022. لكنه عاد بعد عدة أشهر ليقول إن معدل التضخم في العام 2021 سجل حوالي 118.8%، وحوالي 59.5% في العام 2022. توقعات معظم الباحثين والاقتصاديين تذهب إلى التأكيد أن معدل التضخم المسجل في العامين التاليين 2022 و2023 لن يكون أفضل حالاً بالنظر إلى انتهاج الحكومة لسياسة رفع أسعار جميع السلع والخدمات، سواء المدعومة منها أو غير المدعومة، في الوقت الذي كان سعر الصرف لا يزال هو الآخر يسجل تراجعاً كبيراً، فضلاً عن تراجع عجلة الإنتاج المحلي عوضاً عن تنشيط حركتها كما تحرص الحكومة على القول. من أهم البيانات غير الرسمية التي تعمل على متابعة واقع الرقم القياسي لأسعار المستهلك التقرير الدوري الصادر عن المركز السوري لبحوث السياسات، والذي من خلال مطابقة بياناته مع ما هو متاح من بيانات المكتب المركزي فيما يتعلق بالرقم القياسي نجد هناك تقارباً ما، مع فارق وحيد هو شمول بيانات المركز للمناطق الخارجة عن سيطرة الدولة، والتي من الضروري الوقوف على أوضاعها وتطوراتها الاقتصادية باعتبارها مرآة لماهية التدخل الخارجي فيها. وفقاً للتقرير الأخير الصادر عن المركز المذكور، فإن العام 2023 كان الأول بين الأعوام الأربعة الماضية لجهة معدل التضخم السنوي المسجل في عموم البلاد، فقد قدر معدل التضخم السنوي للأسعار في العام 2023 بحوالي 116% مقارنة مع 85% في العام 2022، وحوالي 110% في العام 2021، وحوالي 113% في العام 2020. هذا على خلاف ما ورد في بيانات المكتب المركزي للإحصاء للعامين المذكورين آنفاً. تكشف البيانات غير الرسمية أن مقارنة معدل التضخم السنوي للأسعار بين عامي 2019 و2023 تخلص إلى أن المعدل ارتفع في العام الماضي (2023) بحوالي 1300%، ولعل من أهم الأسباب التي جعلت من معدل التضخم في العام الماضي هو الأعلى منذ العام 2020 ما تعرضت له الليرة من انخفاض شديد في سعر صرفها وصلت نسبته إلى حوالي 140% مقارنة بواقع سعر الصرف المسجل في العام 2022، كما أن رفع أسعار المشتقات النفطية عدة مرات في ذلك العام، وأكبرها كان في شهر آب، لعب دوراً أساسياً أيضاً في ارتفاع معدل التضخم، إضافة إلى العوامل الأخرى المعروفة من عقوبات خارجية، الضرر الكبير الذي حل بالقاعدة الإنتاجية، محدودية مصادر القطع الأجنبي، وما إلى ذلك. التضخم جغرافياً جغرافياً، لا تتضمن البيانات الرسمية أي تقديرات إحصائية لواقع معدل التضخم تبعاً لكل محافظة، فالاهتمام ينصب على قياس معدل التضخم شهرياً وتبعاً للسلع والخدمات فقط، وهذه، على أهميتها، إلا أنها غير كافية اليوم بالنظر إلى أن الحرب، وما شهدته من تحولات ديمغرافية واقتصادية واجتماعية عميقة، أسهمت في زيادة الفوارق التنموية بين المحافظات وتمايزها عن بعضها البعض، الأمر الذي يفرض ضرورة قياس جميع المؤشرات الاقتصادية ليس على المستوى الوطني فحسب، وإنما على مستوى المحافظات والمحليات أيضاً للوقوف على العوامل المؤثرة على التضخم تبعاً لكل محافظة ومحاولة معالجتها. في تقرير مركز السياسات المشار إليه سابقاً، هناك محاولة للوقوف على معدل التضخم في كل محافظة، بحسب التقديرات، والتي هي في النهاية غير رسمية، فإن هناك 12 محافظة سجلت في العام الماضي تضخماً سنوياً زاد معدله عن 100%، تصدرتها الحسكة بمعدل 148%، فالرقة 137%، طرطوس ثالثاً بحوالي 135%، درعا رابعاً بحوالي 131%، وخامساً جاءت اللاذقية بحوالي 127%، واللافت أن أقل المحافظات تضخماً كانت محافظة إدلب وقد بلغ معدل التضخم فيها حوالي 60%، ثم حلب بنحو 99%، فحماة بنحو 109%. أما بالنسبة لمعدل التضخم المسجل تبعاً للسلع والخدمات، فإن بيانات المجموعة الإحصائية لعام 2021 تظهر أن معظم الاحتياجات الرئيسية للأسرة السورية سجلت معدل تضخم زادت نسبته عن 100%، مثلاً، المطاعم والفنادق سجلت معدل التضخم الأكبر بمعدل قدره 182.4%، تلتها الأغذية والمشروبات غير الكحولية في المرتبة الثانية بمعدل تضخم 120.4%، فالترويح والثقافة 117%، السكن والمياه والكهرباء والغاز وأنواع الوقود الأخرى 115.1%، المشروبات الكحولية والتبغ 113.5%، والنقل كان معدل تضخمه 110.6%، أما أقل السلع والخدمات تضخماً فكانت الترويح والثقافة غير الربحية بمعدل 32.3%، والتعليم 43%.. على الطرف الآخر، تظهر تقديرات المركز السوري لبحوث السياسات أن مجموعة الأغذية والمشروبات غير الكحولية كانت المساهمة الأكبر في معدل التضخم السنوي في سوريا لعام 2023، وذلك بنسبة مساهمة قدرها 45%، كما سجلت مجموعة السكن والمياه والكهرباء والغاز وأنواع الوقود الأخرى ثاني أكبر مساهمة في التضخم السنوي بنسبة 25.7%، ساهمت مجموعة النقل بنسبة 6.8%، وكانت مساهمة بقية مجموعات السلع والخدمات مجتمعة حوالي 22.5% من مجمل التضخم السنوي للعام 2023. مزيداً من الضغوط كما تبين سابقاً، فإن الأغذية، والسكن والمياه والكهرباء والغاز وأنواع الوقود الأخرى سجلت معدلات تضخم عالية خلال السنوات السابقة، وهذا ما يفسر أسباب زيادة معدل الفقر وتعمقه خلال السنوات السابقة من ناحية، ورفع المنظمات الأممية لتقديراتها السنوية حول عدد السوريين الذين هم بأمس الحاجة للدعم والمساعدة، والذين وصل عددهم هذا العام لحوالي 16.7 مليون سوري من ناحية أخرى. ومع ذلك فإن الحكومة لا تزال مصرة على معالجة مشكلة عجز إيراداتها من خلال رفع أسعار العديد من السلع والخدمات، وتالياً التسبب بمزيد من التضخم في أسعار الأغذية والسكن ومصادر الطاقة، أي مزيداً من الضغوط على فقراء البلاد.  

المصدر : زياد غصن _أثر برس


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة