دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
سجّل
قطاع الفوسفات، الذي تعوّل عليه الدولة التونسية في توفير الموارد وتحقيق
توازنات مالية، انتعاشة هامة في الفترة الأخيرة نتيجة اهتمام السلطة
بالقطاع؛ وذلك بالعمل على معالجة صعوباته والعودة إلى نسق الإنتاج المعهود
ومستوياته العادية، وهو ما عجزت الحكومات السابقة عن تحقيقه.
تونس - حقّق قطاع الفوسفات
في تونس مؤشرات قياسيّة في التسويق لم تعرفها البلاد منذ ما يزيد عن عشر
سنوات، ما يؤكّد حسب الخبراء بداية تعافي القطاع الحيوي الذي يمكن أن يوفر
موارد مالية هامة للدولة وينعش الخزينة العامة، في ظل تعثر المفاوضات مع
صندوق النقد الدولي من أجل الحصول على قرض لتجاوز أزمتها المالية
والاقتصادية.
وتشهد صادرات قطاع الفوسفات انتعاشة منذ
مدة، فيما تمكنت تونس من استعادة أسواقها التقليدية على غرار الأسواق
الآسيوية والأميركية والأوروبية.
وتقول أوساط سياسية إنه تمّ العمل بجدية في
الفترة الأخيرة لحل المشاكل المتعلقة بتعطيل الإنتاج، رافقه وعي جماعي
بانعكاسات استغلال موارد الفوسفات، فضلا عن تحسّن المناخ السياسي
والاجتماعي.
وكثيرا ما يكرر الرئيس التونسي قيس سعيد أن
قطاع الفوسفات بإمكانه أن يوفّر إيرادات مالية هامة لميزانية الدولة
ويجنّبها الاقتراض من الخارج، في وقت تتعثر فيه المفاوضات مع صندوق النقد
الدولي للحصول على قرض بنحو 1.9 مليار دولار.
محمد صالح الجنادي: التحسن في الإنتاج سببه فرض الانضباط في النقل
وبلغت صادرات تونس من الفوسفات التجاري في
السوق العالمية منذ بداية العام الجاري 187 ألفا و500 طنّ، ما يُمثلّ كذلك
ضعف صادرات كامل سنة 2022.
وتثبت صادرات الفوسفات نحو بلدان أوروبية
والبرازيل، والتي لم تُحقّقها تونس منذ سنة 2012، استمرار انتعاشة مبيعات
تونس من هذه المادة في الأسواق العالمية بالمقارنة مع السنوات الماضية،
والجهود التي قامت بها الشركة بهدف الاستفادة من تنامي الطلب العالمي على
مادّة الفوسفات وارتفاع أسعاره.
وقال مدير مراكز الشحن بشركة فوسفات قفصة
ماهر رواشد إنّه “بعد شحن كمّية جديدة من الفوسفات التجاري قدرها 7 آلاف
و260 طنّا انطلاقا من الميناء التجاري بصفاقس (وسط شرق) نحو كلّ من إيرلندا
وإسبانيا في شهر سبتمبر الماضي، يرتفع حجم صادرات تونس من هذه المادّة نحو
الأسواق العالمية منذ بداية السنة إلى 187 ألفا و500 طنّ”.
وكان مسؤولون بشركة الفوسفات قد أعلنوا
بداية العام الجاري أن المؤسسة تهدف إلى إنتاج 5.6 مليون طنّ من المادة على
مدار السنة، ضمن جهودها لتجاوز التراجع الحاد المسجل في العشرية الأخيرة
التي لم يتخط خلالها الإنتاج 3.5 مليون طن، فيما كان يفوق 8 ملايين طن عام
2010.
ووضعت الشركة برنامجا بعنوان سنة 2023 يروم
تصدير ما لا يقلّ عن 400 ألف طنّ من الفوسفات التجاري نحو مُصنّعي الأسمدة
الكيميائية في القطاعين العام والخاصّ بأوروبا وآسيا وأميركا الجنوبية، حسب
ما صرّح به مسؤولون في الشركة خلال بداية العام الجاري.
وبلغت صادرات تونس من الفوسفات التجاري نحو
الأسواق العالمية كامل سنة 2022 حوالي 90 ألف طنّ، وهي صادرات وُجّهت إلى
أسواق أوروبية وآسيوية، بما في ذلك أسواق انقطعت مبيعات تونس لها من
الفوسفات منذ أكثر من عشر سنوات.
وقال الخبير المالي والمصرفي محمد صالح
الجنادي إن “عودة الإنتاج بعد توقف الإضرابات المتكررة وتغيير طرق نقل
الفوسفات من الشاحنات إلى القطارات والسكك الحديد ساهمت في تحسين إنتاج هذه
المادة”.
حاتم المليكي: هناك تزايد للوعي الجماعي بضرورة استغلال هذه الثروة
وأكّد لـ”العرب” أن “التحسن في الإنتاج سببه
فرض الانضباط على مستوى الإنتاج والنقل، ويبرز اهتماما واضحا من السلطة
بهذا القطاع ومراهنة حقيقية عليه، على عكس الحكومات السابقة التي أهملته”،
مشيرا إلى أنه “كان يوجد تهاون وممارسات فساد يعطّلان إنتاج الفوسفات”.
وأوضح أن “التوقعات تشير إلى إنتاج 5 ملايين
طنّ هذه السنة، لكن يجب الوصول إلى 12 مليون طن من الفوسفات من أجل توفير
عائدات مالية هامة (في حدود 10 مليارات دولار)”.
وأكّد أن “ميزانية 2024 تحتاج إلى رصد 8 مليارات دولار، وهو ما يستدعي تحسين طرق استخدام هذه الثروة مع باقي القطاعات الأخرى”.
وتهاوى الإنتاج من 8.2 مليون طن سنويا إلى
أقل من النصف خلال العشرية الماضية بسبب الإضرابات العمّالية والمطالب
المرتبطة بتوفير فرص عمل والتنمية وارتباك الحكومات المتعاقبة في معالجة
أزمة أهم قطاع إستراتيجي.
وعانى القطاع الحيوي خلال الأعوام الأخيرة
من تواتر الإضرابات والتحركات الاحتجاجية التي عرقلت الإنتاج في العديد من
مناطق الحوض المنجمي.
واضطرت شركة الفوسفات إلى انتداب الآلاف من
الموظفين للقيام بأعمال بيئية بعد موجة احتجاجات طالبت بالتشغيل والتنمية
وتسببت في إيقاف إنتاج المادة طيلة العديد من الأشهر، ما ألقى على عاتقها
أعباء مالية.
وأكد الناشط السياسي حاتم المليكي أن “هناك
إدارة جديدة على مستوى شركة فوسفات قفصة لها دراية أفضل مع مناخ عمل مختلف،
فضلا عن تزايد الوعي الجماعي بضرورة استغلال هذه الثروة لتجاوز الأزمات
المالية والاقتصادية”.
ولفت في تصريح لـ”العرب” إلى “وجوب ألا يكون
التحسن ظرفيا بل يستند إلى إصلاحات هيكلية في المؤسسة من أجل ديمومة
الإنتاج”، مشيرا إلى أن ” ممارسات الفساد موجودة في كل القطاعات، وهذا
يستوجب تشديد المراقبة مع إعادة النظر في الدور الاجتماعي للشركة”.
واستثمرت دوائر فساد محلية (ولاية قفصة) في
أزمة البطالة وحاجة المنطقة إلى توظيف أبنائها لإغراق شركة فوسفات قفصة
بتعيينات عشوائية تقدّر بالآلاف من العاملين غير المتخصصين وغير القادرين
على تطوير المؤسسة.
وطال الفساد مواصفات عربات النقل التي تم
شراؤها، إذ اكتشفت الشركة أن العربات لا تستجيب لحاجياتها، فضلا عن وجود
تضارب في المصالح لمستوردين صاروا يعتمدون على الأسمدة الجزائرية ويعرقلون
الإنتاج التونسي.
وطرح عجز الحكومات المتعاقبة عن حلحلة أزمة
الفوسفات الكثير من التساؤلات، خاصة وأن الملف حوّل تونس من ثالث منتج
عالمي قبل سنة 2010 إلى مستورد للفوسفات في عام 2020.
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة