دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
رغبة في اللحاق بمسار تنويع الشركاء الدوليين الذي سار فيه الجيران الخليجيون.
الكويت التي تتقاسم مع جيرانها حالة الشك
وتراجع منسوب الثقة في الحليف الأميركي، وتشاركهم الرغبة في تنويع شركائها
عبر العالم، تصطدم بتراكمات الإرث الثقيل من العلاقة الاستثنائية مع
الولايات المتّحدة دون أن تمتلك ما يكفي من القوة الاقتصادية والدبلوماسية
للتخفيف من وطأة ذلك الإرث.
الكويت - عكست زيارة ولي
العهد الكويتي الشيخ مشعل الأحمد الصباح إلى الصين، رغبة بلاده في البحث عن
آفاق جديدة لاقتصادها الذي بدأت تظهر عليه تبعات تأخر الإصلاحات المطروحة
بقوة منذ سنوات، دون النجاح في الدفع بها بسبب عوائق قانونية وتشريعية
معقّدة.
لكنّ الزيارة عكست بالقدر نفسه رغبة كويتية
في اللّحاق بمسار تنويع الشركاء الدوليين الذي مضت فيه بلدان خليجية أخرى
وقطعت فيه خطوات كبيرة مدفوعة بالرغبة في عدم الارتهان للشريك الأميركي
التقليدي، الذي أبان خلال السنوات الأخيرة عن تقلّب في المزاج السياسي
تسبّب في خفض منسوب الثقة فيه.
ومع الإعلان، الجمعة، عن التوقيع على خطة
للتعاون الثنائي بين الصين والكويت للفترة من سنة 2024 إلى سنة 2028، إلى
جانب عدد من اتفاقات التعاون في مجالات الطاقة المتجددة وإنشاءات البنية
التحتية والحوكمة البيئية، برزت أسئلة عن المدى الذي يمكن أن تبلغه الكويت
في علاقاتها مع الصين من دون أن تثير حفيظة شريكتها التاريخية الولايات
المتّحدة.
تعثر مشروع إنشاء مدينة الحرير بالجزر الشمالية للكويت كشف عن عوائق في طريق العلاقات الصينية - الكويتية
ورأى محللون سياسيون أنّ حالة التنافس
الشديد بين الصين والولايات المتّحدة لا تمهّد الطريق أمام توسيع العلاقات
الكويتية – الصينية إلاّ في حدود لا تقترب من المصالح الأميركية في هذا
البلد الخليجي.
وقال هؤلاء إنّ الكويت تنفرد بعلاقة
استثنائية مع الولايات المتّحدة منطلقها الدور الكبير الذي قامت به واشنطن
في إخراج القوات العراقية من الأراضي الكويتية سنة 1991، ما جعل بعض
السياسيين الأميركيين يتبجّحون بأنّ بلادهم أنقذت كيان الدولة الكويتية.
وتشترك الكويت مع باقي جيرانها الخليجيين في
تراجع الثقة بالولايات المتّحدة خلال السنوات الأخيرة بفعل ما أظهرته من
تراجع عن التزامها التاريخي بالمساعدة في الحفاظ على أمن بلدانهم، ومن
استعداد لوضع ذلك الالتزام موضع تفاوض ومساومة على تحصيل مكاسب اقتصادية
ومالية.
لكنّ المشكلة بالنسبة للكويت، بحسب
المراقبين، أنّها لا تمتلك في مساعيها للحدّ من الارتهان للشريك الأميركي
ما تمتلكه كل من دولة الإمارات والسعودية من قوة اقتصادية ودبلوماسية كي
تلتحق بما حقّقتاه من نجاحات في مجال تنويع الشركاء.
ويمتلك الكويتيون نموذجا عمليا يترجم صعوبة
المضي بعيدا في التعاون مع الصين. فقبل عدة سنوات فشل أعضاء في الأسرة
الحاكمة في الدفع بمشروع ضخم كان يراد به أن يكون محطّة كويتية بارزة على
طريق الحرير الجديد الذي أعلنت الصين عن إنشائه.
وتبنّى الشيخ ناصر الصباح نجل أمير البلاد
الراحل الشيخ صباح الأحمد، والذي كان يشغل آنذاك منصب وزير الدفاع، مشروع
تطوير مجموعة الجزر الواقعة بشمال الكويت وإنشاء مدينة متطورة تحمل اسم
مدينة الحرير بالشراكة مع الصين وباستثمارات تصل إلى 500 مليار دولار سعيا
لتحقيق دخل سنوي بـ40 مليار دولار وتوفير 200 ألف وظيفة للكويتيين، مثلما
أعلن في حينه.
غير أنّ المشروع “الحلم” الذي أطلق عليه
إعلاميا تسمية “هونغ كونغ الجديدة”، سرعان ما سقط بمجرّد عرضه على نواب
مجلس الأمّة الذين تحجّج بعضهم بأنّه ينطوي على تجاوزات على “القيم
الأخلاقية والاجتماعية” للكويتيين، كونه يشمل إنشاء فضاءات للترفيه
والسياحة من بينها مراقص ومحلاّت لبيع الخمور.
الكويت تنفرد بعلاقة استثنائية مع الولايات
المتّحدة منطلقها الدور الكبير الذي قامت به واشنطن في إخراج القوات
العراقية من الأراضي الكويتية سنة 1991
وخلال زيارته الحالية إلى الصين التقى ولي
العهد الكويتي الرئيس الصيني شي جينبينغ في مدينة هانغتشو شرقي البلاد.
وقال جينبينغ خلال الاجتماع إنّ بلاده مستعدة لتعزيز التعاون مع الكويت في
مجالات من بينها الاقتصاد الرقمي.
وعلّقت الخارجية الصينية، الجمعة، على
الزيارة بالقول إن بكين تولي اهتماما بالغا لتطوير العلاقات مع الكويت.
وجاء ذلك في تصريحات لمتحدثة الخارجية الصينية هوا تشونينغ على منصة إكس.
وأشارت المتحدّثة إلى أن الكويت هي “أول
دولة عربية خليجية تقيم علاقات دبلوماسية مع الصين سنة 1971”، كما أنها
أيضا “أول دولة في الشرق الأوسط وقّعت وثيقة التعاون بشأن بناء الحزام
والطريق مع الصين”.
والمبادرة المذكورة هي عبارة عن مشروع بناء
طرق ومرافئ وسكك حديدية ومناطق صناعية في 65 بلدا تُمثل 60 في المئة من
سكان العالم وتوفر حوالي ثلث إجمالي الناتج العالمي.
وظل هذا المشروع الضخم منذ الإعلان عنه موضع
ارتياب الولايات المتّحدة الأميركية التي ترى فيه جزءا من مساعي الصين إلى
التوسّع في العالم على حسابها بطريقة ناعمة.
ويتساءل برلمانيون كويتيون عن مصير العديد
من الاتفاقيات السابقة التي وقّعتها بلادهم مع الصين. ووقّع البلدان سنة
2018 بمناسبة الزيارة التي قام بها الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد إلى
بكين سبع اتفاقيات ومذكرات تفاهم تشمل قطاعات الطاقة والاتصالات وتقنية
المعلومات، وتختص إحداها “بتطبيق المدن الذكية ومن ضمنها مشروع مدينة
الحرير”، الذي لم يكتب له أن يرى النور.
كما أعلن لاحقا عن تخطيط البلدين لإنشاء
صندوق استثماري بقيمة 10 مليارات دولار للاستثمار في البلدين باسم “صندوق
طريق الحرير الصيني – الكويتي” دون أن يعلن فيما بعد عن مدى التقدّم الذي
بلغه إنشاء الصندوق.
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة