#
  • فريق ماسة
  • 2023-09-30
  • 6439

النمو الاقتصادي يخسر السباق أمام النمو السكاني في مصر

تسعى الحكومة المصرية إلى خفض النمو السكاني المطرد والذي تحمله مسؤولية التعثر الاقتصادي والتهام موارد الدولة المالية، إلا أن ذلك ليس المسؤول الوحيد عن الركود الاقتصادي في مصر، حسب مراقبين يحملون ذلك أيضا لفشل السياسات الحكومية في إدارة الموارد. وكشف الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي أثناء حضوره مؤتمرا للسكان عقد بالعاصمة الإدارية في القاهرة، قبل أسابيع، عن خوفه العميق من استمرار الارتفاع في معدلات الزيادة السكانية في البلاد السنوات المقبلة ما يتسبب في كارثة، لافتا إلى أن الحرية المطلقة في الإنجاب تعني أن الدولة كلها سوف تدفع الثمن. وأشار إلى أن مشكلة السكان كانت من أسباب ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 عندما خرج الناس في احتجاجات غاضبة لشعورهم بأن الدولة لا تستطيع أن تقدم لهم المطلوب، مشددا على أن قدرات الدولة لا تستطيع تلبية مطالبهم، ولا بديل عن تدخل الجهات الرسمية والتوعوية والثقافية والدينية لدعم خفض الإنجاب. وحدد الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء ارتفاع عدد سكان مصر من 104 ملايين نسمة في نوفمبر 2022 إلى 105 ملايين نسمة في يونيو 2023. ويمثل هذا معدل النمو في البلاد، حيث يبلغ معدل الفقر 27.3 في المئة. وتعني الزيادة السكانية أن العدد يزداد بمقدار مليون كل 245 يوما، أو 3 أشخاص في الدقيقة. كما ارتفعت الكثافة السكانية في مصر من 100.1 شخص لكل كيلومتر مربع في 2020 إلى 104.2 شخص لكل كيلومتر مربع في 2023. وتعد القاهرة المنطقة الأكثر اكتظاظا بالسكان في مصر، حيث يبلغ عدد سكانها أكثر من 10 ملايين نسمة، تليها الجيزة بـ9.5 مليون نسمة. وانخفض معدل الخصوبة في مصر في السنوات الأخيرة من 3.5 مولود لكل امرأة في 2014 إلى 2.85 مولود لكل امرأة في 2021. إلا أن معدل المواليد السنوي لا يزال مرتفعا، وهو 2.2 مليون.   نجوى سمك: تنظيم الأسرة أمر بالغ الأهمية لكن النموذج الصيني للأسرة ذات الطفل الواحد ليس هو الحل وتبنت مصر مبادرة رئاسية تستهدف النساء بين 18 و40 عاما. والهدف هو تقليل عدد الولادات من خلال منح شهادات ادخار بقيمة 60 ألف جنيه مصري (حوالي 195 دولارا) بشرط الالتزام بطفلين كحد أقصى. كما أن هناك دعوات إلى منح مزايا إضافية للعائلات التي لا يزيد عدد أطفالها عن طفلين، وفرض ضريبة على من لديه ثلاثة أو أربعة. لكن الحوافز المالية المقدمة من الحكومة لمن يلتزمون بخفض الإنجاب لا تمثل قيمة كبيرة للناس أمام الغلاء والجباية والضرائب التي تتحصل عليها الدولة، وهناك أسر مقتنعة بأنها ستحصل على حوافز لخفض الإنجاب من أموال دفعتها للدولة بغير رضاء. وقالت نجوى سمك، رئيسة قسم الاقتصاد السابقة بجامعة القاهرة، لوكالة إنتر برس إن معدلات الخصوبة الحالية إذا بقيت مستقرة، فسيصل عدد سكان مصر إلى 119 مليون نسمة سنة 2030، و165 مليون نسمة في 2050. أما إذا انخفضت معدلات الخصوبة إلى 1.6 طفل لكل امرأة بحلول 2024، فسيصل عدد السكان إلى 117 مليون نسمة سنة 2030، و139 مليون نسمة في 2050. وشددت على أن النمو السكاني السريع في مصر يشكل عبئا على الاقتصاد الوطني وتحديا كبيرا لجهود الدولة التنموية. ودعت إلى تضافر جهود كافة قطاعات المجتمع، بما في ذلك منظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام وأجهزة الدولة، لضبط معدل النمو السكاني. وشددت على كون العنصر البشري من أهم عوامل الإنتاج لأي بلد وأن النمو السكاني يمكن أن يُعتمد لرفع معدلات الإنتاج والدخل القومي. لكن معدل النمو السكاني يفوق معدل النمو الاقتصادي في حالة مصر، مما يخلق ضغطا على موارد البلاد. وقالت نجوى سمك إن تنظيم الأسرة أمر بالغ الأهمية، لكن النموذج الصيني للأسرة ذات الطفل الواحد ليس هو الحل. وترى أنه يؤدي إلى أضرار نفسية على الأسرة والأطفال. ◙ النمو الاقتصادي ينبغي أن يكون ثلاثة أضعاف معدل النمو السكاني كي يكون قادرا على خلق وظائف للجيل الجديد. واعتبرت أن العنصر الأهم الآن يكمن في الاستثمار في القضاء على الأمية وتحسين المستوى المعيشي للأسر الفقيرة. وسيساعد ذلك على رفع مستوى الوعي بتحديات النمو السكاني وتمكين الأسر من اتخاذ خيارات مستنيرة بشأن صحتها الإنجابية. وقال الدكتور حسين عبدالعزيز، وهو أستاذ الإحصاء بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، إن الحكومة المصرية تستهدف خفض معدل الخصوبة من 2.8 إلى 1.6 طفل لكل امرأة خلال السنوات المقبلة. وذكر أن النمو السكاني غير المنظم يمثل تحديا كبيرا لجهود التنمية في الدولة ويستنزف موارد البلاد. وقال عبدالعزيز لخدمة إنتر برس إن أمية النساء تعتبر من الأسباب الرئيسية لارتفاع معدل الخصوبة في مصر. وذكر أن الأمية بين الفتيات تصل في بعض القرى في مصر إلى 50 في المئة. ودعا إلى تعليم المرأة لمعالجة مشكلة النمو السكاني. ويجد عبدالعزيز رغم التحديات الأمل في عدد من المحافظات التي حققت مؤشرات إيجابية للنمو السكاني. وأشار إلى أن معدلات الخصوبة تبلغ 1.8 طفل لكل امرأة في بورسعيد و2.1 في الإسكندرية. وتعادل هذه النسب معدلات الإنجاب في البلدان المتقدمة. وقال إن الحكومة المصرية تعمل على خفض معدل الخصوبة من خلال توفير خدمات تنظيم الأسرة وتحسين فرص التعليم وزيادة الوعي بتحديات النمو السكاني. ويعكس ربط الحكومة الزيادة السكانية بضعف معدلات التنمية وزيادة الفقر إخفاقها في وضع خطة عملية، لأن نفس معدلات الزيادة قريبة مما كانت عليه في حقب سابقة، ولم يكن عدد السكان شماعة تعلق عليها الإخفاقات الاقتصادية، وكانت سياسات الحكومة تستوعب الزيادة السكانية بشكل معقول.   ◙ العنصر الأهم يكمن في الاستثمار في القضاء على الأمية وتحسين المستوى المعيشي للأسر الفقيرة وأكدت العديد من الأبحاث والدراسات أن النمو الاقتصادي ينبغي أن يكون ثلاثة أضعاف معدل النمو السكاني كي يكون قادرا على خلق الوظائف اللازمة للجيل الجديد. وهذا يعنى أن معدل النمو السكاني في مصر يحتاج إلى نسبة نمو اقتصادي تتجاوز 8 في المئة سنويا حتى يستطيع المواطن أن يشعر بثمار التنمية. وفي ضوء بيانات البنك الدولي، فإن معدل النمو الاقتصادي بلغ في عام 2020 نحو 5.6 في المئة، وتراجع في عام 2021 ليصل إلى 3.6 في المئة، مع توقع الحكومة المصرية بتحقيق معدل نمو اقتصادي يصل إلى 5.5 في المئة خلال العام المالي 2022 - 2023. ولا تزال نسبة النمو الاقتصادي غير كافية لمواكبة النمو السكاني وتعد بعيدة عن النسبة المطلوبة كي تناسب الزيادة السكانية، الأمر الذي يصعب معه شعور المواطن المصري بتحسن رغم جهود الدولة الكبيرة لتحقيق تنمية اقتصادية تُسهم في تخفيف العبء على المواطن وتوفير حياة كريمة له. وبالرغم من إطلاق الحكومات المتعاقبة إستراتيجيات وطنية بهدف السيطرة على النمو السكاني، فإنها في الغالب لا تلقى آذانا صاغية لدى قطاعات واسعة من المجتمع. ويرى كثيرون أن إخفاق المساعي الحكومية في هذا الإطار يعود لأسباب مختلفة ومتشابكة، منها الثقافة التي تربط الإنجاب بالجاه والمنزلة الاجتماعية، واعتقاد الكثيرين بأن المولود يأتي ورزقه معه. وإضافة إلى ذلك، ثمة دوافع اقتصادية واضحة تحفّز المجتمعات الريفية، وحتى العوائل محدودة الدخل في المدن، على الإنجاب بكثرة، لأن الأطفال سيدرّون عوائد مادية في المستقبل بالتحاقهم في سوق العمل النظامي أو غيره. وفي المقابل، يرى آخرون أن الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تشهدها مصر ليست وليدة اللحظة ولا يمكن اختزالها في خصوبة المصريين، بل هي مرتبطة بالأساس بسوء إدارة موارد الدولة البشرية والطبيعية والاقتصادية.


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة