#
  • فريق ماسة
  • 2023-10-04
  • 6501

أميركا أكثر انقساماً... والأوروبيون هلِعون: أوكرانيا لم تَعُد «حرباً مقدسة»

بلغ الانقسام الأميركي الداخلي، في المدة الأخيرة، حدّاً بات يعطّل، على نحو فاضح، تقديم مساعدات إلى أوكرانيا، ويدقّ «ناقوس الخطر» في كييف والعواصم الأوروبية الأخرى، بعدما باتت الأخيرة تستشعر إمكانية «تخلّي» واشنطن، في وقت ليس ببعيد، عن التزامها تجاه الحرب الأوكرانية. وتُرجم «التململ» الأميركي إزاء هذا الملفّ، والذي أصبح ينسحب حتى على بعض الدول الأوروبية التي كانت تُعدّ من أكبر داعمي كييف في بداية الحرب، بـ«الفتور» الذي طغى على استقبال فولوديمير زيلينسكي، في واشنطن أخيراً، إذ بدلاً من إلقاء كلمة أمام الكونغرس، ونيْل تصفيق حارّ من الحزبَين، على غرار ما حصل في كانون الأول الماضي، وجد الرئيس الأوكراني نفسه هذه المرّة أمام ما هو أشبه بـ«جلسة استجواب»، ومعارضة جمهورية أكثر شراسة، يعزّزها غياب أيّ مؤشرات إلى إمكانية تحقيق كييف أيّ تقدّم في «هجومها المضادّ» البطيء، لا سيما أن فصل الشتاء أصبح على الأبواب. هكذا، بدأت المساعدات التي يفترض أن تخصَّص لأوكرانيا تذهب بالفعل ضحية الانقسامات الأميركية الداخلية، حيث أثبت الجمهوريون أنّهم باتوا قادرين، أنّى أرادوا، على «تعطيل» أيّ حزمة ضخمة مستقبلياً. أمّا أوروبياً، فلا تبدو الصورة أقلّ قتامة، إذ إن اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في العاصمة كييف، والذي وُصف بـ«التاريخي» كونه عُقد للمرّة الأولى خارج حدود الاتحاد، لا يخفي حقيقة أن حدّة الانقسام داخل الكتلة الأوروبية آخذة في الارتفاع، بعدما بات من المتوقّع أن تنضمّ سلوفاكيا، بعد فوز رئيس الوزراء السابق، اليميني روبرت فيكو في الانتخابات الأخيرة - وهو الذي تعهّد بعدم إرسال «قطعة ذخيرة» إلى كييف في حال فوز حزبه - إلى المجر، أقرب حليف إلى روسيا في الاتحاد الأوروبي، والتي تعارض بدورها مزيداً من الدعم لأوكرانيا. على الضفة نفسها، بلغ الخلاف حول ملفّ الحبوب الأوكرانية التي تدخل الأسواق البولندية، وتؤثّر سلباً على المزارعين المحليين، ذروته أخيراً، ما دفع الرئيس البولندي، أندريه دودا، إلى محاولة «فضّ الخلاف» بين زيلينسكي ورئيس الوزراء البولندي، أتيوش مورافيتسكي، الذي لم يوفّر فرصة لانتقاد الرئيس الأوكراني، وتذكيره بأن «بلاده تستضيف مليون لاجئ أوكراني»، وصولاً إلى إعلانه أن وارسو «توقّفت عن نقل الأسلحة إلى أوكرانيا، لأنّنا نسلّح الآن بولندا بأسلحة أكثر حداثة». وقد حاول دودا «تبرير» تصريحات مورافيتسكي بأنه «أُسيء تفسيرها بأسوأ طريقة ممكنة»، موضحاً أنه سيتمّ إرسال أسلحة إلى كييف بموجب الاتفاقيات «المبرمة مسبقاً»، على أن تكون «قديمة» حصراً، لكي تُستخدم الحديثة منها في تحديث الجيش البولندي. ووسط هذه «الفوضى»، بدا زيلينسكي، أخيراً، كما لو أنّه يغرّد «في سرب آخر» تماماً، بإعلانه، بداية هذا الشهر، أنه سيستمر في «محاربة الغزو الروسي مهما طال الأمر»، وأنّه لن يقبل بنهاية أقلّ من «الفوز». الجمهوريون يعطّلون المساعدات أثناء زيارة زيلينسكي الأخيرة إلى واشنطن، تعهّدت مجموعة من المشرّعين الجمهوريين، مؤلّفة من 23 عضواً في مجلس النواب وستة أعضاء في مجلس الشيوخ، بقيادة السناتور جي دي فانس والنائب تشيب روي، بمعارضة أيّ حزمة مساعدات مستقبلية لكييف. وسرعان ما أثبتت المعارضة الجمهورية قدرتها على تنفيذ تهديداتها. فنزولاً عند رغبة عدد من الجمهوريين المتطرّفين، لم يشمل مشروع القانون المؤقّت للتمويل، والذي أقرّه الكونغرس في وقت متأخّر من يوم السبت، بهدف تجنّب إغلاق حكومي في البلاد، أيّ مساعدة لأوكرانيا. وفيما لا يزال البيت الأبيض جنباً إلى جنب مع الغالبية من الحزبَين في مجلسَي الكونغرس، يدعمان تقديم مزيد من الدعم لكييف، فإن مثل هذه المجموعة من المعارضين ستكون كافية لمنع، أو في الحدّ الأدنى «تأخير»، الخطوات الإجرائية اللازمة لتمرير أيّ تمويل أوكراني إلى مجلسَي الشيوخ والنواب للتصويت عليه، وهو ما يجب أن يكون بمنزلة «تحذير لزيلينسكي، حول التحدّيات التي قد يواجهها هو وداعموه في الكونغرس مستقبلاً»، وفق ما تورد صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية. كما أن رئيس مجلس النواب، كيفن مكارثي، نفسه، يبدو غير مقتنع فعلياً بمسار الدعم الأميركي الحالي للحرب. لا بل إن «المحطّة الأكثر خطورة» في رحلة زيلينسكي إلى واشنطن، وفق الصحيفة نفسها، كانت لقاءه مكارثي في غرفة منفردة، حيث وجد الرئيس الأوكراني نفسه عرضة للمساءلة حول الإستراتيجية والتكتيكات، وفق أشخاص مطّلعين على الاجتماع. وتابعت المصادر أن مكارثي ركّز تحديداً على ضرورة ألّا يكون الصراع «مفتوحاً»، متسائلاً عمّا إذا كان الجيش الأوكراني يستخدم الأسلحة التي تقدّمها الولايات المتحدة بطريقة «مسؤولة»، فضلاً عن أنه رفض في الأساس طلب زيلينسكي إلقاء كلمة أمام اجتماع مشترك للكونغرس هذه المرّة أيضاً. وفي مقابلة تلفزيونية، في الأول من هذا الشهر، رأى مكارثي أنه يتعيّن على المشرّعين الذين يطالبون بمزيد من التمويل لأوكرانيا، «الموافقة على تمويل يضمن أمن الحدود الأميركية أولاً»، في مؤشّر إلى أن معارضة المساعدات لكييف لا تقتصر على «المتطرّفين» وحدهم في الحزب الجمهوري.   فشل تمرير المساعدة في مشروع القانون الأميركي الجديد أثار «هلعاً» لدى أوكرانيا والداعمين الأوروبيين «هلع» في كييف وأوروبا من الواضح أن فشل تمرير المساعدة في مشروع القانون الأميركي الجديد أثار «هلعاً» لدى أوكرانيا والداعمين الأوروبيين على حدّ سواء. فرؤية واشنطن، التي «قادت» حتى الآن الدعم لكييف - مقدّمةً ما مجموعه 100 مليار دولار من ضمنها أسلحة بقيمة 43 مليار دولار - قد بدأت «تتلكّأ» في تقديم مزيد من الدعم، ستكون محبطة للدول الأوروبية، التي ترى العديد منها، على عكس الولايات المتحدة، في الحرب الأوكرانية «تهديداً وجودياً لها». وفي السياق، يورد تقرير لمجلّة «ذا أتلانتيك» الأميركية أن التشكيك في صحّة التورط الأميركي في دعم أوكرانيا، أصبح، أخيراً، محطّ إجماع في قلب الجناح الشعبوي للحزب الجمهوري الذي لا يُعدّ أقلية، محذراً من أن الانقسام الأميركي - الأوروبي في هذا الملفّ قد يؤدي، في نهاية المطاف، إلى «الانفصال» بين الطرفَين، وبالتالي «انهيار أنجح تجمّع أمني في التاريخ الحديث»، أي «الناتو»، بحلول عام 2025. وينصح التقرير الذي نُشر الشهر الماضي، الدول الأوروبية التي تعتمد إلى حدّ كبير على أنظمة الأسلحة الأميركية، بالتفكير في كيفية أخذ مواجهة روسيا على «عاتقها وحدها» في المستقبل، في حال «تخلّت» الولايات المتحدة عنها قريباً، منبّهاً إلى أنه «إذا تخلّت الولايات المتحدة بكلّ بساطة عن أوكرانيا، بعد عام ونصف عام من الآن، فأوروبا لن تكون قادرة بأيّ شكل على تعويض فقدان المساعدات الأميركية لكييف»، بل أقصى ما في إمكانها فعله هو التفكير في إستراتيجيات للتخفيف من حدّة هذا الانسحاب على أوروبا. ولا تقتصر هواجس «التخلّي» الأميركي على الأوروبيين، بل تنسحب على الأوكرانيين أيضاً. وفي هذا الإطار، يشير المحلّل والكاتب الروسي، ألكسندر نازروف، عبر منشور على «تيلغرام»، إلى أنه في الأسابيع الأخيرة، بدت الدعاية الأوكرانية «أشبه بالدعاية الروسية»، إذ حملت المقابلات مع خبراء أوكرانيين عناوين على غرار «أوكرانيا على شفا حرب أهلية»، «والوحدة انتهت»، «ونهاية معجزات التفاؤل»، «ولقد نفدت الهدايا»، مضيفاً أن «موجة من الذعر قد بدأت في أوكرانيا»، تزامنت مع بداية الخريف، فيما «الشتاء قادم». وعلى ضوء هذه التطوّرات، تسعى إدارة بايدن جاهدة، وفق مصادر مطّلعة تحدّثت إلى موقع «أكسيوس» أمس، إلى طمأنة حلفائها إلى أن المساعدات لأوكرانيا «ستستمر رغم المعارضة المتزايدة لها في الكونغرس». وأضافت المصادر أنه في إطار هذه المساعي، يخطّط بايدن ووزير الخارجية، أنتوني بلينكن، للاتّصال بالعديد من نظرائهم في أوروبا اليوم، كما من المقرّر أن يعقد الرئيس الأميركي مؤتمراً عبر الهاتف مع قادة دول «مجموعة السبع»، والعديد من الحلفاء الأوروبيين الآخرين، للغرض نفسه. «تشاؤم» حول «أبرامز» إلى جانب ما «لا تحصل عليه كييف»، يبقى اللافت أن التشاؤم أصبح يحيط أيضاً، وبصورة علنية، بالمساعدات التي تنجح واشنطن في إيصالها إلى أوكرانيا. فعلى سبيل المثال، وتزامناً مع إعلان بايدن وصول أوّل دفعة من دبابات «إم 1 أبرامز» الأميركية إلى المسرح الأوكراني، طرح عدد من المراقبين أسئلة عن التأثير المحتمل الذي قد تتركه الأسلحة الجديدة في «الهجوم المضادّ». ورغم أن «أبرامز»، التي تعدّ من بين أكثر دبابات العالم تطوّراً، تمتلك بعض المزايا الفنية التي يمكن أن تجعلها أكثر فائدة لكييف من الدبابات الغربية الأخرى، وأن وصولها قد يعطي «دفعة معنوية» للقوات الأوكرانية، وفق صحيفة «وول ستريت جورنال»، إلّا أن الأخيرة تنقل عن مسؤولين أوكرانيين اعترافهم بأنه بعد أربعة أشهر من الهجوم، من غير المرجّح أن تغيّر هذه الدبابات شكل الحرب إلى حدّ كبير. وتتطابق تلك الاعترافات مع تحذيرات مسؤولي وزارة الدفاع الأميركية أنفسهم، مراراً، من أن منظومة أسلحة واحدة لن «تغيّر مسار الحرب»، بسبب ما وصفوه بـ«تعقيدات» هذه الأخيرة، وسط تخوّف من أن تلقى «إم 1 أبرامز» مصير دبابات «ليوبارد 2» الألمانية وناقلات الجنود المسلّحة الأميركية، التي دمّرتها حقول الألغام والطائرات الروسية منذ أشهر قليلة

المصدر : الأخبار


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة