#
  • فريق ماسة
  • 2023-07-28
  • 6542

القادة الأفارقة في ضيافة بوتين: الغذاء همّاً أوّلَ

استبق الكرملين قمة «روسيا - أفريقيا»، التي انطلقت في مدينة سان بطرسبرغ، أمس، وتنتهي اليوم، باتّهام وجّهه الناطق باسمه، دميتري بيسكوف، إلى الغرب بمحاولة عرقلة القمة، من خلال تعرّض «كل الدول الأفريقية تقريباً» لضغط غير مسبوق من السفارات الأميركية والفرنسية على أراضيها، في مسعىً لتحجيم توجّه تلك الدول إلى التعاون مع روسيا في شتّى المجالات. وأعاد هذا الموقف، قبيل النسخة الثانية للقمة التي عُقِدت للمرّة الأولى عام 2019، إشاعة أجواء الحرب الباردة، مع أفضلية نسبية لروسيا في النسخة الحالية بتمثّل 49 دولة أفريقية من أصل 54 فيها، على الرغم من أن مشاركة الرؤساء لم تتجاوز 20 رئيساً، بينما تجاوز عددهم في القمة السابقة الأربعين.   اندفاعة روسية حقيقية نحو أفريقيا؟   خلال القمة، عقد الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، اجتماعات ثنائية مع الرؤساء المشاركين، من ضمن أجندة المؤتمر التي حضرت فيها المصالح الأفريقية المرحلية وبعيدة المدى، من مثل إمدادات الحبوب وصفقات الأسلحة والتجارة والأمن. وبدا جليّاً أن روسيا باتت تنتهج ديبلوماسية فعالة تجاه أفريقيا، من خلال أدوات ناجزة لاقت انتقادات غربية مكرّرة وبصياغات شبه موحّدة. ويتّفق هذا النهج تماماً مع ما كشف عنه مراقبون روس قبل أشهر من أن قرار موسكو العودة بقوة إلى أفريقيا، مرهونٌ بالاستجابات الأفريقية «اللائقة» - المفترَضة من قِبل الروس -، حتّى لا تكون المساعدات الاقتصادية والسياسية «مجانية»، ولا سيّما مع إقرار أولئك المراقبين بمحدودية هوامش حركة بلادهم وخياراتها، كما في حالة الأزمة في السودان والمناطق الساخنة في إقليم الساحل، وآخرها محاولة الانقلاب على رئيس النيجر محمد بازوم. وفي السياق، كشف السجال الروسي - الغربي، قبل ساعات من بدء القمة، عن استمرار هواجس تضعضع الهيمنة الغربية على قرارات الكثير من الدول الأفريقية، وهو أمرٌ كانت الخارجية الأميركية أكّدته في شهر نيسان الماضي، بإقرارها بالمساعي الأميركية «لتحجيم الشراكات الأفريقية مع الدول الأخرى»، في إشارة مباشرة إلى الصين وروسيا. وعلى المقلب نفسه، تكشف التحركات الأميركية الأخيرة في القارة، كما في حالة جنوب أفريقيا وقمة «بريكس» المقرر عقدُها في آب المقبل، عن حجم المناهضة الأميركية لأي تقارب روسي ــــ أفريقي شكلاً ومضموناً.   على أن القمّة تواجه اليوم أيضاً أوجه قصور نسختها الأخيرة التي شهدت توقيع ما يقرب من مائة اتفاق وعقد ومذكرة تفاهم بقيمة إجمالية بلغت 11 بليون دولار، تركّز أغلبُها على قطاعَي توليد الطاقة والتعليم، ولم يستفِد منها فعلياً سوى عدد محدود من الدول الأفريقية، من مثل نيجيريا. كما أن تضرّر الاقتصاد الروسي جراء الأزمة الأوكرانية يلقي بظلال قاتمة على سقف توقّعات القادة الأفارقة من موسكو، ولا سيما في ملف توريد الحبوب والأسمدة الروسية، والذي يمثّل أحد أهمّ بنود القمة، فضلاً عن أجندة المناقشات الجماعية أم الثنائية. إضافة إلى ذلك، يمثّل حضور مجموعة «فاغنر» في العديد من مناطق الأزمات الأفريقية إشكالية لعدد من الدول، وفي مقدمتها غانا وكينيا ورواندا على خلفية اتهامات بـ«انتهاك حقوق الإنسان». لكن مع ترسّخ أدوار المجموعة في العديد من مناطق الأزمات، فإنه من غير المتوقّع تسوية هذه «الإشكالية» في القمة. وفي المقابل، ثمّة فرص يعزّزها المؤتمر لدفع العودة الروسية إلى أفريقيا إلى الأمام، لعلّ في مقدمتها تجديد متوقّع لـ«اتفاق الحبوب» بتنسيق أفريقي، يعالج بـ«شكل جزئي» ما تضرّر من مصالح القارة. وفي السياق، أوردت صحيفة «فايننشال تايمز» الأميركية تفاصيل عن اتفاق مزعوم، تقوم الدوحة بموجبه بالدفع لموسكو مقابل شحنات الحبوب المتّجهة من روسيا إلى تركيا، التي ستقوم بدورها بتوزيعها على الدول، وأغلبها أفريقية.   ماذا تريد أفريقيا من القمة؟   عشية القمة، توافد رؤساء أفارقة بارزون إلى سان بطرسبرغ، وفي مقدمتهم الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، ورئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، بينما قامت جنوب أفريقيا بدور الشريك لروسيا في إدارة القمة. وبينما احتضنت هذه الأخيرة عدداً من اللقاءات المهمة، غلبت النقاشات الاقتصادية على مجملها، ما عكس حرص أفريقيا على التوصّل إلى أرضية مشتركة تتيح تعزيز العلاقات الاقتصادية، ولا سيّما بعد فشل تحقّق وعد الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في القمّة السابقة التي عُقِدت في سوتشي، بمضاعفة تجارة بلاده مع أفريقيا. فبعدما بلغت التجارة المتبادلة آنذاك 18 بليون دولار على أساس سنوي، وصلت إلى حدود 40 بليون دولار، لكنها تراجعت بحدّة لتصل في عام 2022 إلى 14 بليون دولار فقط، مع تركّز 70% منها بين روسيا وأربع دول فقط هي مصر والجزائر والمغرب وجنوب أفريقيا. كذلك، تتوقّع الدول الأفريقية مقاربة اقتصادية أكثر نجاعة لرفع سقف التجارة، عبر رافعة «بنك التنمية الجديد» وديناميات عمل «بريكس»، مع تضمّن القمة برامج عمل موسّعة لرجال الأعمال الروس والأفارقة. وفي السياق، كشفت وزيرة خارجية جنوب أفريقيا، ناليدي باندور، عن اجتماع مرتقب للقادة الأفارقة مع رئيسة «بنك التنمية الجديد»، ديلما روسيف، التي التقت أول من أمس، بوتين لترتيب الاجتماع، الذي وصفته باندور بالأول من نوعه قبل قمّة «بريكس» المرتقبة في بريتوريا في آب المقبل.   يُرتقب ما ستسفر عنه القمة عند اختتامها، مع احتمال تحقيق اختراقات في ملفّ تصدير الحبوب تحديداً   ويبدو أن خطاب بوتين، الذي استبق القمة بالتأكيد أن أفريقيا قد باتت «أحد أقطاب العالم متعدّد الأقطاب الصاعد»، يمثّل توقعّاً مهماً من القارة الأفريقية، التي تمتلك الكتلة التصويتية القارية الأكبر في الأمم المتحدة (54 صوتاً). إلا أن تراجع التمثيل رفيع المستوى في القمة مقارنة بسابقتها إلى ما دون النصف، وبغضّ النظر عن الانقسام الأفريقي إزاء الأزمة الأوكرانية، كشف عن تباطؤ الخطوات الروسية - الأفريقية المشتركة، وارتباطها بمكاسب مرحلية من قبل الجانبين، باستثناء حالة جنوب أفريقيا التي عمّقت علاقاتها مع روسيا في السنوات الأخيرة على مختلف المستويات الاقتصادية والسياسية والعسكرية. وفي حين تعِد موسكو القارة ببذل جهود كبيرة لضمّ الاتحاد الأفريقي إلى «مجموعة العشرين»، وهو جهد لم تعارضه واشنطن، لا يُتوقّع من هذه الخطوة أن تحقّق قفزة للقارة الأفريقية، إذ لا تترتّب عليها تغييرات اقتصادية ملموسة أو تحوّلات من شأنها أن تعزّز من مكانتها.   أيضاً، يبرز من بين التطلّعات الأفريقية، الدعم العسكري والأمني الروسي، مع بروز موسكو كأكبر مورّد للأسلحة إلى القارة في الأعوام الأخيرة. وعلى الرغم من الانتقادات الدولية لدور روسيا عبر مجموعة «فاغنر»، إلا أن ثمّة طلباً أفريقياً متنامياً على خدمات المجموعة، في ضوء «نجاحها» السابق في مالي وجمهورية أفريقيا الوسطى وغيرهما. والواقع أن هذا الدور الروسي بات بمثابة عنصر لا غنى عنه للعديد من الدول الأفريقية التي تواجه، من جهة، مشكلات العنف والإرهاب، وتسعى، من جهة أخرى، إلى فكّ ارتباطها بالغرب أو حتى الأمم المتحدة في ضوء استطالة جهود الأخيرة من دون تحقيق طائل يُذكر. ومع الأخذ في الحسبان الأزمة الأخيرة في النيجر، التي يمكن أن تُكرّر تجربة مالي مع «خطورة» إضافية لوقوع هذا البلد في قلب عمليات «الناتو» العسكرية في غرب أفريقيا وإقليم الساحل، يكتسب المشهد تعقيداً إضافياً يبدو مساوقاً لصالح روسيا في كلّ الأحوال.   ترقب «اختراقات»   في حين تبدو أجندة القمة «روتينية»، مع طرح أغلب بنودها في مناسبات مختلفة قبل انعقادها بأسابيع، يُرتقب ما ستسفر عنه عند اختتامها، مع احتمال تحقيق اختراقات في ملفّ تصدير الحبوب تحديداً. وفي ظلّ المخاوف من انعكاسات انسحاب روسيا من «اتفاق الحبوب» لناحية نقص الغذاء وارتفاع أسعاره في النصف الثاني من العام الحالي، أكد بوتين، في كلمته الافتتاحية للمؤتمر، «مواصلة روسيا مساعدة الدول والأقاليم الفقيرة، ولا سيما في مجال تقديم المساعدات الإنسانية»، مشدّداً على «الحاجة إلى بناء نظام أكثر عدالة لتوزيع الموارد». كما أكد «استعداد بلاده لأن تحلّ محلّ أوكرانيا في تصدير الحبوب، على أساس تجاري أو كمعونات للدول الأفريقية الأكثر احتياجاً»، مع توقّع روسيا حصاداً وافراً للعام الحالي. وطابقت هذه الكلمة، في الواقع، توقّعات سابقة برغبة بوتين في إعلان تلك الخطوة خلال القمة الحالية، كـ«مبادرة روسية ممتازة» تعوّض تراجع التعاون الاقتصادي مع أفريقيا، وتضيف بعداً هامّاً إلى الديبلوماسية الروسية في القارة. كذلك، أعلن بوتين عزم موسكو على تعميق علاقاتها مع القارة السمراء عبر مجموعة أدوات من بينها زيادة أعداد الطلاب الأفارقة في الجامعات الروسية، وافتتاح العديد من المكاتب الإعلامية الروسية في العديد من الدول الأفريقية. واقترح، أيضاً، تكوين منصة إعلامية مشتركة «تتّسم بالموضوعية ودحض المعلومات المغلوطة عن الأحداث التي تجري في العالم»، في إشارة إلى الأزمة الروسية - الأوكرانية. وعلى رغم عدم طرح المسألة علناً، إلّا أنه يُتوقّع أن تتناول أجندة القمة مصير مجموعة «فاغنر» في أفريقيا، إلى جانب مقترح الوساطة الأفريقية في الأزمة الأوكرانية.

المصدر : الأخبار


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة